|
|||||||||||||||||||||||||||
(211)
ألا ترون ما نزل بنا ، ثم أنشأ يقول :
فقال له علي بن الحسين عليهما السلام : « يا شيخ ، هل قرأت القرآن ؟ ». قال نعم. قال : « فهل عرفت هذه الآية : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلى المودة في القربى ) (120) ؟ » قال الشيخ : قد قرأت ذلك. فقال له علي عليه السلام : « نحن (121) القربى يا شيخ ، فهل قرأت في بني إسرائيل : (116) ع : مترملاً بدمائه ترميلاً. (117) ب :
(119) ب : وعياله أقيموا على درج باب المسجد ، فقال ... (120) الشورى 42 / 23. (121) ب. ع : فنحن. (212)
( وآت ذا القربى حقه ) ؟ (122) ».
فقال الشيخ : قد قرأت ذلك. فقال : « فنحن القربى يا شيخ ، فهل قرأت هذه الآية : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) ؟ (123) ». قال : نعم. فقال عليه السلام : « فنحن القربى (124) يا شيخ ، وهل (125) قرأت هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهرك تطهيرا ) ؟ (126) ». قال الشيخ : قد قرأت ذلك. فقال عليه السلام : « نحن أهل البيت الذين خصنا الله بآية الطهارة يا شيخ ». قال الراوي (127) : بقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلم به ، وقال تالله (128) إنكم هم ؟! فقال علي بن الحسين عليهما السلام : « تالله (129) إنا لنحن هم من غير شك ، وحق جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لنحن هم ». قال : فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني (122) الأسراء 17 / 26. (123) الأنفال 8 / 41. (124) ر : نحن أهل القربى. (125) ر : ولكن هل. والمثبت من ب. (126) الأحزاب 33 / 33. (127) الراوي ، من ع. (128) ب. ع : بالله. (129) ر : وبالله. (213)
أبرء إليك من عدو آل محمد صلى الله عليه وآله من الجن والإنس.
ثم قال : هل لي من توبة ؟ فقال له : « نعم ، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا ». فقال : أنا تائب. فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ ، فأمر به فقتل. قال الراوي (130) : ثم أدخل ثقل الحسين عليه السلام ونساؤه ومن تخلف من أهله على يزيد ، وهم مقرنون (131) في الحبال. فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين عليهما السلام : « أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو رآنا على هذه الصفة (132) » ، فأمر يزيد بالحبال فقطعت. ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه ، فرآه علي بن الحسين عليه السلام فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبداً. وأما زينب ، فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا بن مكة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا بن بنت المصطفى. قال الراوي (133) : فأبكت والله كل من كان حاضراً في المجلس ، ويزيد ساكت. ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام وتنادي : (130) قال الراوي ، لم يرد في ر. (131) ر : مقرنين ، بدلاً من : وهم مقرنون. (132) ب : الحالة. (133) الراوي ، من ع. (214)
يا حسيناه ، يا حبيباه ، يا سيداه ، يا سيد أهل بيتاه ، يا بن محمداه ، يا ربيع الأرامل واليتامى ، يا قتيل أولاد الأدعياء.
قال الراوي (134) : فأبكت كل من سمعها. قال : ثم دعا يزيد بقضيب خيزران ، فجعل ينكث به ثنايا الحسين عليه السلام. فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي (135) وقال : ويحك يا يزيد ، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين عليه السلام ابن فاطمة ؟! أشهد لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، قتل الله قاتليكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً. قال الراوي (136) : فغضب يزيد وأمر بإخراجه ، فأخرج سحباً. قال : وجعل يزيد لعنه الله ليتمثل بأبيات ابن الزبعري (137) ويقول :
(134) الراوي ، من ع. (135) فضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي ، غلبت عليه كنيته ، اختلف في اسمه ، صحابي ، من سكان المدينة ثم البصرة ، شهد مع علي عليه السلام النهروان ، مات بخراسان سنة 65 هـ. تهذيب التهذيب : 10 / 446 ، الإصابة ترجمة رقم 8718 ، الأعلام 8 / 33. (136) الراوي ، من ع. (137) عبد الله بن الزبعري بن قيس السهمي القرشي ، أبوسعد ، شاعر قريش في الجاهلية ، كان شديداً علىالمسلمين ، إلى أن فتحت مكة فهرب إلى نجران ، مات سنة 15 هـ. الأعلام 4 / 87 ، وراجع من ذكره من مصادر ترجمته. (138) ر : وقعة. والمثبت من ع. (139) ع : لأهلوا. (215)
الحمد لله رب العاليمن ، وصلى الله على محمد (143) وآله أجمعين ، صدق الله كذلك يقول : ( ثم كان عاقبة الذين أساؤا السؤى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ) (144) ، أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء (145) ـ أن بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة !! وأن ذلك لعظيم خطرك عنده !! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك (146) ، جذلاً (147) مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً ، أنسيت قول الله عزوجل : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين ) (148). أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك إماءك ونساءك وسوقك (149) بنات رسول (140) البيتين الأخيرين لم يردا في ر ، ووردا في ع. (141) الراوي ، من ع. (142) ب. ع : بنت علي بن أبي طالب عليه السلام. فقالت. (143) ب. ع : رسوله. (144) الروم 30 / 10. (145) ب : الأسارى. ع : الأسراء. والمثبت من ر. (146) ر : ونظرت إلى فيء عطفك. (147) ب. ع : جذلان. (148) آل عمران 3 / 178. (149) ب. ع : تحديرك حرائرك وإماءك وسوقك. (216)
الله سبايا ؟! ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن (150) أهل المنازل والمناهل (151) ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي.
وكيف ترتجى مراقبة من (152) لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟! وكيف يستظل في ظلمنا (153) أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان ؟! ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :
وكيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ؟! وتهتف بأشياخك ، زعمت أنك تناديهم ! فلتردن وشيكاً موردهم ، ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت (150) ر : ويتشرفهن. (151) ب. ر : المناهل والمناقل. (152) ر : وكيف ترجو مراقبة ابن من. (153) ب : وكيف يستبطأ في بغضنا. ع : وكيف ويستبطأ في بغضاء. (154) ب : وأهلوا.ع : لا هلوا. (155) ر : متخنيا. (217)
وفعلت ما فعلت.
اللهم خذ بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن (156) سفك دماءنا وقتل حماتنا. فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولاحززت (157) إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله صلىالله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقهم ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ). وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً ، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً. ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، أني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى. ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباءبحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنضح (158) من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تتناهبها (159) العواسل وتعفوها أمهات الفراعل ، ولئن أتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما ربك بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى ، وعليه المعول. (156) ر : واحلل غضبنا على من. (157) ب : ولا جززت. (158) ب. ع : تنطف. (159) ب. ع : تنتابها. (218)
فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب (160) جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها.
وهل رأيك إلا فندا ، وأيامك إلا عددا ، وجمعك إلا بددا ، يوم ينادي المناد : ألا لعنة الله على الظالمين. فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة. ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل. فقال يزيد لعنه الله :
فقالوا : لا تتخذ من كلب سوء جروا. فقال له النعمان بن بشير : أنظر ما كان الرسول يصنع بهم فاصنعه بهم. ونظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة ابنت الحسين عليه السلام ، فقال : يا أميرالمؤمنين هب لي هذه الجارية. فقالت فاطمة لعمتها : يا عمتاه أيتمت وأستخدم ؟ (161) فقالت زينب : لا ، ولا كرامة لهذا الفاسق. فقال الشامي : من هذه الجارية ؟ فقال له يزيد لعنه الله : هذه فاطمة ابنت الحسين ، وتلك عمتها زينب ابنت علي. فقال الشامي : الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب !! (160) ر : واجهد. (161) ر : واستخدمت. والمثبت من ع. (219)
قال : نعم.
فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد ، تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته ، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم (162). فقال يزيد : والله لألحقنك بهم ، ثم أمر به فضرب عنقه. قال الراوي (163) : ودعا يزيد لعنه الله بالخاطب ، وأمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما ، فصعد ، وبالغ في ذم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسين الشهيد ، والمدح لمعاوية ويزيد. فصاح به علي بن الحسين عليه السلام : « ويلك أيها الخاطب ، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوأ مقعدك من النار ». ولقد أحسن ابن سنان الخفاجي (164) في وصف أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وأولاده ، حيث يقول :
ثم أمر بهم إلى منزل لا يكنهم من حر ولا بردٍ ، فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم ، وكانوا مدة مقامهم في البلد المشار اليه ينحون على الحسين عليه السلام. (162) ر : سبي ترك الروم. (163) الراوي ، من ع. (164) عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان ، أبو محمد الخفاجي الحلبي ، شاعر ، أخذ الأدب عن أبي العلاء وغيره ، مات بالسم سنة 466 هـ. الأعلام 4 / 122 ، وذكر من مصادر ترجمته : فوات الوفيات 1 / 233 ، النجوم الزاهرة 5 / 96. (165) الراوي ، من ع. (220)
قالت سكينة : فلما كان في اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام ، وذكرت مناماً طويلاً تقول في آخره : ورأيت امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها ، فسألت عنها ، فقيل لي : فاطمة ابنت محمد أم أبيك.
فقلت : والله لأنطلقن إليها ولأخبرنها ما صنع بنا ، فسعيت مبادرة نحوها ، حتى لحقت بها ووقفت بين يديها أبكي وأقول : يا أمتاه جحدوا والله حقنا ، يا أمتاه بددوا والله شملنا ، يا أمتاه استباحوا والله حريمنا ، يا أمتاه قتلوا والله الحسين أبانا. فقالت لي : كفي صوتك يا سكينة ، فقد قطعت نياط قلبي ، وأقرحت كبدي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى الله به. وروى ابن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن (166) قال : لقيني رأس الجالوت (167) فقال : والله ، إن بيني وبين داود عليه السلام سبعين (168) أباً ، وإن اليهود تلقاني فتعظمني ، وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ولده (169). وروي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال : « لما أتوا برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد لعنه الله ، كان يتخذ مجالس الشرب ، ويأتي برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه (166) أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل القرشي الأسدي ، نزل مصر وحدث بها كتاب المغازي لعروة بن الزبير ، روى عن علي بن الحسين والنعمان بن أبي عياش وطائفة ، وروى عنه حبوة بن شريح ومالك بن أنس وآخرون ، مات سنة بضع وثلاثين ومائة. سيرة أعلام النبلاء 6 / 150 ترجمة رقم 62. (167) لم يذكروه. (168) ب. ع : السبعين. (169) ب : وأنتم ليس بينكم وبين ابن نبيكم إلا أب واحد قتلتموه. ع : وأنتم ليس بين ابن نبيكم وبينه إلا أب واحد قتلتم ولده. (221)
ويشرب عليه.
فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الرم ، وكان من أشراف الروم وعظمائهم ، فقال : يا ملك العرب ، هذا رأس من ؟ فقال له يزيد : مالك ولهذا الرأس ؟ فقال : إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته ، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه ، حتى يشاركك في الفرح والسرور. فقال له يزيد لعنه الله : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال الرومي : ومن أمه ؟ فقال : فاطمة ابنت رسول الله. فقال النصراني : أف لك ولدينك ، لي دين أحسن من دينك ، إن أبي من حوافد داود عليه السلام ، وبيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظمونني ويأخذون من تراب أقدامي تبركاً بي بأني من حوافد داود عليه السلام ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم ، وليس بينه وبين نبيكم إلاأم واحدة ، فأي دين دينكم ؟!! ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر ؟ فقال له : قل حتى أسمع. فقال : إن بين عمان (170) والصين (171) بحر مسيره ستة أشهر (172) ليس فيها (170) بضم أوله وتخفيف ثانيه وآخره نون ، اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن والهند ... وأكثر أهلها خوارج أباضية ... وأهل البحرين بالقرب منهم بضدهم. وعمان : بالفتح ثم التشديد : بلد في طرف الشام ، وكانت قصبة أرض البلقاء ... معجم البلدان 4 / 150 ـ 151. (171) الصين بالكسر وآخره نون : بلاد في بحر المشرق ، مايله إلى الجنوب ، وشماليها الترك. معجم البلدان 3 / 444. (172) ب. ع : مسيرة سنة. (222)
عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء ، طولها ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً ، ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، ومنها يحمل الكافور والياقوت ، أشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى ، لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، أعظمها كنيسة تسمى كنيسة الحافر ، في محرابها حقة ذهب معلقة ، فيها حافر يقولون : إنه حافر حمار كان يركبه عيسى (173) ، وقد زينوا حول الحقة بالذهب والديباج ، يقصدها في كل عام عالم من النصارى ، ويطوفون حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى عندها (174) ، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم ، وأنتم تقتلون ابن ابنت نبيكم ، فلا بارك الله فيكم ولا في دينكم.
فقال يزيد : اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده. فلما احس اليصراني بذلك ، قال له : أتريد أن تقتلني ؟ قال : نعم. قال : إعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول : يا نصراني أنت من أهل الجنة ، فتعجبت من كلامه ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم وثب إلى رأس الحسين عليه السلام ، وضمه إلى صدره وجعل يقبله ويبكي حتى قتل ». قال : وخرج زين العابدين عليه السلام يوماً يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو (175) ، فقال : كيف أمسيت يا بن رسول الله ؟ (173) ر : نبيهم عيسى. (174) عندها ، من ع. (175) في ر : المنهال بن عمر. وهو : المنهال بن عمرو الأسدي ، عده الشيخ بهذا العنوان تارة في أصحاب الحسين عليه السلام ، (223)
قال : « أمسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.
يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمداً عربي ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمداً منها ، وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصبون مقتلون مشردون ، فإنا لله وانا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال ». ولله در مهيار (176) حيث يقول :
وأخرى في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام ، وعده بزيادة كلمة مولاهم في أصحاب الباقر عليه السلام ، وعده في أصحاب الصادق عليه السلام أيضاً قائلاً : المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم كوفي ، روى عن علي ابن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام. وعده البرقي في أصحاب علي ابن الحسين عليه السلام. روى عن الاصبغ ، وروى عنه علي بن عباس ... معجم رجال الحديث 19 / 8. (176) مهايار بن مرزويه ، أبو الحسن أو أبو الحسين ، الديلمي ، شاعر كبير ، في معانيه ابتكار وفي اسلوبه قوة ، فارسي الأصل ، من أهل بغداد ، أسلم على يد الشريف الرضي ، وهو شيخه وعليه تخرج في الشعر والأدب ، توفي في بغداد سنة 428 هـ. الأعلام 7 / 317 ، وذكر من مصادر ترجمته : تاريخ بغداد 13 / 276 ، المنتظم 8 / 94 ، البداية والنهاية 12 / 41 ، وغيرها. (177) ع : الحسين. ومرت ترجمته في هامش رقم (11) من هذا الفصل. (224)
فقال له : أتصارع هذا ، يعني ابنه خالداً (178) ؟
فقال له عمرو : لا ، ولكن أعطني سكيناً وأعطه سكيناً ، ثم أقاتله. فقال يزيد لعنه الله :
فقال له : « الأولى : أن تريني وجه سيدي ومولاي الحسين فأتزود منه وأنظر إليه وأودعه. والثانية : أن ترد علينا ما أخذ منا. والثالثة : إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن صلى الله عليه وآله ». فقال : أما وجه أبيك فلن تراه أبداً ، وأما قتلك فقد عفوت عنك ، وأما النساء فلا يردهن إلى المدينة غيرك ، وأما ما أخذ منكم فإني أعوضكم عنه أضعاف قيمته. فقال عليه السلام : « أما مالك فلا نريده ، وهو موفر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منا ، لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد ومقنعتها وقلادتها وقميصها ». فأمر برد ذلك ، وزاد عليه مأتي دينار ، فأخذها زين العابدين عليه السلام وفرقها على الفقراء والمساكين. (178) خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، أبو هاشم القرشي الأموي ، روى عن أبيه وعن دحية ولم يلقه ، قيل : توفي سنة 84 هـ أو 85 هـ ، وقيل سنة 90 هـ. سير أعلام النبلاء 4 / 382. (225)
ثم أمر برد الاسارى وسبايا البتول (179) إلى أوطانهم بمدينة الرسول.
وأما رأس الحسين عليه السلام ، فروى أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه ، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه. ورويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركناها لئلا نفسخ (180) ما شرطناه من اختصار الكتاب. قال الراوي (181) : ولما رجع نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق ، قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري (182) رحمه الله وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول صلى الله عليه وآله قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً. فروي عن أبي جناب الكلبي (183) قال : حدثني الجصاصون قالوا : كنا نخرج (179) ع : وسبايا الحسين عليه السلام. (180) ب. ع : تركنا وضعها كيلا ينفسخ. (181) الراوي ، من ع. (182) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الخزرجي الأنصاري السملي ، المتوفى سنة 78 هـ ، صحابي ، روى عن النبي ( ص ) الكثير ، وروى عنه جماعة من الصحابة ، غزا تسع عشرة غزوة ، كانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم. رجال الشيخ : 72 ، الأعلام 1 / 213 ، الإصابة 1 / 213 ، تهذيب الأسماء 1 / 142. (183) في النسخ المتعمدة : أبي حباب الكلبي ، والمثبت هو الصحيح. وهو يحيى بن أبي حية الكلبي الكوفي ، حدث عن أبيه والشعبي وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم ، |
|||||||||||||||||||||||||||
|