تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 11 ـ 20
(11)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
الحمد لله الذي جعل الكرامات لأصحاب المقامات و خصهم بالمآثر
الخالدات و الصلاة و السلام على فخر الكاثنات و علة الموجودات سيد الانام
المظلل من حر الهجير بالغمام محمد بن عبد الله المؤيد بالبراهين و المعجزات
وعلى آله الطاهرين أئمة الخلق المعصومين من كل رجس و هنات
و بعد :
فان العناية بآثار أولياء الله والاهتمام بتعظيمها من الامور الازمة لأن
فيها إعلاءً لشعائر الله تعالى كما يستأنس بذلك بقوله تعالى ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ
إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (1) وان من الآثار الخالدة و المقامات المقدسة هو مقام بقية الله
في أرضه الخلف الصالح إمامنا المهدي عجل الله فرجه و سهل الله مخرجه في
الحلة الفيحاء هذا المقام الشريف الذي مرت عليه قرون متطاولة و هو قائم
يطاول عوادي الزمن ويتحدى عبث الصروف و كنت منذ حقبة من الزمان
مولعاً بتتبع آثاره وتنسم أخباره ، فلم أجد سفراً يضم بين دفتيه ما يتعلق به
ويستوفي تاريخه ، بل ألفيت أخبارا متناثرة هنا وهناك لاتشبع نهم الباحث
ولاتروي ظمأالمتتبع فحزّ في نفسي أن يظل تاريخ المقام الشريف في زاوية
الظل لم تسلط عليه الاضواء الكاشفة فهزني باعث الولاء لعترة النبي النجباء الا
أن أتتبع أخبار هذا المقام المبارك باحثاً في بطون الكتب القديمة و الحديثة
من مخطوط ومطبوع ولم أكتف بما وقفت عليه من مصادر في مكتبات
1 ـ البقرة : 125.
(12)
العراق بل سافرت الى بلاد اخرى منقباً في مخطوطاتها و مطبوعاتها مستفيدا
من بعض الاشارات في الوقوف على مظان الفائدة مما يتعلق بهذا الاثر الخالد ،
و شفعت ذلك باستحفاء السؤال من الباحثين المحققين و الشيوخ المعمرين من
أهل الحلة في ما يتصل بموضوع هذا البحث ، ومن الجديد فيما قمت به في
هذه الدراسة الرائدة اني وقفت على أقدم تاريخ يشار فيه الى مقام المهدي
هذا ويعود الى ما قبل سنة 636 هـ بالبحث الميداني مع الاحتفاظ بفضل العلامة
الحجة السيد محمد صادق بحر العلوم باشارته الى هذا التاريخ نقلا عن السيد
حسن الصدر عن مصادره المخطوطة ، و من الجديد فيها أيضاً اني حاولت
جاهداً جمع المخطوطات التي أشارت الى موضوع البحث ورتبتها ترتيباً زمنياً
كما سيراه القاريء الكريم ولم تفتني الاستفادة من بعض الحكايات المروية
في الكتب القديمة ، كما استطردت الى ذكر مساحة المقام وانها كانت واسعة
جداً بحيث انها كانت تشتمل على مدرسة علمية معروفة تعرف بـ ( مدرسة
صاحب الزمان ) وقد وثق هذا التحقيق ماذكر في جملة من المخطوطات انها
كتبت في تلك المدرسة وألمحت في ضمن هذه الدراسة الى مايتعلق بالجامع
المجاور للمقام الشريف ، وقد قسمّت بحوث الكتاب على اثني عشر باباً :
الباب الأوّل :
( الحلة مدينة النور الذي لا يطفئ ).
الباب الثاني :
( في معرفة تأريخ المقام من خلال المخطوطات ).
الباب الثالث :
( في ذكر تأريخ المقام من خلال الحكايات ).
الباب الرابع :
( في ذكر من زار مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ).
الباب الخامس :
( في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداء في الحله ).
(13)
الباب السادس :
( في ذكر المساحة الاصلية للمقام و تأريخ الجامع الكبير المجاور له ).
الباب السابع :
( في ذكر مدرسة صاحب الزمان أروحنا فداه المجاورة للمقام ).
الباب الثامن :
( في ذكر سدنة وأوقاف مقام صاحب الزمان أروحنا فداه في الحلة ).
الباب التاسع :
( في موقع ووصف مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ).
الباب العاشر :
( في عدة أمور تتعلق بزيارة مولانا صاحب الزمان أروحنا فداه في هذا المقام ).
الباب الحادي عشر :
( في ذكر من شاهد الامام صاحب الزمان أروحنا فداه من أهل الحلة ) مع ذكر ملحق يتضمن ذكر المشاهد المشرفة في مدينة الحلة الفيحاء.
الباب الثاني عشر :
( في ذكر صور فوتغرافية وصور لمخطوطات تخص المقام ).
وقبل الختام التمس من اخواني المؤمنين ولا سيما أهل البحث
و التحقيق أن ينبهوني على ما قد يجدونه من الخطأ غير المقصود مما
طغى به القلم وزاغ عنه البصر فأن الانسان موضع الغلط و النسيان
و الكمال لله والعصمة لأهلها ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الحلة لغوياً : الحلة :
بكسر الحاء المهملة و تشديد اللام ، تقال على عدة أشياء :
1 ـ القوم النزول وفيهم كثرة.
2 ـ شجر شائك أصغر من العوسج.
3 ـ علم لعدة أماكن :
أ ـ حلة بني قيل بشارع ميسان بين واسط والبصرة.
(1)
ب ـ حلة بني دبيس بن عفيف الاسدي ،
(2)
قرب الحويزة بين واسط و البصرة والاهواز.
ج ـ الحلة ، قرية كبيرة قرب الموصل تسمى حلة بني الرزاق.
(3)
د ـ حلة بني مزيد ، وهي المقصودة بالبحث هنا و كانت تسمى
الجامعين.
قال الحمـوي في كتاب ( معجم البلدان ) ماملخصه : إن الحلة مدينة كبيرة بين الكوفة و بغداد كانت تسمى الجامعين ، و كان أول من
عمّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن
مزيد
(4)
الاسدي وذلك في محرم سنة 495 هـ و كانت أجمة تأوي اليها
1 ـ قد ذكرت بكتاب ( تقويم البلدان ) بحلة بني صلد ، راجع رياض العلماء 1/370.
2 ـ ورد في المصدر السابق ( الاشعري ) ، فلاحظ.
3 ـ انظر : المصدر السابق.
4 ـ ورد اسمه في المصدر السابق ( مؤيد ) و الاصح ( مزيد ) ، فلا حظ.
(18)
السباع فنزل بها بأهله و عساكره وبنى بها المساكن الجليلة و الدور
الفاخرة وتأتق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأ و قد قصدها التجار
فصارت أفخر بلاد العراق و أحسنها مدة حياة سيف الدولة.
(1) أقول :
نورد هنا عدة فوائد ،
منها
انها سميت ب ( الحلة السيفية ) ، نسبة الى
ممصرها سيف الدولة صدقة ، وأول من سمّاها بالسيفية الامام أمير المؤمنين
عليه السلام في حديث مدح الحلة الذي نذكره في الباب الثاث من كتابنا هذا ،
و منها انها سمّيت بـ ( المزيدية ) ، نسبة الي الجد الاعلى لموسسها لصدقة بن
منصور بن دبيس بن علي بن مزيد.
ومنها
ان ( الجامعين ) ذكرت في كتاب ( التاريخ الكامل ) لأبن الاثير قبل
سنة 495 هـ (2)
موقع الحلة :
هي بين النجف و بغداد ، فهي تبعد عن بغداد نحو
100 كم ، و عن النجف نحو 60 كم و عن بابل نحو 7 كم.
الحلة بلدة النور :
الحلة ، هي وريثة بابل ، و كانت بابل وسوراء
و حواليهما معقل العلم قبيل الاملام و بعده و مركز الاصطكاك العقلي
بين مفكري الامم من الهند و ايران من الشرق و السريان و الآراميين من
الغرب ، ثم صارت معقل الشيعة ، و منها كان الشيعة ببغداد يستلهمون
المنعة و القوة ، وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم وإحراق مكتباتهم
و التجاء الشيخ الطوسي رَحَمَهُ الله منها الى النجف في سنة 448 هـ ، تعاون
المزيديون والاكراد الجاوانيون القاطنون بمطير آباد و أسد آباد والنيل
1 ـ انظر : تاريخ الحلة ج 1/ ص 1 ، كذلك سفينة البحار ط ، ح ، ج 2/ ص 299.
2 ـ انظر : تاريخ الحلة ج 1/ ص 1.
(19)
حوالي بابل ، مع السباسيري ببغداد فألغوا الخلافة العباسية في سنة 450 هـ و خطبوا للمستنصر الفاطمي ، ثم بعد قتل السباسيري ورجوع الاتراك
السلجوقيين و الخلافة العباسية الى بغداد ، قام سيف الدولة صدقة بن
دبيس المزيدي مع الجاوانيين ببناء الحلة ، فصارت مركز الشيعة و ذلك
في المحرم سنة 495 هـ وبقيت كذلك حتى سقوط بغداد 656 هـ
(1)
فكانت في حقبة من الزمن حاضرة من الحواضر العلمية و مثابة
لطلاب العلوم الدينية و دارسي فقه آل محمد صلى الله عليه و آله و قد بلغت أوجها
في هذا المضمار في القرن السابع الهجري ، و كان لامتيازها هذا بواعث
و أسباب منها : كونها من معاقل الشيعة الامامية منذ تأسيسها حتى اليوم
و منها ، قربها من مدينة النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم و ما زالت ، فان هذا القرب كان له الاثر الفاعل في إذكاء جذوة التفاعل
بين الحاضرتين الشيعي تين ، ال نجف و الحلة ، فان يأفل نور العلم فيها
فتلك قبور العلماء فيها زيت النور ، و إن يخفت مرة أخرى فهاهم طلبة
العلم من الحليين في النجف لأخذ العلم اليها ، كي لا يطفيء فيها نور
العلم ، منذ تأسيسها و إلى الآن.
1 ـ انظر : الانوار الساطعة ص 8.