الى

بشهادة الباقر(عليه السلام) أفلت شمس العلم وخبا ضياؤها وتبرقع الإسلامُ بُرُدَ السواد..

تمرّ علينا هذه الأيام وبالتحديد في السابع من شهر ذي الحجّة الحرام الذكرى السنوية لواحدةٍ من مآسي أهل البيت(عليهم السلام) وفاجعةٍ ألمّت بهم وبمحبّيهم، ألا وهي شهادة خامس أئمّة العترة المحمّدية وشبيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسميّه مولانا الإمام الباقر(عليه السلام) باقِرِ الْعِلْمِ وَإِمامِ الْهُدى، وَقائِدِ أَهْلِ التَّقْوى وَالْمُنْتَجَبِ مِنَ العباد، وعَلَمٍ وَمَنارٍ وَمُسْتَوْدَعٍ لحكمة الله وَمُتَرْجِم وَحْيِه.
لقد ازدهرت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام بهذا الإمام العظيم الذي التقت فيه عناصر شخصيّة السبطين الحسن والحسين(عليهما السلام)، وامتزجت به تلك الأصول الكريمة والأصلاب الشامخة، والأرحام المطهَّرة، التي تفرّع منها.
العلم الواسع هو ما تميّز به سلام الله عليه، فقد برز علمه هذا في فترة انتشار الفلسفة اليونانية وتوسّع الناس في المناظرات الكلامية وتعدّد المذاهب الفقهية والمدارس العقائدية، ما استدعى بروز شخصيّاتٍ علمية هامة تحمل على عاتقها مهمة ترسيخ دعائم الفكر الإسلامي الأصيل وتقوية دعائم الفقه الشيعي في مقابل المذاهب المختلفة. فكان تأسيس جامعة أهل البيت التي حوت عدداً كبيراً من العلماء الذين كانوا يأتون الى المدينة المنورة من مختلف الأقطار الإسلامية لينهلوا من فكر الإمام الباقر(عليه السلام) علومهم ومعارفهم، وقد قال عطاء بن واصل وهو أحد كبار علماء العامّة يصف الإمام الباقر(عليه السلام): "ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم في مجلس أبي جعفر الباقر، لقد رأيت الحَكَمَ بن عُيَيْنة كأنّه عصفورٌ مغلوبٌ لا يملك من أمره شيئاً". ومن ميزاته أيضاً صلابته في مواجهة الحكّام الأمويّين، حيث لم يرضخ لضغوطهم فأكمل مهمّته الإلهية على أكمل وجه. هذا فضلاً عن العبادة والورع والتقوى التي كان يتحلى بها أئمة أهل البيت(سلام الله عليهم) كافة.
وقد نصّ على إمامته وخلافته الإمامُ زين العابدين(عليه السلام) في كثيرٍ من المناسبات ومنها قوله: (ألا وإنّه الإمام أبو الأئمّة معدن العلم، يبقره بَقْراً، والله لهو أشبه الناس برسول الله(صلى الله عليه وآله)).
فكان الإمام الباقر(عليه السلام) بحراً في العلم وكان في المعرفة الذروة التي لا يبلغها بالغ، ولذا كان لقب (باقر العلم) منطبقاً عليه تمام الانطباق، وكان أيضاً يهابه سلاطينُ بني أمية وخاصتهم بسبب مكانته العظمى بين العلماء وبين الناس، فما كانوا يجدون سبباً يتّخذونه ذريعةً للبطش بالإمام(عليه السلام)، إلى أن اضطرّوا إلى قتله بالسمّ سراً.
استُشْهِد الإمام الباقر(عليه السلام) بسمٍّ دسّه له الخليفة الأمويّ في سرْجِ فَرَسٍ أُركِبَ عليه الإمام(عليه السلام) -وقيل أسقاه إيّاه-، وكان ذلك عندما أرجعه من دمشق الى المدينة بعدما أشخصه منها إلى الشام، وكان ذلك السلطان هشام بن عبدالملك(لعنه الله)، وقد كان الإمام(عليه السلام) سميناً فسرى السمُّ من السرج إلى لحمه، فأثّر في رجله ثم أمرضه ثلاثة أيام، وقُبِضَ(عليه السلام) يومَ الاثنين السابع من شهر ذي الحجة الحرام من سنة (114هـ) أربع عشرة ومئة من الهجرة النبوية المباركة في المدينة المنورة، فقضى نحبه(عليه السلام) مظلوماً شهيداً مسموماً، ودُفِن في البقيع من المدينة المنورة، في البقعة التي فيها العباس بن عبدالمطلب، أي حيث دُفِن أبوه السجاد وعمُّ أبيه الحسن المجتبى(عليه السلام)، بالقرب من جدّته فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).
وقال الإمامُ الصادق(عليه السلام) عن أبيه الباقر(عليه السلام) في ليلة وفاته أنّه قال: (هذه الليلة سوف أرحل من هذه الدنيا، فقد رأيت والدي –يعني الإمام السجاد(عليه السلام)- وهو يحمل إليّ شراباً عذباً فتناولته، فبشّرني بدار الخلود ولقاء الحقّ).
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: