-قال الإمام علي بن الحسين عليه السّلام سمعت أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها يقول و هو يصلح سيفه :
يا دهر اف لك من خليل كم *** لك بالإشراق و الأصيل
من صاحب و طالب قتيل *** و الدهر لا يقنع بالبديل
و إنما الأمر إلى الجليل *** وكل حي سالك سبيل
وأما عمتي زينب لما سمعت ذلك و ثبت تجرّ ذيلها حتى انتهت إليه و قالت وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت أمي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن يا خليفة الماضي و ثمال الباقي فعزاها الحسين و صبّرها و فيما قال: يا اختاه تعزي بعزاء اللّه و اعلمي أن أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و كل شيء هالك إلا وجهه، ولي و لكل مسلم برسول اللّه أسوة حسنة.
فقالت عليها السّلام: أفتغصب نفسك اغتصابا فذاك أقرح لقلبي و أشد على نفسي و بكت النسوة معها و لطمن الخدود و صاحت أم كلثوم وا محمداه وا علياه وا اماه وا حسيناه وا ضيعتنا بعدك؟!
فقال الحسين: يا اختاه يا أم كلثوم يا فاطمة يا رباب انظرن إذا قتلت فلا تشققن علي جيبا و لا تخمشن وجها و لا تقلن هجرا ثم إن الحسين أوصى اخته زينب بأخذ الأحكام من علي بن الحسين و إلقائها إلى الشيعة سترا عليه 0
-ثم إنه عليه السّلام أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض ليستقبلوا القوم من وجه واحد و أمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب و يلقى عليه النار إذا قاتلهم العدو كيلا تقتحمه الخيل فيكون القتال من وجه واحد.
-و خرج عليه السّلام في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع و العقبات فتبعه نافع بن هلال الجملي فسأله الحسين عما أخرجه قال: يا ابن رسول اللّه افزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي فقال الحسين: إني خرجت أتفقد التلاع و الروابي مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل يوم تحملون و يحملون ثم رجع عليه السّلام و هو قابض على يد نافع و يقول: هي هي و اللّه وعد لا خلف فيه.
ثم قال له ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل و تنجو بنفسك؟ فوقع نافع على قدميه يقبلهما و يقول: ثكلتني أمي، إن سيفي بألف و فرسي مثله فو اللّه الذي منّ بك علي لا فارقتك حتى يكلّا عن فري و جري.
ثم دخل الحسين خيمة زينب و وقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة.
فقال لها: و اللّه لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه.
قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت و أتيت حبيب بن مظاهر و حكيت ما سمعت منه و من أخته زينب.
قال حبيب: و اللّه لو لا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة قلت: إني خلفته عند أخته و اظن النساء أفقن و شاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك و تواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن فقام حبيب و نادى يا أصحاب الحمية و ليوث الكريهة فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية فقال لبني هاشم ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم.
ثم التفت إلى أصحابه و حكى لهم ما شاهده و سمعه نافع فقالوا بأجمعهم و اللّه الذي منّ علينا بهذا الموقف لو لا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة! فطب نفسا و قرّ عينا فجزاهم خيرا.
و قال هلموا معي لنواجه النسوة و نطيب خاطرهن فجاء حبيب و معه أصحابه و صاح: يا معشر حرائر رسول اللّه هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم و هذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم.
فخرجن النساء إليهم ببكاء و عويل و قلن أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول اللّه و حرائر أمير المؤمنين فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم.
-و في السحر من هذه الليلة خفق الحسين خفقة ثم استيقظ و أخبر أصحابه بأنه رأى في منامه كلابا شدت عليه تنهشه و اشدها عليه كلب أبقع و أن الذي يتولى قتله من هؤلاء رجل أبرص.
-و أنه رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد ذلك و معه جماعة من أصحابه و هو يقول له:أنت شهيد هذه الأمة و قد استبشر بك أهل السموات و أهل الصفيح الأعلى و ليكن افطارك عندي الليلة عجل و لا تؤخر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء.