|
|||||||||
(76)
صورة الصفحة الأولى من نسخة ( ر ) (77)
صورة الصفحة الأخيرة من نسخة ( ر ) (78)
(79)
(80)
(81)
الحمد لله المتجلي لعباده من أفق الألباب ، المجلي عن مراده بمنطق (1) السنة والكتاب ، الذي نزه أولياءه عن دار الغرور ، وسما بهم إلى أنوار السرور.
ولم يفعل ذلك محاباةً (2) لهم على الخلائق ، ولا إلجاءً لهم (3) إلى جميل الطرائق (4). بل عرف منهم قبولاً للألطاف ، واستحقاقاً لمحاسن الأوصاف ، فلم يرض لهم التعلق بحبال الإهمال ، بل وفقهم للتخلق بكمال الأعمال. حتى عزفت (5) نفوسهم عمن سواه ، وعرفت أرواحهم شرف رضاه ، فصرفوا أعناق قلوبهم إلى ظله ، وعطفوا آمالهم نحو كرمه وفضله. فترى لديهم فرحة المصدق بدار بقائه ، وتنظر عليهم مسحة المشفق من أخطار لقائه. (1) ر : بنطق. (2) ع : بهم محاباةً. والمحاباة : العطاء بلا من ولاجزاء. (3) ر : ولا إلجاءهم. (4) ر : الطريق. (5) ع : فرغت. وعزفت بمعنى : سلت. (82)
ولا تزال أشواقهم متضاعفة إلى ما قرب من مراده ، وأريحيتهم (6) مترادفه نحو إصداره وإيراده ، وأسماعهم مصغية إلى استماع (7) أسراره ، وقلوبهم مستبشرة بحلاوة تذكاره.
فحياهم منه بقدر ذلك التصديق ، وحباهم من لدنه حباء البر الشفيق. فما أصغر عندهم كل ما شغل عن جلاله ، وما أتركهم لكل ما باعد من وصاله ، حتى أنهم ليتمتعون بأنس ذلك الكرم والكمال ، ويكسوهم أبداً حلل المهابة والجلال. فإذا عرفوا أن حياتهم مانعة عن (8) متابعة مرامه ، وبقاءهم حائل بينهم وبين إكرامه ، خلعوا أثواب البقاء ، وقرعوا أبواب اللقاء ، وتلذذوا في طلب ذلك النجاح ، ببذل النفوس والأرواح ، وعرضوها لخطر السيوف والرماح. وإلى ذلك التشريف الموصوف سمت نفوس أهل الطفوف ، حتى تنافسوا في التقدم إلى الحتوف ، وأصبحوا (9) نهب الرماح والسيوف. فما أحقهم بوصف السيد المرتضى علم الهدى (10) رضوان الله عليه ، وقد مدح (6) ر : وأريحتهم. والأريحي : الواسع الخلق النشيط إلى المعروف ، وهو أيضاً : السخي الذي يرتاح للندى ، وراح لذلك الأمر رواحاً وأريحية ورياحةً : أشرق له وفرح به وأخذته له خفة وأريحية ، لسان العرب 5/359 روح. (7) ر : اسماع. (8) ر : من. (9) ع : وأضحوا. (10) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه السلام ، نقيب الطالبيين ، وأحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر ، مولده ووفاته ببغداد ، روى عن جماعة كالشيخ (83)
من أشرنا إليه فقال :
وحيث أن في الجزع رضىً لسلطان المعاد ، وغرضاً لأبرار العباد ، فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع ، وآنسنا بإرسال الدموع ، وقلنا للعيون : جودي بتواتر البكاء ، وللقلوب : جدي جد ثواكل النساء. فإن ودائع الرسول الرؤوف أضيعت (14) يوم الطفوف ، ورسوم وصيته بحرمه وأبنائه طمست بأيدي أمته وأعدائه. فيالله من تلك الفوادح المقرحة للقلوب ، والجوائح المصرحة (15) بالكروب ، المفيد والحسين بن علي بن بابويه ، وروى عنه جماعة كسلًار وأبي الصلاح الحلبي والخطيب البغدادي والقاضي ابن قدامة ، له عدة كتب ، منها : الشافي في الإمامة ، توفي سنة 433 هـ وقيل : 436 هـ. رياض العلماء 4/14 ، وفيات الأعيان 3/313 ، الكنى والألقاب 2/439 ، ميزان الإعتدال 2/223 ، لسان الميزان 4/223 ، جمهرة الأنساب : 56 ، الأعلام 4/278. (11) ع : نفوس ، بدلاً من : لهم جسوم. (12) ر : أو أن. (13) ر : الغراية. (14) ع : أبيحت. (15) ع : والجرائح المصرخة. (84)
والمصائب المصغرة كل بلوى ، والنوائب المفرقة شمل التقوى ، والسهام التي أراقت دم الرسالة ، والأيدي التي ساقت سبي الجلالة ، والرزية التي نكست رؤوس الأبدال ، والبلية التي سلبت نفوس خير الآل ، والشماتة التي ركست (16) أسود الرجال (17) ، والفجيعة (18) التي بلغ رزؤها إلى جبرائيل ، والفظيعة التي عظمت على الرب الجليل.
وكيف لا يكون كذلك وقد أصبح لحم رسول الله مجرداً على الرمال ، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف الضلال ، ووجوه بناته مبذولة لعين السائق والشامت ، ومسلبهن بمنظر من الناطق والصامت ، وتلك الأبدان المعظمة عارية من الثياب ، والأجساد المكرمة جاثية على التراب ؟!!
فيا أهل البصائر من الأنام ، ويا ذوي النواظر والأفهام ، حدثوا نفوسكم والجوائح جمع جائحة ، وهي : الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال ، وتستعمل مجازاً لكل شدة. (16) الركس : قلب الشيء ورده مقلوباً. (17) من قوله : والشماتة ، إلى هنا ، لم يرد في ر. (18) ر : والنجيعة. (19) ر : ينطق. (85)
بمصائب هاتيك العترة ، ونوحوا بالله لتلك الوحدة والكثرة ، وساعدوهم بموالاة الوجد والعبرة ، وتأسفوا على فوات تلك النصرة.
فإن نفوس أولئك الأقوام ودائع سلطان الأنام ، وثمرة فؤاد الرسول ، وقرة عين الزهراء البتول ، ومن كان يرشف بفمه الشريف ثناياهم ، ويفضل على أمته أمهم وأباهم.
وأين موضع القبول لوصاياه بعترته وآله ؟ وما الجواب عند لقائه وسؤاله ؟ وقد هدم القوم ما بناه ! ونادى الاسلام واكرباه ! فيالله من قلبٍ لا يتصدع لتذكار تلك الأمور ! ويا عجباه من غفلة أهل الدهور ! وما عذر أهل الاسلام والإيمان في إضاعة أقسام الاحزان ! ألم يعلموا أن محمدأً موتورٌ وجيع ؟ وحبيبه مقهورٌ صريعٌ ؟ والملائكة يعزونه على جليل مصابه ؟ والأنبياء يشاركونه في أحزانه وأوصابه ؟ فيا أهل الوفاء لخاتم الأنبياء ، علام لا تواسونه في البكاء ؟! (20) ع : الفصيل. (21) ع : فكيف طابت للنفوس. (22) ع : مقابلة احسان أبيهم. (86)
بالله عليك أيها المحب لولد الزهراء ، نح معها على المنبوذين بالعراء ، وجد ويحك بالدموع السجام ، وابك على ملوك الاسلام ، لعلك تحوز ثواب المواسي لهم في المصاب ، وتفوز بالسعادة يوم الحساب.
فقد روي عن مولانا الباقر عليه السلام أنه قال : « كان زين العابدين عليه السلام يقول : أيما مؤمن ذرفت (23) عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً (24) ، وأيما مؤمن ذرفت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدقٍ ، وأيما مؤمن مسه أذىً فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه من سخط النار يوم القيامة ». وروى عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : « من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذبابة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ». وروي أيضاً عن آل الرسول عليهم السلام أنهم قالوا : « من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة (25) ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة (26) ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة ». قال علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسيني ـ جامع هذا الكتاب ـ : إن من أجل البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب (27) أنني (28) لما (23) أي : صبت دمعاً وسالت. (24) جمع حقب بضمتين أي : زماناً كثيراً ، أحقاباً لا انقطاع لها ، كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر. (25) ع : فينا مائة ضمنا له على الله الجنة ، والمثبت من ر. ب. (26) قوله : ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة ، لم يرد في ع. ر ، وأثبتناه من ب. (27) ر : الباب. (28) ر : أني. (87)
جمعت كتاب : مصباح الزائر وجناح المسافر (29) ، ورأيته قد احتوى على أقطار محاسن الزيارات ومختار أعمال تلك الأوقات ، فحامله مستغنٍ عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف ، أو حمل مزارٍ كبير أو لطيفٍ.
أحببت أيضاً أن يكون حامله مستغنياً عن نقل مقتلٍ في زيارة عاشوراء إلى مشهد (30) الحسين صلوات الله عليه. فوضعت هذا الكتاب ليضم إليه ، وقد جمعت ها هنا ما يصلح لضيق وقت الزوار ، وعدلت عن الإطناب والإكثار ، وفيه غنية لفتح أبواب الأشجان ، وبغية لنجح أرباب الإيمان ، فإننا (31) وضعنا في أجساد معناه روح ما يليق بمعناه. وقد ترجمته بكتاب : الملهوف على قتلى الطفوف (32) ، ووضعته على ثلاثة مسالك ، مستعيناً بالرؤوف المالك (33). (29) هو أول تصانيفه ، في عشرين فصلاً ، أوله في مقدمات السفر وآدابه ، والأخير في زيارة أولاد الأئمة والمؤمنين ، ونسخه شائعة. (30) ر : زيارة مشهد. (31) ر : فإنا. (32) ع : اللهوف على قتلى الطفوف. (33) قوله : مستعيناً بالرؤوف المالك ، لم يرد في ر. (88)
(89)
(1) ر : المسلك الأول على سبيل الإجمال في الأمور المتقدمة على القتال. |
|||||||||
|