|
||||||||||||
(121)
فقال له : اسكت يا ويحك والله (142) ما هو لي بأمير.
فقال ابن زياد : لا عليك سلمت أم لم تسلم ، فإنك مقتول. فقال له مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ مني ، وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة ، لا أحد أولى بها منك (143). فقال له ابن زياد : يا عاق يا شاق ، خرجت على إمامك وشققت عصى المسلمين ، وألقحت الفتنة بينهم. فقال له مسلم : كذبت يابن زياد ، إنما شق عصى المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف (144) ، وأنا أرجوا أن يرزقني الله الشهادة على يدي أشر البرية (145). فقال ابن زياد : منتك نفسك أمراً ، حال الله دونه ولم يرك له أهلاً وجعله لأهله. فقال مسلم : ومن أهله يابن مرجانة ؟ فقال : أهله يزيد بن معاوية ! فقال مسلم : الحمد الله ، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم. (142) ياويحك والله ، لم يرد في ر. (143) وبعد فإنك .... أولى بها منك ، لم يرد في ب. (144) قال السيد الخوئي : زياد بن عبيد ... ، هذا هو زياد بن أبيه ، وأمه سيمة المعروفة ، وقصة إلحاقه بأبي سفيان مشهورة ، ونغله عبيدالله قاتل الحسين عليه السلام. وليت شعري كيف عد العلامة وابن داود هذا اللعين ابن اللعين ابا اللعين في القسم الأول من كتابيهما ، وكأنهما لم يلتفتا إلى أن زياد بن عبيد هو زياد المعروف بأمه ، والله العالم. معجم رجال الحديث 7/309. (145) ب ، ع : شر بريته. (122)
فقال ابن زياد : أتظن أن لك من الأمر شيئاً.
فقال مسلم : والله ما هو الظن ، ولكنه اليقين. فقال ابن زياد : أخبرني يا مسلم لم أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئمٌ فشتت أمرهم (146) بينهم وفرقت كلمتهم ؟ فقال له مسلم : ما لهذا أتيت ، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضىً منهم وحملتموهم على غير ما أمركم به الله ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة ، وكنا أهل ذلك كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله. فجعل ابن زياد لعنه الله يشتمه ويشتم علياً والحسن والحسين عليهم السلام ! فقال له مسلم : أنت وأبوك أحق بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدو الله. فأمر ابن زياد بكير بن حمران (147) أن يصعد به إلى أعلا القصر فيقتله ، فصعد به ـ وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلي على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ـ فضرب عنقه ، ونزل وهو مذعور. فقال له ابن زياد : ما شأنك ؟ فقال : أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلاً أسوداً شنيء (148) الوجه حذاي عاضاً على إصبعه ـ أو قال شفتيه ـ ففزعت فزعاً لم أفزعه قط. فقال ابن زياد : لعلك دهشت. ثم أمر بهاني بن عروة ، فأخرج ليقتل ، فجعل يقول : وامذحجاه وأين مني (146) أمرهم ، لم يرد في ر. (147) في كتاب مستدركات علم الرجال 2 / 50 : بكر بن حمران الأحمري ، خبيث ملعون ، قاتل مسلم ابن عقيل. (148) ب ، ع : سيء. (123)
مذحج ! واعشيرتاه وأين مني عشيرتي !
فقالوا له : يا هاني مد عنقك. فقال : والله ما أنا بها سخي ، وما كنت لأعينكم على نفسي. فضربه غلام لعبيد الله بن زياد يقال له رشيد (149) فقتله. وفي قتل مسلم وهاني يقول عبدالله بن زبير الأسدي (150) ، ويقال : إنه للفرزدق (151) :
(149) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون. (150) عبدالله بن الزبير بن الأعشى واسمه قيس بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين الأسدي. أدب الطف 1/146. (151) ع : ويقال إنها للفرزدق وقال بعضهم إنها لسليمان الحنفي. والفرزدق هو : همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس ، شاعر من النبلاء من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة ، كان شريفاً في قومه ، وكان أبوه من الأجواد الأشراف ، وكذلك جده ، توفي في بادية البصرة سنة 110 هـ وقد قارب المائة من عمره. خزانة الأدب 1/105 ـ 108 ، جمهرة أشعار العرب : 163 ، الأعلام 8/93. (152) ع : يسري. (124)
وكان قد توجه الحسين عليه السلام من مكة يوم الثلاثاء (155) لثلاث مضين من ذي الحجة ، وقيل : لثمان مضين من ذي الحجة (156) سنة ستين من الهجرة ، قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه. وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمامي (157) في كتاب دلائل الإمامة (158) قال : حدثنا أبو محمد سفيان بن وكيع (159) ، عن أبيه (153) ع : أرغمت ببعول. (154) الراوي ، لم يرد في ع. (155) يوم الثلاثاء ، لم يرد في ب. (156) وقيل لثمان مضين من ذي الحجة ، لم يرد في ب. وفي ع : وقيل يوم الأربعاء لثمان مضين من ذي الحجة. (157) قال الشيخ الطهراني في الذريعة 8/241 : أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي المازندراني ، المتأخر عن محمد بن جرير الطبري الكبير ، والمعاصر للشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 هـ والنجاشي المتوفى سنة 450 هـ ، والشاهد على ذلك أمور : ... (158) دلائل الإمامة أو دلائل الأئمة ألفه بعد 411 هـ ، قال الشيخ الطهراني : وأول من نقل عن هذا الكتاب هو السيد علي بن طاووس ... ، وقد ذكرنا أن مكتبة ابن طاووس كانت تشتمل في عام 605 هـ على 1500 مجلد ، ومنها نسخة تامة من هذا الكتاب ، حيث ينقل من أوائله وأواسطه وأواخره متفرقة في تصانيفه ، وكان قد ذكر فيها اسم المؤلف ، ولم تصل هذه النسخة إلى المتأخرين عنه إلا ناقصاً. ذريعة 8/244. (159) في مستدركات علم الرجال 4/95 : سفيان بن وكيع ، أبو محمد ، لم يذكروه ، روى محمد بن الفرات (125)
وكيع (160) ، عن الأعمش (161) قال : قال لي أبو محمد الواقدي (162) وزرارة ابن خلج (163) : لقينا الحسين بن علي عليهما السلام قبل أن يخرج (164) الى العراق (165) بثلاثة ، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه.
الدهان عنه عن أبيه عن الأعمش ، وروى محمد بن جرير الطبري عنه عن أبيه عن الأعمش ، وروى عنه في دلائل الطبري كثيراً في أبواب المعجزات. (160) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي ، أبو سفيان ، حافظ للحديث ، كان محدث العراق في عصره ، ولد بالكوفة ، توفي بفيد راجعاً من الحج سنة 197 هـ ، وقيل : 199 هـ ، وقيل : غير ذلك. تذكرة الحفاظ 1/282 ، حلية الأولياء 8/368 ، ميزان الإعتدال 3/270 ، تاريخ بغداد 13/466 ، الأعلام 8/117. (161) سليمان بن مهران الأسدي بالولاء ، تابعي ، أصله من بلاد الري ، ومنشؤه ووفاته بالكوفة ، يروي نحو 1300 حديثاً ، توفي سنة 148 هـ. الطبقات 6/238 ، الوفيات 1/213 ، تاريخ بغداد 9/3 ، الأعلام 3/135. (162) ر : الوافدي. لم يذكروه. (163) ب : زرارة بن صالح. وذكر في مستدركات علم الرجال 3/425 زرارة بن خلج وزرارة بن صالح وعدهما شخصين وقال عن ابن خلج : لم يذكروه ، وهو من أصحاب الحسين عليه السلام ، رأى معجزته وإخباره إياه بشهادته وشهادة أصحابه. وقال عن ابن صالح : تشرف بلقاء الحسين قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام ، وروى عنه. والظاهر أنهما اسمان لشخص واحد ، والله العالم. (164) ب : خروجه. (165) العراقان : الكوفة والبصرة ، ويسمى العراق السواد ، لسواده بالزروع والنخيل والأشجار ، وحد السواد : من حديثة بالموصل طولاً إلى عبادان ، ومن العذيب بالقادسية إلى حلوان عرضاً ، وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد. معجم البلدان 3/272 ، 4/93 ـ 95. (126)
فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، فنزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم الا عز وجل.
فقال عليه السلام : « لولا تقارب الأشياء وحضور الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكني أعلم يقيناً أن هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينحو منهم إلا ولدي علي ». وروي أنه عليه السلام لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً ، فقال : « الحمد لله ما شاء الله ولا قوة (166) إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى اشتياق أسلافي (167) اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها ذئاب (168) الفلوات بين النواويس (169) وكربلاء ، فيملأن مني أكراشاً جوفا (170) وأجربةً سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحاً إن شاء (166) ب : الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة. (167) ب. ع : وما أولهني إلى أسلافي اشتياق. (168) ر : تنقطعها ذباب. ب : يتقطعها عسلان. ع : تقطعها عسلان. (169) كانت مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى. تراث كربلاء : 19. (170) ب : أكرشاً جوافاً. ع : اكرشاً جوفاً. (127)
الله (171) ».
ورويت بالإسناد عن محمد بن داود القمي (172) ، بالاسناد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جاء محمد بن الحنفية (173) إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة. فقال له : يا أخي ، إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم (171) من قوله : وروي أنه عليه السلام ... إلى هنا ، مقدم على قوله : وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ... ، في نسخة ع. وجاء في نسخة ع بعد قوله : مصبحاً إن شاء الله. وروى معمر بن المثنى في مقتل الحسين عليه السلام ، فقال ما هذا لفظه : فلما كان يوم التروية قدم عمر ابن سعد بن أبي وقاص إلى مكة في جندٍ كثيف ، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه أو يقاتله إن قدر عليه ، فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية. ولم ترد هذه العبارة في نسخة ر. ب ، فأوردناها في الهامش لاحتمال كونها من تعليقات المصنف على الكتاب ، وأدرجت بعده في متن الكتاب. (172) ع : ورويت من كتاب أصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن بريدة الثقة ، وعلى الأصل أنه كان لمحمد ابن داود القمي. ب : أحمد بن داود القمي. هو محمد بن أحمد بن داود بن علي شيخ الطائفة أبو الحسن القمي ، توفي سنة 368 هـ ، صاحب كتاب المزار ، من أجلاء مشايخ المفيد ، ويروي عنه أيضاً الحسين بن عبيدالله بن الغضائري. الطبقات القرن الرابع : 236. (173) أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب ، والحنفية لقب أمه خولة بنت جعفر ، كان كثير العلم والورع شديد القوة ، وحديث منازعته في الإمامة مع علي بن الحسين عليه السلام وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر لعلي بن الحسين عليه السلام بالإمامة مشهور ، بل في بعضها : وقوعه على قدمي الإمام السجاد عليه السلام ، توفي سنة 80 هـ ، وقيل : 81 هـ. تنقيح المقال 3/115 ، وفيات الأعيام 5/91 ، الطبقات 5/91. (128)
وأمنعه.
فقال : « يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ». فقال له ابن الحنفية : فان خفت ذلك فصر إلى اليمن (174) أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد. فقال : « أنظر فيما قلت ». فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه ، فأخذ زمام ناقته وقد ركبها فقال : ياأخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ فقال : « بلى ». قال : فما حداك على الخروج عاجلاً ؟ فقال : « أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما فارقتك ، فقال : يا حسين ، أخرج ، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً ». فقال محمد بن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟ قال : فقال له : « قد قال لي : إن (175) الله قد شاء أن يراهن سبايا » ، وسلم عليه ومضى (176). (174) بالتحريك ، وهي بين عمان إلى نجران ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن. معجم البلدان 5/447. (175) ب : قال فقال إن. (176) من قوله : ورويت بالإسناد عن محمد بن داود ... إلى هنا لم يرد في نسخة ر ، وورد في نسخة ب.ع. وجاء في نسخة ع بعد قوله : وسلم عليه ومضى : (129)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية عنه ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا : إن الحسين عليه السلام لما فصل متوجهاً ، أمر بقرطاس وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام.
وذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضى الله عنه في كتاب مولد النبي صلى الله عليه وآله ومولد الأوصياء صلوات الله عليهم ، بأسناده إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : لما سار أبو عبدالله الحسين بن علي صلوات الله عليهما من مكة ليدخل المدينة ، لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة ، وأن الله أمدك بنا. فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني. فقالوا : يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟ فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي. وأتته أفواج من مؤمني الجن ، فقالوا له : يا مولانا ، نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم خيراً وقال لهم : أما قرءتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) ، فإذا أقمت في مكاني فبم يمتحن هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون ، ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحا الأرض ، وجعلها معقلاً لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم ، ويجاب دعاؤهم ، وتسكن شيعتنا ، فتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة ؟ ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء ـ في غير هذه الرواية يوم الجمعة ـ الذي في آخره أقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي ، ويسار رأسي إلى يزيد بن معاوية لعنهما الله. (130)
ثم سار الحسين عليه السلام حتى مر بالتنعيم (177) ، فلقي هناك عيراً تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري (178) عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية فأخذ عليه السلام الهدية ، لأن (179) حكم أمور المسلمين إليه.
ثم قال لأصحاب الجمال : « من أحب أن (180) ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا أعطيناه كراه (181) بقدر ما قطع من الطريق ». فمضى معه قوم وامتنع آخرون. فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعداءك قبل أن يصلوا إليك. فقال لهم عليه السلام : ونحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. انتهى بنصه من نسخة ع. ولم يرد هذا في نسخة ر ، ب ، وإنما أوردناه في الهامش لاحتمال كونه من حواشي المصنف على الكتاب ، وأدخل بعده في المتن. (177) بالفتح ثم السكون وكسر العين وياء ساكنة وميم : موضع بمكة في الحل ، وهو بين مكة وسرف ، على فرسخين من مكة ، وقيل : على أربعة ، وسمي بذلك لأن جبلاً عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم والوادي نعمان ، وبالتنعيم مساجد حول مسجد عائشة وسقايا على طريق المدينة منه يحرم المكيون بالعمرة. معجم البلدان 2/49. (178) الحميري ، لم يرد في ر. لم أهتد إلى ترجمته. (179) ب : وكان عامله على اليمن وعليها الورس والحلل ، فأخذها عليه السلام لأن حكم. (180) ب : وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن. (181) ب : أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكرى. (131)
ثم سار عليه السلام حتى بلغ ذات عرق (182) ، فلقى بشر بن غالب (183) وارداً من العراق ، فسأله عن أهلها.
فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية. فقال عليه السلام : « صدق أخو بني أسد ، إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ». قال الراوي (184) : ثم سار عليه السلام حتى أتى الثعلبية (185) وقت الظهيرة ، فوضع رأسه ، فرقد ثم استيقظ ، فقال : « قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسير (186) بكم إلى الجنة ». فقال له ابنه علي : يا أبة أفلسنا على الحق ؟ فقال : « بلى يا بني والذي اليه مرجع العباد ». (182) ذات عرق مهل أهل العراق ، وهو الحد بين نجد وتهامة. وقيل : عرق جبل بطريق مكة ومنه ذات عرق. وقال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق. وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق. معجم البلدان 4/107 ـ 108. (183) في مستدركات علم الرجال 2/33 : بشر بن غالب الأسدي الكوفي ، من أصحاب الحسين والسجاد ، قاله الشيخ في رجاله ، والبرقي عده من أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجاد ، وأخوه بشير ، رويا عن الحسين دعاءه المعروف يوم عرفة بعرفات ... وله روايات عن الحسين ذكرت في عدة الداعي ، ويروي عنه عبدالله بن شريك. (184) الراوي ، لم يرد في ر. ب. (185) ر : التغلبية. والثعلبية بفتح أوله من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية ، وهي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ماء يقال له الضويجعة على ميل منها مشرف ، وإنما سميت بالثعلبية لإقامة ثعلبة ابن عمرو بها ، وقيل : سميت بن دودان بن اسد وهو أول من حفرها ونزلها. معجم البلدان 2/78. (186) ب. ع : أنتم تسرعون والمنايا تسرع. (131)
ثم سار عليه السلام حتى بلغ ذات عرق (182) ، فلقى بشر بن غالب (183) وارداً من العراق ، فسأله عن أهلها.
فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية. فقال عليه السلام : « صدق أخو بني أسد ، إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ». قال الراوي (184) : ثم سار عليه السلام حتى أتى الثعلبية (185) وقت الظهيرة ، فوضع رأسه ، فرقد ثم استيقظ ، فقال : « قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسير (186) بكم إلى الجنة ». فقال له ابنه علي : يا أبه أفلسنا على الحق ؟ فقال : « بلى يا بني والذي اليه مرجع العباد ». (182) ذات عرق مهل أهل العراق ، وهو الحد بين نجد وتهامة. وقيل : عرق جبل بطريق مكة ومنه ذات عرق. وقال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق. وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق. معجم البلدان 4/107 ـ 108. (183) في مستدركات علم الرجال 2/33 : بشر بن غالب الأسدي الكوفي ، من أصحاب الحسين والسجاد ، قاله الشيخ في رجاله ، والبرقي عده من أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجاد ، وأخوه بشير ، رويا عن الحسين دعاءه المعروف يوم عرفة بعرفات ... وله روايات عن الحسين ذكرت في عدة الداعي ، ويروي عنه عبدالله بن شريك. (184) الراوي ، لم يرد في ر.ب. (185) ر : التغلبية. والثعلبية بفتح أوله من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية ، وهي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ماء يقال له الضويجعة على ميل منها مشرف ، وإنما سميت بالثعلبية لإقامة ثعلبة ابن عمرو بها ، وقيل : سميت بثعلبة بن دودان بن اسد وهو أول من حفرها ونزلها. معجم البلدان 2/78. (186) ب.ع : أنتم تسرعون والمنايا تسرع. (132)
فقال له : يا أبة إذن لا نبالي بالموت.
فقال له الحسين عليه السلام : « فجزاك الله يابني خير ما جزا ولداً عن والده (187) ». ثم بات عليه السلام في الموضع ، فلما أصبح ، فإذا هو برجلٍ من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي (188) ، فلما أتاه سلم عليه. ثم قال : يابن رسول الله ما الذي أخرجك من حرم الله وحرم جدك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال الحسين عليه السلام : « ويحك يا أبا هرة ، إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً ، وليسلطن الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم حتى أذلتهم ». ثم سار عليه السلام ، وحدث جماعة من بني (189) فزارة وبجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين (190) لما أقبلنا من مكة ، فكنا نساير الحسين عليه السلام ، وما شيء أكره إلينا من مسايرته ، لأن معه نسوانه ، فكان إذا أراد النزول اعتزلناه ، فنزلنا ناحية. (187) ب : جزاك الله يا بني خير ما جزا ولداً عن والدٍ. (188) لم أعثر على من ترجم له. (189) بني ، لم يرد في ر. (190) زهير بن القين البجلي ، وبجيلة هم بنو أنمار بن أراش بن كهلان من القحطانية ، شخصية بارزة في المجتمع الكوفي ، ويبدو أنه كان كبير السن عند لحوقه بالحسين عليه السلام ، ذكر في الزيارة بتكريم خاص ، انضم إلى الحسين عليه السلام في الطريق من مكة إلى العراق بعد أن كان كارهاً للقائه ، خطب في جيش ابن زياد قبيل المعركة ، جعله الحسين عليه السلام على ميمنة أصحابه. تاريخ الطبري 5/396 ـ 397 و 6/42 و 422 ، رجال الشيخ : 73 ، أنصار الحسين : 88. (133)
فلما كان في بعض الأيام نزل في مكان ، فلم نجد بداً من أن ننازله فيه ، فبينما نحن نتغدى بطعام لنا إذا أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم علينا.
ثم قال : يا زهير بن القين إن أبا عبدالله عليه السلام بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير. فقالت له زوجته ـ وهي ديلم بنت عمرو (191) ـ : سبحان الله ، أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، فلو أتيته فسمعت من كلامه. فمضى إليه زهير ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقوض وبثقله ومتاعه فحول إلى الحسين عليه السلام. وقال لامرأته : أنت طالق ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي (192) ، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها. فقامت إليه وودعته وبكت ، وقالت : خار (193) الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام. ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يصحبني ، وإلا فهو آخر العهد مني (194) به. (191) أو ديلم بنت عمر. وهي التي قالت لغلام لزهير بعد شهادته : انطلق فكفن مولاك ، قال : فجئت فرأيت حسيناً ملقى ، فقلت : اكفن مولاي وأدع حسيناً ! فكفنت حسيناً ، ثم رجعت فقلت ذلك لها ، فقالت : أحسنت ، وأعطتني كفناً آخر ، وقالت فكفن مولاك ، ففعلت. ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات ، المطبوع في مجلة تراثنا ، العدد 10 ص 190 ، وراجع أيضاً أعلام النساء المؤمنات : 341. (192) ع : لأفديه بنفسي وأقيه بروحي. والمثبت من ب. (193) ع : وقالت : كان الله عوناً ومعيناً خار. (194) مني ، لم يرد في ر. (134)
ثم سار الحسين عليه السلام حتى بلغ زبالة (195) ، فأتاه فيها خبر مسلم (196) بن عقيل ، فعرف بذلك جماعة ممن تبعه ، فتفرق عنه أهل الأطماع والإرتياب ، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب.
قال الراوي (197) : وارتج الموضع بالبكاء والعويل (198) لقتل مسلم بن عقيل ، وسالت الدموع عليه كل مسيل. ثم أن الحسين عليه السلام سار قاصداً لما دعاه الله إليه ، فلقيه (199) الفرزدق ، فسلم عليه وقال : يابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ؟ قال : فاستعبر الحسين عليه السلام باكياً ، ثم قال : « رحم الله مسلماً ، فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته ورضوانه ، أما أنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا » ، ثم أنشأ يقول :
(195) بضم أوله : منزل معروف بطريق مكة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية. وقال أبو عبيدة السكوني : زبالة بعد القاع من الكوفة وقبل الشقوق فيها حصن وجامع لبني غاضرة من بني أسد. معجم البلدان 3/129. (196) ب : حتى أتاه خبر مسلم في زبالة. (197) الراوي ، لم يرد في ر. (198) والعويل ، لم يرد في ر. (199) ب : ثم أنه سار فلقيه. (200) ب : في الرزق. (135)
فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير (205) صاحب عبيدالله بن زياد ليفتشه ، فأخرج الكتاب ومزقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد. فلما مثل بين يديه قال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه عليهما السلام. قال : فلماذا مزقت الكتاب ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه. (201) ب : الحر. (202) الراوي ، لم يرد في ر. (203) ر : نجية. (204) ع : قيس بن مصهر الصيداوي. وقيس بن مسهر أسدي من عدنان ، شاب كوفي من أشراف بني أسد ، أحد حملة الرسائل من قبل الكوفيين إلى الحسين عليه السلام بعد إعلان الحسين رفضه لبيعة يزيد وخروجه إلى مكة ، صحب مسلم بن عقيل حين قدم من مكة مبعوثاً من قبل الحسين إلى الكوفة ، حمل رسالة من مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره فيها بيعة من بايع ويدعوه إلى القدوم. تاريخ الطبري 5/394 ـ 395 ، رجال الشيخ : 79 ، تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، أنصار الحسين : 123 ـ 124. (205) الحصين بن نمير بن نائل أبو عبدالرحمن الكندي ثم السكوني ، قائد من القساة الأشداء المقدمين في العصر الأموي ، من أهل حمص ، رمى الكعبة بالمنجنيق ، وكان في آخر أمره على ميمنية عبيدالله بن زياد في حربه مع إبراهيم الأشتر ، فقتل مع ابن زياد على مقربة من الموصل سنة 67 هـ. التهذيب لابن عساكر 4/371 ، الأعلام 2/262. |
||||||||||||
|