أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
الوصايا العشر في سورة الحجرات (الجزء الأول)
الوصايا العشر في سورة الحجرات  (الجزء الأول)
الكاتب : زيد مدّوحي هادي

تأريخ النشر : 2021-07-06

نحن أمةٌ شرَّفنا اللهُ بهذا القرآنِ، وجعله تاجَ فخرٍ على رؤوسنا؛ كتابٌ فيه رفعتنا ومستقبلنا، ومنه نستمد قوتنا، ونستقي دستورنا ومنهجنا.
وحاجة المسلمين والشباب خاصة لهذا الكتاب في عصرنا الحاضر حاجة ماسة، فقد وهنت الأمة وتكالب عليها الأعداء؛ ينهشون جسدها، ويشوهون فكرها، ويهزون ثقة شبابنا بها، ويهدّون ثوابتها، حتى بتنا مسخاً هزيلاً مستباحاً لكل أحد، فتحكّم الأعداء في مصائرنا، ومدّوا يداً خبيثة تسرق شبابنا من بين أيدينا باسم التحضر والتمدُّن، وتحت غطاء مواكبة موجات الحضارة المتلاحقة؛ لذا كان لزاماً على أفراد الأمة الناصحين فيها أن يهبّوا لإفشال خطط الأعداء، فينادوا بالعودة إلى كتاب الله؛ ليكون هو المرجع والمصدر والدستور والمنبع، وهو المربي الأول للنشء، وهو المقوم والموجه، حتى لا تتلقف عقول شبابنا أيدي العابثين فيشوّهوهم.
ومن إعجاز القرآن الكريم أن يخاطبنا في كل زمان، وكأنما قد نزل في هذا الزمان، وعايش أحداثه حال وقوعها، وفي هذا المقال نبيّن مجموعة وصايا تكلّم بها القرآن الكريم في سورة الحجرات التي هي واحدة من مجموعة سور جُمعت بها دساتير مهمة وهي إحدى أهم مصادر الهداية.
إذن: نحن مع عشر وصايا نقتبسها من سورة الحجرات المباركة، ولا يسع المقام أن نعرضها سوية مرة واحدة؛ لذا سنبيّن القسم الأول منها في هذا الجزء، ويأتي الباقي في المقالة التالية (الجزء الثاني).
***
الوصية الأولى:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌لَا ‌تَرْفَعُوا ‌أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢].
هذه الوصية مهمّة في عصرنا الحالي؛ وهي النهي عن رفع الصوت بدرجة أعلى من صوت النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي مهمة في عصرنا لأن الامتداد الحقيقي للنبي (صلى الله عليه وآله) هم العلماء، فإذا كانت الآية نهت المؤمنين عن أن يرفعوا أصواتهم على صوت النبي في ذلك الزمان؛ فينبغي لنا نحن في هذا الزمان أن نطبّق خفض الصوت عند مَن يمثل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالآية تنبه الناس أن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي (صلى الله عليه وآله)؛ لأن ذلك سبب في إحباط الأعمال.
ولقد بعث الله نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله) مُعلّماً للناس هادياً لهم؛ قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ‌وَيُزَكِّيهِمْ ‌وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سورة الجمعة: 2]، فهو (صلى الله عليه وآله) المعلّم الأوّل للنّاس بعامّة، ولهذه الأمّة بخاصّة، فمن كان بمثل صفته (صفة المعلّم) هل ينبغي أن نرفع أصواتنا فوق صوته؟ لأن ذلك أمر مخالف للأدب، فلا يصح رفع الصوت عند الأب والأم والمعلّم والعالم.
***
الوصية الثانية:
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
هذه الآية تبيّن وظائف مهمة على هذه الأُمّة إزاء نبيّها. وتقول: ينبغي الاستقصاء عند نقل الخبر إلى النّبي، فلو أنّ فاسقاً جاءكم بنبأ، فتثبّتوا وتحقّقوا من خبره، ولا تكرهوا النّبي على قبول خبره حتى تعرفوا صدقه... فتقول الآيات أوّلاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾. ثمّ تبيّن السبب في ذلك فتضيف: ﴿أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
فلو أنّ النّبي قد أخذ بقول «الوليد بن عقبة» وعدّ قبيلة بني المصطلق مرتدّين وقاتلهم لكانت فاجعة ومصيبة عظمى.
ويستفاد من لحن الآية التالية أنّ جماعة من أصحاب الرّسول أصرّوا على قتال بني المصطلق، فقال لهم القرآن: إنّ هذا هو الجهل بعينه وعاقبتُه الندم.
كم من الناس الآن ينقلون الأخبار من دون استقصاء؟! وهذا ما ينشر الفتنة والبغضاء بين الناس، سواء في الأسرة أو المجتمع.
فيكون الحل الأمثل للحد من الفتنة والبغضاء بين الأصدقاء والأسرة وغيرهم من خلال أمرين مهمين (الأول): هو التأكد من صحة الخبر، (والثاني): التأكد من هوية ناقل الخبر.
***
الوصية الثالثة:
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].
جاء في كتب التفسير: آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين المسلمين، حتى آخى بين أصحابه أجمعهم على قدر منازلهم، ثم قال لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «أنت أخي وأنا أخوك».
ثمّ يبيّن القرآن أمراً مهمّاً فيقول: ﴿… فَأَصْلِحُوا …﴾؛ أي: لا ينبغي أن يقنع المسلمون بالقضاء على قوة الطائفية الباغية الظالمة، بل ينبغي أن يعقب ذلك الصلح، وأن يكون مقدّمة لقلع جذور عوامل النزاع، وإلاّ فإنّه بمرور الزمن ما إن يَـحُسّ الظالم في نفسه القدرة حتى ينهض ثانية ويثير النزاع.
وقد توسّعت في هذا العصر رقعة التواصل بين أوساط الشباب، وكثُرت العلاقات، وفي الوقت نفسه يكثر النزاع، فدور الشاب الحكيم المؤمن الواعي أن يحد من النزاع ويصلح بين أفراد المجتمع.
***
الوصايا (الرابعة والخامسة والسادسة):
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ‌كَثِيرًا ‌مِنَ ‌الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٢].
إنّ في الآية ثلاث قضايا أخلاقية هي: اجتناب سوء الظن، والنهي عن التجسس، والنهي عن الاغتياب، وإنّ هذه الأمور الثلاث مرتبطة فيما بينها، فسوء الظن باعث على التجسس، والتجسس باعث على كشف الأسرار وما خفي من أمور الناس، والاطلاع عليها يستوجب الغيبة، والإسلام ينهى عنها جميعاً.
ففي هذه الآية يبدأ القرآن فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ‌كَثِيرًا ‌مِنَ ‌الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾، والمراد من «كثيراً من الظن» الظنون السيّئة التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس؛ لذلك عبّر عنها بـ«الكثير»، وإلاّ فإنّ حسن الظن لا أنّه غير ممنوع فحسب، بل هو مستحسن كما يقول القرآن في الآية من سورة النور: ﴿‌لَوْلَا ‌إِذْ ‌سَمِعْتُمُوهُ ‌ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [من الآية 12].
وممّا يلفت النظر أنّه قد نُهي عن كثير من الظنّ، إلاّ أنّه في مقام التعليل تقول الآية: ﴿إنّ بعض الظنّ إثمٌ﴾، ولعلّ هذا الاختلاف في التعبير ناشئٌ من أنّ الظنون السيّئة بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له؛ فما خالف الواقع فهو إثم لا محالة، ولذلك قالت الآية: ﴿إنّ بعض الظنّ إثمٌ﴾، ويكفي العاقل أن يعرف هذا البعض من الظنون الذي عُبّر عنه بـ«الإثم»؛ لأنّه يدعوه إلى تجنُّب سائر الظنون؛ لئلّا يقع في الإثم.
إذن: هذه ست وصايا نافعة؛ مستخلصة من التدبُّر في سورة الحجرات؛ نلخصها فيما يأتي:
1. التثبت من الأخبار قبل إشاعتها.
2. خفض الصوت.
3. الإصلاح المجتمعي.
4. اجتناب ظنّ السوء.
5. النهي عن التجسّس.
6. النهي عن الغيبة.
وسنكمل الوصايا الأربع الأخرى في الجزء الثاني إن شاء الله.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

الرجاء الضغط على المربع أدناه

جاري التحميل ...

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...

جاري التحميل ...