كان الإمام علي والحسن والحسين(عليهم السلام) خارج البيت في تلك الساعة ولعلّ خروجهم كان لأسبابٍ قاهرةٍ وظروفٍ معيّنة.
وجاء عن أسماء أنّ فاطمة الزهراء(عليها السلام) لمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء: (إنّ جبرئيل أتى النبيّ -لمّا حضرته الوفاة- بكافور من الجنّة فقسّمه ثلاثة أثلاث، ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعليّ، وثلثاً لي، وكان أربعين درهماً)، ثمّ قالت: (يا أسماء ائتني ببقيّة حنوط والدي من موضع كذا وكذا، وضعيه عند رأسي)، فوضعته ثمّ قالت لأسماء حين توضّأت وضوءها للصلاة: (هاتي طيبي الذي أتطيّب به، وهاتي ثيابي التي أُصلّي فيها)، فتوضأت ثمّ تسجَّت بثوبها ثمّ قالت: (انتظريني هنيئةً وادعيني فإن أجبتُك وإلّا فاعلمي أنّي قدمتُ على أبي فأرسلي إلى علي).
وحين حانت ساعةُ الاحتضار وانكشف الغطاء نظرت السيّدة فاطمة(عليها السلام) نظرة حادّة ثمّ قالت: (السلام على جبرئيل، السلام على رسول الله، اللهمّ مع رسولك، اللهمّ في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام)، ثمّ قالت: (هذا موكب أهل السماوات وهذا جبرئيل وهذا رسول الله يقول: يا بنيّة أَقدمي فما أمامكِ خيرٌ لك) وفتحت عينيها ثم قالت: (وعليك السلام يا قابض الأرواح عجّل بي ولا تعذّبني) ثم قالت: (إليك ربّي لا إلى النار) ثم أغمضت عينيها ومدّت يديها ورجليها.
فنادتها أسماء فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الحياة، فوقعت عليها تقبّلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام، ودخل الحسن والحسين فوجدا أُمّهما مسجّاة فقالا: يا أسماء ما يُنيمُ أُمّنا في هذه الساعة؟ قالت: يا ابنَيْ رسول الله ليست أُمّكما نائمة، بل قد فارقت الدنيا.
فألقى الحسنُ نفسه عليها يقبّلها مرةً ويقول: (يا أُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني)، وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: (أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت).
فقالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله، انطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت أُمّكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فابتدر إليهما جمعٌ من الصحابة وسألوهما عن سبب بكائهما فقالا: (قد ماتت أُمّنا فاطمة(عليها السلام)). فوقع الإمام عليّ(عليه السلام)على وجهه يقول: (بمن العزاء يا بنت محمد؟)..