أحد المشاهد الولائية
ليستقبلَ رجلٌ سبعينيّ الزائرين وهو واقفٌ في منتصف الطريق يحمل بيده مبخرةً ليقوم بتعطير الزائرين ببخورها غير مبالٍ بالدخان الخارج منها أو بظروف الجوّ الذي لا يتناسب مع عمره.
ليوقفنا منظرُ شخصٍ آخر سيماه الهيبة والوقار وهو معتمٌّ بعمامة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويقوم بوضع التمر المغطّى بالراشي في فم الزائر بيده ويتوسّل أن لا يمدّ الزائرُ يده حتى لا يعلق شيءٌ من ذلك في يده.
وليس ببعيدٍ عنه في موكبٍ آخر شاهدنا رجلاً يجلس على الأرض ويضع فوق رأسه إناءً كبيراً (صينية) فيه قطعٌ من الحلوى التي صُنِعت في موكبه، لكنّه رفض أن يوضع الإناءُ على الطاولة المخصّصة له وارتأى كضربٍ من أجل جذب الزائرين وكسبهم اليه أن يحمله على رأسه.
وفي موكبٍ خدميّ آخر قامت نساءٌ حسينيّات بعمل الخبز من دقيق الرزّ وهو المعروف بـ(السيّاح)، وهي أكلةٌ شعبيةٌ جنوبيّة شهيرة، حيث آلت النسوةُ على أنفسهنّ أن يقمن بعمل هذا الخبز وتوزيعه على الزائرين.
وقام صاحبُ موكبٍ آخر بتسخير ما يملكه من خبرةٍ في مجال العلاج الطبيعيّ وتوظيفه لخدمة الزائرين ليقوم بعلاجهم يدويّاً وبواسطة أجهزةٍ معدّة لهذا الغرض من أجل إزالة التشنّجات وآلام الأعصاب وغيرها ممّا يُعانون من آلام مفصلية أو عضلية نتيجةً لسيرهم مسافاتٍ طويلة.
وممّا يُلفت النظر أكثر في الأعمال هو أصحابُها الذين يقومون بها دون كللٍ أو ملل بل بشوقٍ ولهفة، وهذا هو حال بقيّة المَشاهد على هذا الطريق المقدّس، فهم لا يبغون من وراء خدمتهم لزائري الحسين(عليه السلام) سوى تسجيلهم ضمن خدّامه وزائريه من أجل نيل مرضاة الله، مؤكّدين أنّهم لن يدّخروا جهداً في سبيل تحقيق الراحة اللازمة للزائرين ومدّهم بما يحتاجون اليه في طريق الرحلة نحو كربلاء.