(411)
    1 ـ تلف المال بالتعدي أو التفريط.
    2 ـ زوال الصفات كذلك.
    وبما أنّ المقترض حتّى في حالة عدم الوفاء في الموعد المقرّر ، وكان متجولاً حتّى تدهورت القيمة الشرائيّة للنقد ، فإنّه لم يتلف المال ولم تزل صفته ، وحينئذ لا يكون ضامناً ، كما لو أقدم إنسان على بناء خمسة طبقات في بيته بحيث يتضرّر الجار بتقليل قيمة بيته لعدم دخول الشمس إلى البيت ، فإنّ هذا الضرر على الجار لا يكون مضموناً.
    وإذا اعترض علينا بالفرق بين المثال الأوّل والثاني بأنّ المثال الأوّل تكون اليد فيه يد عدوانيّة على المال عند عدم الوفاء في الموعد المقرّر وعدم رضا المقرِض ، أمّا المثال الثاني فلا يكون صاحب البناء له يدّ عدوانيّة على الجار ، فالجواب أنّ هذا الفرق بين المثالين دخيل في الحرمة وعدمها ، أمّا بالنسبة لعدم ضمان الضرر فهما سواء لأنّهما لت يتلفا العين ولا صفاتها فلا ضمان في المثالين ، نعم في القرض يكون أصل المال مضموناً بقدره وصفاته ، ويكون المقرض حالته في هذه الصورة كحالته في صورة إخفاء المال في مكان معين ، فإنّ هذا المال الذي لم يوفّره بعمل مباشر ، ولم يقحمه في عمل مختزن ينبغي أن يبقى هو هو ، فإن انخفضت القيمة الشرائيّة لكل النقود وكان له نصيب منها ، فإن لم يؤدّ المقرِض القرض في الموعد المقرّر يكون كمن فقد موضع المال الذي وضعه فيه ، فإنّ عدم الضمان في الصور يبنى على حدّ سواء ، وإن كان المقترض قد فعل حراماً لأنّه لم يؤدّ المال في موعده مع تمكّنه من ذلك.
    قد يقال : إنّ الضرر المنهي عنه في الشريعة الإسلاميّة ، يشمل ما إذا بنيت بناءً فوق أرضي بحيث تضرّر الجار من هذا البناء ، كأن يكون عالياً بحيث يُشرف الساكنون فيه على الجار ، فلا يتمكّن الجار من تحرك أهله بصورة مريحة وبدون حجاب ، أو كان البناء لمعمل يؤثّر على سعر البيوت المحيطة به أو غير ذلك ،


(412)
فالضرر هنا ليس مباشراً ، بل هو ضرر غير مباشر يؤدّي إلى سوء حال الآخرين من دون أن ينقص فعلاً شيئاً من أموالهم ، فإذا كان الضرر بمعنى سوء الحال كما جاء في كتب الضرر من مفهوم أوسع من النقص المالي المباشر ، وحينئذ يكون هذا العمل منهيّاً عنه لأنّه مضرر بالجار في سوء حاله ، إلاّ أنّ هذا أيضاً لا يكون موجباً للضصمان ، حصل الضرر بإيجار لأنّ الضمان كما قلنا ـ له أساسان ، وليس هو هو أحد الأساسين ـ.

الخاتمة :
    ونتعرف فيها على بعض الأبحاث الفقهيّة :

1 ـ إذا اُلغي النقد فماذا يجب على المقترض ؟
    كنّا فيما مضى نتكلّم في صورة ما إذا تدهورت حالة النقد ، أمّا في هذه الصورة فالكلام هوفي صورة إلغاء الدولة لنقدها ، وتصدير نقد آخر ، فإذا أقرضت زيد مائة دينار كويتي إلى سنة ، ثمّ ألغت الحكومة الكويتيّة عملتها ، وأصدرت عملة اُخرى قبل تمام السنة ، فهل يجب في هذه الصورة أن أدفع الأوراق النقديّة الاُولى أو الثانية ؟
    الجواب : في هذه الحالة لم يبق للأوراق النقديّة الاُولى أي ماليّة تعتبر ، لأنّ تمام ماليّتها كان باعتبار الدولة المصدّرة لها ، فإذا ألغت الدولة ماليّتها فقد سقطت من الإعتبار ، وحينئذ نقول : كان يجب على المقترض أن يدفع المثل الموصوف بأن له قيمة اعتباريّة وهذه الأوراق النقديّة القديمة هي مثل لما اُخذ إلاّ أنّها لا قيمة اعتباريّة لهاالآن ، فحينئذيجب على المقترض أن يدفع الأقرب إلى المثل ، والأقرب هو النقدالجديدالذي اعتبرته الدولة ، وهذا هو معنى الضمان الذي أقدم عليه المقترض.

2 ـ سريان المشكلة في غير القرض والبيع المؤجل ثمنه :
    كما لو تزوجت إمرأة بمهر قدره مائة تومان إيراني قبل ثلاثين سنة ، ثمّ أراد


(413)
الزوج طلاقها الآن ودفع مهرها لها ، فهل يدفع لها المائة تومان لا غير ، أو يدفع لها القيمة الشرائيّة للمائة تومان قبل ثلاثين سنة والتي كانت تساوي مثلاً عشرة مثاقيل من الذهب ؟
    وقد يقال بوجوب ردّ القيمة الشرائيّة للمائة تومان ، وهي « عشرة مثاقيل من الذهب » ، وذلك : لأنّ النقد الإيراني الوقرقي ليس مقصوداً بالذات كالحنطة والشعير وبقيّة الأعراض ، وليس كالذهب الذي يقصد لنفسه بما أنّه عرض من الأعراض ، إذن قصد المتعاقدين كان منصبّاً على القيمة الشرائيّة للمائة تومان في ذلك الوقت ، والزوج ملزم بدفع القيمة الشرائيّة في تلك الفترة.
    ولكن نقول : إنّ العرف والسيرة قائمة على أنّ النقد بنفسه له قيمة ، وجاءت هذه القيمة من اعتبار العرف لها ، وحتّى الذهب والفضّة تقاس قيمتهما الآن بالأوراق النقديّة « فقد سقطت قيمتها وبقيت عرضيتهما » ، وإذا أردّت أن تتأكّد من هذه الحقيقة فما عليك إلاّ أن تلتفت إلى ما عليه الناس وأنت منهم حين يقولون بكم الذهب اليوم؟ وبكم الفضّة اليوم؟ وبمكم الحنطة اليوم ؟ وهكذا ، أليس هذا دليل على أنّ الذهب تقاس قيمته بالنقد الورقي ؟ وإذا صحّ أنّ الأوراق النقديّة هي النقد المتعارف في هذا الزمان ، فالمنظوروالمقصودعند المتعاقدين هو نفس الأوراق النقديّة بمالهامن قيمة اعتباريّة ، فتكون الدنانيرالورقيّة كالعرض إذهي المقصودة بالذات.
    وعلى هذا فالذي يجب على الزوج أن يدفع المائة تومان ، والذي يؤيّد ما نقوله من أنّ الأوراق النقديّة نقد مقصود لذاته ، هو ما تراه عند ضياع النقود التي استلمتها من زيد الذي كنت تطلبه كميّة من النقد ، فهنا تكون ذمّة زيد قد برأت وقد أضعت مالك ، بينما إذا كان زيد قد أعطاك شيكاً بالمبلغ ، وقد ضاع هذا الشيك فسرعان ما تبلغ البنك بضياع الشك الذي يكون رقمه كذا ، وتبقى تطلب زيداً ذلك المبلغ الذي لم يسحب من حسابه في البنك المذكور ، وبهذا اتضح أنّ الأوراق النقديّة عند ضياعها أو احتراقها ، فقد احترق وضاع المال ، أمّا الشيك والكمپيالة


(414)
مثلاً عند ضياعهما فلا يكون المال ضائعاً ، فيكون الشك والكمپيالة ليست لهما ماليّة وإنّما هو كورقة التمويل ، فيكونان مقصودان بالعرض بخلاف النقد (1).

3 ـ هل يصح اقتراض القيمة الشرائيّة للنقد ؟
    بأن يقول المقرض أقرضتك هذا المبلغ على أن ترجع لي قيمته السوقيّة في زمن العقد من الذهب.
    الجواب : إنّ هذه معاملة ربويّة وذلك لأنّ الأدلّة قالت كلّ قرض جرّ نفعاً فهو ربا ، وهنا القرض هو نفس النقد ، فاشتراط إرجاع قيمته السوقيّة في زمن القرض معناه وجود معاملتين :
    1 ـ ضمان النقد ( وهذا يحصل بعقد القرض ).
    2 ـ معاوضة النقد بما يساوي قيمته من الذهب وقت العقد.
    وبما أنّ المعاملتين في وقت واحد ، وقد تصورهما بعقد القرض فتكون المعاملة الثانية شرطاً في المعاملة القرضيّة ، والشرط في القرض إذا كانت منفعته للمقرض فهو ربا ، لأنّه زيادة حكميّة ، والشرط هنا فيه نفع للمقرِض لأنّه يسلب حريّة المقترض من الإختيار في البيع وعدمه ، ويكون ملزِماً للمقترِض بأن يدفع ذهباً بما يساوي قيمة النقد حين العقد ، وهذا الإلزام هو نفع حكمي للمقرِض في عقد القرض فهو ربا.
     (1) وهذا البحث يكون جواباً عن كلّ من قال بالفرق بين الدنيانير والدراهم المعدنيّة وبين الأوراق النقديّة ، بتقريب أنّ المعدنيّة هي عرض مقصود بذاته ، أمّا الأوراق النقديّة فليست هي مقصودة ذاتها ، إذ يجاب بأنّ العرف والسيرة قائمة على أنّ لها ماليّة في نفسها كالذهب والفضّة والحنطة.
(415)

(416)

(417)
الملحق
المخاطرة في بحث الأستاذ حسن الجواهري بعنوان : « بيع التقسيط »

تعليق
د. رفيق يونس المصري
مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي جامعة الملك عبد العزيز ـ جدة


(418)

(419)
المخاطرة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،
فاني سأعلق ، بعون الله ، على ما جاء في ورقة الاستاذ حسن
الجواهري بعنوان « بيع التقسيط » ، مما يتعلق بالمخاطرة فقط.