|
|||
(91)
كان مولد الحسين عليه السلام لخمس ليالٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.
وقيل : اليوم (2) الثالث منه. وقيل : في أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة. وروي غير ذلك. قالت (3) أم الفضل (4) زوجة العباس (5) رضوان الله عنهما : رأيت في منامي (2) ر : يوم. (3) جاء في نسخة ع : ولما ولد هبط جبرئيل عليه السلام ومعه ألف ملك يهنون النبي صلى الله عليه وآله بولادته ، وجاءت به فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فسر به وسماه حسيناً. قال ابن عباس في الطبقات : أنبأنا عبدالله بن بكر بن حبيب السهمي ، قال : أنبأنا حاتم بن صنعة ، قالت ... (4) لبابة بنت الحارث الهلالية ، الشهيرة بأم الفضل ، زوجة العباس بن عبد المطلب ، ولدت من العباس سبعة ، أسلمت بمكة بعد إسلام خديجة ، وكان رسول الله ( ص ) يزورها ويقيل في بيتها ، توفيت نحو سنة 30 هـ. الإصابة ترجمة رقم 942 و 1448 ، ذيل المذيل : 84 ، الجمع بين رجال الصحيحين : 612 ، الأعلام 5/239. (5) العباس عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، كان محسناً لقومه سديد الرأي ، كانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه ، عمي في آخر عمره ، توفي بالمدينة سنة 32 هـ. صفة الصفوة 1/203 ، المحبر : 63 ، ذيل المذيل : 10 ، الأعلام 3/262. (92)
قبل مولده كأن قطعةً من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله قطعت فوضعت (6) في حجري ، فعبرت (7) ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال « خيراً رأيت (8) ، إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاماً فأدفعه إليك لترضعيه ».
قالت : فجرى الأمر على ذلك. فجئت به يوماً ، فوضعته في حجره ، فبال (9) ، فقطرت من بوله قطرةٌ على ثوب النبي صلى الله عليه وآله ، فقرصته ، فبكى ، فقال النبي صلى الله عليه وآله (10) : « مهلاً يا أم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني ». قالت : فتركته في حجره ، وقمت لآتيه بماء ، فجئت ، فوجدته صلوات الله عليه وآله يبكي. فقلت : مم بكاؤك يا رسول الله ؟ فقال : « إن جبرئيل عليه السلام أتاني ، فأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة (11) ». قال رواة الحديث : فلما أتت على الحسين عليه السلام من مولده سنة كاملة ، هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر ملكاً : أحدهم على صورة الأسد ، والثاني على صورة الثور ، والثالث على صورة التنين (12) ، والرابع على صورة ولد آدم ، (6) لفظ : فوضعت ، لم يرد في ر. (7) ع : ففسرت. (8) ع : يا أم الفضل رأيت خيراً. (9) ع : فجئت به يوماً إليه فوضعته في حجره فبينما هو يقبله فبال. (10) ع : كالمغضب. (11) قوله : لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، لم يرد في ر. (12) التنين : ضربٌ من الحيات من أعظمها. (93)
والثمانية الباقون على صور شتى ، محمرة وجوههم باكية عيونهم (13) ، قد نشروا أجنحتهم ، وهم يقولون : يا محمد سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل.
ولم يبق في السموات ملك (14) إلا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله ، كلٌ يقرؤه السلام ، ويعزيه في الحسين عليه السلام ، ويخبره بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ، والنبي صلى الله عليه وآله يقول : « اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه ». قال : فلما أتى على الحسين عليه السلام سنتان من مولده خرج النبي صلى الله عليه وآله في سفرٍ له (15) ، فوقف في بعض الطريق ، فاسترجع ودمعت عيناه. فسئل عن ذلك ، فقال : « هذا جبرئيل يخبرني عن أرضٍ بشط الفرات يقال لها كربلاء (16) ، يقتل بها ولدي الحسين بن فاطمة ». فقيل له : من يقتله يا رسول الله ؟ فقال : « رجل اسمه يزيد ، وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه ». ثم رجع من سفره ذلك مغموماً ، فصعد المنبر فخطب (17) ووعظ ، والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه. فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن واليسرى على رأس (13) باكية عيونهم ، لم يرد في ر. (14) ع : ملك مقرب. (15) له ، لم يرد في ر. (16) كربلاء بالمد : الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام ، في طرف البرية عند الكوفة. روي : أنه عليه السلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم ، وتصدق بها عليهم ، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام. معجم البلدان 4/249 ، مجمع البحرين 5/641 ـ 642. (17) فخطب ، لم يرد في ر. (94)
الحسين ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهم إن محمداً عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي وأرومتي (18) ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل عليه السلام أن ولدي هذا مقتول مخذول ، اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك (19) في قاتله وخاذله ».
قال : فضج الناس في المسجد بالبكاء والنحيب (20). فقال النبي صلى الله عليه وآله : « أتبكون ولا تنصرونه ». ثم رجع صلوات الله عليه وهو متغير اللون محمر الوجه ، فخطب خطبةً أخرى موجزة وعيناه تهملان دموعاً ، قال : « أيها الناس إني قد خلفت فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي وأرومتي (21) ومزاج مائي وثمرتي ، وأنهما لن (22) يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وأني أنتظرهما ، وأني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم (23) المودة في القربى ، وفانظروا ألا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم وقتلتموهم. ألا وإنه سترد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة : راية (24) سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة ، فتقف علي ، فأقول : من أنتم ؟ (18) الأرومة : الأصل. (19) ر : اللهم لا تبارك. (20) والنحيب ، لم يرد في ر. (21) ر : وعترتي وأرومتي. (22) ع : وثمرة فؤادي ومهجتي لن. (23) ع : إلا ما أمرني ربي أمرني ربي أن اسألكم. (24) ع : الأولى. (95)
فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب.
فأقول لهم (25) : أنا أحمد نبي العرب والعجم. فيقولون : نحن من أمتك يا أحمد. فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي ؟ فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن جديد الأرض (26). فأولي وجهي عنهم ، فيصدرون ظماءً عطاشاَ مسودة وجوههم. ثم ترد علي رايةٌ أخرى أشد سواداً من الأولى ، فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر : كتاب ربي (27) ، وعترتي ؟ فيقولون : أما الأكبر فخالفنا ، وأما الأصغر فخذلناهم ومزقناهم كل ممزق. فأقول : إليكم عني ، فيصدرون ظماءً عطاشاً مسودة وجوههم. ثم ترد علي راية أخرى تلمع نوراً (28) ، فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ، نحن أمة محمد صلى الله عليه وآله ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فنصرناهم في كل ما نصرنا منه أنفسنا ، وقاتلنا معهم من ناواهم. فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثم أسقيهم من حوضي ، فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثم يدخلون الجنة (25) لهم ، لم يرد في ر. (26) ع : عن آخرهم عن جديد الأرض. (27) ر : كتاب الله. (28) ع : تلمع وجوçهم نوراً. (96)
خالدين فيها أبد الآبدين » (29).
قال : وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين عليه السلام ، ويستعظمونه ويرتقبون قدومه. فلما توفي معاوية بن أبي سفيان (30) ـ وذلك في رجب سنة (31) ستين من الهجرة ـ كتب يزيد بن معاوية (32) إلى الوليد بن عتبة (33) وكان أميراً بالمدينة (29) من قوله : مستبشرين ، إلى هنا لم يرد في ر. (30) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، مؤسس الدولة الأموية في الشام ، ولد بمكة وأسلم يوم فتحها ، ولي قيادة جيش تحت إمرة أخيه في خلافة أبي بكر ، وصار والياً على الأردن في خلافة عمر ، ثم ولاه دمشق ، وجاء عثمان فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له ، وبعد قتل عثمان وولاية علي عليه السلام وجه له لفوره بعزله ن وعلم معاوية قبل وصول البريد ، فنادى بثأر عثمان واتهم علياً بدمه ونشبت الحروب الطاحنة واستعمل معاوية الخديعة والمكر ، مات معاوية في دمشق سنة 60 هـ ، وعهد بالخلافة إلى ابنه يزيد. تاريخ ابن الأثير 4/2 ، تاريخ الطبري 6/180 ، البدء والتاريخ 6/5 ، الأعلام 7/261 ـ 262. (31) ر : من سنة. (32) يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان الأموي ، ثاني ملوك الدولة الأموية في الشام ، ولد بالماطرون ونشأ في دمشق وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 60 هـ ، ولم يبايعه جماعة وعلى رأسهم الحسين عليه السلام لفسقه وفجوره ولهوه ولعبه ، خلع أهل المدينة طاعته سنة 63 هـ ، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة وأمره أن يستبيحها ثلاثة أيام وأن يبايع أهلها على أنهم عبيد ليزيد ، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة ، وقتل فيها كثيراً من الصحابة والتابعين ، مات يزيد سنة 64 هـ. تاريخ الطبري حوادث سنة 64 ، تاريخ الخميس 2/300 ، تاريخ ابن الأثير 4/49 ، جمهرة الأنساب : 103 ، الأعلام 8/189. (33) الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ابن حرب الأموي ، أمير من رجالات بني أمية ، ولي المدينة سنة 57 هـ أيام معاوية ، ومات معاوية فكتب إليه يزيد أن يأخذ له البيعة ، عزله يزيد سنة 60 هـ واستقدمه إليه ، فكان من رجال مشورته بدمشق ، ثم أعاده سنة 61 هـ وثورة عبدالله بن الزبير في (97)
يأمره (34) بأخذ البيعة له على أهلها (35) وخاصةً على الحسين بن علي عليهما السلام (36) ، ويقول له : إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.
فأحضر الوليد مروان بن الحكم (37) واستشاره في أمر الحسين عليه السلام. فقال : إنه لا يقبل ، ولو كنت مكانك لضربت (38) عنقه. فقال الوليد : ليتني لم أك شيئاً مذكوراً. ثم بعث إلى الحسين عليه السلام ، فجاءه في ثلاثين رجلاً من أهل بيته ومواليه ، فنعى الوليد إليه معاوية ، وعرض عليه البيعة ليزيد. فقال : « أيها الأمير ، إن البيعة لا تكون سراً ، ولكن إذا دعوت الناس إبانها بمكة ، وظل في المدينة إلى أن توفي بالطاعون سنة 64 هـ ، حج بالناس سنة 62 هـ. مرآة الجنان 1/140 ، نسب قريش : 133 و 433 ، الأعلام 8/121. (34) ع : أمير المدينة يأمره ، ب : كتب يزيد إلى الوليد يأمره. والمدينة : مدينة رسول الله ، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد ، وللمدينة اسماء كثيرة ، منها : طيبة ويثرب والمباركة. معجم البلدان 5/82. (35) ع : على أهلها عامة ، ولفظ عامة لم يرد في ر. ب. (36) ع. ب : عن الحسين عليه السلام. (37) ابن الحكم ، لم يرد في ع. ب. ومروان هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف ، أبو عبد الملك ، خليفة أموي ، أول من ملك من بني الحكم بن أبي العاص ، إليه ينسب بنو مروان ، ودولتهم المروانية ، ولد بمكة ونشأ بالطائف وسكن المدينة ، جعله عثمان من خاصته واتخذه كاتباً له ، وبعد قتل عثمان خرج مروان مع عائشة إلى البصرة ، وشهد صفين مع معاوية ، ولي المدينة سنة في ولاية معاوية ، أخرجه منها عبدالله بن الزبير فسكن الشام ومات سنة 65 بالطاعون ، وقيل : قتلته زوجته أم خالد. أسد الغابة 4/348 ، تاريخ ابن الأثير 4/74 ، تاريخ الطبري 7/34 ، الأعلام 7/207. (38) ب : ضربت. (98)
غداً فادعنا معهم ».
فقال مروان : لا تقبل أيها الأمير عذره ، ومتى لم يبايع فاضرب عنقه. فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : « ويلي عليك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت (39) ». ثم أقبل على الوليد فقال : « أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله (40) ، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر (41) قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ليس له هذه المنزلة (42) ، ومثلي لا يبايع مثله (43) ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ». ثم خرج عليه السلام ، فقال مروان للوليد : عصيتني. فقال : ويحك يا مروان ، إنك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي ، والله ما أحب أن ملك الدنيا بأسرها لي وأنني قتلت حسيناً ، والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان ، لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ أليمً. قال : وأصبح الحسين عليه السلام ، فخرج (44) من منزله يستمع الأخبار ، فلقاه مروان ، فقال : يا أبا عبدالله ، إني لك ناصحٌ فأطعني ترشد. (39) ب : وأثمت. (40) ر : وبنا فتح الله وبنا يختم. (41) ر : خمر. (42) قوله : ليس له هذه المنزلة ، لم يرد في ع. ب. (43) ع : بمثله ، ر : لمثله ، والمثبت من ب. (44) ب : فلما أصبح الحسين عليه السلام خرج. (99)
فقال الحسين عليه السلام : « وما ذاك ، قل حتى أسمع ».
فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين ، فإنه خيرٌ لك في دينك ودنياك. فقال الحسين عليه السلام : « إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ». وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان (45) وهو غضبان (46). (45) مروان ، لم يرد في ر. (46) جاء بعد هذا الموضع في نسخة ع كلام طويل لم يرد في نسخة ر. ب ، ويمكن أن يكون من حاشية المؤلف على الكتاب ، وعلى أي حال فنحن ننقل الكلام بنصه كما في نسخه ع : يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس مؤلف هذا الكتاب : والذي تحققناه أن الحسين عليه السلام كان عالماً بما انتهت حاله إليه ، وكان تكليفه ما اعتمد عليه. أخبرني جماعة ـ وقد ذكرت أسماءهم في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى ـ بإسنادهم إلى أبي جعفر محمد بن بابوية القمي فيما ذكر في أماليه ، باسناده إلى المفضل بن عمر ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام : أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً على الحسن عليه السلام ، فلما نظر إليه بكى ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال الحسن عليه السلام : إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، يزدلف إليك ثلاثون الف رجلٍ يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله ، وينتحلون الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها يحل الله ببني أمية اللعنة وتمطر السماء دماً ورماداً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش والحيتان في البحار. وحدثني جماعة منهم من اشرت إليه ، بإسنادهم إلى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب ، بإسناده إلى جده محمد ابن عمر قال : سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث أخوالي آل عقيل قال : (100)
... ... ... ... ... ... ... ....
لما امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة ، دخلت عليه فوجدته خالياً ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبدالله حدثني أخوك أبو محمد الحسن ، عن أبيه عليهم السلام ، ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمني إليه وقال : حدثك أني مقتول ؟ فقلت : حوشيت يابن رسول الله ، فقال : سألتك بحق أبيك بقتلي خبرك ؟ فقلت : نعم ، فلولا ناولت وبايعت. فقال : حدثني أبي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربتي تكون بقرب تربته ، فتظن أنك علمت مالم أعلمه ، وإنه لا أعطي الدنية من نفسي أبداً ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية مالقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة أحدٌ آذاها في ذريتها. أقول أنا : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة ، أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوماً بقتل أنفسهم ، فقال تعالى : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خيرٌ لكم عند بارئكم ). ولعله يعتقد أن معنى قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة. ولقد ذكر صاحب المقتل المروي عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية ما يليق بالعقل : فروى عن أسلم قال : عزونا نهاوند ـ وقال غيرها ـ واصطفينا والعدو صفين لم أر أطول منهما ولا أعرض ، والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم ، فحمل رجلٌ منا على العدو ، فقال الناس : لا إله إلا الله ألقى نفسه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب الأنصاري : إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة ، وليس كذلك ، إنما نزلت هذه الآية فينا ، لأنا كنا قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها ، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها ، فأنزل الله إنكالٌ لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله لإصلاح أموالنا : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ، معناه : إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيدكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم ، وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة ، وتحريضٌ لنا على الغزو ، وما أنزلت هذه الآية في رجلٍ حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة. أقول : وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب ، وسيأتي ما يكشف عن هذه الأسباب. قال رواة حديث الحسين عليه السلام مع الوليد بن عتبة ومروان : ... (101)
فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلى مكة (47) لثلاث مضين من شعبان سنة ستين.
فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة. قال (48) : وجاءه عبدالله بن العباس رضي الله عنه (49) وعبدالله بن الزبير (50) ، فأشارا عليه بالإمساك. فقال لهما : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرني بأمرٍ ، وأنا ماضٍ فيه ». قال : فخرج ابن عباس وهو يقول : واحسيناه ! (47) ولها أسماء أخر كثيرة ، منها : أم القرى ، والنساسة ، وأم رحم ، وهي بيت الله الحرام. والمك : النقض والهلاك ، وسمي البلد الحرام مكة لأنها تنقض الذنوب وتنفيها ، أو تمك من قصدها بالظلم ، أي تهلكه. معجم البلدان 5/181 ـ 188 ، مجمع البحرين 5/289. (48) قال ، لم يرد في ر. (49) عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي ، أبو العباس ، حبر الأمة ، صحابي جليل ، ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوة ، لازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه ، وشهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين ، كف بصره في آخر عمره ، فسكن الطائف وتوفي بها سنة 68 هـ. الإصابة ترجمة رقم 4772 ، صفة الصفوة 1/314 ، حلية الأولياء 1/314 ، نسب قريش : 26 ، المحبر : 98 ، الأعلام 4/95. (50) أبو بكر عبدالله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي ، بويع له بالخلافة سنة 64 هـ عقيب موت يزيد بن معاوية ، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق واكثر الشام ، وجعل قاعدة ملكه المدينة ، وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة ، سار لمحاربته الحجاج الثقفي في أيام عبدالملك بن مروان ، فانتقل إلى مكة وعسكر الحجاج في الطائف ، ونشبت بينهما حروب انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة بعد أن خذله أصحابه وذلك سنة 73 هـ ، مدة خلافته 9 سنين. تاريخ ابن الأثير 4/135 ، تاريخ الطبري 7/202 ، فوات الوفيات 1/210 ، تاريخ الخميس 2/301 ، الأعلام 4/87. (102)
ثم جاءه عبدالله بن عمر (51) ، فأشار عليه (52) بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال.
فقال له : « يا أبا عبدالرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل ، أما علمت (53) أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجل الله عليهم ، بل امهلهم وأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر (54) ، إتق الله (55) يا أبا عبدالرحمن ولا تدعن نصرتي ». قال : وسمع أهل الكوفة (56) بوصول الحسين عليه السلام إلى مكة وامتناعه من البيعة ليزيد ، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي (57) ، فلما تكاملوا قام فيهم (51) عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبدالرحمن ، كف بصره في آخر حياته ، وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة ، مولده ووفاته بمكة ، سنة وفاته مختلف فيه. الإصابة ترجمة رقم 4825 ، طبقات ابن سعد 4/105 ـ 138 ، تهذيب الأسماء 1/278 ، الأعلام 4/108. (52) ر. ع : إليه. (53) ع. ب : أما تعلم. (54) ع. ب : أخذ عزيزٍ ذي انتقام. (55) لفظ : الله ، لم يرد في ر. (56) الكوفة بالضم : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ، قيل : سميت الكوفة لاستدارتها. معجم البلدان 4/322. (57) أبو مطرف سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون عبد العزى بن منقذ السلولي الخزاعي ، صحابي ، من الزعماء القادة ، شهد الجمل وصفين مع علي عليه السلام ، سكن الكوفة ، ترأس التوابين ، استشهد بعين الوردة ، قتله يزيد بن الحصين. الإصابة ترجمة رقم 3450 ، تاريخ الاسلام 3/17 ، الأعلام 3/127. (103)
خطيباً. وقال في آخر خطبته :
يا معشر الشيعة ، إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه. قال : فكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام ، من سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة (58) ورفاعة بن شداد (59) وحبيب بن مظاهر (60) وعبدالله بن
(58) ر : نجية. وهو المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح الفزاري ، تابعي ، كان رأس قومه ، شهد القادسية وفتوح العراق ، كان مع علي عليه السلام في مشاهده ، سكن الكوفة ، ثار مع التوابين في طلب دم الحسين عليه السلام ، استشهد مع سليمان بن الصرد بالعراق سنة 65 هـ ، وكان شجاعاً بطلاً متعبداً ناسكاً. الكامل في التاريخ 4/68 ـ 71 ، الإصابة ترجمة رقم 8424 ، الأعلام 7/225 ـ 226. (59) رفاعة بن شداد البجلي ، قارئ ، من الشجعان المقدمين ، من أهل الكوفة ، من شيعة علي عليه السلام ، قتل سنة 66 هـ. الكامل في التاريخ حوادث سنة 66 هـ ، الأعلام 3/29. (60) حبيب بن مظاهر ـ أو مظهر أو مطهر ـ بن رئاب بن الأشتر بن حجوان الأسدي الكندي ثم الفقعسي ، تابعي ، من القواد الشجعان ، نزل الكوفة ، صحب علي عليه السلام في حروبه كلها ، وكان من شرطة الخميس ، ثم كان على ميسرة الحسين يوم كربلاء وعمره خمس وسبعون سنة ، بذل محاولة لاستقدام أنصار من بني أسد وحال الجيش الأموي دون وصولهم إلى معسكر الحسين عليه السلام ، كان معظماً عند الحسين ، وكان شخصية بارزة في مجتمع الكوفة ، ولما استشهد قال الحسين عليه السلام : احتسب (104)
وائل (61) وسائر شيعته من المؤمنين.
سلام الله عليك ، أما بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من قبل ، الجبار العنيد الغشوم الظلموم الذي ابتز (62) هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمر عليها بغير رضىً منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعداً له كما بعدت ثمود. ثم أنه ليس علينا إمامٌ غيرك ، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، والنعمان ابن بشير (63) في قصر الامارة ، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام (64) ، نفسي وحماة أصحابي ، قتله بديل بن صريم الغفقاني. تاريخ الطبري 5/325ـ440 ، رجال الشيخ : 72 ، تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، لسان الميزان 2/173 ، الكامل في التاريخ حوادث سنة 61 هـ ، الأعلام 2/166 ، أنصار الحسين : 81 ـ 82. (61) كذا في ع ، وفي ر : وابل. والظاهر أن الصحيح اسمه : عبدالله بن وال التميمي ، كما جاء اسمه في أصحاب أمير المؤمنين في رجال الشيخ : 55 ، وجاء اسمه بعد اسم قنبر مندمجاً معه ، وهو اشتباه ، وفي مخطوطة رجال الشيخ جاء اسمه قبل اسم قنبر بعدة أسماء ، وورد اسمه في شرح النهج 3/132 ، وعدة أماكن أخرى. (62) أي : اغتصب. (63) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري أبو عبدالله أمير شاعر ، من أهل المدينة ، وجهته نائلة ـ زوجة عثمان ـ بقميص عثمان إلى معاوية ، فنزل الشام وشهد صفين مع معاوية ، وولي القضاء بدمشق ، وولي بعده اليمن لمعاوية ، ثم استعمله على الكوفة ، وعزل عنها وصارت له ولاية حمص ، واستمر فيها إلى أن مات يزيد ، فبايع النعمان لابن الزبير ، وتمرد أهل حمص ، فخرج هارباً ، فأتبعه خالد بن خلي الكلاعي فقتله سنة 65 هـ. جمهرة الأنساب : 345 ، أسد الغابة 5/22 ، الإصابة ترجمة رقم 8730 ، الأعلام 8/36. (64) بالهمزة ، ويجوز أن لا يهمز ، فيكون جمع شامة ، سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض (105)
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول الله وعلى أبيك من قبل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم سرحوا الكتاب ، ولبثوا يومين آخرين وأنفذوا جماعة معهم نحو ماءة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين والثلاثة والأربعة (65) ، يسألونه القدوم عليهم. وهو مع ذلك يتأنى فلا يجيبهم. فورد عليه في يوم واحدٍ ستمائة كتاب ، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده منها في نوب (66) متفرقة إثنى عشر ألف كتاب. ثم قدم عليه هاني بن هاني السبيعي (67) وسعيد بن عبدالله الحنفي (68) بهذا فشبهت بالشامات ، حدها من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية ، وعرضها من جبلي طي من نحو القبلة إلى بحر الروم ، وبها من أمهات المدن حلب ومنبج وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدس والمعرة وفي الساحل أنطاكية وطرابلس ... معجم البلدان 3/311 ـ 315. (65) والأربعة ، لم يرد في ر. (66) أي : فرص متفرقة. (67) هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وعنه أبو إسحاق السبيعي. تهذيب التهذيب 11/22 ـ 23. ولم ينعته كل من ترجمه بالسبيعي ، والسبيعي بطن من بطون همدان. (68) ر : النخعي ، وكذا فيما يأتي. ذكر في أكثر المصادر وفي الزيارة باسم سعد ، وهو من بني حنيفة بن لجيم من بكر بن وائل ، وهو أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين إلى الحسين عليه السلام ، من أعظم الثوار تحمساً. تاريخ الطبري 5/419 و 353 ، مقتل الحسين للخوارزمي 1/195 و 2/20 ، المناقب 4/103 ، البحار 45/21 و 26 و 70 ، تسمية من قتل مع الحسين : 154 ، أنصار الحسين : 90 ـ 91. |
|||
|