بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 101 ـ 110
(101)
يبقى : لماذا اُطلق في ورقة المجمع : أنّ التوريد من العقود المركبة ؟
أقول : لعلّ المراد أنَّ هذا العقد ينحل إلى عقود من نوع واحد بموجب النجوم التي
اُعدَّت لاستلام قسم من الثمن والمثمن ، فإن كانت الاقسام اربعة فهو عبارة عن اربع
عقود كل عقد يتمثّل في قسم من الثمن والمثمن ، فلهذا يسمى عقداً مركباً.
أقول : إنّ المعقود عليه في عقود التوريد هو مبيع واحد بثمن واحد ، وان اختلف
موعد تسليم بعض الثمن وبعض المثمن فهو اشبه شيء بعقد الاستصناع الذي يتفق فيه
العاقدان على تأجيل المبيع والثمن الى آجال معلومة.
تنبيهان :
الأول : هناك مجموعة عقود ترتبط بعقد التوريد فيما إذا أصدرته جهة عامة كالحكومة
، مثل : اعداد المعلومات في عقد التوريد ، وبيع دفتر الشروط ، وخطاب الضمان
الابتدائي والانتهائي فيما إذا اُعدّت مناقصة لتوريد سلعة معينة ، وضمان البنك في
مقابل أجر ، والشرط الجزائي. كل هذه العقود نتكلم عنها في عقد المناقصة على
المقاولات ، كما سيأتي.
الثاني : أنّ عقد التوريد للسلع في الآجال المعلومة لا يدخل في بيع ما ليس عندك
، لأنّ الصحيح أنّ النهي عن بيع ما ليس عندك مخصص في صورة بيع المال الخارجي
المملوك للغير بدون إذن الغير للبائع ، وذلك :
1 ـ لأنّ جمهور الفقهاء على جواز بيع السلم ، وهو يصح في صورة عدم ملك المال
خارجاً حين العقد ، بل يكتفون أن يغلب على الظن أن تكون السلعة عامّة الوجود حين
التسليم.
2 ـ كما أنَّ جمهور الفقهاء قالوا بصحة بيع الفضولي إذا أجاز المالك وكان البيع
له ، فيخصّص الحديث فيما قلناه.
(102)
6 ـ المناقصات ( مثال للعقود المجتمعة )
والمراد بها بيع المناقصات ، وقد تقدّم الكلام عن المناقصة إذا كانت بيع
توريد ، الذي افترض أنّه يختلف عن السلم ، فيبقى الكلام عن المناقصة فيما يأتي :
1 ـ إذا كانت المناقصة من الاشغال العامّة ـ المقاولات ـ فهنا لا إشكال في تأخير
الأجر ، لأنَّ الأجر في عقد الاجارة يمكن تأجيله كما يمكن تعجيله ، وأمّا البدل
المتمثّل في المنفعة فإنَّ طبيعة حال الاشغال العامّة أن لا تستوفى دفعة معجلة أو
مؤجلة ، بل تستوفى بالتدريج.
2 ـ إذا كانت المناقصة عبارة عن بيع سلع جاهزة فلا إشكال فيها من ناحية تقديم
الثمن أو تأخيره ، إذ في الصورة الاُولى يكون البيع نقداً ، وفي الصورة الثانية
يكون البيع نسيئة.
3 ـ وإذا كانت المناقصة عقد استصناع بحيث يتأخر فيه الثمن والمثمن فتأتي
مشكلة (1) بيع الدين بالدين والنهي الوارد من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فيه.
ولكن الجواب الذي تقدّم في بيع التوريد يأتي هنا بلا اختلاف.
4 ـ وأمّا إذا كانت المناقصة لأجل الاستثمار ـ كما في مناقصة لعقد المضاربة أو
المزارعة أو المساقاة ـ فطبيعة هذه العقود لا يشترط فيها تقديم كل المال المموِّل
للمشروع ; لأن مشروع المضاربة والمزارعة إذا كان البذر من صاحب المال والأرض ،
والمساقاة يكون فيه كل الحاصل للمموِّل تبعاً لقانون الثبات في الملكية ، وللعامل
نسبة من الربح أو الحاصل يتنازل عنها صاحبها إليه حسب الاتفاق
(1) ولكنّ هذه المشكلة لا تأتي على مذهب الأحناف ، حيث أجازوا في عقد الاستصناع
تأجيل الثمن إلى أجل معلوم.
(103)
بينهما. إذن لا مشكلة هنا أيضاً.
وكما قلنا سابقاً : إنّ عقد التوريد للسلع لا يدخل في بيع ما ليس عندك ، نقول :
إنّ عقد المناقصة في الاستصناع كذلك لنفس البيان السابق.
يبقى أنّ عقد المناقصة يحتوي على مجموعة عقود ، هي :
1 ـ بيع وثائق المناقصة ، وهو يحتوي على عقدين :
الأول : عقد بين الداعي إلى المناقصة والأخصائيين الذين يتصدون لتهيئة المعلومات
الكاملة لعرضها على المشتركين في المناقصة ، كتهيئة الخرائط أو صفة السلعة أو شروط
الاجارة أو الاستصناع وما يرتبط بهذه الاُمور.
الثاني : عقد بين الداعي إلى المناقصة والمدعوّين إليها في بيع ما يسمى بدفتر
الشروط.
2 ـ تقديم المتناقصين خطاب الضمان الذي هو عبارة عن كون البنك كفيلا وضامناً
بقبول دفع مبلغ معين لدى المستفيد من ذلك الخطاب نيابةً عن طالب الضمان عند عدم
قيام الطالب بالتزامات معينة قِبَل المستفيد ، بمعنى أداء البنك شرط المشترط في
حالة عدم قيام المشترط عليه بأداء الشرط ، مثل ضمان الاعيان المغصوبة التي لا تكون
الذمة مشغولة بها ما دامت العين موجودة (1).
ويتحقّق تلف الشرط على المشترط بامتناع المشروط عليه عن أداء الشرط الذي هو تلف
للفعل على مستحقه ، وبذلك يتحوّل التعهد بأداء الشرط إلى إشغال ذمّة البنك بقيمة
ذلك الفعل ( أداء الشرط ) لأنّه من اللوازم العقلائية لدخول ذلك الشرط في العهدة.
وخطاب الضمان هذا ينقسم إلى قسمين :
أ ـ خطاب ضمان ابتدائي.
(1) راجع البنك اللاربوي في الإسلام : ص128.
(104)
ب ـ خطاب ضمان انتهائي.
فالابتدائي : هو تعهد بنكي لضمان قيمة دفع مبلغ من العقود من قيمة العملية يطلبه
مَنْ يتنافس على العملية إلى المستفيد الذي يدعو إلى المناقصة ، ويستحق
المستفيد الدفع له عند عدم قيام الطالب باتخاذ ما يلزم من رسوّ العملية عليه.
والنهائي : هو تعهد بنكي أيضاً لضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة من قيمة
العملية التي استقرت على عهدة العميل يطلبه مَنْ رست عليه العملية ونُفِّذ معه
العقد لصالح المستفيد ، ولا يكون دفع المبلغ واجباً على البنك إلاّ عند تخلف العميل
عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي للعملية التي عقدت بين من
طالب الضمان من البنك والمستفيد من خطاب الضمان.
والخطاب الأولي لفائدة التأكد من جديّة عرض الخدمات من كل الاشخاص المشتركين
وإلزام المناقص بإبرام العقد إذا رَست عليه المناقصة.
والخطاب النهائي لفائدة إلزام المتعاقد بتنفيذ العقد وللتحفظ على عدم التورط في
خسائر أو مضاعفات فيما إذا تخلف عن الوفاء بالتزاماته.
3 ـ عمولة يأخذها البنك على اصدار خطاب الضمان.
4 ـ ضمان الطالب من البنك ما يخسره البنك نتيجة لتعهده ، فيحق للبنك أن يطالب
مطالبه بإصدار خطاب الضمان بقيمة ما دفعه إلى المستفيد.
5 ـ قد يوضع الشرط الجزائي في عقد المناقصات عند عدم التسليم للبضاعة والعمل في
موعده المقرر الذي فيه ضرر على المستفيد.
وهذا قد يكون في عقد التوريد ، أو في عقد الاستصناع ، أو في عقد الاجارة (
المقاولة للعمل فقط ).
6 ـ إبرام العقد الأصلي مع مَنْ رستْ عليه المناقصة ( توريد ، أو بيع ، أو
استصناع ، أو مقاولة ، أو استثمار ).
(105)
وأمّا حكم هذه العقود المجتمعة :
فاننا قد قدّمنا بحثنا عن المناقصات (1) في الدورة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي
المنعقدة في ( أبو ظبي ) وذكرنا توجيهات مفصلة لحكم هذه العقود المجتمعة ، لذا سوف
نقتصر هنا في ذكر حكم هذه العقود بصورة مختصرة ، ومن أراد التوسع فليرجع إلى بحثنا
في المناقصات الذي عرض ونوقش في الدورة السابقة.
فنقول : إن العقود المجتمعة التي تكون بين الداعي إلى المناقصة والمناقصين هي :
1 ـ بيع دفتر الشروط على المشتركين في المناقصة ، وهو أمر جائز ; لأنّه بيع وعقد
فيه منفعة للمشترِك في المناقصة فيشمله : ( احلّ الله البيع ) و ( أوفوا
بالعقود ).
2 ـ خطاب الضمان الابتدائي : وهو عقد صحيح ، لأنّ المقاول ـ مثلا ـ قد التزم
وتعهد بدفع مبلغ من المال عند عدم القيام بالاجراءات اللازمة عند رسوّ العملية عليه
، فهو متعهد وملزم بذلك ، لما قلناه من أن هذا عقد برأسه ، حيث رتب عليه الطرف
الآخر الأثر فيشمله أوفوا بالعقود الذي معناه : ( أوفوا بالعهود ) ، وقد وثق هذا
الالتزام والشرط من قبل البنك بطلب من أحد طرفي العقد. ونتيجة ذلك هو الزام البنك
بتعهده نتيجة طلب المقاول لصالح المستفيد إذا لم يقم المقاول بالاجراءات اللازمة
عند رسوّ العملية عليه.
3 ـ خطاب الضمان النهائي : فهو صحيح ; لأن أقل ما يقال عنه أنّه شرط وقع في عقد
اجارة أو توريد أو استصناع أو استثمار ، وقد وثق هذا الشرط من قبل البنك بطلب من
أحد طرفي العقد.
على أنّه يمكن أن يكون عقد برأسه ، لأنَّ أحد طرفي العقد التزم وتعهد
(1) وقد تقدم ذلك منّا في الجزء الأول من الكتاب.
(106)
بإعطاء نسبة من قيمة العملية في حالة التخلف وقَبِل الآخر ورتب عليه اثراً ،
فيشمله ( أوفوا بالعقود ).
كما يمكن تخريجه على أنَّه ضمان عرفي لوفاء المقاول بالشرط ، مثل ضمان البنك
للكمبيالة.
4 ـ الشرط الجزائي (1) : فهو صحيح أيضاً إذا لم يحصل منه محذور الربا ، لأنَّه
شرط في ضمن عقد ، ولكن في خصوص عقد التوريد وبيع السلَم والاستصناع. يؤول إلى
الربا الجاهلي ، لأنّ المثمن يكون نسيئة في هذه العقود ، فالزيادة لتأخيره كزيادة
الثمن لتأخيره ، فهو رباً جاهليّ محرّم ، فيكون الشرط الجزائي في هذه الصورة
مخالفاً للكتاب والسنّة.
أمّا الشرط الجزائي في الاجارات ـ المقاولات ـ فهو صحيح إذا كان محدداً معيناً ،
لما قلناه من أنّه شرط في ضمن عقد يجب الوفاء به لقاعدة « المؤمنون عند شروطهم » ولم
يلزم منه محذور الربا ، بالاضافة إلى ما ورد في مشهور الفقه الإمامي في مسألة ما لو
استأجره ليحمل له متاعاً إلى موضع معيّن بأجرة معينه ، واشترط عليه وصوله في وقت
معين ، فإن قصّر عنه نقَّص عن اُجرته شيئاً معيناً جاز وفاقاً للاكثر نقلا وتحصيلا
، بل المشهور كذلك للأصل ، وقاعدة « المؤمنون عند شروطهم » والصحيح أو الموثق أو
الخبر المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي قال : « كنت قاعداً عند قاض من القضاة وعنده
أبو جعفر ( الإمام الباقر ( عليه السلام ) ) جالس ، فأتاه رجلان فقال أحدهما : إنّي
تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن ، واشترطتُ عليه أن يدخلني
المعدن يوم كذا وكذا لأنَّها سوق
(1) إن ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه نهى عن شرطين في بيع لا يشمل
ما نحن فيه ، لاننا ذكرنا بأنَّ المراد منه في روايات الامامية هو « اشتراط شرطين
بالنقد كذا وبالنسيئة كذا » ، راجع وسائل الشيعة : ج12 ، ب2 من أحكام العقود ، ح2.
(107)
أتخوّف أن يفوتني ، فإن احتبستُ عن ذلك حططتُ من الكرى لكلّ يوم احتبسته كذا
وكذا ، وإنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً ؟ فقال القاضي : هذا شرط فاسد ،
وفِّهِ كراه.
فلما قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر ( الإمام الباقر ( عليه السلام ) ) فقال : شرط
هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه » (1).
5 ـ وأمّا إبرام العقد الأصلي فهو لا يخلو من أن يكون عقد توريد أو بيع أو سلم
أو استصناع أو استثمار ، وكل هذه البيوع صحيحة ـ بما فيها التوريد كما تقدّم من أنه
عقد يشمله ( أوفوا بالعقود ) ـ إذا توفرت فيها أركانها ولم يوجد ما يبطلها
كما هو المفروض.
تبقى هناك عقود وقعت بين الداعي إلى المناقصة وغير المناقص ، أو وقعت بين
المناقص وغير الداعي إلى المناقصة.
أمّا العقد الواقع بين الداعي إلى المناقصة والخبراء الذين أعدوا دفتر الشروط
وهيّأوا المعلومات اللازمة الكاملة عن المشروع فهو عقد جائز ; لأنّه إمّا عقد إجارة
، أو جعالة على من يُهيّ هذه المعلومات.
وأمّا العقود الواقعة بين المناقص والبنك فهي :
1 ـ العمولة التي يأخذها البنك على اصدار خطاب الضمان ، فقد قلنا : إنّه عمل غير
جائز ، لأنّ نفس عملية الضمان ( كالفاظ معينة ) ليست ممّا تقابل بالمال ،
(1) جواهر الكلام 27 : 230 ومصدر الرواية في وسائل الشيعة : ج13 ، ب13 من
الاجارة ، ح2.
وأمّا تعبير صاحب الجواهر ( والصحيح أو الموثّق أو الخبر ) فهو باعتبار أنّ
للرواية ثلاثة أسناد : الأول سند الشيخ الكليني وفيه أحمد وهو مجهول ، فالرواية
ضعيفة عبّر عنها بالخبر. والثاني سند الشيخ الطوسي وهو سند صحيح. والثالث سند
الشيخ الصدوق وهو صحيح أيضاً.
أقول : لا وجه للتعبير بالموثّق إلاّ أن يكون محمد بن أحمد موثّقاً عند البعض
باعتبار أنّه من مشايخ الكليني.
(108)
وإنما الذي يقابل بالمال هو نفس خسارة البنك عند عدم قيام المقاول بالتزاماته.
وهذه مضمونة كما سيأتي.
2 ـ ضمان الطالب من البنك ( اصدار خطاب الضمان ) ما يخسره البنك نتيجة تعهده فهو
أمر جائز بلا اشكال ، لأنّ ضمان البنك الابتدائي والنهائي لم يكن مجاناً ، بل بطلب
من أحد طرفي العقد ، فإذا خسر ما ضمنه البنك فيرجع على الطالب للضمان ـ وهو المقاول
ـ ليأخذ منه ما خسره بطلبه.
ما المقصود من صفقتين في صفقة ( أو بيعتين في بيعة ) ؟
ذكروا ورود النهي عن بيعتين في بيعة في أحاديث صحيحة عن النبي ( صلى الله عليه
وآله ) ، وذكروا اتفاق الفقهاء على القول بموجبها ، فمنعوا أن يبيع الشخص بيعتين في
بيعة (1). ولكنّهم اختلفوا في تفسير هذه الجملة ـ بمعنى اختلافهم في الصورة التي
يطلق عليها هذا الإسم والمنع ـ على صور عديدة أهمّها :
الصورة الاُولى : ذهب بعض من علماء الإسلام إلى أن الاسم والمنع ينطبق على تضمن
العقد الواحد بيعتين على أن تتم واحدة منهما ، كأن يقول البائع : بعتك هذه السلعة
بمائة نقداً وبمائة وعشرين إلى شهرين ، فيقول المشتري : قبلتُ ، من دون أن يعيّن
بأي الثمنين قد اشترى ، ويفترقان على أنّ البيع لزم المشتري بأحد الثمنين. أو
المراد منه النهي عن ايجاب البيع في سلعة بثمنين مختلفين إلى أجلين ، وعليه يكون
الحديث متعلقاً بصيغة العقد حيث لم ينعقد العقد ، لعدم تحديد ثمن معين وأجل معين
عند العقد ، ومن شروط صحة الصيغة أن يصدر القبول على وفق الايجاب ، بينما الايجاب
هنا ليس باتاً وإنّما هو متردد بين بيعتين ( صفقتين ) (2).
(1) بداية المجتهد : ج2 ، ص153.
(2) د. رفيق يونس المصري ، مناقصات
العقود الادارية : ص43. عن المغني : ج6 ، ص87 ، واعلام الموقعين : ج3 ، ص401 ،
والبيان والتحصيل : ج8 ، ص438 ، والمدونة : ج3 ، ص389 ، والموسوعة الفقهية الكويتية
: ج1 ، ص256. وقد ذكر بعضٌ أنّ علة المنع في الصورة الاُولى هو جهل الثمن فهو من
بيوع الغرر التي نهي عنها. وذكر بعض أن علّة المنع هو سدّ الذريعة الموجبة للربا.
راجع بحث العقود المستجدّه د. نزيه كمال حماد : ص2.
(109)
نعم ، لو قال المشتري : قبلت في هذا السعر نقداً ، أو قبلت هذا السعر إلى هذا
الأجل كان قبوله ايجاباً جديداً ، فإذا قبل البائع لزم البيع على هذه الصورة
المعينة الباتَّة. وأمّا الصيغة الاُولى من البائع فهي باطلة (1).
الصورة الثانية : في صورة اجتماع عقدين في عقد على أمرين مختلفين ، كعقد الزواج
مع البيع أو القرض ، أو كإجارة الدار شهراً وبيع الثوب بكذا. وقد اختلف علماء أهل
السنة في انطباق بيعتين في بيعة على هذه الصورة ، فقد ذهب إلى بطلان هذه الصورة
للعقد كل من الحنفية والشافعية والمالكية غير أشهب ، والحنابلة ، إلاّ أنّهم يجيزون
اجتماع عقد البيع مع عقد الاجارة ـ أي اجتماعهما في عقد واحد ـ لتوافق أحكام البيع
مع الاجارة غالباً ، ويرى أشهب ـ من علماء المالكية ـ جواز هذه الصورة للعقد (2).
الصورة الثالثة : عقد البيع مع عقد الاجارة : فقد اجازه كل من المالكية
والشافعية والحنابلة ، ويوزع المسمى على قيمتهما من حيث الاُجرة والمبيع.
ولكن ذهب إلى البطلان بعضٌ بحجّة أن هذه الصورة قد تقتضي فسخ أحد
(1) د. رفيق يونس المصري ، مناقصات
العقود الادارية ص43 ( بتصرف ).
وقد احتمل الصحة صاحب الجواهر ( قدس سره ) في صورة بقاء ايجاب البائع كما هو وكان
القبول على النقد أو النسيئة. جواهر الكلام 23 : 107. أمّا نحن فنقول بالصحة من
باب أن القبول صادر إيجاباً والايجاب قبولا.
(2) راجع بحث الايجار المنتهي بالتمليك ، د. حسن علي الشاذلي ، مجلة مجمع
الفقه الإسلامي الدورة الخامسة ، عدد 5 ، ج4 عن الشرح الكبير للدسوقي : ج4 ، ص5 ،
والشرح الصغير : ج2 ، ص235 وغيرهما.
(110)
العقدين ، فيحتاج إلى التوزيع ويلزم الجهل عند العقد بما يخصّ كلا منهما من
العوض ، وهذا هو محذور الصحة.
وقد اُجيب بأنَّ هذا ليس محذوراً للصحة ، ويتّضح في صورة ما إذا بعنا
أشياء معينة صفقة واحدة وتبيّن أنَّ بعضها مستحق للغير ، فيبطل البيع بالنسبة
إليها ويصح في الباقي (1) فيحتاج إلى التوزيع بسبب بطلان أحدهما.
الإمامية :
وقد تعرض الامامية لروايات (2) النهي عن بيعتين في بيعة ، أو صفقتين في
صفقة ، والقدر المتيقن منها هو ما لو باع بثمن حالٍّ وبأزيد منه إلى أجل بأن
قال : بعتك هذا نقداً بدرهم وبدرهمين إلى شهرين. وقد اختلفوا في بطلان أو
صحة هذه المعاملة ( فيما إذا قبل المشتري على صفة الترديد ) على قولين :
القول الأول : بطلان المعاملة ، وذلك للغرر والجهالة. فيكون النهي الوارد في
هذه الصورة ارشاداً إلى عدم تمامية المعاملة من جهة الغرر والجهالة. وذهب إلى هذا
القول بعض القدماء وأكثر المتأخرين.
ولكن يمكن أن يناقش هذا القول بعدم وجود الغرر وعدم الجهالة بعد تعيين الثمن ،
وأنّ الزيادة وقعت في مقابلة التأخير على جهة الشرطية فتفسد ، ولهذا تختلف هذه
الصورة عن الاجارة ، حيث قال بصحة الاجارة غير واحد في صورة
(1) المصدر السابق.
(2) راجع الروايات في وسائل الشيعة : ج12 ، ب2 من أحكام العقود ، ح3 و4 و5 ،
والرواية الثالثة موثّقة لأن محمد بن يحيى الخزّار ثقة وقد وثق مصدق بن صدقة ،
ولسان الرواية هو : عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أنّ رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) بعث رجلا إلى أهل مكّة وأمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع.