استُهِلَّت المراسيم بتلاوةٍ مباركة من آيات الذكر الحكيم شنّف قارئُ العتبة المقدّسة الدكتور رافع العامري بها أسماع الحاضرين، بعدها جاءت مشاركةٌ لمواكب مدينة الكاظميّة بمراسم تأبينيّة حاملين فيها رايات الولاء بهذه الفاجعة الأليمة، أعقبتها كلمةُ الأمانة العامّة للعتبة الكاظميّة المقدّسة التي ألقاها أمينُها العام، وبيّن فيها قائلاً: "لقد ظلَّ دأبُ الظالمينَ في كلِّ عصرٍ ومِصرٍ أن ينالوا من أولياءِ اللهِ الذين خصَّهم بالكرامةِ ورفعَهم درجاتٍ وأوْكَلَ إليهم أمرَ الأمَّةِ بشؤونِها كافَّةً، فعَمَدوا إلى وضعِ العصيِّ في عَجَلَةِ المسيرةِ الإنسانيّةِ نحو التكاملِ، ووضعِ العراقيلِ أمامَ كلِّ نهضةٍ باتّجاهِ الخيرِ واستتبابِ العدلِ ونشرِ الفضيلةِ؛ كلُّ ذلكَ من أجلِ فرضِ سيطرتِهم على مقدَّراتِ الأممِ وإشباعِ شهواتِهم في بسطِ النفوذِ والتحكّمِ برقابِ العبادِ والغرقِ في اللذائذِ المحرّمةِ، فكانتْ حلقةً من تلك الحلقاتِ الزمنيّةِ هي مواجهةُ الإمامِ الكاظمِ(عليه السلام) لطاغوتِ عصرِهِ، عندما أثبتَ الإمامُ (عليه السلام) للدنيا زيفَ تمثيلِ حكّامِ زمانِهِ للمسلمينَ وانحرافِهمْ عن مسيرةِ الإسلامِ الحقَّة، بعدها غودِرَ مسموماً على يدِهم، فأبى التاريخُ إلّا أن يسجّلَ المدينةَ باسمِهِ ويكتبَ لها الخلودَ بفضلِهِ، وأقصى التاريخُ عدوَّ الإمامِ فجعلَ المدينةَ التي كان يدّعيها تنبذُهُ وتضنُّ عليهِ حتّى بموضعٍ لجثمانِهِ يحويهِ في ترابِها".
وأضاف: "إنّ في مسيرةِ الإمام (عليه السلام) وجهادِهِ دروساً كثيرةً، حريٌّ بنا أنْ نستفيدَ منها، لقد تعلّمْنا من سيرتِهِ (عليه السلام) كظمَ الغيظِ والصبرَ على الشدائدِ وأهميةَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ في صلاحِ الأمّةِ، فضلاً عن السعي في إعانةِ المظلومِ، والوقوف في وجهِ الظالمين".
وكانت هناك كلمةٌ للمشروع التبليغيّ في الحوزة العلميّة الشريفة، ألقاها عنهم مُمثّلُ المرجعيّة الدينيّة العُليا في مدينة الكاظميّة المقدّسة سماحة الشيخ حُسين آل ياسين، وتوجّه في مطلعِها بتقديم العزاء إلى الإمامين الجوادين(عليهما السلام) والإمام الحجّة(عجّل الله فرجه الشريف) نيابةً عن المقاتلين المرابطين في ساحات الوغى وعن الشهداء والجرحى وعوائلهم، كما بيّن قائلاً: "إنّ مهمّة المُبلّغ هي الدعوةُ إلى أصل الدين ونشر تعاليمهِ الثابتةِ والمتمثّلة بالسُنن والمحكمات في كتاب الله العزيز، ومحاسنِ كلمات النبيّ المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، ووعظ الناس وإرشادهم لكي يزدادوا إيماناً بالله تعالى واستعداداً ليوم الجزاء، ويسعوا إلى تَصفيةِ النفوس وتَهذيبها من الصفاتِ الرذيلة وتحليتها بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات، ويُحسن التعامل مع الآخرين حتى من يخالفهم في الدين والعقيدة، وليس للمبلّغ أن يجعل المنبر طريقاً إلى نشر الآراء الشخصيّة ومثيراً للفرقة والاختلاف، فمن يسلك هذا المسلك من التَبليغ والخطابة لا ينبغي للمؤمنين أعزّهم الله الركون إليه"..
وأضاف سماحته: "هذه هي رسالة المشروع التبليغيّ في الحوزة العلميّة الشريفة، إذ يأتي بخدمتكم جميعاً بفضلاء الحوزة وأساتذتها وطلّابها كما عوّدكم بالتذكير بالقيم العظيمة للإسلام، وإجابة المسائل الشرعيّة المختلفة والاستماع إلى هموم الناس متوكّلاً على الله تعالى مستنداً إلى المرجعيّة المباركة، ومدعوماً من إدارة العتبات المقدّسة، مع الإشارة الخاصّة للأمانة العامّة للعتبة الكاظميّة المقدّسة في هذه المناسبة محبّاً لأرواحكم، ونسأل الله تعالى أن يتقبّل من الجميع أعمالهم وزيارتهم وبكاءهم وتفجّعهم لمصائب آل محمد(عليه وعليهم السلام)".
بعدها تمّ استبدالُ رايتَيْ القبّتين الشريفتين بالرايات السوداء.
كما شهدت المراسيم استماع الحضور والمعزّين لتسجيلٍ صوتيّ لخادم المنبر الحسينيّ الشيخ سعيد المعاتيق، ثمّ اختتمها الرادودُ الحسينيّ عمار الكناني بمجموعةٍ من المراثي والقصائد العزائيّة التي واسى بها النبيّ الأكرم وأهل بيته الأطهار(عليه وعليهم الصلاة والسلام) بهذه المصيبة الراتبة.