أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
أهل البيت (ع) وآية المودة
أهل البيت (ع) وآية المودة
الكاتب : م.م. سرمد فاضل الصفار

تأريخ النشر : 2018-11-28

أهل البيت وآية المودة
م.م. سرمد فاضل الصفار
قال تعالى ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور‏﴾ [الشورى: 23]
سبب النزول:
روى المفسرون الشيعة كافة وكثير من مفسري العامّة عن ابن عباس أنّه قال: لما قدم رسول الله () المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة، فقال الأنصار: )إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به وهو ابن أختكم، تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة، فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضرّكم، فأتوه به ليعينه على ما ينوبه ففعلوا، ثم أتوا به فقالوا: يا رسول الله () إنك ابن أختنا وقد هدانا الله تعالى على يديك وتنوبك نوائب وحقوق، وليس لك عندها سعة فرأينا أن نجمع لك من أموالنا شيئًا فنأتيك به فتستعين به على ما ينوبك وها هو ذا، فنزلت هذه الآية(.
هل مودة القربى أجر لتبليغ الرسالة؟
وقع الكلام بين المفسرين في أن الرسول هل كان يطلب الأجر حقيقةً أو لا؟ فتم توجيه دلالة الكلام بحسب نوع الاستثناء في الآية من قوله تعالى ﴿...إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾ فإذا كان الاستثناء متصلاً يصبح الطلب حقيقياً للأجر ويكون الرسول طالباً للأجر، ومع كون الاستثناء منفصلاً لا يصبح الطلب حقيقياً وعندها يؤول بمعنى آخر، وتفصيله كالآتي:
القول الأول: ذهب بعض المفسّرين كالعلّامة الطباطبائي وآخرين إلى كون الاستثناء متصلاً في الآية فقال:(وظاهر الاستثناء على أي حال أنه متصل بدعوى كون المودة من الأجر) فإنّ الرسول قد طلب من أمته الأجر على أدائه الرسالة والذي جعله كامناً في خصوص مودة القربى.
القول الثاني: ذهب أصحاب هذا القول إلى عدم ارادة الرسول للطلب حقيقةً، وإنما كان الكلام بداعي حثّ الأمة على مودة ذوي القربى، والاستثناء في آية المودة ليس استثناء متصلاً؛ لأن مودة القربى ليست أجراً، بل هي تكليف يراد منه حثّ الأمة على الالتزام به والحرص عليه، وهو مودة القربى واتباعهم. وهذا ما يُعبّر عنه في علم البلاغة بالمشاكلة، ويمثلون له برجل جاء إلى قوم فقالوا له: ماذا تريد أن نطبخ لك من الطعام؟ وهو أراد أن ينبههم إلى أن يحسنوا إليه بما هو محتاج له، مما هو أهم من الطعام والشراب، فقال: لهم اطبخوا لي جبة وقميصاً، أي خيطوا لي جبة وقميصاً.
قال الشاعر:
قالوا اقْتَرِحْ شيئاً نُجِدْ لك طَبْخَهُ قلت: اطْبُخُوا لي جُبَّةً وقميصا
وهنا لما أراد المسلمون أن يعطوا النبي أجراً على تبليغ الرسالة، جاء الجواب من الله تعالى لنبيّه: قل لهم: لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، أي أن أجري هو مودة قرابتي، فإنّ مودة قرابة النبي واجبة، وهي ليست أجراً لتبليغ الرسالة، ففي الحقيقة أن الآية تريد التركيز على وجوب مودة القربى، لا على قبول أجر للرسالة.
ويبدو أن هذا القول هو الصحيح لأسباب عدة منها:
أولاً: إنّ أجر الرسالة ليس دنيوياً، وإنما هو أخروي، ولو كانت مودة القربى هي أجر الرسالة لكان أجرها دنيويا، ولو كان أجر الرسالة هو مودة القربى لما كان للنبي أجر أُخروي، وهو باطل واضح البطلان.
ثانياً: لا شك في أن عدم المطالبة بالأجر هذه، تدفع كل اتهام عن الأنبياء، فضلا عن أنّهم يستطيعون أن يواصلوا عملهم بحرية تامة، وترتفع الموانع والحواجز التي قد تحدد من حرية ألسنتهم بسبب العلاقة المادية.
ثالثاً: إنّ هذا المعنى هو المستفاد من النّصوص القُرآنيّة، فيما يخص الرّسول الأعظم .
1- التعبير الوارد في الاية (57) من سورة الفرقان ﴿قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.
2- التعبير الوارد في الآية (23) من سورة الشورى ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏﴾.
3- التعبير الوارد في الآية (47) من سورة سبأ ﴿قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾.
فعندما نضم هذه التعبيرات الثلاثة إلى بعضها، تتحصل النتيجة الآتية: فيما يخص‏ الرّسول الأعظم، إذ عدّت المودة في القربى أجر رسالته، فهذه المودة- من جانب- في نفع المؤمنين أنفسهم لا لنفع النّبي. ومن جانب آخر فإنّ هذه المودة وسيلة حصول الهداية على طريق اللّه تبارك وتعالى.
بناءً على هذا، فإنّ مجموع هذه الآيات تشير إلى أنّ المودة في قربى رسول اللّه هي استمرار منهج رسالة وقيادة ذلك النّبي، وبعبارة أخرى: لمواصلة طريق النّبي وهدايته وقيادته يجب الارتباط بذوي قرباه.
فإنّ النبي قد أوضح أن ما سأله من أجر هو راجع إلى الناس لا إليه، فلا يكون أجراً في الحقيقة.
معنى ذي القربى:
اختلفت أقوال المفسرين المسلمين في معنى ذوي القربى في الآية إلى أقوال عدة، سيأتي الكلام عنها في مقال لاحق، غير أن علماء الشيعة استناداً إلى كثير من الأدلة والشواهد ذهبوا إلى أن المُراد من القربى هم أهل البيت () وأن مصاديقهم علي () وفاطمة () والحسن () والحسين () والتسعة المعصومون من ذرية الإمام الحسين ().
وللمقال تتمة بخصوص مناقشة أقوال المفسرين في توجيه معنى (ذي القربى) في الآية المباركة سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

الرجاء الضغط على المربع أدناه

جاري التحميل ...

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...

جاري التحميل ...