أشار الإمام الحسين(عليه السلام) في إحدى رسائله إلى الهدف من خروجه: (وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمَّة جَدِّي(صلى الله عليه وآله)، أُريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرَ بِسيرَةِ جَدِّي وأبي علي بن أبي طَالِب).
زار الإمام الحسين(عليه السلام) -قبل خروجه من المدينة المنوّرة- قبر جدِّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) زيارة المُودِّع الذي لا يعود، فقد كان يعلم (عليه السلام) أن لا لقاء له مع مدينة جدِّه(صلى الله عليه وآله)، ولن يزور قبره بعد اليوم، وأنّ اللقاء سيكون في مستقرِّ رحمة الله، وأنَّه لن يلقى جدَّه إلّا وهو يحمل وسام الشهادة، وشكوى الفاجعة.
فوقف الإمام(عليه السلام) إلى جوار القبر الشريف، فصلَّى ركعتين، ثمّ وقف بين يدي جدِّه(صلى الله عليه وآله) يُناجي ربَّه قائلاً: (اللَّهُمَّ هَذا قَبْر نَبيِّك مُحمَّدٍ(صلى الله عليه وآله)، وأنَا ابنُ بنتِ نَبيِّك، وقد حَضَرني مِن الأمرِ مَا قد عَلمت، اللَّهُمَّ إنِّي أحِبُّ المَعروف، وأنكرُ المُنكَر، وأنَا أسألُكَ يَا ذا الجَلال والإكرام، بِحقِّ القبرِ ومن فيه، إلّا مَا اختَرْتَ لي مَا هُو لَكَ رِضىً، ولِرسولِك رِضَى).
قال أبو مخنف (أتى الحسين عليه السلام إلى قبر جده صلّى الله عليه وسلّم وبكى وقال: يا جدي اني أخرج من جوارك كرهاً لأني لم ابايع يزيد شارب الخمور ومرتكب الفجور، فبينا هو في بكائه أخذته النعسة فرأى جده صلّى الله عليه وآله وسلّم وإذا هو قد ضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه وقال: يا ولدي يا حبيبي اني أراك عن قليل مرملا بدماك مذبوحاً من قفاك بأرض يقال لها كربلا، وأنت عطشان وأعداؤك يرجون شفاعتي لا أنالهم الله ذلك. يا ولدي يا حبيبي ان أباك وأمك وجدتك وأخاك وعمك وعم أبيك وأخوالك وخالاتك وعمتك هم مشتاقون اليك، وان لك في الجنة درجة لن تنالها إلا بالشهادة، وانك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك شهداء تحشرون زمرة واحدة حتى تدخلون الجنة بالبهاء والبهجة. فانتبه من نومه فقصّها على أهل بيته فغموا غماً شديداً، ثم تهيأ على الخروج).