أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
الانصاف من صفات الاشراف
الانصاف من صفات الاشراف
الكاتب : كرار محسن

تأريخ النشر : 2018-11-28

الانصاف من صفات الاشراف
كرار محسن
الانصاف في اللغة: مشتق من نصف، أيّ شطر الشيء إلى شقين متساويين، وتناصف القوم أي تعاطوا بالحق وتعاملوا بالعدل والقسط. والتّنصّف هو طلب المعروف ودرء المنكر بعد استواء المحاسن والمساوئ والإنصاف يقابل الجحود، ويقابل الكيل بمكيالين، يُقابل أن يكون الحق هو كلام القوي، وأن الباطل كلام الضعيف.
أما في الاصطلاح فهو الشُّعور الفردي الذي يكون تلقائيًّا وصادقًا بما هو عدل أو جور، كما يُعرّف الانصاف في القانون بأنه التقيّد بنص القانون الموضوع لأنه يُمثّل العدل الطبيعي وهو كذلك العدل في المُعاملة بأن لا يُؤخذ من فرد من المنافع إلا أن يعطيه مقابلا ولاينيله من المضار أكثر من الفائدة، والإحسان هو رمز الانصاف، وفلسفة الانصاف هو أن يُعطي صاحبه ما عليه بقدر ما يأخذ من النفع، وهو استيفاء الحقوق لأصحابها بالطريقة العادلة وبالسياسية الفاضلة، كما للإنصاف معنى آخر وهو أن تمنح غيرك من الحق مثل الذي تحب أن تُعطى أنت وتقدّر الأمر فيما لو كنت محله ويكون ذلك في القول والفعل وفي حالة الرضا والغضب ومع من نحب ونبغض، وأن يؤدي الشخص الحقوق لمن تحت أمرته ولا يطالبهم بما ليس له ولا يحمّلهم فوق وسعهم ولا يعاملهم بما لا يحب أن يعاملوه به وأن يعفيهم مما يحب أن يعفوه منه وفي هذا المعنى يقول تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (النحل 90) وفي الآية الكريمة تصريح واضح بالأمر بالعدل، والعدل من دون شك هو الانصاف أي هو الوجه الآخر للانصاف والموازنة والابتعاد عن الظلم والجور والنهي عن الفواحش والمحرمات وعن البغي لأنه من العدوان على الناس وحقوقهم المُشرّعة من السماء، وعن الحسن البصري قال: (إن الله جل في علاه جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والاحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا الا جمعه) وهنا نذكر آيتين مباركتين تؤكدان المعنى، يقول تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة 8) ويقول جل في علاه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ (النساء 135)، ومن خلال هاتين الآيتين المباركتين يدعو الله تعالى عباده إلى التزام الاخلاق والصفات الحميدة وقول الحق ولو على النفس أو الأقارب، كما يحذّرهم من البغضاء والعداوة والظلم والجور وإرغام الآخر على اتباع غير الحق في الشهادة أو غيرها من الأمور، فبالنصاف يشعر الفرد والمجتمع بحالة الاستقرار والرضا والأمان وبتطبيق الانصاف يوثق بالعالم وينعم الناس بعدل القضاة ويؤخذ الحق من القوي ليُعطى إلى الضعيف ويركن إلى المسؤول إذا أُصيب الرعية بضرر أو شعروا بغبن أو قهر فمن لم ينصف لم يفهم ولن يتفهّم اطلاقا، فلننظر الى زماننا هذا حين يضع المتعالون وبعض المسؤولين أوصافا للحق لا تنطبق إلا على ما يفعلوه هم أو يطبقوه أو يقولوه وبالعكس تماما فيما لو فعل الآخر فعلهم ذاته وقال كلامهم ذاته مع أن الحق أوسع منهم والصواب يتعداهم إلى غيرهم لكنهم ينصّبون أنفسهم ناطقين باسمهم بكل وقاحة ولا يجدون من يوقفهم أو من يحاسبهم أو من يقول كلمة الحق بوجوههم على أقل تقدير، فليس من الانصاف أن يكيل الفرد بمكيالين وأن ينحاز إلى جهة دون أخرى لمصلحة ما، فمن يفعل ذلك فليس بمنصف، ومن لا يقبل عذر المعتذر فهو ليس بمنصف، وهنا تبرز المساوئ في أقبح صورها وتغفل السيئات، وهذا ليس من الانصاف في شيء، كما إنّ تأويل الكلام عن القصد الذي يريده قائله ليس من الانصاف في شيء، وإن تسليط الضوء على شيء لمحاباة صاحبه وبخس حق آخر يُعد منافيًا لإصول الانصاف والعدل؛ فالنفس البشرية قد تظلم وتميل إلى الهوى وتحتاج إلى قوة وإرادة لمنعها وزجرها ولا يمتلك هذه القوة والإرادة إلا أصحاب النفوس العظيمة الذين ملكوا أنفسهم واستطاعوا التحكّم فيها، ولأن الانصاف أحيانا يجب أن يكون من النفس ذاتها قبل أي شيء حتى لا تضيع حقوق الآخرين أو تجور عليهم أو على أموالهم أو أعراضهم -لا سمح الله- وهذا مالا يفعله من تخلّق بدين محمّد وآل بيته (عليهم السلام) حيث يستطيعوا أن ينصفوا الناس من أنفسهم. فالإنصاف والعدل له منزلة عظيمة لا يرتقي إليها أيًّا كان، وهنا أود أن أذكر بعض أقوال أهل البيت (عليهم السلام) في الانصاف، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول (إِنَّ أَفْضَلَ الْإِيمَانِ إِنْصَافُ الرَّجُلِ مِنْ نَفْسِهِ) (تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم 88)، وعنه أيضا (الْمُؤْمِنُ يُنْصِفُ مَنْ لَا يُنْصِفُه‏) (عيون الحكم والمواعظ "لليثي" 28)، وهذا الإمام الحسين (عليه السلام) يقول: (فَإِنْ أَعْطَيْتُمُونِي النَّصَفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَد...) (الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 2/97).
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

الرجاء الضغط على المربع أدناه

جاري التحميل ...

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...

جاري التحميل ...