مقام الكف الأيسر
فقداسة كفّي أبي الفضل العباس(عليه السلام) لا يُمكن أن نبلغ كنهها، إلّا من خلال هذا الموقف العظيم لأمير المؤمنين(عليه السلام) الذي يُشير إلى دور هذين الكفّين في خدمة الرسالة المحمدية, من خلال أداء الخدمة العظمى لسيد الشهداء(عليه السلام) في يوم عاشوراء ومن خلال حمل لواء الحقّ الإلهي والذبّ عن وجه الحسين(عليه السلام) وعياله.
وتخليداً للمقام المقدّس لكفّي الجود العَلَويّ، وهما يلوحان أمام زائر مرقد أبي الفضل(عليه السلام)، مقامان شامخان يمثّلان موقع سقوط كفّيه الأيمن والأيسر؛ حيث يتبرّكُ أتباع أهل البيت(عليهم السلام) بهذين المقامين الشريفين, وتعود بهم الذاكرة إلى ساحة البطولة والفداء، متمثّلةً بساقي عطاشى كربلاء(سلام الله عليه).
مقام الكفّ الأيسر يقع جهة الجنوب الشرقيّ من العتبة العباسيّة المقدّسة في منطقة باب الخان, حيث إنّ المقام الحالي هو بديلٌ عن المقام الذي اندرست معالمه؛ بسبب أعمال التوسعة التي تعرّضت لها المنطقة بعد عام (1411هـ - 1991م)، وجرى بناء المقام الحالي، حيث موقعه الآن بتبرّعٍ من الحاج (عباس عبدالرسول عبدالحسين)، وهذا ما دُوِّن على المقام نفسه.
المقام ثُمانيّ الشكل، فيه أربع نوافذ (شبابيك)، وبابٌ نحاسيّ ذو فتحتين، ومغلّف بالمرمر على ارتفاع (2م)، وموشّحٌ بالكاشي الكربلائي على شكل كتيبةٍ كُتب عليها قول أبي الفضل العباس(عليه السلام):
يا نفسُ لا تخشَيْ من الفجّارِ **** وأبشري برحمةِ الجبّار
قد قطعوا ببغيِهِم يساري **** فأصْلِهِم يا ربِّ حرَّ النار
ومن أمام المقام خُطّت الآية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) صدق الله العليّ العظيم. الحج/41.
وفي المقدّمة نقشٌ على المرمر (السلام عليك يا حامل لواء الطفّ)، و(مقامُ سقوط الكفّ الأيسر لأبي الفضل العباس عليه السلام)، كما تعلوه قبّةٌ مغلّفةٌ بالكاشي الكربلائي موشّحةٌ بهذه الآية الكريمة:
بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) صدق الله العليّ العظيم. التوبة/111.
ويوضّح الأستاذ المؤرّخ سعيد رشيد زميزم: "بالنسبة لكفّي الإمام العباس(عليه السلام)، فهما يمثّلان عمقاً تأريخياً وعقائدياً مهمّاً. لأنّ المصادر التاريخية تذكر بأنّ نهر العلقمي كان عبارة عن شطٍّ عملاق وليس نهراً صغيراً -كما يعتقد البعض-، وكان يُسمّى بنهر الفرات، وهذه التسمية انطلقت عليه باعتباره منبعاً من نهر الفرات الأصلي الذي يمرّ بمدينة المسيّب, وكان يمرّ بالمنطقة القريبة من شارع العلقمي، ثم يتّجه بعمق مدينة كربلاء المقدّسة.
وتذكر المصادر التاريخية، أنّه لضخامة هذا النهر، ولخشية الجيش الأمويّ من أن يأخذ مخيّم الحسين وأنصاره كمية من الماء حتى تُعينهم على القتال؛ قاموا بوضع عدّة سرايا لحماية ضفّتي النهر، وهذا دليلٌ على سعة النهر في تلك المنطقة.. وعندما قدم أبو الفضل العباس(عليه السلام) لملء القِرَب, التي يُعتقد أنّها كانت عدّة قِرَب قد وضعها على سرج فرسه, وحمل واحدةً بيده وهي التي يُشار إليها في المَقاتل, فتذكر رواياتُ التاريخ أنّ العباس(عليه السلام) قد أوغل في قادة الجيش الأمويّ الذين كانوا يحرسون الضفتين، واجتثّ العشرات من رؤوسهم, فكَمَنَت مجموعةٌ من الأعداء له وقطعوا كفّه الأيمن قرب ضفة النهر، ثمّ استمر في قتالهم وعبر الضفة الثانية، فكَمَنَت له مجموعةٌ أخرى من الأوباش وقطعوا يده اليسرى.. فهذا يدلّ على أنّ الكفوف قد سقطت في هذه الأماكن القريبة من قبره الشريف؛ حيث إنّهم بعد ذلك هجموا على أبي الفضل العباس، واستشهد (عليه الصلاة والسلام) في موقعٍ قريبٍ من الكفين.
وحالياً، يتوافد عليهما الملايينُ من الناس خاصّةً في مناسبات الزيارة, حيث إنّ لهذين المقامين -كما يَذكُرُ خَدَمَةُ العتبة العباسيّة المقدّسة، وخاصّةً الماضين منهم- كراماتٍ عديدةً لقضاء الحوائج؛ فالناس يتّجهون إليهما بقلوبٍ حزينة متألّمة، وعلى يقينٍ ثابت بأنّ الله سبحانه وتعالى سيستجيب دعواتهم، مستشفعين بكفّي باب الحوائج أبي الفضل العباس(عليه السلام)".