لوحةٌ من الحزن والحداد ترتسم على صحن أبي الفضل العباس(عليه السلام)..

لوحةٌ من الحزن ترتسم في رحاب صحن أبي الفضل العباس(عليه السلام) لتجسّد في طيّاتها مشاهد اللوعة والألم والأسى لفقد القمر التاسع من الأقمار المحمدية وأئمّة الهدى والغصن النديّ من تلك الشجرة المباركة الطيبة.. التي تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام)، الإمام الذي أذهل عباقرة عصره من العلماء والفقهاء رغم صغر سنّه، كيف لا وهو من آل البيت الذين زقّوا العلم زقّاً فجدّه محمد المصطفى وعلي المرتضى وأمه فاطمة الزهراء(عليهم الصلاة والسلام).
تجديداً لأحزان أهل البيت(عليهم السلام) الذين فجعوا في مثل هذه الأيّام بهذا المصاب وللإعلان عن هذه المصيبة الراتبة وإيذاناً ببدء أيام العزاء، اتّشحت جدرانُ الحرم الطاهر لأبي الفضل العباس(عليه السلام) برايات العزاء الجواديّ وخيّم الحزن عليه، كيف لا وقد توشّح الكون بسربال الأسى لفقد إمامه ومنار علمه ورمز إنسانيّته وعنفوانه.
من جهةٍ أخرى أعدّت العتبةُ المقدّسة منهجاً عزائياً خاصّاً بإحياء هذه المناسبة كإقامتها لمجلسٍ وموكبٍ عزائيّ وأعدّت خطّةً لاستقبال الزائرين والمعزّين الذين يفدون لتقديم التعازي لجدّه الإمام الحسين وعمّه أبي الفضل العباس(عليهما السلام)، كذلك قام قسمُ المواكب التابع للعتبتين المقدّستين بتهيئة الأمور اللوجستية للخروج بموكب عزاءٍ موحّد لأهالي كربلاء والتوجّه لمرقدي الجوادين(سلام الله عليهما) في بغداد لتقديم التعزية.

يُذكر أنّ الإمام محمّد بن علي الجواد(عليه السلام) ولد في المدينة المنوّرة في العاشر من شهر رجب عام (195ﻫ)، تولّى الإمامة منذ صغره حيث كان بعمر (7) أو (8) سنوات ودامت إمامته (17) سنة، ولُقّب بـ(الجواد، والتقيّ، والقانع، والزكيّ، وباب المراد) وساهم الإمام الجواد(عليه السلام) في إغناء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) واستمرارها وحفظ تراثها، وكان ذلك واضحاً مدّة إمامته، وقد امتازت هذه المرحلة من الإمامة بالاعتماد على الرواية والنصّ عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك الاستنباط والفهم من الكتاب والسنّة النبوية المباركة.
عاصر إمامنا الجواد من الملوك بقيّة حكم المأمون والمعتصم. وهاجر(عليه السلام) من المدينة المنورة إلى بغداد بأمرٍ من المعتصم العباسي، وأقام فيها تحت الرقابة المشدّدة إلى أن استُشهد(سلام الله عليه). وعلى الرغم من تعدّد الروايات في كيفية شهادة الإمام الجواد(عليه السلام) إلّا إنَّ أغلبها تُجمِع على أنّه اغتيل مسموماً في عمر يناهز الـ(25) سنة على يد زوجته أمّ الفضل بنت المأمون وبأمرٍ من المعتصم العبّاسي في سنة (220هـ).
حيث اتّصل جعفر بن المأمون بأخته أمّ الفضل زوجة الإمام الجواد(عليه السلام)، وكانت أمّ الفضل تنقم من زوجة الإمام الأخرى أمّ الإمام الهادي(عليه السلام)، فأخذ يبثّ إليها سمومه وكلماته وشرح لها الخطّة في القضاء على أبي جعفر(عليه السلام) فوافقت، فأعطاها سمّا فتّاكاً جعلته في طعام الإمام فلمّا أكل منه أحسّ بالآلام والأوجاع، ثم ندمت أمّ الفضل على فعلها وأخذت تبكي، فقال لها الإمام(عليه السلام): (والله ليضربنّك فقرٌ لا ينجي، وبلاءٌ لا ينستر) فبُليت بعلّةٍ في بدنها فأنفقت كلّ مالها على مرضها هذا فلم ينفع حتى نفد مالها كلّه، أمّا جعفر فسقط في بئرٍ عميق حتى أخرج ميّتاً، وأمّا الإمام(عليه السلام) فقد لحق بآبائه الطاهرين(عليهم السلام) في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).