أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
اصول المباحث التنموية في القرآن الكريم
اصول المباحث التنموية في القرآن الكريم
الكاتب : أحمد الخالدي

تأريخ النشر : 2021-02-12

الكاتب احمد الخالدي
ما هو التحفيز؟
التحفيز (Motivation )هو أن تجعل شخصاً مُتحفزا أي مُتَحمسا لأداء شيء ما ، والتحفيز في المفهوم العام هو مولّد النشاط والفاعلية في العمل أياً كان نوعه وشكله ، وعند مختصي التنمية البشرية هو مولد النشاط والفاعلية في العمل للحصول على أفضل ما لدى الغير سواء تعلق ذلك بالأمور المادية او المعنوية .
ولم يغفل القرآن الكريم جانب التحفيز فاستعمل أهم اساليب التحفيز المعروفة وأهمها الترغيب والترهيب فنراه حين يصف الجنة وسعتها وما فيها من انهار واشجار وثمار وما فيها من قصور وفراش وأزواج من الحور فضلاً عن الجزاء والثواب المادي العاجل الذي يحصل عليه الانسان اذا قام بعمل معين كالبركة في الاموال وزيادة الرزق وغيرها ،كل ذلك لغرض أن يجذب الانسان الى ساحة الطاعة ويبعده عن ساحة المعصية وقد استعمل في الوقت نفسه اسلوب الترهيب ليخوفه من غضبه وعقابه وما أعده للكافرين وهناك ايضاً العقاب الدنيوي العاجل ، ففي مقام الترهيب يقول الله تعالى في الاية 6 من سورة الملك : (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، وفي مقام الترغيب قوله تعالى : (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)(الاية 15 سورة آل عمران)، ومثل هاتين الايتين الكثير من الآيات في القرآن الكريم.
وقد استعمل القران الكريم أساليب متعددة للتحفيز منها رسم صورة للحظة الموت ومفارقة نفس الانسان لجسده قال تعالى: (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـكِن لاَّ تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ) الايات 83-84-85 من سورة الواقعة، وهذا الاسلوب من أساليب التحفيز يستعمله اليوم بعض العاملين في مجالات تغيير السلوك الانساني ، وهو ما يؤكده (ستيف تشاندلر) مؤلف كتاب (مائة طريقة لتحفيز نفسك) فقد دخل في تجربة الاقتراب من الموت من خلال تدريب اسماه تدريب (فراش الموت) وهو أن يتخيل نفسه يحتضر ويتقمص مشاعر الاحتضار ومفارقة الأهل والأحباء فأكتشف انه مقصر في تعبيره عن مشاعره الحقيقية مع عائلته وانه يجب عليه أن يظهر حبه ومشاعره الطيبة لكل من يحبه، وهكذا غيرت هذه التجربة من طريقة تفكير (تشاندلر) الى الأفضل وسارع الى تغيير سلوكه وحفزته هذه التجربة على بذل كل ما يستطيع في سبيل إسعاد الآخرين من حوله.
ومن خلال هذا القصة نفهم أن الخطاب القرآني الذي أرادنا أن نستشعر قرب الموت وما يصاحبه من شعور بالفقد والتقصير تجاه الاخرين وكذلك الشعور بضياع الفرص التي كان بالإمكان الافادة منها في ما مضى من وقت، ولو استشعر الإنسان أجواء الآية الكريمة لزاد حرصه على عدم اسرافه في رأس المال الذي وهبه الله سبحانه وتعالى له وهو الوقت (العمر) ولحرص على عدم إشغال نفسه بالأمراض النفسية كالحقد والحسد والغل والكراهية وغيرها ولركز على محبة نفسه ومحبة الاخرين والاهم من ذلك محبة خالقه الذي أنعم عليه بأنواع النعم دون مقابل، حتى لا يصل الانسان الى مرحلة الندم التي يصف الله سبحانه وتعالى بها الاشخاص المخالفين لأوامره ونواهيه حيث يقول جل وعلا : (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا)(الاية 40 سورة النبأ) وقوله تعالى : (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)(الايتان 99-100 سورة المؤمنون).
ومن الانواع الأُخر للتحفيز التي جاءت بها الإشارات القرآنية هي إمكانية تحقيق كل الصعاب اذا كان العبد مع الله سبحانه وتعالى وتوكل عليه حق توكله يقول تعالى في كتابه العزيز : (وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) (سورة الطلاق الاية 3) وكذلك الآية 5 من سورة الشرح (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) وهاتان الآيتان من الآيات التي تجعل الانسان قوياً ضد عوامل اليأس والاستسلام للظروف وهي تعد حافزاً لمواصلة العمل والسير نحو تحقيق الاهداف على مختلف الاصعدة، إذ إن المجتمعات المادية تفتقر الى مثل هذا الحافز القوي والدافع الكبير الذي يجعل من الانسان متحركاً نحو ما يؤمن به غير ساكن الى العوائق والسدود التي تقف في طريقه فيسير متجهاً نحو كمالاته المرسومة له على صعيد الدنيا والآخرة ، فتتكئ مثل هذه المجتمعات على نظريات وضعية قد تتناسب او لا تتناسب مع الحاجات الفعلية للنفس البشرية ومع الاهداف النهائية التي رسمها الله سبحانه وتعالى لمصير الانسان .
لذا لابد لنا كمسلمين أن نستفيد من النصوص القرآنية التي فيها بشارة أو إنذار لتكون حافزاً لنا على الالتزام بأوامر الله تعالى ونواهيه والى المبادرة الى العمل الذي يقربنا الى ساحة الرضا الالهي ويبعدنا عن سخطه وعذابه .
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

الرجاء الضغط على المربع أدناه

جاري التحميل ...

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...

جاري التحميل ...