(201)
4 ـ صحيحة معاوية بن وهب قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ؟ قال ( عليه السلام ) : مالم يكن كيل او وزن فلا تبعه حتى تكيله او تزنه الا أن توليه الذي قام عليه » (1).
    5 ـ صحيحة منصور بن حازم قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل اشترى بيعاً ليس فيه كيل ولا وزن أَلهُ أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه ؟ فقال : لا بأس بذلك مالم يكن كيل ولا وزن ( كما لو بيع بالمشاهدة ) فان هو قبضه فهو أبرأ لنفسه » (2) أي أن غير المكيل والموزون اذا قبضه ثم باعه فهو أبرأ لنفسه.
    6 ـ صحيحة علي بن جعفر عن اخيه الامام موسى بن جعفر قال : « سألته عن رجل اشترى بيعا كيلاً او وزناً هل يصلح بيعه مرابحة ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس ، فان سميّ كيلاً او وزناً فلا يصلح بيعه حتى تكيله او تزنه » (3).
    وظاهر هذه الروايات عدم صحة بيع المكيل والموزون قبل قبضه الا تولية ، ولا فرق في هذا البيع بين كونه شخصيّاً او كليّاً الذمة او في المعيَّن.
    7 ـ موثقة سماعة قال : « سألته عن الرجل يبيع الطعام او الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها ؟ قال ( عليه السلام ) : لا حتى يقبضها الا أن يكون معه قوم يشاركهم
     (1) المصدر السابق ، ح 11 ، تنبيه : ذهب المالكية الى منع بيع الطعام قبل قبضه ، أما إذا لم يكن طعاماً فيجوز بيعه قبل قبضه ، وتبيّن من النص الثالث المتقدّم أنَّ العبرة بالطعام لأنّه قال : إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام إنَّ الطعام يكال ، فيكون ذكر الكيل اشارة الى أنّ المبيع طعام ولكن بقيت الروايات ذكرت الكيل أو الوزن من دون اشارة الى كون العبرة بالطعام فيؤخذ بها وبإطلاقها وقد يقال : إن الجمع بين الروايات يفهم منه عدم صحة بيع مال السلم إذا كان طعاماً مكيلا أو موزوناً ، وأما إذا لم يكن طعاماً أو لم يكن مكيلا أو موزوناً فيجوز بيعه قبل قبضه.
     (2) المصدر السابق ، ح 18.
     (3) المصدر السابق ، ح 22.

(202)
فيخرجه بعضهم عن نصيبه من شركته بربح او يوليه بعضهم فلا بأس » (1). وهذه الرواية جوّزت بيع الثمرة او الطعام على غير بائعها تولية ، كما جوزت بيع نصف الحصة التي لم يقبضها من البائع فيشترك معه غيره.
    اقول : ان هذه الروايات التي منعت من بيع المكيل او الموزون على غير بائعه قبل القبض الا تولية او شركة هل هي قاعدة مستفادة من الادلة العامة او استثناء ؟
    الجواب : ان هذا استثناء على خلاف القاعدة ، حيث ان المشتري للمكيل او الموزون اذا ملك بواسطة العقد ، يتمكن من بيعه قبل القبض حسب القواعد العامة القائلة بتسلط الناس على اموالهم ، ولكن الروايات المتقدمة منعت عن البيع في خصوص المكيل او الموزون ، فنتعبد بها ونقتصر على موردها ، وموردها هو : « البيع بغير التولية وغير التشريك على طرف ثالث اذا كان المبيع مكيلاً او موزوناً ».

هل هناك حكمة من اشتراط القبض قبل البيع
    وللجواب عن هذا السؤال نستعرض ما يمكن ان يقال في كونه حكمة لنرى مدى صحة ذلك او عدمه فنقول :
    1 ـ قد ندعي ان الحكمة المتوخاة في نظر الشارع هي عدم جواز الربح بدون تحمل الخسارة ، ومادامت السلعة المشتراة لم يقبضها المشتري ، فخسارتها على بائعها لقاعدة « إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه » فلا يجوز للمشتري أن يربح بدون تحمل للخسارة اذا حصلت في سلعته. وكأن هذا هو الميزان العدل في المنظار الاقتصادي والشرعي القائل : « من كان له الغُنم فعليه الغُرم » فينبغي ان يكون من يربح اذا باع هو الذي يخسر اذا تلفت السلعة ، اما هنا فان السلعة
     (1) المصدر السابق ، ح 15.
(203)
ما دامت عند البائع وقبل قبض المشتري فخسارتها شرعاً على البائع ، فلا يجوز لمالكها ان يربح فيها.
    ويشهد لهذه الحكمة جواز بيعها على شخص ثالث تولية.
    ولكن رغم معقولية هذا القانون ، لم يدل عليه اي دليل شرعي ، بل نراه غير مرعيّ فيما اذا كان المشترى غير مكيل او موزون كما لو كان المشترى ثوباً او داراً ، فان المشتري يحق له أن يبيعه ويربح فيه قبل قبضه مع ان المشتري لا يخسر اذا تلف.
    وكذا قد تخلف هذا القانون في موارد اُخر كالثمار بعد بدوّ الصلاح ، فان المشتري له حق ان يبيعها وهي على الشجر ، ولكن اذا اصابتها جائحة رجع على البائع ، وكذا منافع الاجارة ، فان المستأجر له الحق في أن يؤجر ما استأجره ويتصرف فيه ويربح بقسم كبير منه اذا عمل فيه عملاً ، ولكن اذا حدث تلف في المستأجَر ، فيرجع على المؤجر بمقدار ما تلف.
    فتبين من هذه الاحكام ومن غيرها كما سيأتي ( وهو جواز بيع المكيل والموزون على بائعه بربح مع ان تلفه يكون على البائع ) ان هذه الحكمة ليست هي صحيحة بالنسبة لمنع بيع المكيل او الموزون قبل قبضه. قد يقال ان الأمر الوارد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في النهي عن ربح مالم يضمن (1) هو الدليل على هذه الحكمة للمنع من بيع مال السلم قبل قبضه. ولكن هذا باطل حيث ان الأثر الوارد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ينهى عن بيع الطعام قبل قبضه وعن ربح مالم يضمن فيبدو أن ربح مالم يضمن الذي هو مورد النهي غير بيع الطعام قبل قبضه الذي وقع مورد النهي ايضاً وليس احدهما علّة للآخر كما هو واضح. هذا بالاضافة الى الرواية المروية.
    2 ـ هل يمكن ان تكون الحكمة هي القدرة على التسليم ؟ فاذا باعه قبل قبضه فلا يقدر على التسليم لإحتمال عدم تسليم البائع الاول أو هلاك المحل بخلاف ماذا
     (1) المغني لأبن قدامة ، ج 4 ، ص 334.
(204)
باعه بعد القبض ، وهذا قول ذهب اليه الحنفيّة والشافعية والحنابلة والزيدية وابن تيمية. (1)
    والجواب بالعدم اذ القدرة على التسليم قد تكون موجودة حتى مع عدم قبض المشتري ، كما انها قد لا تكون موجودة حتى مع قبضه كما لو غُصبت بعد القبض.
    3 ـ هل يمكن ان تكون الحكمة هي الوقوف ضدّ المعاملات الوهمية التي لا قصد اليها كما هو الواقع في اسواق البورصة العالمية التي يكون القصد فيها غالباً هو انتظار تقلبات الاسعار للحصول على ربح ، وهو ما يسمى بالمضاربة الاقتصادية ؟
    والجواب : ان كلامنا هو في صورة القصد الى البيع الحقيقي لإخراج كل البيوع التي لا قصد فيها الى تسلّم المثمن كما هو الجاري في البورصات العالمية التي لا يكون التسليم والتسلم فيها الا بمقدار 1% كما اتضح هذا عند المناقشات التي جرت في مجمع الفقه الاسلامي في دورات سابقة. بالاضافة الى انتقاض هذا ببيع غير المكيل او الموزون قبل قبضه كما جوزت ذلك الروايات السابقة.
    4 ـ وقد يقال (2) : إن الحكمة في النهي عن بيع المكيل او الموزون قبل قبضه هو التيقن من حصول القصد الحقيقي للبيع ، فإنَّ قبض السلعة ووضعها في المخازن يجعل المشتري في حالة من الجدية بحيث لا يشك احد في وجود قصده الحقيقي للشراء ، بينما عدم القبض لم يجعل قصده واضحاً للآخرين وإن دفع الثمن ، حيث
     (1) راجع الصدّيق الضرير ، رسالة في السلم ، ص 27.
     (2) هذا القول ذهب اليه المالكية ، وقد ذهب اليه من قبلهم ابن عباس حين قال في بيع الطعام قبل قبضه ذلك دراهم بدراهم والطعام مرجأ ( اي مؤجّل ، من الارجاء والتأخير ) ( صحيح البخاري 3/68 ) كما ذهب اليه زيد بن ثابت وابوهريرة حين قالا لمروان أحللت بيع الربا ، عندما رأيا الناس يتبايعون صكوك الطعام قبل أن يستوفوها. راجع الموطّأ مع المنتقى ج ق ، ص 285 و صحيح مسلم مع شرح النووي ، ج 10 ، ص 171. وهذا التعليل ـ كما يقول الشوكاني ـ أجوَد ما علال به النهي لأنّ الصحابة اعرف بمقاصد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، راجع الصديق الضرير ، رسالة فى السلم عن نيل الاوطار ، ج 5 ، ص 169 الخ.

(205)
يتهم بان قصده الحقيقي هو الربا ، فيدفع الثمن ليشتري بأقل من القيمة مؤجلا ويبيعها قبل قبضها بعد الاجل فيكون قد دفع مائة واستلم مائة وعشرين وقد منع منه الشارع لكونه فائدة مستترة تحت البيع.
    ويؤيدهذه الحكمة هوجواز بيع السلعة على شخص ثالث تولية ( بدون ربح ).
    ولكن يرد على هذه الحكمة :
    1 ـ انها ليست مطردة في بيع البضاعة قبل قبضها اذا لم تكن السلعة مكيلة او موزونة بل جوزت الروايات بيعها قبل قبضها مرابحة كما سبق ، وما قيل من وجود نهي عن بيع كل مالم يقبض فهو لم يثبت (1).
    2 ـ ان كلامنا في القصد الحقيقي للبيع والشراء الذي قد تلازمه الخسارة او عدم الربح ، بخلاف الربا الذي هو ربح مضمون دائماً من دون الدخول في المعاملات ، فاذا دخل الانسان في المعاملة التي قد تربح وقد تخسر ، من دون اشتراط ارجاع ماله اليه مع الزيادة فهي معاملة بعيدة عن الربا حتى وإن حصل الربح قبل القبض بواسطة البيع الحقيقي.
    والخلاصة : اننا لم نجد حكمة معقولة لشرط قبض المكيل او الموزون قبل البيع ، فلابدّ من التعبد بالحكم مقتصرين على مورده رغم وجود روايات ترخّص في بيع المكيل والموزون قبل قبضه ، الا أنها ضعيفة السند او مطلقة للبيع تولية
     (1) اقول : لم يثبت وجود رواية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نقول : « لا تبيعن شيئاً حتى تقبضه » وانما روي عن ابن عباس ( رحمه الله ) : عن أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « نهى عن بيع الطعام قبل قبضه » وقال : « ولا أحسبُ كل شيء الا بمنزلة الطعام ». وقد روى هذه الرواية البخاري ، كتاب البيوع ، باب بيع الطعام قبل ان يقبض ج 4 ، 349 ومسلم 3/1159. وواضح ان هذه الرواية ليست كلها قد صدرت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل إن الصادر هو الفقرة الاولى وهي النهي عن بيع الطعام قبل قبضه ، اما الفقرة الثانية فهي من اجتهاد ابن عباس. وعلى هذا فان صدر الرواية يُقيّد بالروايات الناهية عن بيع المكيل او الموزون قبل قبضه او يُفسر بها. اما ما لا كيل له ولا وزن فقد اجازت الروايات بيعه قبل قبضه مرابحة. راجع الروايات المفصلة بين عدم جواز بيع المكيل او الموزون قبل قبضه وجواز بيع ما عداهما.
(206)
وغيره ، فتقيدها الروايات المانعة للبيع قبل الكيل او الوزن الا تولية او على سبيل الشركة ببيع نصف ما اشتراه قبل القبض مثلاً.

تنبيهات :
    1 ـ ان المبيع اذا كان غير مكيل أو غير موزون ( كالمعدود والمذروع ، والمشاهد ) يجوز بيعه قبل قبضه ( سلماً او استصناعاً او غيرهما ) طبقاً للقاعدة القائلة : « الناس مسلطون على اموالهم » مع ورود الرخصة في بيع هذا في نفس الروايات المانعة من بيع المكيل والموزون قبل القبض ، ففي ذيل صحيحتي منصور ابن حازم المتقدمتين : « فان لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه » ، وكذا في رواية ابي حمزة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قال : « سألته عن رجل اشترى متاعاً ليس فيه كيل ولا وزن أيبيعه قبل أن يقبضه ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس » (1) وغيرها.
    2 ـ الثمن اذا كان مكيلاً او موزوناً والمبيع عروضاً فيتمكن البائع من بيع الثمن المكيل والموزون قبل قبضه طبقاً للقاعدة وعدم المانع ، فان الدليل اللفظي الدال على منع بيع المكيل والموزون قبل كيله او وزنه مختص بالمثمن ، فتعديته الى الثمن تحتاج إلى دليل لفظي عام او مطلق ، او اطمئنان بان الملاك واحد فيهما ، وبما أنه لا يوجد اطلاق ولا عموم ولا يوجد اطمئنان بالملاك فيهما حيث ان الحكم تعبدي على خلاف القاعدة ، فنقتصر على مورد المنع ، ونتمسك بدليل ( أحلّ الله البيع ) لصحة بيع الثمن اذا كان مكيلاً او موزوناً قبل قبضه.
    نعم : من علل عدم جواز بيع المبيع اذا كان مكيلاً او موزوناً قبل القبض بضعف ملكية المشتري اذ يحتمل ان يتلف الطعام وتنحل المعاملة ، فان هذا الوجه الاستحساني موجود في الثمن الموزون او المكيل قبل القبض.
    ولكن هذا الوجه ضعيف ، اذ لا يكون الملك ضعيفاً قبل القبض ، ولأن هذا
     (1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 16 من احكام العقود ، ح 8.
(207)
الوجه يقول بعدم جواز البيع حتى تولية ولغير المكيل والموزون ، ولا أحسب ان يقول بنتيجته احدٌ.
    3 ـ إن الحكم بعدم جواز بيع المكيل او الموزون قبل قبضه مختص بالبيع ، وعلى هذا فللمشتري أن يصالح عليه قبل قبضه ، وله أن يؤجره قبل قبضه اذا كانت له منفعة يستفاد منها مع بقاء العين ، لصحة الصلح والاجارة قبل القبض ، ومع الشك في صحة الصلح والاجارة عليه ، فنتمسك باطلاق صحة الاجارة والصلح جائز بين المسلمين. او اطلاق ( إلا ان تكون تجارة عن تراض ).
    4 ـ إذا اشترى مكيلاً او موزوناً ومات المشتري قبل قبضه ، فهل يجوز للوارث البيع قبل القبض ؟ وكذا اذا اشترى ذهبا موزوناً من الصائغ ثم جعله مهراً لزوجته فهل يجوز للزوجة بيع هذا الذهب قبل القبض ؟
    وكذا اذا ملكت المكيل والموزون بواسطة الصلح ، فهل يجوز بيعه قبل قبضه ؟
    الجواب : إن الروايات المانعة تخاطب المشتري ، فبناء عليها يجوز بيع الوارث والزوجة والمصالح ، لعدم صدق عنوان المشتري عليهم ، ولكن توجد صحيحة معاوية بن وهب تمنع من بيع المكيل او الموزون قبل قبضه بدون مخاطبة المشتري ، وبهذا نفهم ان مخاطبة المشتري ليس لها خصوصية ، بل المنع لكل من انتقل اليه المبيع المكيل والموزون ، واليك الصحيحة : قال سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) : « عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه ؟ فقال : مالم يكن كيل او وُزِن فلا تبعه حتى تكيله او تزنه الا أن توليه الذي قام عليه » (1).

فكرة السلم الموازي :
    وهي فكرة يراد بها شيئان :

     (1) المصدر نفسه ، ح 11.
(208)
    1 ـ التخلص من ( عدم جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه ).
    2 ـ التخلص من ( عدم جواز بيع البضاعة السلمية قبل حلول الاجل ).
    وهذا البحث الذي نريد ان نطرقه يفيدنا في التخلص من عدم جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه الذي دلت عليه الروايات المتقدمة وتعبدنا في الأخذ بها كما يفيدنا من عدم جواز بيع البضاعة السلمية قبل حلول أجلها الذي دلّ عليه الاجماع المتقدم ، ولذا سوف نتكلم في الموضوع الاول ولكن البحث يسري بأكمله في الموضوع الثاني أيضاً. فنقول :
    بما ان النهي عن بيع المكيل والموزون قبل قبضه تعبد محض كما تقدم ، فإذا أردنا ان نصل إلى نتيجة بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ولكن لا عن طريق البيع المنهي عنه ، فهل هو جائز ؟
    الجواب : إن العلة في منع المكيل والموزون قبل قبضه لم تعرف لدينا ، ولهذا يكون النهي تعبدياً ، فلا نتعدى إلى غير ما دلّ الدليل اللفظي عليه ، وعلى هذا فإذا وجد طريق لا يشمله النهي وأدّى إلى نفس نتيجة بيع المكيل والموزون قبل قبضه بدون البيع ، فلا بأس به ويكون جائزاً.
    اما ما هي الوسيلة التي تخلصنا من « عدم جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه » ؟
    الجواب : هنا وسيلتان.

الوسيلة الاولى :
     ( الوكالة في القبض ) « أو فكرة السلم الموازي ».
    بمعنى ان المشتري للمكيل أو الموزون ( إذا لم يقبضه من البائع ، أو لم يحل الاجل ) يتمكن ان يبيع في الذمة مكيلاً أو موزوناً من نفس النوع ، ثم بعد تمامية بيعه يوكل المشتري ( في أخذ المبيع من البائع الذي اشترى منه ، ولم يقبضه أو لم يحل الاجل ) بوكالة غير قابلة للعزل ، وقد يعكس الامر بان يبيع كلياً في الذمة مكيلاً أو


(209)
موزوناً ، وهو يخشى من ارتفاع قيمته فيما بعد أو يريد السفر حين حلول الاجل أو قبله ، فيتمكن ان يشتري مقداره سلماً إلى حين الاجل وقبل قبضه أو قبل الاجل يتمكن ان يوكل المشتري في اخذه من البائع ، وهذه الوكالة منجّزة يكون متعلقها حلول الاجل كما في الوكالة المنجّزة في الطلاق في حالة معينة أو يوم معين. وهذه الطريقة لا تشملها الروايات المانعة ، لانها تمنع من العقد الثاني إذا جرى على ما جرى عليه العقد الاول « لا تبعه حتى تكيله أو تزنه ». وإذا نظرنا إلى استثناء بيع التولية نقطع بان الممنوع هو البيع الثاني إذا جرى على ما وقع عليه البيع الأول حيث إنّ التولية هي « أن يبيع ما اشتراه أولاً برأس ماله ». أما هنا فلم يبع ما جرى عليه العقد الاول ، بل وكَّل دائنه في أخذ المبيع من مدينه فهو استيفاء ، وفائدته سقوط ما في ذمته منه.
    لكن هذه الطريقة التي قلناها هنا ، لا نقولها في مورد نفهم الملاك من المنع ، كما إذا حلف انسان أو نذر عدم بيع بيته وكان السبب في ذلك هو ان لا يبقى بدون مأوى هو وعائلته رغم الظروف التي يمرّ بها ، ففي هذه الصورة إذا باع بيتاً كليّاً في الذمة ثم قال للمشتري : اُعطيك بيتي وفاءً لما في ذمتي ، فان العرف يرى أنه ممنوع من هذا العمل بواسطة حلفه أو نذره ، وذلك لعلمنا بالملاك الذي دعاه للحلف أو النذر بعدم بيع داره ، وهو اعم من البيع بحيث يشمل اعطاء داره وفاءً لبيع بيت كلي.
    ومثال اوضح لذلك : هو النهي عن بيع امهات الأولاد في الشريعة الاسلامية ، كما ورد عن علي ( عليه السلام ) ، فالنهي وضعي يدل على البطلان ، والملاك والغاية منه هو تحرر الأمة ( ام الولد ) من نصيب ولدها إذا مات سيدها ، وحينئذ يرى العرف أن بيع امة على الغير بنحو الكلي في الذمة ثم يعطي أمته وفاءً عما في ذمته مشمول للنهي ، وذلك لان العلة التي أوجبت الحكم عامة تشمل هذه الصورة. وهذا يختلف عما نحن فيه حيث ان العلة المانعة من بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه غير معلومة لنا ، فلا يكون المنع شاملاً لهذه الصورة.


(210)
ولا اشكال في هذه الوسيلة الاولى الا أن يكون القابض والمقبض متحداً ، وهو ليس فيه أي محذور ، إذ يكون قابضاً بالوكالة عن المشتري الاول ومقبضاً لنفسه بالاصالة. بالاضافة الى وجود صحيحة شعيب بن يعقوب كما يرويها الصدوق ( ولكن صاحب الوسائل توهم فرواها عن الحلبي ) قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل... وسألته عن الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب او تمر فيبعث إليه بدنانير فيقول : اشتر بهذه واستوف منه الذي لك ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس إذا ائتمنته » (1). فهنا المديون الذي اعطى الدراهم إلى الدائن واشترى الدائن بها رطباً للمديون ، فإذا استوفى الدائن دينه بعد الشراء فقد برئت ذمة المديون قبل قبضه ، ولكن قد يقال إن الوكالة في الشراء الموجود في الرواية هي وكالة في القبض عرفاً ، فحينئذ تكون الرواية دالة على استيفاء الدين بعد القبض للمكيل والموزون ، لا قبل القبض. الا أن الرواية شاملة باطلاقها لما إذا اشترى رطباً سَلماً ووكَّله في أخذه عند حلول الأجل.
    ثم لا يتوهم ان هذه الطريقة فيها منع بواسطة صدر رواية شعيب المتقدمة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) حيث جاء فيها : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل اسلفه دراهم في طعام ، فلما حلّ طعامي عليه بعث اليّ بدراهم وقال : اشتر لنفسك طعاماً واستوف حقك ؟ قال ( عليه السلام ) : ارى ان تولي ذلك غيرك وتقوم معه حتى تقبض الذي لك ولا تتولى انت شرائه » وكذا موثقة عبدالرحمن بين أبي عبدالله عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل أسلف دراهم في طعام ، فحلّ الذي له ، فأرسل إليه بدراهم فقال : اشترِ طعاماً واستوفِ حقك ، هل ترى به بأساً ؟ قال ( عليه السلام ) : يكون معه غيره يوفيه ذلك » (2).
    وسبب عدم التوهم : هو أن النهي في هاتين الروايتين عن الشراء الذي هو
     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 باب 12 من السلف ، ح 1.
     (2) المصدر السابق ، ح 2.