حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 81 ـ 90
(81)
منهم لذّتك ، فلا تقطعن ذلك منهم ، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه ، وحلاوة اللسان (1).
    لقد درس الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نفسية المجتمع ، ووقف على دخائل النفوس وميولها واتّجاهاتها ، وأعطى صوراً حيّة عن جميع المناحي الاجتماعية ، والتي منها الصداقة بين الناس ، فقد حلّلها تحليلاً واقعياً بما لا يختلف على امتداد التاريخ وفي مختلف العصور.

    رواياته عن الإمام الصادق :
    وروى عن الإمام الصادق حديثاً جاء فيه أنّ رجلاً سأل أباه عن مسائل فكان ممّا أجابه به ، أن قال : قل لهم : هل كان فيما أظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من علم الله اختلاف؟ فإن قالوا : لا فقل لهم : فمن حكم بحكم فيه اختلاف فهل خالف رسول الله؟ فيقولون : نعم ، فإن قالوا : لا فقد نقضوا أوّل كلامهم ، فقل لهم : ما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم ، فإن قالوا : مَن الراسخون في العلم؟ فقل : مَن لا يختلف في عمله ، فإن قالوا : مَن ذاك؟ فقل : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صاحب ذاك .. إلى أن قال : وإن كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يستخلف أحداً فقد ضيّع مَن في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده ، قال : وما يكفيهم القرآن؟ قال : بلى لو وجدوا له مفسّراً ، قال : وما فسّره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : بلى قد فسّره لرجل واحد ، وفسّر للأمّة شأن ذلك الرجل ، وهو عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، إلى أن قال : والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد ، فمن حكم بحكم ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزّ وجل ، ومن حكم بحكم فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت .. (2).
1 ـ وسائل الشيعة : ج 8 ص 58.
2 ـ وسائل الشيعة : ج 18 ص 131.


(82)
    وقد عرض هذا الحديث لموضوع الخلافة ، وحفل بأوثق الأدّلة العقلية على إمامة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبطلان ما يذهب إليه المنكرون لإمامته.

    روايته عن أبيه :
    روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : حدّثني أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : دخل عمرو ابن عبيد على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية ( الذِينَ يجتنُبِونَ كَبَائرَ الإثْمِ والفَواحِشِ ) ثمّ أمسك.
    قال له أبو عبد الله : ما أسكتك؟
    قال عمرو : أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزوجل.
    قال أبو عبد الله : نعم يا عمرو ، أكبر الكبائر الإشراك بالله ، يقول الله : ( مَن يُشرِكْ باللهِ فقد حرَّم الله عليهِ الجنَّة ) وبعده اليأس من روح الله لأنّ الله عزوجل يقول : ( لاَ ييأسُ مِن رَوْح اللهِ إلاَّ القومُ الكافرون ) ثمّ الأمن من مكر الله لأنّ الله عزوجل يقول : ( فلا يَأمنُ مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ) ومنها عقوق الوالدين لأنّ الله سبحانه جعل العاق جبّاراً شقياً ، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ لأن الله عزوجل يقول : ( فجزاؤُهُ جهنَّم خالداً فيها ) وقذف المحصنة لأن الله عزوجل يقول : ( لُعنُوا فِي الدنيا والآخرةِ ولهم عذابٌ عظيمٌ ) وأكل مال اليتيم لأنّ الله عزوجل يقول : ( إنما يأكلون في بطُونِهِم ناراً وسيصلون سعيراً ) والفرار من الزحف لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومَن يُولِّهم يومئذٍ دبُرهُ إلاَّ متحرِّفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضَبٍ من الله ومأواهُ جهنَّمُ وبئس المصير ) وأكل الربا لأنّ الله عزوجل يقول : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقومُ الذي يتخبطُهُ الشيطانُ من المسِّ ) والسحر لأن الله عزوجل يقول : ( ولقد علموا لمن اشتراه مالهُ في الآخرة من


(83)
خلاقٍ ) والزنا لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومن يفعل ذلك يلق آثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ) واليمين الغموس الفاجرة لأنّ الله عزوجل يقول : ( الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ) والغلول لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة ) ومنع الزكاة المفروضة لأنّ الله عزوجل يقول : ( فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومن يكتُمها فإنَّه آثم قلبُهُ ) وشرب الخمر لأنّ الله عزوجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان ، وترك الصلاة متعمّداً أو شيئاً مما فرض الله عزوجل لأن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال : من ترك الصلاة متعمداً أو شيئاً ممّا فرض الله عزّ وجلّ لأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئ من ذمّة الله وذمّة رسوله ، ونقض العهد ، وقطيعة الرحم لأنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( لهُمُ اللعنَةُ ولهُمْ سُوءُ الدار ) قال : فخرج عمرو له صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال : برأيه ونازعكم في الفضل والعلم .. (1).
    وحذّر هذا الحديث الشريف من اقتراف الجرائم التي تمسخ ضمير الإنسان ، وتهدّد الحياة الاجتماعية بالخطر ، وتقف عائقاً في طريق حضارة الإنسان وتقدّمه.

    التوحيد :
    وأثيرت ـ في عصر الإمام الجواد ـ كثير من الشكوك والأوهام حول قضايا التوحيد أثارها من لا حريجة له في الدين من الحاقدين على الإسلام لزعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين ، وتشكيكهم في مبادئ دينهم العظيم .. وقد أجاب الإمام الجواد ( عليه السلام ) عن كثير من تلك الشبه ، وفنّدها كان من بينها :
1 ـ بحار الأنوار : ج 12 ص 128 ـ 129.

(84)
1 ـ وفد على الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) بعض المتضلّعين في علم الفلسفة والكلام فقدّم له السؤال التالي :
     ( أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى ، له أسماء وصفات في كتابه؟ فأسماؤه وصفاته هي هو ).
    وحلّل الإمام ( عليه السلام ) سؤاله إلى وجهين ، كما حلّل الوجه الثاني منهما إلى وجهين ، وقد صحّح بعض تلك الوجوه ، وأبطل البعض الآخر منها لأنّها تتنافى مع واقع التوحيد قال ( عليه السلام ) :
     ( إنّ لهذا الكلام وجهين : إن كنت تقول : هو هي ، أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك.
    وإن كنت تقول : لم تزل هذه الصفات والأسماء ( فإن لم تزل ) يحتمل معنيين : فإن قلت : لم تزل عنده في علمه ، وهو مستحقّها فنعم وإن كنت تقول : لم يزل تصويرها : وهجاؤها ، وتقطيع حروفها ، فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره ، بل كان الله ، ولا خلق ، ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ، ويعبدونه ، وهي ذكره ، وكان الله ولا ذكر ، والذكور بالذكر هو الله القديم ، الذي لم يزل والأسماء والصفات مخلوقات المعاني ، والمعنى بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف ، إنّما يختلف ويأتلف المتجزي ، فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا الله كثير ، ولا قليل ، ولكنّه القديم في ذاته لأنّ ما سوى الواحد متجزئ والله واحد لا يتجزّى ، ولا متوهّم بالقلّة والكثرة وكلّ متجزّي متوهّم بالقلّة والكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له ، فقولك : إنّ الله قدير خبرت انّه لا يعجزه شيء ، فنفيت بالكلمة العجز ، وجعلت العجز سواه ، وكذلك قولك : عالم إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه. فإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصور والهجاء ، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالماً ).


(85)
     ( وألمّ كلام الإمام بجوهر التوحيد فأبطل أن تكون أيّة صفة من صفاته تعالى مستلزمة للعدد والكثرة وذلك ما يترتّب عليها من الآثار الفاسدة المستحيلة بالنسبة له تعالى ، فلا حدوث في صفاته ، ولا تجزّئ في ذاته فصفاته عين ذاته ، كما دلّل على ذلك في علم الكلام .. أمّا تحليل هذه الفقرات من كلامه فإنّه يستدعي بحوثاً مطوّلة ، وقد آثرنا الإيجاز فيها.
    وبهر السائل من إحاطة الإمام بهذه البحوث المعقّدة وراح يسأله قائلاً :
     ( كيف سمّي ربّنا سميعاً .. ).
    فأجابه الإمام جواباً رائعاً دفع به الشبهة قائلاً :
     ( إنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس ، وكذلك سمّيناه بصيراً لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك ، ولم نصفه بنظر لحظ العين ، وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة ، وأحقر من ذلك .. وموضع الشقّ منها ، والعقل والشهوة ، والسفاد والحدب على نسلها ، وإفهام بعضها عن بعض ، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال ، والمفاوز والأودية والقفار ، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف ، وإنّما الكيفيّة للمخلوق المكيّف. وكذلك سمّي ربّنا قويّاً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوّته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصاً كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزاً فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا كيف ، ولا نهاية ، ولا إخطار محرم على القلوب أن تمثّله ، وعلى الأوهام أن تحدّه وعلى الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أدات خلقه وسمات بريّته ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً .. ) (1).
1 ـ التوحيد : ص 142 ـ 143.

(86)
    إنّ صفات الله تعالى الإيجابية السلبية وليست على غرار الصفات التي يتّصف بها الممكن الذي يفتقر في وجوده إلى علّة تفيض عليه الوجود ، كما يفتقر عدمه إلى علّة بالإضافة إلى أنّ صفات الممكن مثل البصر والسمع إنّما تقوم بجوارح الإنسان ويستحيل عليه ذلك تعالى إذ ليست له جوارح ولا أبعاض.
    إنّ من صفات الله تعالى أنه ( لطيف ) وذلك لعلمه بالأشياء اللطيفة كالبعوضة وما هو أصغر وأدقّ منها ، وقد ألهمها الله هداها فهي تسير سيراً عجيباً في منتهى الروعة والدقّة ، تحافظ على حياتها وعلى نوعيّتها ، وتحدب على نسلها فترعاه وتعاهده بالطعام. إنّ هذه الحركات من الحيوانات الصغيرة لتنادي بوجود خالقها العظيم الذي ألهمها هداها.
    إنّ من صفات الله تعالى أنّه ( قويّ ) ولكن ليست هذه القوّة كالقوة التي يتّصف بها الإنسان ، وهي قوّة البطش والانتقام فإنّ هذه الصفة قابلة للزيادة والنقصان والتغيير ويستحيل أن يتّصف بذلك الله تعالى عن مشابهة مخلوقاته.
    إنّ صفات الله تعالى وذاته لا تتحمّلها ، الأوهام ولا العقول والأفكار لأنّها إنّما تتصوّر الممكنات الخاضعة لهذا اللون من التصوّر ويمتنع عليه تعالى ذلك كما دلّل عليه في البحوث الفلسفية والكلامية.
    وعلى أي حال فقد أثبت الإمام في هذه البحوث أنّه من عمالقة الفلسفة والكلام في الإسلام وإنّا نسأل في أيّة مدرسة درس الإمام علم الفلسفة والكلام حتى صار من أقطاب هذا الفنّ وأجاب بهذه الأجوبة الدقيقة التي يعجز عن الإتيان بمثلها كبار الفلاسفة والعلماء ، إنّه لا تعليل لذلك سوى ما تقول به الشيعة إنّ الله تعالى منحه العلم والفضل وآتاه الحكم صبياً.
    2 ـ سأل محمد بن عيسى الإمام أبا جعفر ( عليه السلام ) عن التوحيد قائلاً : إنّي أتوهّم


(87)
شيئاً ، فأجابه الإمام :
     ( نعم غير معقول ، ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام ، وهو خلاف ما يتصوّر في الأوهام إنّما يتصوّر شيء غير معقول ولا محدود .. ) (1).
    إنّ وهم الإنسان إنّما يتعلّق بالأمور الخاضعة للوهم والتصوّر أمّا الأمور التي لا تخضع لذلك فإنّه من المستحيل أن يتعلّق بها الوهم والخيال حسب ما قرّر في علم الفلسفة ، فالله تعالى في ذاته وصفاته لا يصل له الوهم ولا الخيال لأنّهما إنّما يدركان الأمور الممكنة دون واجب الوجود.
    3 ـ روى الحسين بن سعيد قال : سئل أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) يجوز أن يقال لله إنّه شي؟ فقال ( عليه السلام ) :
     ( نعم يخرجه من الحدّين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه .. ) (2).
    إنّ الشيئية التي تطلق على الممكنات لا تطلق عليه تعالى إلاّ بشرط تجريده من حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه الذين هما من أبرز صفات الممكن.
    4 ـ سأل أبو هاشم الجعفري عن قوله تعالى : ( لاَ تُدرِكُهُ الأبصارَ وهُوَ يُدرِكُ الأبصارَ ) ، فقال ( عليه السلام ) :
     ( يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند ، والبلدان التي لم تدخلها ، ولم تدركها ببصرك ، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟ .. ) (3).
1 ـ التوحيد : ص 164.
2 ـ التوحيد : ص 64.
3 ـ التوحيد : 69 ، نُسِب هذا الحديث إلى الإمام الباقر ( عليه السلام ) وهو اشتباه.


(88)
    إنّ ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب على مدى ما تحمله من سعة الخيال فضلاً عن إدراكها بالعين الباصرة فإنّ كلاً منهما محدود بحسب الزمان والمكان وذات الله تعالى لا يجري عليها الزمان والمكان فإنّه تعالى هو الذي خلقهما.
    وعلى أي حال فإنّ العقول في جميع تصوّراتها محدودة لا يمكن أن تكتشف الأمور التي لا تخضع للحدّ زماناً ومكاناً ، يقول الشافعي : ( إنّ للعقل حدّاً ينتهي إليه كما أن للبصر حدّاً ينتهي إليه ).
    5 ـ سأل أبو هاشم الجعفري الإمام أبا جعفر الجواد قال : ما معنى الواحد؟ فأجابه ( عليه السلام ) :
     ( الذي اجتمعت الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عزوجل :
     ( ولَئنِ سألْتَهُم مَن خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ليقُولُنَّ اللهُ .. ) (1).
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن البحوث الرائعة التي أدلى بها الإمام ( عليه السلام ) عن التوحيد ، وهي تكشف عن مدى ثرواته العلمية الهائلة.

    مسائل فقهية :
    وتشكّل الأحاديث التي تُروى عن الإمام أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) مصدراً خصباً لاستنباط الأحكام الشرعية لدى فقهاء الشيعة الإمامية؛ لأنّها من السنة التي فسّرت ـ عندهم ـ بقول المعصوم وفعله وتقريره ، وقد أثرت عنه طائفة كبيرة من الأخبار دوّنت في موسوعات الفقه والحديث وقد شملت معظم أبواب الفقه نذكر بعضها :
    الصلاة :
    أمّا بحوث الصلاة وفروعها فهي من أوسع أبواب الفقه ، وكان من بين تلك
1 ـ التوحيد : ص 44.

(89)
الفروع التي عرض لها الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) ما يلي :
    1 ـ روى الصدوق بسنده عن يحيى بن عمران قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) في السنجاب (1) ، والفنك (2) والخزّ (3) وقلت : جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك ، فكتب بخطّه إليّ صلِّ فيها (4).
    واستدلّ الفقهاء بهذا الخبر ونحوه ممّا ورد في هذا الموضوع على جواز الصلاة في جلود هذه الحيوانات ، وهناك روايات أخرى دالّة على المنع من الصلاة فيها ، ولسنا بصدد النظر في ترجيح إحدى الطائفتين من هذه الأخبار على الأخرى فإنّ ذلك من شأن الكتب الفقهيّة الاستدلالية وليس هذا الكتاب منها.
    2 ـ روى قاسم الصيقل قال : كتبت إلى الرضا ( عليه السلام ) إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأُصلّي فيها ، فكتب إليّ اتّخذ ثوباً لصلاتك ، فكتبت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا فصعب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الوحشية الذكية فكتب إليّ : كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس (5).
1 ـ السنجاب : حيوان على حدّ اليربوع أكبر من الفأرة شعره في غاية النعومة يُتّخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعّمون ، وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد إلى الشجرة العالية ، وهو كثير في بلاد الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق ، جاء ذلك في مجمع البحرين.
2 ـ الفنك : دويبة برية يؤخذ منها الفرو ، يقال : إنّ فروها أطيب من جميع أنواع الفراء ، جاء ذلك في مجمع البحرين.
3 ـ الخزّ : دابة من دواب الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب ، ترعى في البر ، وتنزل في البحر ، لها وبر يُعمل منه الثياب ، تعيش في الماء ، جاء ذلك في مجمع البحرين.
4 ـ وسائل الشيعة : ج 3 ص 253.
5 ـ وسائل الشيعة : ج 3 ص 489.


(90)
    3 ـ واستدلّ الفقهاء على جواز الصلاة بالنعل الطاهرة الذكية بما رواه عليّ بن مهزيار قال : رأيت أبا جعفر ( عليه السلام ) صلى حين زالت الشمس يوم التروية ستّ ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما (1) وروى عبد الله بن رزين أنّه رأى أبا جعفر الثاني ( عليه السلام ) يصلي في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند بيت فاطمة ( عليه السلام ) يخلع نعليه ، ويصلي وإنّه رآه في ذلك الموضع الذي كان.
    4 ـ واستند الفقهاء على جواز مناجاة الله في أثناء الصلاة برواية محمد بن عليّ بن الحسين عن الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي يناجي به ربه عزوجلّ (2).
    هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) في الصلاة.
    الزكاة :
    وردت عن الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) عدّة أخبار في فروع الزكاة كان من بينها ما يلي : استدلّ الفقهاء على جواز إخراج القيمة دون العين فيما تجب فيه الزكاة بما روي عن الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) فقد روى محمد بن خالد البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) : هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى أن لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجابه : أيّما تيسّر يخرج (3).
    الخمس :
    وتلتزم الشيعة الإمامية بلزوم الخمس ووجوبه الذي هو من أهمّ الضرائب
1 ـ وسائل الشيعة : ج 3 ص 303.
2 ـ وسائل الشيعة : ج 7 ص 263.
3 ـ وسائل الشيعة : ج 6 ص 131.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس