الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين...
قال تعالى}أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {(آل عمران -195).
السلام على الصابرين المجاهدين من أبناء الشعب العراقي الكريم...
تـُطل علينا مناسبة عزيزة على قلوبكم وقلوبنا، ذكرى شريفة تمتلئ النفوس لها إكباراً واجلالاً، كيف لا؟! وهي ذكرى ولادة الرسول الكريم محمد عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم، ولكنها أيامٌ تزداد كرماً، وتتضوع عبقاً، حيث تتوافق مع انتصارات معنوية ومكاسب حقانية، استمدت قوتها من نور وعدالة رسالته (صلى الله عليه وآله)، واعتدال وسماحة منهجه.
لما نهض المؤمنون إلى مكافحة الظلام والإرهاب الغاشم المتمثل بعصابات داعش الإرهابية التي كادت تغطي بظلاميتها وظلمها شمس الوطن، وجلبت بأدوائها وأحقادها المِحن والإحن.
نهنئكم بهذه المناسبة، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى الاهتداء والاقتداء بهداه وسيرته، والبصيرة في الدين والدنيا، لنكون من الأبرار الذين يباينون الأشرار قولاً وفعلاً، ويكونون للحق يداً ورجلاً.
أيها الإخوة: إن خطر فتنة العصابات الإرهابية من داعش ومن على صورتها، ما كان ليُقبر وتنطوي صفحته لولا أمرين فاعلين:
أولهما: يقظة المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، وتقديرها للظروف التي تفجر فيها خطر الإرهاب، منطلقة من خبرة متراكمة، وحكمة مستفادة من تبني وفهم المواقف التاريخية للأئمة (عليهم السلام)، ورغبةٍ صادقةٍ على التئام جوانح هذه البلاد، ومنع تصدع بنيانها، فكان موقفها في حث من يستطيع حمل السلاح على الوقوف في وجه خطر داعش وإرهابها، صدىً لقوله تعالى }أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) {(الحج – 39-40).
كما شجعت أبناء حوزتها العلمية على المشاركة في ساحات القتال تقويةً لقلوب المقاتلين المدافعين، وقدّمت كوكبة عزيزة من الشهداء، فيهم الفُضلاء ممن جمعوا فضيلة العلم والجهاد والشهادة.
ثانيهما: الاستجابة الموفقة والسريعة من أبناء الشعب لفتوى الدفاع الكفائي، بأفضل صورة للاستنفار يتحقق بها الغرض، فكانت حالة ملحمية وصورة مشرفة من كل الشرائح والقطاعات بالمال والنفس، وما تجود به النفوس والأيدي، حتى تمَ أمركم، وأثمر صبركم وجهادكم، وانفرجت الشدة، وهذا ليس منكم بمستغرب، قد كنتم سبّاقين للمكرمات، أرومةً ورثتموها من أجدادكم الذين كلما أراد الظلم والضيم أن يُحيط بهم، ثاروا به ودحضوا باطله، وناجزوا شوكته، لينقلب في الإثم والخسران، وما ثورة العشرين منا ومنكم ببعيد. ولا يفوتنا أن نشكر كل من وقف بإخلاص مع الشعب العراقي الأبي وقواه الأمنية في شدته وساهم في رفع محنته.
ثم أن مسؤولية الأحزاب أمام الله تعالى وأمام هذا الشعب المظلوم، تفرض عليهم القيام بإصلاحات أساسية وجذرية، وتشكيل حكومة على أساس نظام صحيح واقعي من الشخصيات المثقفة والنزيهة، ومن المفكرين والمؤمنين، وعليهم بقلع جذور المحاصصة والفئوية والطائفية حتى تتمكن الدولة من تنظيم أمور البلد، وإخراجه من هذه الأوضاع المأساوية، وتخفيف رواتب المسؤولين ومخصصاتهم وحق التقاعد والإفادات وعلاجهم وحرسهم وغير ذلك.
وأما إصلاح البلد بتجريم الفاسدين، وإن كان لا بأس به، ولكن ما دامت المحاصصة موجودة، فيرجع البلد إلى المربع الأول.
وفي الختام نقول: يا أبناء الشعب الكريم: إننا نترقب لكم مستقبلاً زاهراً، وندعو لكم باجتماع أمركم، وتوحيد كلمتكم، والتئام صفوفكم، لتهنئوا بالاستقرار، ويعم الأمان البلاد، ولتحافظوا على مبادئكم ودينكم، وهويتكم، وأصالتكم ومقدساتكم، وحافظوا على بلدكم الكريم، سدد الله خطاكم وجمع أمركم، ورد كيد أعدائكم إلى نحورهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
محمد إسحاق الفياض
17/ربيع الأول 1439هـ