(191)
يعطيك مرة السمين ومرة الثاوي ومرة المهزولة ، واشتر معاينة يداً بيد » (1) الا أن ادوات الضبط في هذه الايام متوفرة اكثر مما مضى من الزمان ، فما دامت القاعدة هي انضباط السلعة بما يرفع الجهالة ولا يؤدي الى الغرر وعزة الوجود فيصح السلم فيه اذا وجدت ادوات انضباطه في هذه الايام وإن منع فيه سابقاً لعدم انضباطه.
    وعلى هذا المقياس فلا يجوز السلم في الجواهر واللآلي لتعذر ضبطها بحيث ترفع الجهالة ولا يؤدي إلى عزة الوجود ، وذلك لتفاوت الاثمان مع اختلاف اوصافها بالحجم والوزن واللون ، نعم هناك من الاحجار الصغيرة التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتاً بيّناً ، اذ هي تُباع بالوزن مثلاً ، فيجوز فيها السلم.
    هذا وقد اطلقت الروايات جواز السلم فيما ينضبط وعدم الاداء الى عزة الوجود فقالت : « لا بأس بالسلم في المتاع اذا وصفت الطول والعرض ، ولا بأس بالحيوان اذا وصفت اسنانها » (2) وكأنها اتكلت على العرف الذي يكون عارفاً باوصاف الانضباط اكثر من الفقيه احياناً.
    وعلى هذا فيجوز السلم :
    1 ـ في الخضر والفواكه وكل ما انبتته الارض.
    2 ـ وفي الحيوان كلّه والعبيد.
    3 ـ وفي الالبان والسمون والشحوم والاطياب.
    4 ـ وفي الالبسة والاشربة والادوية.
    5 ـ ويجوز في جنسين مختلفين صفقة واحدة وغير ذلك مع ضبطه بما تقدم.

مفهوم صفة التعيين في السلع التي يمتـنع معها السلم :
    لقد تقدم ذكر السلع التي يجوز فيها السلم بشرط انضباطها بما يؤدي الى رفع
     (1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 2 من السلم ، ح 1.
     (2) المصدر نفسه ، باب 1 من السلم ، ح 1 ـ 3.

(192)
الغرر وعزة الوجود. وعلى هذا فاذا كانت الصفة التي ذكرت في السلعة لتعيينها قد استقصيت فأدت الى عزة (1) الوجود ، فيمتنع فيها السلم ، وقد علل بانه يؤدي الى التنازع والفسخ فهو مناف للمطلوب من السلف.
    وقد نقول : إن التعيين اذا ادى الى عزة الوجود ارتفع شرط ان تكون السلعة موجودة غالباً بحسب العادة وقت الحلول فيبطل السلم.
    ومن الامثلة على التعيين في السلع التي يمتنع معها السلم ما اذا اشترط الأجود ، فإنَّ هذا العنوان غير منضبط ، اذ ما من جيد الا ويمكن وجود أجود منه.
    وكذا اشتراط الاردأ : فان الاكتفاء ( في المرتبة الثانية من الرديء ، ودفع الاردأ إن وجد فقد تحققت الافضلية ، والا فدفع الجيد عن الرديء جائز وقبوله على المشتري لازم فيصح شرط الاردأ ) لا يفيد وذلك لان ضبط المسلَم فيه ( المبيع المؤجل ) يعتبر على وجه يمكن الرجوع اليه عن الحاجة سواء امتنع وجوده ام لا ، ومن جملة موارد الحاجة ما لو امتنع المسلَم اليه من دفعه ، فان الحاكم الشرعي يتدخل في أخذه قهراً ، وهو غير ممكن ، وذلك لان الجيد غير متعيّن عليه فلا يجوز لغير مالكه دفعه ، واما الرديء فما ممن رديء الا ويوجد اردأ منه ، فيتضح عدم الصحة في هذا العنوان.
    نعم : اذا اشترط الجيد والرديء فهو امر جائز لامكان تحصيلهما بسهولة ، فان الواجب اقل ما يطلق عليه اسم الجيد ، فان زاد عنه زاد خيراً ، وكذا الرديء ، وكلما قلّل الوصف فقد احسن.
    والخلاصة : فكل شيء لا يمكن ضبطه بالوصف بمعنى انه يبقى بعد بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره جهالة فاحشة مفضية الى التنازع لا يصح فيه السلم. ولعل دليل ذلك هو ان السلم بيع ، فيكون المسلَم فيه مبيعاً ، والمبيع يحتاج الى أن يتعين بالتعيين ، فاذا كان التعين لا يعينه كما تقدم فلا يصح فيه السلم.
     (1) المراد من عزّة الوجود ممتنعهُ.
(193)
الصنف الواحد والاصناف المتعددة :
    هل تُعد السلعة الواحدة ذات العلامات التجارية ( الماركات ) المتعددة ، صنفاً واحداً ام اصنافاً متعددة ؟
    ان السلعة الواحدة ذات العلامات التجارية ( الماركات ) المتعددة كمناديل تنظيف اليد والحليب والحبوب والادهان والفواكه واشباهها قد تكون على انحاء :
    النحو الاول : اذا كانت تختلف من ناحية الثمن اختلافاً لا يتسامح بمثله ، ومعنى ذلك وجود اختلاف في خصوصيات الافراد كالجودة والرداءة وامثالهما ، ففي هذا الصورة تعدّ السلعة اصنافاً متعددة ، كالحنطة العربية والكردية والاسترالية ، فان اختلاف الثمن مع كون العنوان واحداً يكون بملاك اختلاف خصوصيات الافراد ، وهذا يجعل الحنطة اصنافاً ، فان لم يذكر في السلم صنفاً واحداً معيناً كانت الجهالة موجودة. وعندما يقول الفقهاء : ان المشتري او البائع للسلم « لا يطلب في الوصف الغاية ، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم » فالمراد الاقتصار على ما يتناوله العنوان الذي يزيل اختلاف اثمان الافراد الداخلة في العين.
    النحو الثاني : اذا كانت لا تختلف من ناحية الثمن لعدم اختلاف الخصوصيات في الافراد ، ففي هذه الصورة تعدّ العلامات التجارية المتعددة صنفاً واحداً عرفاً كالذَِرة التي تكون من صنف واحد ، ولكن مقدمات عرضها المتساوية وعرضها للاسواق تقوم به شركات متعددة ولكل واحدة منها ماركة خاصة ، ففي هذه الصورة لا يوجد بين افراد السلعة اختلاف في الخصوصيات وينبغي أن لا يكون هناك اختلاف في الثمن عرفاً الا نادراً ، وبهذا فسوف تكون السلعة هذه صنفاً واحداً وإن تعددت الماركات.
    النحو الثالث : اذا كانت السلعة الواحدة ذات الماركات المتعددة لا تختلف من ناحية خصوصيات الافراد ولكن تختلف من ناحية الثمن بسبب بعض الامور الجانبية ، مثل ان تكون هذه الشركة في مكان بعيد يوجب نقل السلعة الى هذا البلد


(194)
اجوراً اضافية فتكون السلعة اعلى سعراً من الشركة المحلية التي تعرض السلعة نفسها في نفس البلد بدون أجر يضاف الى تصنيعها او عرضها ، ففي هذه الصورة تكون السلعة صنفاً واحداً وإن كانت ماركاتها متعددة واثمانها مختلفة ، لان المدار في اختلاف الاثمان الذي يوجب ذكر الاوصاف هو الذي يوجب اختلاف الاوصاف بين الافراد ، أما اختلاف الاثمان هنا فهو ناتج عن امور جانبية لا عن اختلاف الاوصاف والخصوصيات. فعلى هذا تكون الماركات المتعددة صنفاً واحداً.
    وكمثال على ذلك : أن الحنطة المزروعة في مكان واحد وزمان واحد تشترى من قبل شركات متعددة ، فبعضها في نفس بلد الزراعة. وبعضها في بلد آخر يبعد عن بلد الزراعة بآلاف الكيلومترات ، ثم تجري عليها عمليات واحدة قبل عرضها للاسواق ثم تعرض بعد ذلك ، وهنا سوف يكون ثمن الشركة المحلية للكيلو الواحد من الطحين أرخص من ثمن الشركة البعيدة إذا وصل نتاجها المطحون إلى بلد الشركة المحلية ، فهنا لا يوجد اختلاف في الخصوصيات ووجد الاختلاف في الثمن ، فتكون الماركات المتعددة من هذا القبيل صنفاً واحداً.
    النحو الرابع : اذا كانت السلعة الواحدة ذات الماركات المتعددة لا تختلف من ناحية خصوصيات الافراد ولكنها تختلف من ناحية الثمن بسبب اختلاف عمليات ما قبل العرض في الاسواق كأن تكون السلعة الصادرة من الشركة المعينة تحمل قابلية بقائها صالحة للاستعمال اكثر من السلعة الصادرة من شركة اخرى بسبب خلط المواد المبعدة للتعفن والمبقية للسلعة على طراوتها مدة اطول من قبل الشركة الاولى دون الثانية ، فهنا سوف يكون اختلاف بين السلع الصادرة من شركات مختلفة الا ان الاختلاف ليس في نفس السلعة ، اذ المفروض ان السلعة واحدة ومن مزرعة واحدة ولكن الاختلاف هو في التصنيع الذي يجعل بعض الافراد يرغب اكثر لهذه الشركة التي صناعتها اجود من الاخرى ، وعلى هذا فسوف يكون اختلاف الماركات كاختلاف الاصناف للسلعة الواحدة.


(195)
تنبيه :
    ما لو فرضنا ( النحو الثاني والثالث ) الذي يجعل الماركات المتعددة صنفاً واحداً ، ولكن المشتري اشترط في صفقة السلم الماركة المعينة ولتكن الاغلى ثمناً او الارخص ثمناً ، ولكن بهدف إرباح هذه الشركة التي له معها رابطة خاصة ، فهل تعدّ الماركات المتعددة اصنافاً متعددة فيجب على البائع أن يلتزم فيدفع ما شرط عليه ، او يجوز له ان يدفع السلعة من الماركات الاخرى ؟
    الجواب : ان الماركات المختلفة وإن كانت تعد صنفاً واحداً ، ولكن حكم هذه الصورة هوحكم السلعة ذات الاصناف المتعددة ، وقدجاءهذاالحكم من قبل الشرط ، فان القاعدة القائلة : « المسلمون عند شروطهم » توجب العمل بالشرط اذا كان لهذا الشرط فائدة تعود للشارط وإن لم يكن الشرط موجباً لاختلاف الافراد.
    وبهذا التفصيل الذي تقدم اتضح أثر اختلاف العلامات التجارية في تعدد أصناف السلع المسلَم فيها ، فان الماركة المعينة اذا كانت توجد في السلعة ( ذات العنوان المشترك مع آلاف السلع ) خصوصيات معينة تجعلها متميزة عن بقية السلع بدون هذه الميزة ، فإنَّ ذكر هذه الميزات في عقد السلم يكون لازماً لرفع الجهالة والغرر فان فرضنا ان شركات صنع الورق او المناديل تختلف في صناعة الورق الى صقيل وخشن وكذا المناديل ، فان عقد السلم الذي يوجد في الخارج لابدّ فيه من ذكر الصفة التي تميّز افراد ذلك النوع والا لأدّى الى الغرر المنهي عنه.

اشتراط قبض بضاعة السلم قبل بيعها والحكمة في ذلك :
    عقد علماء الاسلام في هذا الموضوع بحثين :
    الأول : هل يجوز بيع بضاعة السلم قبل حلول الأجل ؟
    الثاني : هل يجوز بيع بضاعة السلم بعد حلوله وقبل قبضه ؟

البحث الأول : هل يجوز بيع بضاعة السلم قبل حلول الأجل ؟
    وقد ذكر بعض علماء الاسلام عدم الجواز ، وكان دليله المدعى الاجماع


(196)
المحكي إن لم يكن محصّلاً فقد ذكر صاحب الجواهر ( قدس سره ) الدليل فقال : « للاجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد وغيرها ، وعن كشف الرموز إن لم يكن محصّلاً » (1). وقد صرح بان المنع من بيع بضاعة السلم قبل حلول الاجل ليس لأجل عدم ملكية البضاعة للمشتري ، لان العقد هو السبب في الملك ، والاجل يكون لأجل المطالبة. كما ان المنع ليس لاجل عدم القدرة على التسليم اذ أن القدرة على التسليم في البيع الآجل تكون عند الأجل (2).
    وقد ذكر في كتاب الجواهر فتوى نسبها الى كتاب الوسيلة ( لابن حمزة ظاهراً ) تخالف هذا الاجماع وهي : « واذا أراد أن يبيع المسلف ما أسلف فيه من المستسلِف عند حلول الاجل او قبله بجنس ما ابتاعه باكثر مع الثمن الذي ابتاعه لم يجز ، ومن باع بجنس غير ذلك جاز » فقد جوّز بيع السلم على البائع بجنس آخر غير المسلم فيه ، وذكر صاحب الجواهر ايضاً مخالفة بعض متأخري المتأخرين استناداً الى عمومات حلّ البيع ونحوها ، ولكنه تهجّم عليهم بعد ذلك.
    وقد ذكر عن الامام مالك في المدونة الكبرى ( 4/88 ) الحديث عن السلم في غير الطعام فقال : « وما اسلفت فيه من العروض الى أجل من الآجال فأردت أن تبيعه من صاحبه فلا بأس أن تبيعه منه بمثل الثمن الذي دفعته اليه او ادنى منه قبل محل الأجل ... وإن اردت أن تبيعه من غير صاحبه ، فلا بأس أن تبيعه منه بما شئت بمثل الثمن او اكثر او أقل ، او ذهب او ورق او عرض من العروض او طعام إلاّ أن يكون من صنفه فلا خير فيه ، ولا بأس أن تبيعه ـ وإن لم يحل الاجل ـ بما يجوز ... » (3). وهذا النص جوّز بيع بضاعة السلم غير الطعام على غير البائع قبل
     (1) جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ، للمحقق صاحب الجواهر ، ج 24 ، ص 320.
     (2) جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ، للمحقق صاحب الجواهر ، ج 24 ، ص 320.
     (3) نقلنا هذا النص عن بحث الدكتور على السالوس المقدم الى الدورة الثانية لمجمع الفقه الاسلامي تحت عنوان تطبيقات شرعية لاقامة السوق الاسلامية ، ص 6.

(197)
حلول الاجل بمالا يكون ربا محرماً.
    ولكن الشيخ صاحب الجواهر الذي ذكر فتوى الوسيلة ادعى تقدم الاجماع عليها وتأخره عنها ، فبناءً على حجية هذا الاجماع التعبدي يكون بحساب الاحتمال كاشفاً عن رأي المعصوم ( عليه السلام ) فسوف تكون النتيجة ـ كما هي الحق ـ عدم جواز بيع بضاعة السلم قبل حلول اجلها ، وأظن ظناً قوياً بان المراد من منع بيع البضاعة السلمية قبل القبض ، الصادر من مجمع الفقه الاسلامي الموقَّر في دورته السابعة هو بيعها قبل حلول أجلها حيث ان المنع من بيع البضاعة السلمية قبل القبض مخصوص بالمكيل او الموزون او بالطعام كما سيأتي ذلك.

البحث الثاني : هل يجوز بيع بضاعة السلم بعد حلوله وقبل قبضه ؟
    وهذه المسألة خلافية عند علماء الاسلام نستعرضها بشيء من التفصيل والتقسيم ، فنقسم البحث الى قسمين :
    القسم الاول : هل يجوز بيع بضاعة السلم بعد حلوله وقبل قبضه على غير البائع ؟
    القسم الثاني : هل يجوز بيع بضاعة السلم بعد حلوله وقبل قبضه على نفس البائع ؟
    اما القسم الاول : اقول : هناك مسألة اعم من هذه المسألة من جهة واخص من جهة وهي مسألة : « جواز بيع المبيع قبل قبضه ( سلماً او غير سلم ) وعدمه » ومسألتنا الخاصة في السلم التي هي بيع البضاعة السلمية قبل قبضها ، هي من مصاديق المسألة العامة ، لذا سوف نبحث عن المسألة العامة فيتضح الامر في مسألتنا الخاصة ، فنقول :
    في هذه المسألة العامة ثلاثة اتجاهات فقهية :
    الاول : يرى عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقاً ( كان المعقود عليه طعاماً ام غيره وسواء كان مكيلاً او موزوناً ، عقاراً او منقولاً ) وذهب الى هذه الاتجاه


(198)
الامام الشافعي (1) وأكثر أصحابه والامام احمد في رواية (2) وجمع غفير من العلماء.
    الثاني : يرى جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقاً ، وذهب اليه بعض ، كعطاء بن أبي رباح وعثمان البتي (3). وذهب اليه بعض الامامية على كراهة (4).
    الثالث : تفاصيل اهمها : التفصيل بين بيع المكيل والموزون قبل قبضه فهو لا يجوز الا تولية ، وبين غيره فيجوز وذهب اليه مشهور فقهاء الامامية قديماً وحديثاً (5).
    ولا بأس بالتنبيه الى أن النهي الوارد هنا دال على الفساد ( اي الارشاد الى عدم امضاء المعاملة ) : فيكون معنى اذا اشتريت متاعاً فيه كيل او وزن فلا تبعه الا بعد كيله او وزنه هو اشتراط القبض في صحة البيع الثاني.
    والذي يهمنا هنا هو ما ينساق اليه الدليل من هذه الاتجاهات الثلاثة فنقول :

البيع قبل القبض عند المذاهب السُنيّة :
    كأن المسألة غير منصوصة عند غير علماء الامامية ، حيث ذُكِرَ أنَّ : « أصل الخلاف يعود الى مسألة الضمان ، هل هو من ضمان البائع ام من ضمان المشتري ، وهل ذلك الضمان يمنع المشتري من التصرف فيه ؟. فمالك واحمد في المشهور عنه ومن معهما قالوا : إن ما تمكن المشتري من قبضه فهو من ضمانه ، وأن المشتري يستطيع ان يتصرف في المبيع قبل التمكن من قبضه ، لأن ضمان البائع له لا يمنع تصرف المشتري
     (1) ألاُم 3 ، 60.
     (2) المغني لابن قدامة 4 ، 121 ـ 123.
     (3) المحلى لابن حزم 8/597 و المغني 4/220.
     (4) المختصر النافع ، ص 148.
     (5) هناك التفصيل بين بيع الطعام قبل قبضه فلا يجوز وبين بيع غير الطعام قبل قبضه فهو جائز ، ذهب اليه الامام مالك كما في المشهور عنه والامام احمد في رواية عنه. المدونة 4/90 والمغني 4/120.

(199)
الذي انتقلت اليه ملكية المبيعوالمسلم فيه بمجرد العقد. قال ابن تيمية : « فظاهر مذهب احمد ان جوازالتصرف فيه ليس ملازماً للضمانولا مبنياًعليه ، بل قد يجوز التصرف فيه حيث يكون من ضمان البائع كما ذكر في الثمرة وصنائع الاجارة وبالعكس كما في الصبرة المعينة ». بينما ربط أبو حنيفة والشافعي جواز التصرف بالضمان ، فاذا لم ينتقل الضمان الى المشتري لا يجوز له التصرف فيه حتى لا يتوالى الضمانان » (1).
    وبما اننا لا نجد اي محذور في وجود ضمانات متعددة اذا كانت السلعة عند البائع وباعها المشتري الى مشتري ثاني ، وباعها المشتري الثاني الى ثالث وهكذا ، فاذا تلفت السلعة عند البائع قبل ان يسلمها فيكون المشتري الثاني ضامناً للمشتري الثالث ويكون المشتري الاول ضامناً للمشتري الثاني ويكون البائع ضامناً للمشتري الاول ، فيستقر الضمان على البائع الذي تلفت السلعة عنده قبل ان يسلمها الى المشتري الاول « ولم نجد اي شاهد من اصول الشرع لمنع ان تتوالى الضمانات ، ولم نشاهد حكماً علّق الشارع فساده على توالي الضمانات » بل قد ورد النص عند المذاهب في تجويز التصرف في المبيع قبل ان يتسلمه المتشري ، فهو مع انه مضمون على البائع يتمكن المشتري من بيعه بجنس آخر ، وهو رواية ابن عمر : « كنت أبيع الابل بالنقيع ، فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو في بيت حفصة ، فقلت : يا رسول الله رويدك ، أسألك إني أبيع الابل بالنقيع فابيع بالدنانير وآخذ بالدراهم وابيع بالدراهم وآخذ الدنانير. آخذ هذه من هذه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها مالم تتفرقا وبينكما شيء » ـ (2) ، كما قد ورد عن كل المذاهب جواز التصرف في الثمرة المشتراة على النخل مع ان ضمانها اذا تلفت يكون على البائع ، فما نحن فيه ايضاً كذلك حيث يتصرف المشتري قبل القبض مع ان الضمان
     (1) راجع مجموع الفتاوى 29/5 ـ 6 ـ 509 عن تطبيقات شرعية لاقامة السوق الاسلامية المشتركة د. علي القرة داغي.
     (2) مسند أحمد ، ج 2 ، ص 82 ، 154.



(200)
على غيره ، فاذا حصل تلف ، حصل توالي الضمان.
    اذن تكون النتيجة بناء على الخلاف السابق هو جواز بيع السلعة المشتراة قبل قبضها لعدم ما يمنع من ذلك شرعاً ، ونهي النبي ( صلى الله عليه وآله ) على ما نسب اليه عن ربح مالم يضمن لا يمنع من النتيجة السابقة حيث يقال بجواز بيع مالم يقبض بسعر اليوم ، والبيع بسعر اليوم قبل القبض يكون خالياً عن الربح ، فلم يربح فيمالم يضمنه.
    نعم ورد النهي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن بيع الطعام قبضه ، ولكن ذكر ابن القيّم ان هذا النهي « انما هو في الطعام المعين او المتعلق به حق التوفية من كيل او وزن فلا يجوز بيعه قبل قبضه » (1).

البيع قبل القبض عند الامامية :
    لقد وردت النصوص عند الامامية عن اهل البيت ( عليهم السلام ) تمنع من بيع المكيل او الموزون قبل قبضه ، وتجيز ما سوى ذلك واليك بعض الروايات :
    1 ـ صحيحة منصور بن حازم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : « اذا اشتريت متاعاً فيه كيل او وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا أن توليه ... » (2).
    2 ـ صحيحة الحلبي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) انّه قال : « في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكال ؟ قال ( عليه السلام ) : لا يصلح له ذلك » (3).
    3 ـ صحيحة الحلبي الاخرى قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن قوم اشتروا بُزاً فاشتركوا فيه جميعاً ولم يقسّموه أيصلح لأحد منهم بيع بزّه قبل أن يقبضه ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس به وقال : إن هذا ليس بمنزلة الطعام ، إن الطعام يكال » (4).

     (1) عن تطبيقات شرعية لاقامة السوق الاسلامية ، د. علي القره داغي ، ص 66.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 16 من احكام العقود ح 1.
     (3) المصدر السابق ، ح 5.
     (4) المصدر السابق ، ح 10.