أنت في الصفحة : بحوث

بحوث
أهل البيت في القرآن
أهل البيت في القرآن
الباحث : م.م. سرمد فاضل الصفار

تأريخ النشر : 2021-07-06

أهل البيت في القرآن/ (مركز علوم القرآن وتفسيره وطبعه)
آية التطهير (1) : المفاد اللغوي لآية التطهير
﴿...إِنَّما يُريدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرا ﴾
آية التطهير التي يصطلح على تسميتها مُفَسِّرو الشيعة والسنَّة، هي الجزء الأخير من الآية ( 33 ) من سورة الأحزاب، وهي واقعة بين آيات يغلب عليها خطاب الوعد والوعيد والتحذير والتشديد لنساء النبي محمد  .
وقد استدلّ بها الشيعة على طهارة أهل البيت، وعصمتهم من كل خطيئة أو مستقبحٍ لدى الشرع والعقل، و قالوا: أنّها نزلت في خصوص أصحاب الكساء الخمسة، ( النّبيّ ، وعلي بن أبي طالب، وفاطمة بنت الرسول، وابنيهما الحسن والحسين  )، ولهم في ذلك أدلة.
بينما ذهب جمهور علماء أهل السنّة والجماعة إلى أنّ آية التطهير تدلّ على طهارة أهل البيت  من الشرك ، أو من الإثم ، أو من السوء، ومن وساوس الشيطان، .. وغيره، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت ، ولكن رغم قولهم بتطهير أهل البيت () من كل ما ذكروه، إلاَّ أنَّهم لم يذهبوا للتصريح بعصمتهم، التي هي نفي الإثم والمعاصي والوساوس عنهم  .
وكذلك قالوا بشمول آية التطهير لنساء النّبيّ ، مستندين في ذلك على رواية لابن عبّاس، وقول لعكرمة البربري مولى عبد الله ابن عبّاس، وبعضهم استدلّ بوحدة السياق، لكون آية التطهير وقعت بين آيات تتكلم حول نساء النّبي  .
ونحن سنستعرض دلالات الآية من حيث اللغة وسبب النزول والسياق والروايات، بيد اننا في هذا المقال سنكتفي بعرض مفاد الآية عند اللغويين.
معاني مفردات الآية
تضم آية التطهير مجموعة من المفردات، سنستعرضها مع بيان دلالتها، وهي:
• ﴿إِنَّمَا﴾ : لفظة مركبة من حرفين " إنّ " التي تفيد معنى الإثبات، و " ما " الكافة، ومع الجمع بين الحرفين تصير " إِنَّمَا " التي هي أداة تفيد معنى الحصر والقصر، أي حصر أمرٍ بأمرٍ آخر على وجه التخصيص به، فالتأكيد إذا ما أعقبه نفي يدلّل على معنى الحصر على قول المشهور، وعملها في الآية هو حصر إرادة المولى تعالى في إذهاب الرجس وتطهير من يصدق عليه عنوان - أهل البيت- .
• ﴿يُرِيدُ﴾:وفيها إنّ القَرْن الحاصل بين لفظة " يُرِيدُ " مع لفظة الجلالة « الله »، يدلّل على كون الإرادة الواردة في الآية والمتعلقة بتطهير أهل البيت وإذهاب الرجس عنهم، هي الإرادة الإلهية، التي هي صفة من صفاته تعالى، وهذه الإرادة تتعلق بالموجودات المادية أو المعنوية على نحوين:
1. إمّا أن تكون في تعلقها بالشيء على نحو إيجاده الحتمي فتسمى حينئذ " إرادة تكوينية " والتعلّق بهذا النحو لا يمكن أن يتأخر فيه الشيء المُراد عن إرادة المولى تعالى، وبالتالي فوجود الشيء المراد تحقّقه حتمي لا محال، وهذا المعنى من الإرادة نلحظه في الأمور الإيجادية أو الاعدامية أي إيجاد الشيء أو إعدامه، وهذا ما يدلّ عليه قوله تعالى:﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، الذي وقع بعد جملة من الآيات التي تتحدث عن الخلق والإيجاد.
2. وإمّا أن تكون في تعلّقها بالشيء على نحو التنظيم والتشريع والتقنين، فتسمى عند ذلك " إرادة تشريعية "، وهذا النحو من التعلق يمكن أن يتأخر فيه المُراد عن إرادة المولى تعالى لأنّه يفيد معنى التخيير لا أكثر، أي أنّ إرادة المولى تعالى تتعلّق بالشيء الذي فيه مصلحة فيوجب القيام به أو تتعلّق بما فيه المفسدة فينهى العبد عن ارتكابه، ثمّ يترك للعبد الخيار أيهما يختار، والإرادة بهذا النحو تكون في المسائل التشريعية والتنظيمية لا المسائل التي فيها خلق وإيجاد أو إعدام، وهذا نجده في قوله تعالى:﴿وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الذي وقع كتعليل من المولى تعالى على تشريعه لجملة من الأحكام الشرعية التي ذكرها قبل هذا القول الكريم.
• الإرادة في ظاهر الآية متعلقة بأحد قولين:
القول الاول: إرادة تكوينية تتعلق باهل البيت :ولهذا القول قرائن عديدة من آية التطهير نفسها، منها : العناية الخاصة التي أولاها المولى تعالى بأهل البيت في هذه الآية الكريمة، وهذه العناية يكشفها الآتي: فمع العودة للآية يُلحظ أن المولى تعالى قد ابتدأ الآية بأداة الحصر، التي تحصر إرادته بإذهاب الرجس وتطهير أهل البيت ، فلو كانت إرادته تشريعية لما كان للحصر معنى.
القول الثاني: إرادة تشريعية تتعلق بنساء النبي: يرى السيد جعفر العاملي ان الإرادة الواردة في الآية إرادة تشريعية، وقد تعلقت بالأوامر والزواجر الموجهة الى زوجات النبي ، وهي منبثقة عن إرادة تكوينية تعلقت بإبعاد الرجس عنهم، والتطهير لهم، ولم تتعلق بنفس الفعل الصادر عن «أهل البيت»؛ حيث إنه تعالى لم يقل: يريد الله أن يجعلكم تفعلون هذا وتجتنبون ذاك مثلاً؛ لتكون إرادتهم مقهورة لإرادته سبحانه تعالى التكوينية.
بل تعلقت بإبعاد الرجس عنهم، بتوجيه الأوامر والنواهي لغيرهم إكراماً لهم، مع إبقاء إرادتهم حرة طليقة، من دون أدنى تعرض لها. بل قد صرف النظر عنها بالكلية.
وعلى كلا التقديرين يستفاد من هذه الإرادة تنزيه اهل البيت عن الرجس مطلقاً.
• ﴿ليُذْهِبَ﴾ : فعل مضارع مشتق من " الإذهاب " الذي هو بمعنى الإزالة.
• ﴿عَنْكُم﴾ : جار ومجرور، والمجرور ضمير متصل للجمع المذكر، ويجوز استعماله في الجمع المختلط بين الذكور والإناث، وهذا متفق عليه بين الجميع.
• ﴿الرِّجْسَ﴾ : بكسر الراء وتشديدها مشترك معنوي له معنى واحد عام وهو كل ما هو مكروه ومستقذر، وهذا المعنى له مصاديق وأفراد عدّة منها الكفر والإثم والمعصية والشرك والشك وغير ذلك.
• ﴿أَهْل البَيْتِ﴾: المقصود بأهل البيت في آية التطهير، هم أصحاب الكساء، وبالتحديد الرسول الأكرم و الإمام علي بن أبي طالب و السيدة فاطمة الزهراء وابنيهما الحسن و الحسين ، وقد نصَّت على ذلك الروايات الواردة من طرق الشيعة و السنّة على حدٍّ سواء، والتي تحدّد من هم أهل البيت المقصودون في الآية الكريمة.
• ﴿يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ : لفظ يفيد معنى التنقية وإزالة البواقي، والتطهير يفيد أيضا معنى الإزالة من خلال إزالة الأسباب، وعليه فيكون معناه في آية التطهير، أنّ المولى تعالى يريد أن يزيل الرجس من أهل البيت من خلال إزالة أسبابه المولِّدة له.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

الرجاء الضغط على المربع أدناه

جاري التحميل ...

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...

جاري التحميل ...