9 ـ ابن خلكان في « وفيات الأعيان » :
قال : اسمها آمنة ، وقيل : أمينة ، وقيل : أميمة ، وسكينة لقب لقبتها به أمها الرباب ... وأورد سوال عبدالله بن الحسن لمحمد بن السائب الكلبي المذكور آنفا (1) .
10 ـ عمر رضا كحالة في « أعلام النساء » :
قال : واسمها آمنة أو أميمة ، وسكينة لقبها (2) .
11 ـ السيد محسن الأمين العاملي في « أعيان الشيعة » :
عنونها هكذا :
أميمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب المعروفة بسكينة .
ثم نقل بعض الأقوال المتقدمة وقال :
روى في الأغاني بسنده ، عن ابن الكلبي (3) ، عن أبيه ، قال : قال لي عبدالله بن الحسن [بن الحسن] : ما اسم سكينة بنت الحسين ؟ فقلت له : سكينة ، فقال : لا ، اسمها آمنة (4) (5) .
والظاهر تعدد الحادثتين ، أحدها هذه ، ولعلها هي الأسبق زمانا ، والأخرى ما أوردناه عن النديم من أن محمد بن السائب الكلبي كان قد سأله عبدالله بن الحسن هذا عن اسم سكينة ، فقال : هي أميمة ، واستظهرنا هناك في التسلسل (5) في تعليقتنا على أميمة ، من أنها تصحيف آمنة .
(1) وفيات الأعيان 1 : 378 في ترجمة سكينة .
(2) أعلام النساء 2 : 202 .
(3) ابن الكلبي ينصرف إلى هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وروايته عن أبيه أي عن محمد بن السائب الكلبي ، مما يدل أن الراوي واحد مع تعداد الحادثتين ، وهو الموافق لاستظهارنا .
(4) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني 16 : 147 .
(5) أعيان الشيعة 3 : 491 .
(42)
واستظهارنا بتعدد الحادثتين ، كون رواية الأغاني هنا في صدد تصحيح ما علق بذهن محمد بن الكلبي ، وما اشتهر من لقبها بين الناس من أنها سكينة ، فصحح عبدالله اسمها بأنها آمنة .
ورواية النديم في الفهرست (1) أن عبدالله بن الحسن سأل محمد بن الكلبي عن اسم سكينة ، فلما ذكر أن اسمها آمنة صوب له ذلك وأقره عليه حينما قال : أصبت ، وكأنه في صدد تذكيره على ما صححه من قبل والتأكيد عليه بأن اسمها آمنة وليس سكينة .
وتأكيد عبدالله بن الحسن على محمد بن الكلبي له خصوصيته ، فأن ابن الكلبي كونه نسابة ، وعبدالله بن الحسن حريص على تصحيح الاسم بواسطة محمد بن الكلبي لرجوع الناس إليه .
12 ـ السيد عبدالرزاق الموسوي المقرم في « سكينة بنت الحسين عليهما السلام » :
قال : وأما سكينة فقد ذكر المؤرخون أنه لقب من أمها الرباب ، وكأنه لسكونها وهدوئها ، وعليه فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف ، وهذا الرأي نسبه الصبان إلى المشهور . وأما اسمها ، فالذي اختاره ابن تغري بردي أنه آمنة (2) .
13 ـ الشيخ محمد حسين الأعلمي في « تراجم أعلام النساء » :
قال : سكينة لقبها ، واسمها آمنة أو أمينة أو أميمة (3) .
14 ـ المحدث الشيخ عباس القمي في « منتهى الآمال » :
قال : وكان اسم سكينة آمنة أو أميمة ، فلقبتها أمها رباب بسكينة ، فهي
(1) راجع صفحة (39) لتقف على الرواية وتقارنها برواية الأغاني .
(2) سكينة بنت الحسين : 140 .
(3) تراجم أعلام النساء 2 : 200 .
(43)
عقيلة قريش ، وذات عقل ورأي صائب (1) .
هذا اتفاق أهل الأخبار والمحققين من الفريقين ، أن سكينة هو لقب آمنة أو أميمة بنت الحسين .
على أنا نرجح ما رجحه أهل التحقيق بأن اسمها آمنة بنت الحسين وميلهم إلى ذلك . بل هو الأقرب على ما في رواية أبي إسحاق المالكي ، كما نقله أبو الفرج الإصفهاني في الأغاني عن المدائني ، قال : حدثني أبو إسحاق المالكي قال : سكينة لقب ، واسمها آمنة ، ثم تصحيح الإصفهاني عقيب الرواية بقوله : وهذا هو الصحيح . وقد أشرنا إليه آنفا .
كما أن أبا الفرج نقل في موضع من الأغاني (2)
: قال مصعب فيما أخبرني به الطوسي ، عن زبير ، عنه : اسمها آمنة .
وهناك رواية أخرى للمدائني ، عن أبي إسحاق المالكي ، قال : قيل لسكينة ـ واسمها آمنة ، وسكينة لقب ـ : أختك فاطمة ناسكة ، وأنت تمزحين كثيرا ؟ ... ثم جواب السيدة آمنة بأنكم : « سميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام »
، تعني آمنة بنت وهب ، أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3) .
ومع مؤاخذاتنا على هذه الرواية ، إلا أن الذي يعنينا منها الآن هو ترجيح اسم آمنة على غيره من الأسماء .
وهذا ما حدى بالسيد محس الأمين العاملي في أعيان الشيعة (4)
إلى القول بعد إيراده لهذه الرواية في أخبارها : هذا يدل على أن اسمها آمنة . رغم
(1) منتهى الآمال 1 : 818 .
(2) الأغاني 16 : 146 .
(3) المصدر السابق : 149 .
(4) إعيان الشيعة 3 : 492 .
(44)
أنه عنونها باسم أميمة ، ولعل اختياره كان مسايرة لما عليه الأكثر ليس إلا .
من هنا يتأكد لنا الاسم الحقيقي للقب سكينة وهو آمنة بنت الحسين عليهما السلام ، لذا فالأمانة العلمية تدعونا إلى إثبات اسمها الصحيح ، والتعامل معه تعاملا جديا ، وذلك لغلق الطريق على الأكاذيب التي عهد إليها البعض للإساءة إلى بيت النبي الأطهر ، وتمحلات الآخرين الذين حسبوها أنها مرتكزات تاريخية ، دون أن يتكلفوا أدنى مطالب التحقيق في شأن هذه الحادثة الخطيرة ، لذا فإننا نأمل من ذوي التحقيق وأهل الإنصاف ، أن يرتكز في أذهانهم اسم آمنة بنت الحسين ، والتعامل معه تعاملا حقيقا ، والإعراض عن لقبها الذي استغله بعض أهل الأهواء ، والسذج من بسطاء العوام ، الذين لا خلاق لهم بتحقيق الوقائع ، ومعرفة الأحداث ، ومالهم بذلك إلا المطامع ، أو النعيق مع كل ناعق .
لم تزل الروايات التاريخية تحت مطرقة الأهواء والأغراض السياسية ، بل انجر ذلك حتى إلى رواية الحديث النبوي ، وقد أشرنا إلى ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا « تاريخ الحديث النبوي بين سلطة النص ونص السلطة » ، ولا يزال تاريخنا مخبوءا خلف ظروف روائية أسهم في إيجادها رواة وظفتهم السياسة ؛ لإيجاد حبكات قصصيةٍ وروايات توهم الآخرين بأنها ضمن تراثنا التاريخي الإسلامي ، في حين لم تكد مدونات التاريخ تستعرض واقعة تاريخية ، أو تسبر سيرة شخصية ، إلا وتجد مشكلة الوضع تخترق الحدث ، وتحيله إلى قراءة لتوجهات سياسية ، تتحكم فيها أغراض الراوي الذي ينتسب إلى تلك الجهة المعنية ، أو تلك الرؤية المحسوبة ،
(45)
وهكذا تتدخل هذه التوجهات لتأسيس تاريخ مشوه ، أو روايات موضوعة ، أو حدث مفتعل تجيد صياغته تارة أو تضطرب أخرى ، فتبدو القضية متناقضة غير حقيقية ، بأدنى تأمل ودقة نظر .
من هنا يمكننا أن نستعرض لهذه الظاهرة نموذجين من الوضع والتزوير ، تتدخل فيها عدة توجهات سياسية معينة :
أحدها :
المصالح الأموية التي ما برحت تكيد لآل علي عليهم السلام منذ عهد معاوية بن أبي سفيان .
وثانيا :
المطامع الزبيرية التي ما فتئت تلاحق المجد العلوي منذ حرب الجمل ، حتى ما ارتكبه آل الزبير من تأسيس مجدهم الزائل على جماجم شيعة علي عليه السلام وأصحابه ، ولاننسى ما بذله عبدالله بن الزبير وآله من محاربة العلويين وملاحقتهم ، كنفي محمد بن الحنيفة ، أو إخراج عبدالله بن عباس ، ومثلهم من بني هاشم عن مكة ، وإعلان العداء لهم منذ قيام دولتهم يومذاك . بمعنى أن الزبيريين عرفوا بمنافستهم الشديدة لآل علي عليه السلام ، وكانوا يحسدون ما يحرزه العلويون من تقدم في كل المجالات ، والأمة تتعامل مع العلويين بأنهم يمثلون الشرعية التي لا يمكن لأحد إغفالها أو تجاوزها ، وإذا لم تدم الجهود الزبيرية في تأسيس دولتهم يومذاك ، فلا بد أن يبحثوا عن مجد يحيلهم إلى أسياد الشرعية ، وقادة الأمة . حينئذ كيف يتم ذلك وملاحم العبث تملأ الأخبار ؟ وقصص عمر بن أبي ربيعة وسكينة بنت خالد بن مصعب يتداولها الناس ، ويتغنى بها أهل المجون والغناء ، وهذه مشكلة يستشعر منها الزبيريون إحدى المعضلات التي تعرقل دعاواهم في شرعيتهم المدعاة . إلى جانب ذلك ترى الأمة قداسة آل علي عليهم السلام ، وطهارة
(46)
بيتهم النبوي الذي لم تدنسه محاولات الأعداء ، فبقي مشعا بعطائه ، شاهدة الأمة لهم بالقداسة والإيمان ، وهذا يعني أن جهود منافسيهم سوف تعرقلها هذه النظرة المقدسة الزكية لآل علي عليهم السلام .
فالأمويون عرفوا بعبث خلفائهم ، حتى صار ذلك من تشريفات البلاط الأموي ، وآل الزبير يقرأون ويشاهدون أمامهم ملاحم بطلة الغرام سكينة بنت خالد الزبيرية ، فيحالون إلى بيت عبث وغناء ، لا كما يدعون من أنهم أهل خلافة وإمرة وقيادة ، وفي مثل هذا الحال سيتاح لآل علي عليهم السلام المنافس الأقوى لآل أمية وآل الزبير من التحرك بشكل طبيعي ؛ من أجل تمثيل شرعيتهم الإلهية المتمثلة بأئمة آل البيت عليهم السلام .
إذن فعلى الأمويين والزبيريين أن يختلقوا قضية يرمون بها منافسيهم الأقوياء ، وقلنا من قبل : إن شخصية الإمام زين العابدين عليه السلام لا يمكن أن تنالها دعايات الأعداء ، وقداسة بنات علي عليهم السلام لا تدنسها محاولات الأقلام الجائرة والأهواء العابثة ، فلم يجدوا إذن إلا شخصية « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، التي لم تساهم ـ كما ذكرنا ـ في الإعلام العلوي يوم كان آل البيت يتولون مهمة التبليغ وبيان الحقائق ، وكان لصغر سنها أثر في تحجيم دورها يومذاك ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى وجدت الدعايات الزبيرية ، والإعلام الأموي ، أن لتشابه اسمي سكينة بنت خالد بن مصعب صاحبة ملاحم عمر بن أبي ربيعة واسم سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، محاولة ناجحة في الخلط والتدليس ، واختراع القصص الماجنة ، ورمي شخص « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، ووجدت هذه المحاولة نجاحها على أيدي رواة متخصصين في صياغة
(47)
الحدث ، ووضع القضية موضعا يستسيغ تناقله العامة ، ويلهج به البسطاء ، ويتعامل معه السذج تعامل المسلمات .
وبهذا احتلت روايات « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام مساحة واسعة من كتب الحكايات ، وملاحم الغزل ، ووسائل القصاصين ؛ ليحيلوا قداسة البيت العلوي إلى دناسة أموية وعبث زبيري ، ويأبى الله إلا ظهور الحقائق والإطاحة بمحاولات الشرذمة من أهل الأهواء السياسية فيحيلها ، إلى ملاحم تحكي حقيقة هؤلاء الوضاعين من الأمويين والزبيريين .
أكـذوبتان :
النموذج الأول :
قال أبو الفرج : أخبرني علي بن صالح قال : حدثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة بنت الحسين : أنا لكن به ، فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصورين ، وسمت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها. فوافاهن عمر على راحلته ، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة في مسجده ، ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئا ، ثم انصرف إلى مكة من مكانه ، وقال في ذلك :
قالت سكينة والدموع ذوارفليت المغيـري الذي لم أجزه
منها على الخـدين والجلبابفيما أطال تصيدي وطلابي
(50)
كـانت ترد لنا المنـى أيامنا
إذ لا تُلام على هوى وتصابي (1)
رجال الخبر : علي بن صالح :
قال الذهبي : قال ابن الجوزي ضعفوه.
قلت [أي الذهبي] : لا أدري من هو (2) .
أبوهفان :
قال الذهبي : أبو هفان الشاعر حدث عن الأصمعي بخبر منكر.
قال ابن الجوزي : لا يعول عليه (3) .
إذن فالخبر ساقط عن الاعتبار لضعف رواته ومجهوليتهم.
يعد هذا الخبر في صدارة أخبار سكينة المنسوب لها في مجالسة الشعراء خصوصا عمر بن أبي ربيعة ، والخبر مع غض النظر عن سقوط سنده عن الاعتبار ، فأن محاولة الوضع بادية عليه ؛ إذ افتتح الخبر بأن« نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف اجتمعن » ، ولم يتعرض الخبر إلى ذكر واحدة منهن ، واختص بذكر سكينة بنت الحسين ، وذلك دليل على أن صياغة الخبر بهذه الطريقة قصد منها التعرض للسيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين ، ورتبت أحداثه لهذا الغرض ، والخبر في صدد ذكر ظرافة عمر بن أبي ربيعة ومحاولاته العبثية ، وهو ليس في صدد التعرض لسيرة أحد ، هكذا يعطي الخبر مسحة« البراءة » على ما يفتعله الوضاعون ، محاولين من خلاله الترسل لذكر وقائع أدبية صرفة ، وليس الغرض التعرض لسيرة أحد أو
(1) الأغاني171 : 1.
(2) ميزان الاعتدال 130 : 3.
(3) المصدر السابق 540 : 4.