ومن الدليل على أن الحسن بن علي عليهما السلام قد نص ثبات إمامته ، وصحة النص من النبي صلى الله عليه وآله ، وفساد الاختيار ، ونقل الشيع عمن قد أوجبوا بالادلة تصديقه أن الامام لا يمضي أو ينص على إمام كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان الناس محتاجين في كل عصر إلى من يكون خبره لا يختلف ولا يتكاذب كما اختلفت أخبار الامة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت وأن يكون إذا أمر ائتمر بطاعته ولا يد فوق يده ولا يسهو ولا يغلط وأن يكون عالما ليعلم الناس ما جهلوا ، وعادلا ليحكم بالحق ، ومن هذا حكمه فلا بد من أن ينص عليه علام الغيوب على لسان من يؤدي ذلك عنه إذ كان ليس في ظاهر خلقته ما يدل على عصمته .
فإن قالت المعتزلة : هذه دعاوي تحتاجون إلى أن تدلوا على صحتها ، قلنا : أجل لابد من الدلائل على صحة ما ادعيناه من ذلك وأنتم ، فإنما سألتم عن فرع والفرع لا يدل عليه دون أن يدل على صحة أصله ، ودلائلنا في كتبنا موجودة على صحة هذه الاصول ونظير ذلك أن سائلا لو سألنا الدليل على صحة الشرايع لاحتجنا أن ندل على صحة الخبر وعلى صحة نبؤة النبي صلى الله عليه وآله وعلى أنه أمر بها ، وقبل ذلك أن الله عزوجل واحد حكيم ، وذلك بعد فراغنا من الدليل على أن العالم محدث ، و هذا نظير ما سألونا عنه ، وقد تأملت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكا وهو أنهم قالوا : لو كان الحسن بن علي عليهما السلام قد نص على من تدعون إمامته لسقطت الغيبة .
والجواب في ذلك أن الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الانسان إلى بلد يكون معروفا فيه ومشاهدا لاهله ، ويكون غائبا عن بلد آخر ، وكذلك قد يكون الانسان غائبا عن قوم دون قوم ، وعن أعدائه لا عن أوليائه فيقال : إنه غائب وإنه مستتر ، وإنما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمن لا يوثق بكتمانه من أوليائه وأنه ليس مثل آبائه عليهم السلام ظاهرا للخاصة والعامة وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه وهم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم ، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه عليهم السلام وإن خالفهم مخالفوهم فيها وكما تجب بنقل المسلمين صحة آيات النبي صلى الله عليه وآله سوى القرآن وإن خالفهم


( 62 )

أعداؤهم من أهل الكتاب والمجوس والزنادقة والدهرية في كونها . ولبست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأملك .
وأما قولهم ( 1 ) إذا ظهر فكيف يعلم أنه محمد بن الحسن بن علي عليهم السلام ؟ .
فالجواب في ذلك أنه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم .
وجواب آخر وهو أنه قد يجوز أن يظهر معجزا يدل على ذلك . وهذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به وإن كان الاول صحيحا .
وأما قول المعتزلة : فكيف لم يحتج عليهم علي بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشورى ؟ فإنا نقول : إن الانبياء والحجج عليهم السلام إنما يظهرون من الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله عزوجل به مما يعلم الله أنه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجة عليهم بقول النبي صلى الله عليه وآله فيه ونصه عليه فقد استغني بذلك عن إقامة المعجزات اللهم إلا أن يقول قائل : إن إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت ، فنقول له : وما الدليل على صحة ذلك ؟ وما ينكر الخصم من أن تكون إقامته لها ليس بأصلح وأن يكون الله عزوجل لو أظهر معجزا على يديه في ذلك الوقت لكفروا أكثر من كفرهم ذلك الوقت ولادعوا عليه السحر والمخرقة وإذا كان هذا جائزا لم يعلم أن إقامة المعجز كانت أصلح .
فإن قالت المعتزلة : فبأي شيء تعلمون أن إقامة ( 2 ) من تدعون إمامته المعجز على أنه ابن الحسن بن علي عليهما السلام إصلح ؟ قلنا لهم : لسنا نعلم أنه لا بد من إقامة المعجز في تلك الحال وإنما نجوز ذلك ، اللهم إلا أن يكون لا دلالة غير المعجز فيكون لا بد منه لاثبات الحجة وإذا كان لا بد منه كان واجبا وما كان واجبا كان صلاحا لا فسادا ، وقد علمنا أن الانبياء عليهم السلام قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في كل يوم ووقت ولحظة وطرفة وعند كل محتج عليهم ممن أراد الاسلام ، بل في
____________
( 1 ) أي قول المعتزلة .
( 2 ) في بعض النسخ « ان أقام » .

( 63 )

وقت دون وقت على حسب ما يعلم الله عزوجل من الصلاح . وقد حكى الله عزوجل عن المشركين أنهم سألوا نبيه صلى الله عليه وآله أن يرقى في السماء وأن يسقط السماء عليهم كسفا أو ينزل عليهم كتابا يقرؤونه وغير ذلك مما في الاية ، فما فعل ذلك بهم ، وسألوه أن يحيى لهم قصي بن كلاب وأن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه وإن كان عليه السلام قد أقام لهم غير ذلك من المعجزات ، وكذا حكم ما سألت المعتزلة عنه ، ويقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحجج وأبين الادلة من تكرر المعجزات والاستظهار بكثرة الدلالات .
وأما قول المعتزلة : إنه احتج بما يحتمل التأويل ، فيقال : فما احتج عندنا على أهل الشورى إلا بما عرفوا من نص النبي صلى الله عليه وآله لان أولئك الروساء لم يكونوا جهالا بالامر وليس حكمهم حكم غيرهم من الاتباع ، ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله عزوجل بأضعاف من بعث من الانبياء ؟ ولم لم يبعث في كل قرية نبيا وفي كل عصر ودهر نبيا أو أنبياء إلى أن تقوم الساعة ؟ ولم لم يبين معاني القرآن حتى لا يشك فيه شاك ولم تركه محتملا للتأويل ؟ وهذه المسائل تضطرهم إلى جوابنا . إلى ههنا كلام أبي جعفر بن قبة ـ رحمه الله ـ .
كلام لاحد المشايخ في الرد على الزيدية :
وقال غيره من متكلمي مشايخ الامامية : إن عامة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل ويجب عليهم أن يعلموا أن القول بغيبة صاحب الزمان عليه السلام مبني على القول بإمامة آبائه عليهم السلام ، والقول بأمامة آبائه عليهم السلام مبني على القول بتصديق محمد صلى الله عليه وآله وإمامته ، وذلك أن هذا باب شرعي وليس بعقلي محض والكلام في الشرعيات مبني على الكتاب والسنة كما قال الله عزوجل : « فإن تنازعتم في شيء ( يعني في الشرعيات ) فردوه إلى الله وإلى الرسول » ( 1 ) فمتى شهد لنا الكتاب والسنة وحجة العقل فقولنا هو المجتبى ، ونقول : إن جميع طبقات الزيدية و
____________
( 1 ) النساء : 59 .
( 64 )

الامامية قد اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » وتلقوا هذا الحديث بالقبول فوجب أن الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله عزوجل كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخبر عن المراد ولا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطا ولا استخراجا كما لم تكن معرفة الرسول صلى الله عليه وآله بذلك استخراجا ولا استنباطا ولا استدلالا ولا على ما تجوز عليه اللغة وتجري عليه المخاطبة ، بل يخبر عن مراد الله ويبين عن الله بيانا تقوم بقوله الحجة على الناس ، كذلك يجب أن يكون معرفة عترة الرسول صلى الله عليه وآله بالكتاب على يقين ومعرفة وبصيرة ، قال الله عزوجل في صفة رسول الله صلى الله عليه وآله : « قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » ( 1 ) فأتباعه من أهله وذريته وعترته هم الذين يخبرون عن الله عزوجل مراده من كتابه على يقين ومعرفة وبصيرة ، ومتى لم يكن المخبر عن الله عزوجل مراده ظاهرا مكشوفا فانه يجب علينا أن نعتقد أن الكتاب لا يخلو من مقرون به من عترة الرسول صلى الله عليه وآله يعرف التأويل والتنزيل إذ الحديث يوجب ذلك .
وقال علماء الامامية : قال الله عزوجل : « إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض » ( 2 ) فوجب بعموم هذه الاية أن لا يزال في آل إبراهيم مصطفى وذلك أن الله عزوجل جنس الناس في هذا الكتاب جنسين فاصطفى جنسا منهم وهم الانبياء والرسل والخلفاء عليهم السلام وجنسا امروا باتباعهم ، فما دام في الارض من به حاجة إلى مدبر وسائس ومعلم ومقوم يجب أن يكون بازائهم مصطفى من آل إبراهيم ويجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله عزوجل « ذرية بعضها من بعض » وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم المصطفون من آل إبراهيم فوجب
____________
( 1 ) يوسف : 108 .
( 2 ) آل عمران : 33 .

( 65 )

أن يكون المصطفى بعد الحسين عليه السلام منه لقوله عز وجل « ذرية بعضها من بعض » ومتى لم تكن الذرية منه لا تكون الذرية بعضها من بعض إلا أن تكون في بطن دون جميعهم وكانت الامامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسين عليهما السلام وجب أن يكون منه ومن صلبه من يقوم مقامه وذلك معنى قوله تعالى « ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » ، فدلت الاية على ما دلت السنة عليه .
استدلال على وجود امام غائب من العترة يظهر ويملا الارض عدلا :
وقال بعض علماء الامامية : كان الواجب علينا وعلى كل عاقل يؤمن بالله و برسوله وبالقرآن وبجميع الانبياء الذين تقدم كونهم كون نبينا محمد صلى الله عليه وآله أن يتأمل حال الامم الماضية والقرون الخالية فإذا تأملنا وجدنا حال الرسل والامم المتقدمة شبيهة بحال أمتنا وذلك أن قوة كل دين كانت في زمن أنبيائهم عليهم السلام إنما كانت متى قبلت الامم الرسل فكثر أتباع الرسول في عصره ودهره فلم تكن أمة كانت أطوع لرسولها بعد أن قوي أمر الرسول من هذه الامة لان الرسل الذين عليهم دارت الرحى قبل نبينا محمد صلى الله عليه وآله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام هم الرسل الذين في يد الامم آثارهم وأخبارهم ، ووجدنا حال تلك الامم اعترض في دينهم الوهن في المتمسكين به لتركهم كثيرا مما كان يجب عليهم محافظته في أيام رسلهم وبعد مضي رسلهم وكذلك ما قال الله عزو جل : « قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير » ( 1 ) .
وبذلك وصف الله عزوجل أمر تلك القرون فقال عزوجل : « فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا » ( 2 ) وقال الله عزو جل لهذه الامة : « ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم » ( 3 ) .
____________
( 1 ) المائدة : 18 .
( 2 ) مريم : 59 .
( 3 ) الحديد : 16 .

( 66 )

وفي الاثر « أنه يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من الاسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه » وقال النبي صلى الله عليه وآله : « إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء » فكان الله عزوجل يبعث في كل وقت رسولا يجدد لتلك الامم ما انمحى من رسوم الدين واجتمعت الامة إلا من لا يلتفت إلى اختلافه ، ودلت الدلائل العقلية أن الله عزوجل قد ختم الانبياء بمحمد صلى الله عليه وآله فلا نبي بعده ، ووجدنا أمر هذه الامة في استعلاء الباطل على الحق والضلال على الهدى بحال زعم كثير منهم أن الدار اليوم دار كفر وليست بدار الاسلام ، ثم لم يجر على شيء من اصول شرايع الاسلام ما جرى في باب الامامة ، لان هذه الامة يقولون : لم يقم ( لهم ) بالامامة منذ قتل الحسين عليه السلام إمام عادل لا من نبي امية ولا من ولد عباس الذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق ، ونحن والزيدية وعامة المعتزلة وكثير من المسلمين يقولون : إن الامام لا يكون إلا من ظاهره ظاهر العدالة ، فالامة في يد الجائرين يلعبون بهم و يحكمون في أموالهم وأبدانهم بغير حكم الله ، وظهر أهل الفساد على أهل الحق و عدم اجتماع الكلمة ، ثم وجدنا طبقات الامة كلهم يكفر بعضهم بعضا ، ويبرأ بعضهم من بعض .
ثم تأملنا أخبار الرسول صلى الله عليه وآله فوجدناها قد وردت بأن الارض تملا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما برجل من عترته ، فدلنا هذا الحديث على أن القيامة لا تقوم على هذه الامة إلا بعد ما ملئت الارض عدلا ، فان هذا الدين الذي لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل سيكون له ناصر يؤيده الله عزوجل كما أيد الانبياء و الرسل لما بعثهم لتجديد الشرايع وإزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودة غير معدومة ، وقد علمنا عامة اختلاف الامة وسبرنا أحوال الفرق ، فدلنا أن الحق مع القائلين بالائمة الاثنى عشر عليهم السلام دون من سواهم من فرق الامة ، ودلنا ذلك على أن الامام اليوم هو الثاني عشر منهم وأنه الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله به ونص عليه . وسنورد في هذا الكتاب ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في عدد الائمة عليهم السلام وأنهم اثنا عشر والنص على القائم الثاني عشر ،


( 67 )

والاخبار بغيبته قبل ظهوره وقيامه بالسيف إن شاء الله تعالى .
اعتراضات للزيدية :
قال بعض الزيدية : إن الرواية التي دلت على أن الائمة اثنا عشر قول أحدثه الامامية قريبا وولدوا فيه أحاديث كاذبة .
فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : إن الاخبار في هذا الباب كثيرة والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا مستفيضا من حديث عبد الله ابن مسعود ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان المعروف بأبي علي بن عبد ربه الرازي وهو شيخ كبير لاصحاب الحديث قال : حدثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزي بالري في شهر ربيع الاول سنة اثنين وثلاثمائة ، عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف باسحاق بن راهويه ، عن يحيى بن يحيى ( 1 ) ، عن هشام ، عن مجالد ( 2 ) عن الشعبي ، عن مسروق قال : بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شاب : هل عهد إليكم نبيكم صلى الله عليه وآله كم يكون من بعده خليفة ؟ قال : إنك لحدث السن وإن هذا شيء ما سألني عنه أحد ( من ) قبلك ، نعم
____________
( 1 ) هو يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي أبو زكريا النيسابوري ثقة . وأما اسحاق بن راهويه فهو أبو يعقوب الحنظلي المروزي المحدث الفقيه ، قال ابن حنبل : اسحاق عندنا امام من أئمة المسلمين وما عبر جسر أفضل منه ( راجع تهذيب التهذيب ج 11 ص 296 وج 1 ص 216 ) .
( 2 ) في بعض النسخ « هشام بن خالد » وفى أكثرها « هشام بن مجالد » وفى مسند أحمد ج 1 ص 398 هذا الحديث بعينه « عن حماد بن زيد ، عن المجالد ، عن الشبعى » وعليه فالمراد هشام بن سنبر الدستوائي الذي يأتي ، يروى عن مجالد بن سعيد بن عمير أبي عمرو هو كما قال ابن حجر ليس بالقوي . وفي كفاية الاثر أيضا « عن هشام الدستوائي ، عن مجالد بن سعيد » وهذا هو الصواب لما في طريق الشيخ في كتاب الغيبة « عن عميس بن يونس عن مجالد بن سعيد » وقلنا المراد بهشام أبو بكر البصري واسم ابيه « سنبر » وهو ثقة ثبت . وفي الخصال « هيثم بن خالد » وهو تصحيف . وأما الشعبي فهو عامر بن شراحيل أبو عمرو ، ثقة مشهور فقيه فاضل كما في التقريب . وأما مسروق فهو مسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعي ثقة فقيه عابد .

( 68 )

عهد إلينا نبينا صلى الله عليه واله أنه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني اسرائيل .
وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب وبعضها في كتاب النص على الائمة الاثنى عشر عليهم السلام . بالامامة . ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا ظاهرا مستفيضا من حديث جابر بن سمرة ما حدثنا به أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري ، و كان من أصحاب الحديث قال : حدثني أبو بكر بن أبي داود ( 1 ) ، عن إسحاق بن إبراهيم ابن شاذان ، عن الوليد بن هشام ، عن محمد بن ذكوان ( 2 ) قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن سيرين ، عن جابر بن سمرة السوائي قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فقال : يلي هذه الامة اثنا عشر ، قال : فصرخ الناس فلم أسمع ما قال : فقلت لابي ـ وكان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مني : ما قال : رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : قال : كلهم من قريش وكلهم لا يرى مثله .
وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضا ، وبعضهم روى « اثنا عشر أميرا » ، وبعضهم روى « اثنا عشر خليفة » فدل ذلك على أن الاخبار التي في يد الامامية ، عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام بذكر الائمة الاثنى عشر أخبار صحيحة ( 3 ) .
قالت الزيدية : فان كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد عرف امته أسماء الائمة الاثنى عشر فلم ذهبوا عنه يمينا وشمالا وخبطوا هذا الخبط العظيم ؟
فقلنا لهم : إنكم تقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف عليا عليه السلام وجعله الامام بعده ونص عليه وأشار إليه وبين أمره وشهره ، فما بال أكثر الامة ذهبت عنه و
____________
( 1 ) في الخصال « أبو بكر بن أبي زواد » ولم أظفر به .
( 2 ) في بعض النسخ من الخصال « مخول بن ذكوان » ولم أجده .
( 3 ) روى أحمد في مسنده هذا الحديث ونحوه من أربع وثلاثين طريقا عن جابر بن سمرة راجع المسند ج 5 ص 87 إلى ص 108 . ورواه الخطيب أيضا في التاريخ ج 14 ص 353 من حديث جابر بن سمرة ونحوه في ج 6 ص 263 من حديث عبد الله بن عمرو وأخرجه مسلم في صحيحة كتاب الامارة بطرق عديدة من حديث جابر .

( 69 )

تباعدت منه حتى خرج من المدينة إلى ينبع ( 1 ) وجرى عليه ما جرى ، فان قلتم : إن عليا عليه السلام لم يستخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله فلم أودعتم كتبكم ذلك وتكلمتم عليه ، فان الناس قد يذهبون عن الحق وإن كان واضحا ، وعن البيان وإن كان مشروحا كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد ، ومن قوله عزوجل : « ليس كمثله شيء » إلى التشبيه .
اعتراض آخر للزيدية :
قالت الزيدية : ومما تكذب به دعوى الامامية أنهم زعموا أن جعفر بن محمد عليهما السلام نص لهم على إسماعيل وأشار إليه في حياته ، ثم إن إسماعيل مات في حياته فقال : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني » فان كان الخبر الاثنا عشر صحيحا فكان لا أقل من أن يعرفه جعفر بن محمد عليهما السلام ويعرف خواص شيعته لئلا يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم .
فقلنا لهم : بم قلتم : إن جعفر بن محمد عليهما السلام نص على إسماعيل بالامة ؟ وما ذلك الخبر ؟ ومن رواه ؟ ومن تلقاه بالقبول ؟ فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا ، وإنما هذه حكاية ولدها قوم قالوا بامامة إسماعيل ، ليس لها أصل لان الخبر بذكر الائمة الاثنا عشر عليهم السلام قد رواه الخاص والعام ، عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام ، وقد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب . فأما قوله : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني » فانه يقول : ما ظهر لله أمر كما ظهر له في أسماعيل ابني إذا اخترمه في حياتي ( 2 ) ليعلم بذلك أنه ليس بامام بعدى . وعندنا من زعم أن الله عزوجل يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس فهو كافر والبراءة منه واجبة ، كما روي عن الصادق عليه السلام .
حدثنا أبي ـ رضي الله عنه ـ عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن ـ يحيى بن عمران الاشعري قال : حدثنا أبو عبد الله الرازي ، عن الحسن بن الحسين
____________
( 1 ) في بعض النسخ « البقيع » .
( 2 ) اخترمة : أهلكه واستأصله .

( 70 )

اللؤلؤي ، عن محمد بن سنان ، عن عمار ، عن أبي بصير ، وسماعة ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : من زعم أن الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه .
وإنما البداء الذي ينسب إلى الامامية القول به هو ظهور أمره . يقول العرب بدا لي شخص أي ظهر لي ، لا بدا ندامة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وكيف ينص الصادق عليه السلام على إسماعيل بالامامة مع قوله فيه : إنه عاص لا يشبهني ولا يشبه أحدا من آبائي .
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد ابن أبي عمير ، عن الحسن بن راشد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إسماعيل فقال : عاص ، لا يشبهني ولا يشبه أحدا من آبائي .
حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا أبي ، عن محمد ابن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، والبرقي ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد ، عن عبيد بن زرارة قال : ذكرت إسماعيل عند أبي عبد الله عليه السلام فقال : والله لا يشبهني ولا يشبه أحدا من آبائي .
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن أبي نجران ، عن الحسين بن المختار ، عن الوليد بن ـ صبيح قال : جاءني رجل فقال لي : تعال حتى اريك ابن الرجل قال : فذهبت معه ، قال : فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر ، قال : فخرجت مغموما فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلق بالبيت يبكي قد بل أستار الكعبة بدموعه ، قال : فخرجت أشتد فإذا إسماعيل جالس مع القوم ، فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه ، قال : فذكرت ذلك لابي عبد الله عليه السلام فقال : لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثل في صورته .
وقد روي أن الشيطان لا يتمثل في صورة نبي ولا في صورة وصي نبي ، فكيف يجوز أن ينص عليه بالامامة مع صحة هذا القول منه فيه .


( 71 )

اعتراض آخر :
قالت الزيدية : بأي شيء تدفعون إمامة إسماعيل وما حجتكم على الاسماعيلية القائلين بامامته ؟
قلنا لهم : ندفع إمامته بما ذكرنا من الاخبار وبالاخبار الواردة بالنص على الائمة الاثنى عشر عليهم السلام وبموته في حياة أبيه .
فأما الاخبار الواردة بالنص على الائمة الاثنى عشر فقد ذكرناها في هذا الكتاب .
وأما الاخبار الواردة بموته في حياة الصادق عليه السلام ما حدثنا به أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، والحسن بن علي بن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن ـ عبد الله الاعرج قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما مات إسماعيل أمرت به وهو مسجى أن يكشف عن وجهه فقبلت جبهته وذقنه ونحره ، ثم أمرت به فغطي ، ثم قلت : اكشفوا عنه فقبلت أيضا جبهته وذقنه ونحره ، ثم أمرتهم فغطوه ، ثم أمرت به فغسل ثم دخلت عليه وقد كفن فقلت : اكشفوا عن وجهه ، فقبلت جبهته وذقنه ونحره و عوذته ، ثم قلت : درجوه . فقلت : بأي شيء عوذته ؟ قال : بالقرآن .
قال مصنف هذا الكتاب : في هذا الحديث فوائد أحدها الرخصة بتقبيل جبهة الميت وذقنه ونحره قبل الغسل وبعده إلا أنه من مس ميتا قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليه ، فان مسه بعدما يبرد فعليه الغسل ، وإن مسه بعد الغسل فلا غسل عليه ، فلو ورد في الخبر أن الصادق عليه السلام اغتسل بعد ذلك أو لم يغتسل لعلمنا بذلك أنه مسه قبل الغسل بحرارته أو بعدما برد .
وللخبر فائدة أخرى وهي أنه قال : أمرت به فغسل ولم يقل غسلته وفي هذا الحديث أيضا ما يبطل إمامة إسماعيل لان الامام لا يغسله إلا إمام إذا حضره ( 1 ) .
____________
( 1 ) فيه نظر لانه يمكن أن يقال الاخبار التى وردت بان الامام لا يغسله الا الامام مع ضعف سندها لا تدل على وجوب المباشرة انما دلالته على أن ولى الامام في التجهيز هو الامام الذي بعده
( 72 )

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، ويعقوب يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن شعيب ، عن أبي كهمس قال : حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليه السلام جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغطاء بالملحفة ثم أمر بتهيئته ، فلما فرغ من أمره دعا بكفنه وكتب في حاشية الكفن « إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله » .
حدثنا أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم ابن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن مرة مولى محمد بن ـ خالد قال : لما مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله عليه السلام إلى القبر أرسل نفسه فقعد على جانب القبر لم ينزل في القبر ، ثم قال : هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بابراهيم ولده .
حدثنا محمد بن الحسن ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن الحسين بن عمر ، عن رجل من بني هاشم قال : لما مات إسماعيل خرج إلينا أبو عبد الله عليه السلام فتقدم السرير بلا حذاء ولارداء .
حدثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن حماد بن عيسى ، عن جرير ، عن إسماعيل بن جابر و الارقط ابن عم أبي عبد الله ـ قال : كان أبو عبد الله عليه السلام عند إسماعيل حين قبض فلما رأي الارقط جزعه قال : يا أبا عبد الله قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : فارتدع ثم قال : صدقت أنا لك اليوم أشكر .
حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عمرو بن عثمان الثقفي ،
____________
سواء باشر ذلك بنفسه أو أمر من يفعل باذنه أو برضاه ان غاب ، وفى التهذيب ج 1 ص 86 و الاستبصار ج 1 ص 207 . باب كيفية غسل الميت بطريق صحيح أعلائي عن معاوية بن عمار قال : « أمرني أبو عبد الله عليه السلام أن أغمز بطنه ، ثم أوضيه بالاشنان ، ثم اغسل رأسه بالسدر و لحييه ، ثم أفيض على جسده منه ، ثم أدلك به جسده ، ثم أفيض عليه ثلاثا ، ثم أغسله بالماء القراح ، ثم أفيض عليه الماء بالكافور وبالماء القراح وأطرح فيه سبع ورقات سدر » .
( 73 )

عن أبي كهمس قال : حضرت موت إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام : فرأيت أبا عبد الله عليه السلام وقد سجد سجدة فأطال السجود ، ثم رفع رأسه فنظر إليه قليلا ونظر إلى وجهه ( قال : ) ثم سجد سجدة اخرى أطول من الاولى ، ثم رفع رأسه وقد حضره الموت فغمضه وربط لحييه وغطى عليه ملحفة ، ثم قام وقد رأيت وجهه وقد دخله منه شيء الله أعلم به ، قال : ثم قام فدخل منزله فمكث ساعة ، ثم خرج علينا مدهنا مكتحلا عليه ثياب غير الثياب التي كانت عليه ووجهه غير الذي دخل به فأمر ونهي في أمره ( 1 ) حتى إذا فرغ منه دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن « إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله » .
حدثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن ـ عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبى الحسن ظريف بن ناصح ، عن الحسن ابن زيد قال : ماتت ابنة لابي عبد الله عليه السلام فناح عليها سنة ، ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ، ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح ، قال : فقيل لابي عبد الله عليه السلام : أصلحك الله أيناح في دارك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لما مات حمزة : ليبكين حمزة لا بواكي له ( 2 ) .
حدثنا محمد بن الحسن ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا الحسن بن متيل الدقاق قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن محمد بن عبد الله الكوفي قال : لما حضرت إسماعيل بن أبي عبد الله الوفاة جزع أبو عبد الله عليه السلام جزعا شديدا قال : فلما غمضه دعا بقميص غسيل أو جديد فلبسه ثم تسرح وخرج يأمر وينهى قال : فقال له بعض أصحابه : جعلت فداك لقد ظننا أن لا ينتفع بك زمانا لما رأينا من جزعك ، قال : إنا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا .
حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال : حدثنا الحسين بن الهيثم قال :
____________
( 1 ) يعني في تجهيز اسماعيل .
( 2 ) في بعض النسخ « لكن حمزة لا بواكي له » .

( 74 )

حدثنا عباد بن يعقوب الاسدي قال : حدثنا عنبسة بن بجاد العابد قال : لما مات إسماعيل بن جعفر بن محمد وفرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وجلسنا حوله وهو مطرق ، ثم رفع رأسه فقال : أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق ودار التواء ( 1 ) لا دار استواء على أن فراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا ترد ( 2 ) وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ، ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ، ثم تمثل عليه السلام بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه .
ولا تحسبي أني تناسيت عهده * ولكن صبري يا إمام جميل ( 3 )
اعتراض آخر :
قالت الزيدية : لو كان خبر الائمة الاثنى عشر صحيحا لما كان الناس يشكون بعد الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في الامامة حتى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله وطائفة بإسماعيل وطائفة تتحير حتى أن الشيعة منهم من امتحن عبد الله بن الصادق عليه السلام فلما لم يجد عنده ما أراد خرج وهو يقول : إلى أين ؟ إلى المرجئة أم إلى القدرية ؟ أم إلي الحرورية وإن موسى بن جعفر سمعه يقول هذا فقال له : لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدرية ، ولا إلى الحرورية ولكن إلى . فانظروا من كم وجه يبطل خبر الاثنى عشر أحدها جلوس عبد الله للامامة ، والثاني إقبال الشيعة إليه ، والثالث حيرتهم عند امتحانه ، والرابع أنهم لم يعرفوا أن إمامهم موسى بن جعفر عليهما السلام حتى دعاهم موسى إلى نفسه وفي هذه المدة مات فقيههم زرارة بن أعين وهو يقول والمصحف على صدره : « اللهم إني أئتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف » .
فقلنا لهم : إن هذا كله غرور من القول وزخرف ، وذلك أنا لم ندع أن
____________
( 1 ) التواء : الاعوجاج .
( 2 ) اللوعة : حرقة الحزن .
( 3 ) في بعض النسخ « يا أميم جميل » والاميم هو المضروب على أم رأسه .

( 75 )

جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الائمة الاثني عشر عليهم السلام بأسمائهم ، وإنما قلنا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر أن الائمة بعده الاثنا عشر ، الذين هم خلفاؤه وأن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث ، فأما زرارة بن أعين فانه مات قبل انصراف من كان وفده ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفر عليهما السلام من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الذي هو القرآن على صدره ، وقال : اللهم إني أئتم بمن يثبت هذا المصحف إمامته ، وهل يفعل الفقيه المتدين عند اختلاف الامر عليه إلا ما فعله زرارة ، على أنه قد قيل : إن زرارة قد كان عمل بأمر موسى بن جعفر عليهما السلام وبامامته وإنما بعث ابنه عبيدا ليتعرف من موسى بن جعفر عليهما السلام هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه ، وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته .
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك عليه السلام ؟ فقال : نعم ، فقلت له : فلم بعث ابنه عبيدا ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ؟ فقال : إن زرارة كان يعرف أمر أبي عليه السلام ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليه السلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه وأنه لما أبطأ عنه ابنه طولب باظهار قوله في أبي عليه السلام فلم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال : اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد عليهما السلام .
والخبر الذي احتجت به الزيدية ليس فيه أن زرارة لم يعرف إمامة موسى بن ـ جعفر عليهما السلام وإنما فيه أنه بعث ابنه عبيدا ليسأل عن الخبر .
حدثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد ابن يحيى بن عمران الاشعري ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن أبيه قال : لما بعث زرارة عبيدا ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله


( 76 )

عليه السلام فلما اشتد به الامر أخذ المصحف وقال : من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي . وهذا الخبر لا يوجب أنه لم يعرف ، على أن راوي هذا الخبر أحمد بن هلال ( 1 ) وهو مجروح عند مشايخنا ـ رضي الله عنهم ـ .
حدثنا شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت سعد بن عبد الله يقول : ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد بن هلال ، وكانوا يقولون : إن ما تفرد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله ، وقد علمنا أن النبي والائمة صلوات الله عليهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه . والشاك في الامام على غير دين الله ، وقد ذكر موسى جعفر عليهما السلام أنه سيستوهبه من ربه يوم القيامة .
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن أبي الصهبان ، عن منصور بن العباس ، عن مروك بن عبيد ، عن درست ابن أبي منصور الواسطي ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال : ذكر بين يديه زرارة بن أعين فقال : والله إني سأستوهبه من ربي يوم القيامة فيهبه لي ، ويحك إن زرارة بن أعين أبغض عدونا في الله وأحب ولينا في الله .
حدثنا أبي ومحمد بن الحسن ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدثنا أحمد بن إدريس ، و محمد بن يحيى العطار جميعا ، عن محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك ، عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال : أربعة أحب الناس إلي أحياء وأمواتا : بريد العجلي ، وزرارة بن أعين ، ومحمد بن مسلم ، والاحول ( 2 ) أحب الناس إلي أحياء وأمواتا .
فالصادق عليه السلام لا يجوز أن يقول لزرارة : إنه من أحب الناس إليه وهو لا يعرف إمامة موسى بن جعفر عليهما السلام .
____________
( 1 ) هو أحمد بن هلال العبرتائي وردت فيه ذموم عن الامام العسكري عليه السلام كما في ( كش ) .
( 2 ) يعنى محمد بن النعمان البجلي مؤمن الطاق .

( 77 )

اعتراض آخر :
قالت الزيدية لا يجوز أن يكون من قول الانبياء : إن الائمة اثنا عشر لان الحجة باقية على هذه الامة إلى يوم القيامة ، والاثنا عشر بعد محمد صلى الله عليه وآله قد مضى منهم أحد عشر ، وقد زعمت الامامية أن الارض لا تخلو من حجة .
فيقال لهم : إن عدد الائمة عليهم السلام اثنا عشر والثاني عشر هو الذي يملأ الارض قسطا وعدلا ، ثم يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلا بالاقرار باثني عشر إماما إعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر عليه السلام بعده .
حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا عبد العزيز ابن يحيى قال : حدثنا إبراهيم بن فهد ، عن محمد بن عقبة ، عن حسين بن الحسن ، عن إسماعيل بن عمر ، عن عمر بن موسى الوجيهي ( 1 ) عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن ـ الحارث قال : قلت لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الاحداث بعد قائمكم ؟ قال : يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول إليه ، وإن رسول الله صلى الله عهد إلي أن لا اخبر به إلا الحسن والحسين عليهما السلام .
حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ـ رحمة الله عليه ـ قال : حدثنا عبد العزيز بن ـ يحيى الجلودي ، عن الحسين بن معاذ ، عن قيس بن حفص ، عن يونس بن أرقم ، عن أبي سنان الشيباني ( 2 ) عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في
____________
( 1 ) عمر بن موسى الوجيهي زيدي له كتاب قراءة زيد بن علي عليه السلام وقال : سمعت زيد ابن علي يقول : هذا قراءة أمير المؤمنين عليه السلام .
( 2 ) اما الحسين بن معاذ فالظاهر هو الحسين بن معاذ بن خليف البصري الذى ذكره ابن حبان في الثقات ، وأما قيس بن حفص فالظاهر هو قيس بن حفص بن القعقاع التميمي الدارمي مولاهم أبو محمد البصري المتوفى 227 الذى ذكره ابن حبان في الثقات أيضا . وأما يونس بن أرقم فلم أجد من ذكره ، وأما أبو سنان الشيباني المصحف في نسخ الكتاب بابي سيار فهو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي الذي ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابدا فاضلا انتهى ، يروي عن ضحاك بن مزاحم الهلالي أبي القاسم ويقال أبو محمد

( 78 )

حديث يذكر فيه أمر الدجال ويقول في آخره : لا تسألوني عما يكون بعد هذا فانه عهد إلي حبيبي عليه السلام أن لا اخبر به غير عترتي . قال النزال بن سبرة : فقلت لصعصعة ابن صوحان : ماعنى أمير المؤمنين بهذا القول ؟ فقال صعصعة : يا ابن سبرة إن الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة ، التاسع من ولد الحسين بن علي عليهما السلام وهو الشمس الطالعة من مغربها ، يظهر عند الركن والمقام ، فيطهر الارض ويضع الميزان بالقسط فلا يظلم أحد أحدا ، فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام أن حبيبه رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الائمة .
ويقال للزيدية : أفيكذب رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله « إن الائمة اثنا عشر » . فان قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقل هذا القول ، قيل لهم : إن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقى طبقات الامامية إياه بالقبول فما أنكرتم ممن يقول : إن قول رسول الله صلى الله عليه وآله « من كنت مولاه » ليس من قول الرسول عليه السلام .
اعتراض آخر :
قالت الزيدية : اختلفت الامامية في الوقت الذي مضى فيه الحسن بن علي عليهما السلام فمنهم من زعم أن ابنه كان ابن سبع سنين ، ومنهم من قال : إنه كان صبيا ( 1 ) أو رضيعا وكيف كان فانه في هذه الحال لا يصلح للامامة ورئاسة الامة وأن يكون خليفة الله في بلاده وقيمه في عباده ، وفئة المسلمين إذا عضتهم الحروب ، ومدبر جيوشهم ، والمقاتل عنهم والذاب عن حوزتهم ، والدافع عن حريمهم لان الصبى الرضيع والطفل لا يصلحان لمثل هذه الامور ، ولم تجر العادة فيما سلف قديما وحديثا أن تلقى الاعداء بالصبيان ومن لا يحسن الركوب ولا يثبت على السرج ، ولا يعرف كيف يصرف العنان ، ولا ينهض
____________
قال عبد الله بن أحمد : ثقة مأمون وقال ابن معين وكذا أبو زرعة : ثقة . وهو يروى عن النزال ابن سبرة ـ بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي وهو كوفى تابعي من كبار التابعين ذكره ابن حيان في الثقات كما في التهذيب .
( 1 ) في بعض النسخ « جنينا » .

( 79 )

بحمل الحمائل ، ولا بتصريف القناة ، ولا يمكنه الحمل على الاعداء في حومة الوغا ، فان أحد أوصاف الامام أن يكون أشجع الناس .
الجواب :
يقال لمن خطب بهذه الخطبة : إنكم نسيتم كتاب الله عزوجل : ولولا ذلك لم ترموا الامامية بأنهم لا يحفظون كتاب الله وقد نسيتم قصة عيسى عليه السلام وهو في المهد حين يقول : « إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت - الاية ( 1 ) أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثم حزبهم أمر من العدو ( 2 ) كيف كان يفعل المسيح عليه السلام وكذلك القول في يحيى عليه السلام ، وقد أعطاه الله الحكم صبيا فان جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله ، ومن لم يقدر على دفع خصمه إلا بعد أن يجحد كتاب الله فقد وضح بطلان قوله .
ونقول في جواب هذا الفصل : إن الامر لو أفضى بأهل هذا العصر إلى ما وصفوا لنقض الله العادة فيه ، وجعله رجلا بالغا كاملا فارسا شجاعا بطلا قادرا على مبارزة الاعداء والحفظ لبيضة الاسلام والدفع عن حوزتهم . وهذا جواب لبعض الامامية على أبي القاسم البلخي .
تراض آخر :
قالت الزيدية : قد شك الناس في صحة نسب هذا المولود إذ أكثر الناس يدفعون أن يكون للحسن بن علي عليهما السلام ولد .
فيقال لهم : قد شك بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا « لقد جئت شيئا فريا » ( 3 ) فتكلم المسيح ببراءة أمه عليه السلام فقال : « إني عبد الله آتاني الكتاب
____________
( 1 ) مريم : 32 .
( 2 ) حزبه أمر أي أصابه .
( 3 ) مريم : 28 . وقوله « فريا » أي عظيما بديعا أو قبيحا منكرا ، من الافتراء وهو الكذب .

( 80 )

وجعلني نبيا » فعلم أهل العقول أن الله عزوجل لا يختار لاداء الرسالة مغمور النسب ولا غير كريم المنصب ، كذلك الامام عليه السلام إذا ظهر كان معه من الايات الباهرات و الدلائل الظاهرات ما يعلم به أنه بعينه دون الناس هو خلف الحسن بن علي عليهما السلام .
قال بعضهم : ما الدليل على أن الحسن بن علي عليه السلام توفي ؟
قيل له : الاخبار التي وردت في موته هي أوضح وأشهر وأكثر من الاخبار التى وردت في موت أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام لان أبا الحسن عليهما السلام مات في يد الاعداء ومات أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام في داره على فراشه ، وجرى في أمره ما قد أوردت الخبربه مسندا في هذا الكتاب .
فقال قائل منهم : فهلا دلكم تنازع أم الحسن وجعفر في ميراثه أنه لم يكن له ولد ؟ لانا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له ان لا يظهر ولده ويقسم ميراثه بين ورثته ؟
فقيل له : هذه العادة مستفيضة وذلك أن تدبير الله في أنبيائه ورسله وخلفائه ربما جرى على المعهود المعتاد وربما جرى بخلاف ذلك ، فلا يحمل أمرهم في كل الاحوال على العادات كما لا يحمل أمر المسيح عليه السلام على العادات .
قال : فان جاز له أن يشك ( 1 ) في هذا لم لا يجوز أن نشك في كل من يموت ولا عقب له ظاهر .
قيل له : لا نشك في أن الحسن عليه السلام كان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولدا من فضلاء ولد الحسن والحسين عليهما السلام والشيعة الاخبار لان الشهادة التي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي وإن كان عدد النافين أكثر من عدد المثبتين ، ووجدنا لهذا الباب فيما مضى مثالا وهو قصة موسى عليه السلام لان الله سبحانه لما أراد أن ينجي بني إسرائيل من العبودية ويصير دينه على يديه غضا طريا أوحى إلى أمه « فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين » ( 2 ) فلو أن أباه عمران مات في ذلك الوقت لما كان الحكم في ميراثه إلا كالحكم في ميراث
____________
( 1 ) في بعض النسخ « فان جاز لنا أن نشك » .
( 2 ) القصص : 7 .