وهذه مرحلةٌ قلّ فيها الضغط على الإمام الصادق(عليه السّلام) من نشر علوم الإسلام ومعارفه، وتمكّن من تربية تلامذةٍ بأعدادٍ كبيرة أضحى كلُّ واحدٍ منهم قطباً من أقطاب نشر العلوم الإسلاميّة وتدريسها، ومن هنا لُقّب المذهب الشيعيّ يومذاك بالمذهب الجعفريّ مقابل المذاهب الأخرى: الحنبليّ والشافعيّ والحنفيّ والمالكي، وبقي هذا اللقب متداولاً بعد ذلك.
ومن إيجابيات هذه المرحلة انشغال أبو العباس السفّاح -أوّل حكَّام بني العباس- عن الشيعة وعن أهل البيت(عليهم السلام) بملاحقة بني أمية، وتمكّن الإمام الصادق(عليه السَّلام) من اغتنام هذه الفرصة أحسن اغتنام لنشر العلوم الإسلامية وتربية عددٍ كبير من العلماء الفقهاء والمفسرين والمتكلمين، يقول الحسن بن عليّ الوشَّاء: أدركت في هذا المسجد (مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كلٌّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد، وجمع أصحابُ الحديث أسماءَ الرواة عنه من الثقات على اختلاف آرائهم ومقالاتهم فكانوا أربعـة آلاف رجل.
وبما أنّ مثل هذه الظروف الملائمة لم تتوفّر لأيّ واحدٍ من آبائه أو أبنائه(عليهم السلام) فإنّ المذهب الشيعيّ ازدهر في ذلك العصر فعُرف منذ ذلك العصر بالمذهب الجعفريّ وما هو في صميمه طبعاً إلّا مذهبُ عليّ وأهل بيته(عليهم السلام)، إلّا أنّ تسميته بالجعفريّ إنّما جاءت باعتبار كون الإمام جعفر الصادق(عليه السَّلام) صاحب مدرسةٍ عظيمة تكفّلت ببيان السنّة المحمدية الصحيحة والفقه الإسلامي الصحيح.