يحاول البعضُ من الكتّاب أن يقدّم في كتاباته مماثلة (مقسورة) بين تعبوية أنظمة (الجيش الشعبي) أيّام السلطوية المبادة، وبين تعبوية الوجوب الكفائي ذات التطوّع التكليفيّ، ومثل هذه المماثلة لاشكّ أنّها مغلوطة، وما هي إلّا مماثلة داعشية فقدت ضميرها حين باعت نفسها للطاغوت.
ولو تأمّلنا محور الفكر التكوينيّ في الوجوب الكفائيّ لوجدناه جهادياً راقياً مستنداً الى هدف إنسانيّ غايتُهُ جبّ اللّامبالاة التي ترسّخت في نفوس الكثيرين، والنهوض بأعباء المسؤولية بحزم. فجاء الوجوب الكفائي لرفع معنوية الإنسان العراقيّ لمقاومة الظلم أينما كان والتصدّي له، ويتعايش مع الواقع بقوّة، ويتأقلم مع مستجدّات كلّ حدث؛ كونه يرتبط بمذهب وفكر أهل البيت(عليهم السلام) وتضحوية سيد الشهداء الحسين(عليه السلام)، فهي تهدف الى بناء الشخصية المجاهدة التضحوية التي تمتلك الإيمان وروح الإيثار، وهذا هو السعي لبناء روحية التضحية، ولهذا لا تتحدّد بساحات المواجهة وحدها، بل الى جميع الأدوار الإنسانية في المواجهة المباشرة أو غير المباشرة في البيت، الشارع، ومحل العمل، بكلّ ما يمكن أن يقدّم للوثبة الجهادية.
هذا الحراك النهضويّ جهادٌ حقيقيّ يعمل على بثّ الدرس التربويّ الفاعل، وتشخيص التكليف الجهاديّ، والمقصود تفعيل إنسانية الإنسان، وفتح أبواب تستوعب طاقات الإنسان الإبداعية المؤمنة، فالمرجعية المباركة هي وريثةُ جهاديةِ أهل البيت(عليهم السلام) الساعية الى بناء الإنسان فكراً وروحاً.
وللتاريخ شواهد مهمّة في أمنية أحد المقاتلين إذ قال لقائده الإمام علي(عليه السلام): وددت لو أنّ أخي كان معنا، فأجابه(عليه السلام): هو معنا، ومعنا أقوامٌ في أصلاب الرجال، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان... بهذا المفهوم كان البناء الواعي للإنسان الانعتاق من فكرة اللّامبالاة، وتحمّل مسؤولية نهضة تعبوية للوجدان الإنساني، وبلورة وعيٍ ثوريّ وحضاريّ لدى الأمّة.
جميع الشهداء هم قادةٌ إنسانيّون رسخت في أذهانهم نهضةُ سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) كدرسٍ من أهمّ دروس الإنسانية، استوعبوا مضامينها فاستجابوا لصوت الحقّ استجابةً واعيةً (رحمهم الله)، وأصبحوا جزءً مهمّاً من الحالة التعبوية البنّاءة.