بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 431 ـ 440
(431)
وعلى هذا فإذا وصل المأكول والمشروب الى الجوف بلا أكل ولا شرب فيصدق عليه أنّه
غير مجتنب للطعام والشراب ، وأنّه غير ممسك عنهما حتى يصح منه الصوم الذي هو عبارة
عن الامساك عن اشياء أهمّها المأكول والمشروب.
2 ـ أمّا الرواية التي استدل بها الإمام الخوئي ( رحمه الله ) فهي بصدد بيان أنَّ
الدواء الذي صُبّ في الاُذن ما لم يدخل الى الحلق فهو لا يصل الى الجوف الذي يكون
مقرّاً للطعام والشراب ، أو يكون الأكل والشرب مقدمة للوصول إليه ، بل يكون الدواء
في الاُذن فلا يصدق عليه الأكل والشرب وهذا متين جداً ، لا بمعنى أن المفطِّر هو
مختص بما دخل الطعام أو الشراب عن طريق الحلق.
3 ـ إنّ الروايات ذكرت صدق الصوم بالاجتناب عن أشياء ، منها الطعام والشراب
وحينئذ إذا لم يصدق على الإنسان أنّه اجتنب الطعام والشراب فهو مضرٌّ بالصوم وإن لم
يصدق عليه أنّه أكل أو شرب.
توضيح وتتميم :
أنّ الذي يفهم من الروايات في الإضرار بصحة الصوم هو عبارة عمّا يدخل الى الجوف
ممّا يكون الأكل والشرب مقدمة له ويصدق عليه أنّه لم يجتنب الطعام والشراب ، وحينئذ
يكون الصوم الصحيح بالنسبة لهذا الأمر هو عدم وصول شيء خارجي الى هذا الجوف المعين
، ولا عبرة بخصوصية الأكل والشرب بما أنّه فعل من الأفعال ، ولهذا عدة قرائن هي :
1 ـ ما رواه سليمان بن حفصَ المروزي قال : « سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في
شهر رمضان أو استنشق متعمداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه
غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك مفطِّر مثل الأكل والشرب والنكاح » (1).
ومثلية دخول التراب أو ماء المضمضة أو
(1) وسائل الشيعة : ج7 ، ب22 ممّا يمسك عنه الصائم ، ح1.
(432)
الاستنشاق أو الرائحة الغليظة الحاملة لأجزاء المشموم الى حلقه أو أنفه للأكل هي
في صورة الدخول الى الجوف وإن لم تكن أكلا.
2 ـ صحيحة حماد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « في الصائم يتوضأ للصلاة
فيدخل الماء حلقه ؟ فقال ( عليه السلام ) : إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شيء ،
وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء » (1).
وواضح أنّ دخول ماء الوضوء الى الحلق لا يسمى شرباً (2) ، وإنّما هو عبارة عن
دخول قطرة أو أكثر من الماء الى الجوف.
3 ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ( الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ) قال
: « سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصبّ في اُذنه الدهن ؟ قال ( عليه السلام ) : إذا لم
يدخل الى حلقه فلا بأس » (3).
4 ـ موثّقة سماعة بن مهران قال : « سألته عن الكحل للصائم ؟ فقال ( عليه السلام ) :
إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس » (4).
وواضح من هاتين الروايتين أن المانع من الصوم هو دخول الدواء الحلق وصول طعم
الكحل الى الحلق ، وهو ممّا لا يسمى أكلا ولا شرباً.
5 ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ( الإمام الصادق أو الباقر ( عليهما السلام ) )
أنّه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة ؟ فقال ( عليه السلام ) : « إذا لم يكن كحلا تجد
له طعماً في حلقها فلا بأس » (5).
وواضح أنَّ الطعم في الحلق هو أول الدخول الى الجوف فلا خصوصية
(1) المصدر السابق : ب23 ، ح1.
(2) الشرب : الكرع بالأفواه ، فشربوا منه أي كرعوا بأفواههم ، مجمع البحرين.
(3) الوسائل : ج7 ، ب24 ممّـا يمسك عنه الصائم ، ح5.
(4) المصدر السابق : ب25 ، ح2.
(5) المصدر السابق : ب25 ، ح5.
(433)
للأكل أو الشرب.
6 ـ ما رواه الصدوق ( رحمه الله ) بسنده عن منصور بن حازم أنّه قال : « قلت للإمام
الصادق ( عليه السلام ) الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم ؟ قال : لا. قلت : فيجعل
الخاتم ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم » (1).
وهذه الرواية كالصريحة في أنّ ما يضرّ بالصوم هو وصول شيء الى الجوف وإن لم يصدق
عليه أنّه أكل أو شرب.
والخلاصة : أنّ الأدلّة القائمة على المفطِّرية بالنسبة لما يؤكل أو يشرب على
قسمين :
1 ـ أدلّة خاصة تدلّ على اجتناب الأكل والشرب في الصوم ، كما إذا فهمنا من الآية
القرآنية المجوّزة للأكل والشرب في الليل المنع منهما في النهار ، وهنا لا مانع من
أن يكون الأكل والشرب مختّصاً بوصول الشيء الى الحلق.
2 ـ أدلّة عامّة دلّت على وجوب اجتناب الطعام والشراب ، وهذا لا يتوقف على أن
يكون اجتنابهما عن طريق الحلق ، بل يجب اجتنابهما مطلقاً ، لكن لا بمعنى أن لا ينظر
إليهما ولا يمسّهما ولا يبيعهما ونحو ذلك ، بل يجتنبهما بحيث لا يصلا الى مستقرهما
ـ وهو جوف الإنسان ( المعدة ) الذي يكون الطريق المتعارف له هو الحلق ـ وإن لم يصدق
عنوان الأكل والشرب.
وأمّا الحلق الذي اُكِّد عليه في عدم وصول المأكول والمشروب إليه فهو باعتبار
أنّه مبدأ الجوف ، ومنتهى العمل الاختياري للإنسان ، وما بعده يحصل بالاضطرار ولا
يمكن وقفه أو منعه ، وحينئذ يكون المضرّ هو وصول الطعام والشراب الى الجوف
بالاختيار ولا خصوصية للحلق الذي وهو مدخل لجوف
(1) المصدر السابق : ب40 ، ح3 ، وسند الصدوق الى منصور بن حازم فيه محمد بن علي
ماجيلويه ، أمّا منصور فهو ثقة ثبت.
(434)
الطعام والشراب ، خصوصاً إذا نظرنا الى الصوم الذي معناه الإمساك والذي يكون
دخول الطعام الى مستقرّه بغير الحلق مضراً بصحته عرفاً. ولنا أن نعتبر في المولى
الذي يمنع من دخول زيد الى الدار ، وقال : إياكم أن يصل زيد الى باب الدار فهل يكون
دخول زيد الى الدار من غير الباب مفوِّتاً لغرض المولى ؟ وبالتأكيد يكون الجواب :
نعم ، إنّه مفوّت لغرض المولى.
وحينئذ فما لم يصدق على المكلف أنَّه مجتنب للطعام والشراب فهو غير صائم ، كما
إذا فتح له ثقباً الى المعدة بعد الحلق ليصل الطعام والشراب منه إليها ، وكذا إذا
دخل الى جوفه الطين والكحل والدواء والدهن ، فإنّ كلّ هذه إذا حصلت لم يصدق عليها
عنوان الأكل والشرب ، ولكن يصدق على صاحبها أنّه لم يمتنع من الطعام والشراب فهو
مضرّ بصحة الصوم.
ويؤيّد هذا ما ذكره العلماء : « لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثم ردّه الى
الفم وابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه ( عند الإمامية وهو قول أكثر الشافعية ) ،
إلاّ إذا استُهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة
الخارجية ، وكذا لو استاك وأخرج السواك من فمه وكان عليه رطوبه ثم ردّه الى الفم
فإنَّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه ، إلاّ مع الاستهلاك على الوجه المذكور » (1).
يبقى شرب السجائر : الذي يكون له طعم في الحلق ويصل الى الجوف فتكون مضرّة في
صحة الصوم ، لا من ناحية ادخال الهواء الى الرئتين الذي لا يصدق عليه الشرب الحقيقي
، لأنّ الشرب الحقيقي هو ما يشرب من المائعات ويكون مقرّه المعدة ، ولكنّ الإشكال
من ناحية عدم صدق اجتناب الأكل للأجزاء
(1) راجع العروة الوثقى للسيد الكاظم الطباطبائي ، كتاب الصوم ، ومستمسك العروة
الوثقى : ج8 ، ص253.
(435)
المتكوّنة من الدخان المسحوب الى الحلق وما بعده التي تمنع من صدق اجتناب الطعام.
ولعلّه لما تقدم فقد استشكل الإمام الحكيم ( قدس سره ) على من قال بأنّ المدار صدق
الأكل والشرب ، فقال :
« بأنّ الأدلّة لم تختص بالمنع عن الأكل والشرب ، بل مثل الصحيح السابق ـ
المتضمن لوجوب الاجتناب عن الأربع وغيره ـ دالّ على المنع عمّا هو أعم من الأكل
والشرب ... ، مضافاً الى أنّه يستفاد ممّا ورد في المنع عن الاحتقان بالمائع وصبّ
الدهن في الاُذن إذا كان يصل الى الحلق ، وما ورد في الاستنشاق إذا كان كذلك ، وما
ورد في مفطرية الغبار ـ أنّ المعتبر في الصوم عدم الايصال الى الجوف مطلقاً ،
وحينئذ يشكل صبّ الدواء في الجرح إذا كان يصل الى الجوف ، بل في المختلف استقرب فيه
الافطار مستظهراً له من المبسوط ، وكذا تقطير المائع في الاُذن ، وعن أبي الصلاح
الجزم بمفطِّريته ... » (1) (2).
وممّا يتفرّع على المفطِّرات في مجال التداوي اُمور :
1 ـ الحقن بواسطة المستقيم أو الإحليل :
ولا ضرورة لحصر البحث فيهما ، بل لابدّ من البحث فيما يدخل من أحد السبيلين
( القبل والدبر ) كتنظيف الرحم والتحاميل والحقن الشرجية وما شابه ذلك ومما يحتاج الى
العلاج والدواء لرفع المرض ، فهل يكون هذا منافياً لصحة الصوم ؟
(1) مستمسك العروة الوثقى : ج8 ، ص238.
(2) أقول : نحن لم نقل بقاعدة المنع ممّا يصل الى الجوف مطلقاً ، ولكن قلنا
بالمنع ممّا يصل الى الجوف الذي يكون الأكل والشرب طريقاً عاديّاً إليه ولم يصدق
على فاعله اجتناب الطعام والشراب وإن لم يصدق عنوان الأكل والشرب.
(436)
الجواب : وردت صحيحة علي بن جعفر عن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) مصرّحةً
بالجواز فقال : « سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما
صائمان ؟ قال : لا بأس » (1).
أقول : هذه الرواية جوّزت إدخال الدواء للصائم ، وبما أنَّ ادخال الدواء على
نحوين : الأول : ادخال الدواء الجامد في القبل والدبر ، والثاني : ادخال الدواء
المائع كذلك فقد يتوهّم بأنّها جوّزت الصور كلها ، ولكن بما أنّه قد وردت الروايات
المعتبرة التي تنهى الصائم عن الاحتقان بالمائع ، بل وتجوّز الاحتقان بالجامد ، فقد
ذهب جمع من الفقهاء الى التفصيل في أن المنهيّ عنه هو ادخال الدواء المائع في الجسم
، وهو ما يسمى بالاحتقان الذي عُبّر عنه في مجمع البحرين « إيصال الدواء الى باطنه
من مخرجه بالمحقنة ».
وبهذا نعرف أنّ المنهيّ عنه في الصوم هو فقط إيصال الدواء المائع الى الباطن من
طريق المخرج.
أمّا الحقن بالجامد وهو ما يسمّى التحاميل فلا بأس به في الصوم ، سواء كانت في
القبل أو الدبر.
فمن الروايات : صحيحة ابن أبي نصر عن أبي الحسن ( الإمام الرضا ( عليه السلام ) ) «
انه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان ؟ فقال ( عليه السلام ) : الصائم
لا يجوز له أن يحتقن » (2).
بناءً على أنّ معنى الاحتقان منصرف الى ادخال الدواء المائع ، وعلى تقدير
الاطلاق وشمول الاحتقان للجامد فهو مقيّد بموثّقة الحسن بن فضال ، قال : «
كتبتُ الى الإمام الرضا ( عليه السلام ) ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم ؟
(1) وسائل الشيعة : ج7 ، ب5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح1.
(2) وسائل الشيعة : ج7 ، ب5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح4.
(437)
فكتب ( عليه السلام ) : لا بأس بالجامد » (1) (2).
ثمّ إنّ هذا المنع للحقن بالمائع هل معناه وجود الحرمة التكليفية للصائم إذا
أوجدها من دون عذر ، وعدم الحرمة إذا كانت بعذر ، أو أنّها تبطل الصوم أيضاً ؟
أقول : اختلف الفقهاء على قولين ، ولكنّ الصحيح هو القول الثاني; وذلك لظهور
النهي الوارد في باب المركبات الارتباطية في الارشاد الى المانعية ( كما أنَّ الأمر
في المركبات ظاهر في الارشاد الى الجزئية أو الشرطية ) فإنّ النهي الذي هو ظاهر في
الحرمة ينقلب في باب المركبات الى ظهور ثانوي وهو البطلان والفساد نظير النهي عن
لبس جلد ما لا يؤكل لحمه في الصلاة (3).
وعلى هذا فلا فرق في مفطرية الحقنة بين الاختيار والاضطرار لمعالجة مرض ، لاطلاق
الدليل ، بل الظاهر من النصّ هو الثاني كما لا يخفى.
وبهذا يعرف حكم ما لو احتقن المريض عن طريق الإحليل ، فانه لا يضرّ بالصوم.
وكذا لا يضرّ بالصوم ادخال الطبيب يده للفحص أو لتنظيف الرحم وما شابه ذلك ،
سواء كان ذلك مصاحباً لمائع أم لا ، لعدم صدق الاحتقان الذي يبطل الصوم.
(1) وسائل الشيعة : ج7 ، ب5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح2. وهذا الحديث له
سند آخر ينقله الشيخ الطوسي ( قدس سره ) تكون عبارته أصرح في جواز الجامد إذ قال بدل
« اللطف » التلطف من الاشياف.
(2) ذهب الأطباء المختصون ( الدكتور محمد علي البار والدكتور حسّان شمسي پاشا ) :
الى « أن حقن السوائل الى داخل الامعاء حيث يتم الامتصاص يؤدّي الى الافطار وافساد
الصوم » هذا القول ليس مبنياً على ما ذكرناه من الأدلّة الشرعية ، بل انهما يرون أن
الجوف هو من الحلق الى الشرج وهذا ماء دخل الجوف فيكون مفطراً.
(3) على أن قوله ( عليه السلام ) في صحيحة ابن أبي نصر : « الصائم لا يجوز له أن
يحتقن » ولا يحتمل فيه حرمة الاحتقان في الصوم المندوب ، لجواز أن يبطله الإنسان
بالأكل وغيره من المفطرات إذن لا مناص من دلالة عدم الجواز في الصحيحة على البطلان
دون الحرمة التكليفية.
(438)
نعم ، وردت موثقّة حنان بن سدير أنّه سأل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن الصائم
يستنقع في الماء ؟ قال : « لا بأس ، لكن لا ينغمس. والمرأة لا تستنقع في الماء
لأنّها تحمل الماء بقبلها » (1).
ولكن بما أن التعليل لم يقل أحد من علماء الإمامية بكونه مفطراً ولم يفهم مشهور
الفقهاء من النهي الحرمة أيضاً فيحمل النهي على الكراهة.
حكم الاحتقان عند أهل السنة في المستقيم أو الاحليل :
قد ذكر مشهور السنة قاعدة يدخل تحتها الحقن في المستقيم والإحليل ويدخل غيرهما
من السوائل الى داخل الجسم ، وهي : « أنّ كل ما دخل الى جوف الإنسان أو تجوّف فيه ـ
كمداواة الجائفة أو المأمومة ـ فهو مفطّر » وقد استدلّوا على ذلك بقولهم : « لأنّه
واصل الى الجوف باختياره فأشبه الأكل ». « ولأن الدماغ جوف والواصل إليه يغذيه
فيفطره كجوف الإنسان » (2).
نعم ، ذهب الإمام مالك الى عدم كون ما يدخل الى الجوف مفطراً إلاّ أن يصل الى
الحلق ولا يفطر إذا داوى الجائفة أو المأمومة ، واختلف عنه في الحقنة (3).
أقول : لنا أن نتسائل عن دليل القاعدة التي ذكرها مشهور علماء أهل السنّة ، فإنّ
كان ما ذكر « من أن كل ما وصل الى الجوف باختياره يكون شبيهاً بالأكل فيكون مفطّراً
» فقد نوقش هذا الدليل بأنّ هذه القاعدة هي من تدقيق الفقهاء التي لا يدلّ عليها
كتاب ولا سنة ولا قياس.
وإن كان دليل القاعدة هو ما ذكر « من أنَّ الدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطره
كجوف البدن » فقد نوقش أيضاً بعدم صحة هذا الكلام ، فإنّ الواصل الى
(1) الكافي : ج4 ، باب كراهية الارتماس في الماء للصائم ، ح5.
(2) المغني : ج3 ، ص37 ، وراجع الشرح الكبير في هامش المغني.
(3) المصدر السابق.
(439)
الدماغ لا يغذيه ، على أنّ قاعدتهم تعمّ المغذّي وغيره من دخول سلاح الى الجائفة
أو المأمومة ممّا لا يعدّ طعاماً ولا شراباً ، ولا ما في معناهما حتى يقاس
عليهما (1).
2 ـ الدهان التي تستطعم في الحلق بواسطة المسام الجلدية :
وقبل التكلّم في هذه الصورة هناك تساؤلات حول ما قد يصل الى الجسم عبر الجلد ـ
سواء طُعِم في الحلق أم لا ـ كالحقن في الجلد وفي العضلة وما يوضع من الأدوية التي
يمتصها الجسم عبر الجلد ، فهل تكون مضرّة بصحة الصوم ؟
والجواب عن ذلك : أنّ الروايات المتقدّمة حاصرة لصحة الصوم باجتناب الأكل والشرب
والنساء والارتماس في الماء ، واضيف إليها ما ثبت إضراره بالصوم كالاحتقان بالمائع
كما تقدّم وغيره كالكذب على الله ورسوله الذي لم نتعرض له هنا لعدم مناسبته البحث ،
أمّا هذه العناوين المتقدّمة فلم يرد فيها ما يدلّ على إضراره بالصوم وحرمته ، ولذا
لا يمكن الحكم ببطلان الصوم لذلك. على أن التدهين الذي كان مستعملا في السابق
للاوجاع والرضوض التي تحصل للإنسان لم يأت فيه أيّ دليل على كونه مضرّاً بالصوم.
كما أنّ الاستنقاع بالماء للرجل الذي يوجب امتصاص الجلد شيئاً من الماء قد ورد فيه
النص بالجواز ، ولكن منع من رمس الرأس ، فقد ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام )
كما في صحيحة الحلبي قال : « الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه » (2).
وهناك روايات دلّت على جواز دخول الرجل الحمام على كراهية فيه للضعف الذي ينشأ
من ذلك ، ونحن نعلم أن دخول الحمام يوجب امتصاص الجسم شيئاً من الماء لا
محالة. فقد ورد في صحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « أنّه سأل
عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا بأس
(1) راجع هامش المغني : ج3 ، ص38.
(2) وسائل الشيعة : ج7 ، ب3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح7.
(440)
ما لم يخش ضعفاً » (1).
ثمّ إنّ بعض الأدهان ـ كما قيل ـ تستطعم في الحلق بواسطة المسام الجلدية ، فهل
تكون مضرّةً بالصوم ؟
الجواب : أنّنا إذا فرضنا التعبد بما ورد في الشرع واتّباعه من دون أن يكون لنا
دخل في الزيادة أو النقيصة في التشريع فنقول : لم يرد نصّ على أن كل ما طعم في
الحلق ولو بواسطة المسام الجلدية فهو مفطّر ، نعم ، ورد مفطّرية الأكل والشرب ممّا
وصل طعمه الى الحلق بواسطة وصول الطعام الى الحلق مباشرةً (2).
وأمّا غير ذلك فلا يمكن الحكم بمفطريته للفرق الواسع بين الأكل والشرب وبين ما
وصل طعمه الى الحلق بواسطة المسام الجلدية ، إلاّ إذا قلنا : إنّ ملاك إفطار الأكل
والشرب هو التغذي وصول طعم الشيء الى الحلق ولو عن طريق المسام الجلدية يكون
مغذّياً ، فيكون مفطراً ، إلاّ أنّ هذا بعيد غاية البعد وفي إثباته خرط القتاد.
3 ـ التطعيم بواسطة الأوعية الدموية أو العضل مما يصل طعمه الى الحلق :
وقبل أن نتكلم في هذه الصورة هناك تساؤل حول ما يصل الى الجسم بواسطة الأوعية
الدموية أو العضل ولم يصل طعمه الى الحلق ، فإنّ هذه الصورة لا يصدق عليها عنوان
المفطِّر لعدم صدق الأكل والشرب ، ولم يدلّ دليل على مفطريتها عند الإمامية. نعم ،
تقدم عند مشهور أهل السُنَّة أنَّ هذا يشبه الأكل ، فيكون مفطّراً عندهم ، ولكن
تقدم مناقشة ذلك وانه لم يرد فيه قرآن ولا سنة ولا قياس.
(1) المصدر السابق : ج7 ، ب27 ممّا يمسك عنه الصائم ، ح1.
(2) وعلى ما ذكرنا يكون وصول الطعام والشراب الى الجوف ( المعدة ) مضرّاً بصحة
الصوم وإن لم يكن عن طريق الحلق; لعدم صدق الاجتناب عن الطعام والشراب التي ذكرته
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.