تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 71 ـ 80
(71)
الباب الرابع
في ذكر من زار مقام
صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة
(72)
(73)
أقول :
قبل الشروع في ذكر من زار المقام ، إن الزائرين لهذا
المقام المنيف يختلفون من حيث الطبقات ، فمنهم العلماء المؤلفون ،
ومنهم النساخ ، ومنهم الامراء ، ومنهم الولاة ، ومنهم الرحالة ، ومنهم من
شاهد كرامة ، وأنا ذاكرهم بعد حسب التسلسل التاريخي لزياراتهم.
1 ـ في آخر شهر صفر سنة 677 هـ / 1256 م :
زار المقام السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن
محمد الطبري وأنهى في هذا التأريخ نسخ كتاب ( نهج البلاغة ) للسيد
الرضي ( أعلى الله مقامه ).
(1) 2 ـ في سادس رجب سنة 723 هـ / 1302 م : زار المقام محمود بن محمد بن بدر وفرغ في هذا التاريخ من
نسخ كتاب ( تحرير الاحكام الشرعية ) للعلامه الحلي رَحَمَهُ الله في داخل
المقام ، وأنهى العلامة الحلي رَحَمَهُ الله تأليفه هذا في 26 جمادى الآخرة سنة
724 هـ ذكر ذلك في نهاية القاعدة الأولى في مخطوطته.
(2) 3 ـ في سنة 725 هـ / 1304 م :
زار المقام الرحالة ابن بطوطة ، وسوف نأتي علَى ذكر كلامه
في آخر هذا الباب.
1 ـ انظر : اعيان الشيعة ، الأمين رَحَمَهُ الله ج 5 / ص 455 ، تحت رقم 985 ، ( بتصرف ).
2 ـ انظر : مكتبة العلامة الحلي ، الطباطبائي رَحَمَهُ الله ، ص 79 ، ( بتصرف ).
(74)
وابن بطوطة هو : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن
محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي ولد سنة 703 هـ بطنجة ،
وتقلب في بلاد العراق ومصر والشام واليمن والهند ، ودخل مدينة
دهلي واتصل بملكها ، وساح في الاقطار الصينية و التترية وأواسط
افريقية وبلاد السودان والاندلس ، ثم انقلب الى المغرب واتصل
بالسلطان ابي عنان من ملوك بني مدين ، وزار ضريح أمير المؤمنين
عليه السلام سنة 725 هـ ، واستغرقت رحلته 27 سنة وكان معاصراً لفخر
المحققين ابن العلامة الحلي وألف كتابه ( تحفة النظار في غرائب
الامصار وعجائب الاسفار ) المعروف برحلة ابن بطوطة ، ومات في
مراكش سنة 779 هـ
(1)
4 ـ في ثامن عشر شعبان سنة ... ( بداية القرن الثامن الهجري ) :
زار المقام أبو محمد الحسن الحداد العاملي ، وصنف في هذا
التاريخ ، كتابه ( الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة ) للعلامة
الحلي رَحَمَهُ الله ، وأنهاه في السادس والعشرين من شهر رمضان ، وذلك في
الحلة مجاوراً مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف على ساكنة أفضل الصلاة
والسلام ، علما أن هذا الكتاب خلا من التاريخ السنوي ، ولكن مصنفه
كان حياً سنة 739 هـ
(2) 5 ـ في بداية القرن الثامن الهجري : زار المقام حاكم الحلة ، المسمى بمرجان الصغير ،
1 ـ انظر : تاريخ الكوفة ، البراقي رَحَمَهُ الله ، تحقيق ماجد العطيه ، ص 39 ، ( بالهامش ).
2 ـ انظر : اعيان الشيعة / الامين رَحَمَهُ الله ، ج 9 / ص 179 / تحت رقم 363 ، ( بتصرف ).
(75)
وكان هذا الحاكم شديد البغض للشيعة الامامية ، وكان كلما
يدخل في هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه ،
وعندما شاهد قضية أبو راجح الحمامي ، تغيرت عقيدته ، وصار
يستقبل القبلة إذا جلس فيه.
(1) 6 ـ في سنة 744 هـ / 1323 م :
زارت المقام ام عثمان ، المرأة العمياء التي كشف بصرها في
داخل المقام ، وباتت فيه هي وبعض النسوة المؤمنات وكانت أم
عثمان هذه سنية فتشيعت هي وولدها عثمان بعدما كشف الله بصرها
ببركة صاحب الزمان أرواحنا فداه.
(2) 7 ـ في سنة 759 هـ / 1338 م :
زار المقام ، المولى الكبير المعظم جمال الدين بن نجم الدين
جعفر الزهدري ، وبات فيه ، وكان مصاباً بالفالج فشفي من ليلته.
(3) 8 ـ في غرة جمادى الآخرة سنة 776 هـ / 1355 م :
زار المقام ، جعفر بن محمد العراقي ، وفرغ في هذا التاريخ ، من
نسخ كتاب ( قواعد الاحكام في مسائل الحلال والحرام ) للعلامة الحلي
رَحَمَهُ الله ، في داخل هذا المقام.
(4)1 ـ انظر : حكاية ابوراجح التي أوردناها في الباب الثالث.
2 ـ انظر : النجم الثاقب / النوري رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 222.
3 ـ انظر : النجم الثاقب / النوري رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 223.
4 ـ النظر : مكتبة العلامة الحلي / الطباطبائي رَحَمَهُ الله ، ص 143 ، تحت رقم 24 ،
( بتصرف ).
(76)
9 ـ في سنة 961 هـ / 1540 م :
زار المقام ، سيد علي رئيس ، وكان هذا السيد مرسلا من قبل سلطان
مصر ، وكان أمير قبطانيته ، وأرسله الى العراق لغرض إحضاره السفن الموجودة
في ميناء البصرة الى مصر ، كما زار هذا المبعوث مشهد الشمس ومقام عقيل
أخي الامام علي عليه السلام في الحلة ثم عاد الى بغداد.
(1) أقول :
قد وعدنا القاريء الكريم ، بنقل كلام ابن بطوطة ، المشار
اليه آنفا على نحو الاجمال وهذا موضع ذكره ، قال في رحلته
الموسومة ( تحفة النظار ) : » ... ونزلنا برملاحة ، وهي بلدة حسنة بين
حدائق نخل ، ونزلت بخارجها وكرهت دخولها لأن أهلها روافض
ورحلنا منها الصبح فنزلنا مدينة الحلة ، وهي مدينة مستطيلة مع الفرات
وهو بشرقيها ولها أسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات وهي كثيرة
العمارة وحدائق النخل منظمة بها داخلاً وخارجاً ، ودورها بين الحدائق
ولها جسر عظيم معقود على مراكب متصلة منتظمة في ما بين
الشاطئين الى خشبة عظيمة مثبتة بالساحل ، وأهل هذه المدينة كلهم
إمامية اثنا عشرية ، وهم طائفتان أحداهما تعرف بالاكراد ، والاخري
تعرف بأهل الجامعين ، و الفتنة عليهم تاسلاح و بايديهم سيوف مشهورة فياتون امير المدينة بينهم متصلة والقتال قائم أبداً ، وبمقربة
من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه
مشهد صاحب الزمان ، ومن عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل
من أهل المدينة ، تعد صلاة العصر فيأخذون منه فرساً ملجماً أو بغلة ، كذلك
1 ـ انظر : تاريخ الحلة / ابن كركوش رَحَمَةُ الله ، ص 115 ، ( بتصرف ).
(77)
ويضربون الطبول والانفار والبوقات أمام تلك الدابة يتقدمها خمسون
منهم ويتبعها مثلهم ويمشي أخرون عن يمينها و شمالها ا ويأتون مشهد
صاحب الزمان فيقفون بالباب ويقولون :
باسم الله يا صاحب الزمان ، باسم الله أخرج قد ظهر الفساد وكثر
الظلم ، وهذا أوان خروجك فيفرق الله بك بين الحق والباطل ، ولا
يزالون كذلك وهم يضربون الابواق والاطبال والانفار الى صلاة
المغرب وهم يقولون إن محمد بن الحسن العسكري دخل ذلك
المسجد وغاب فيه ، وانه سيخرج وهو الامام المنتظر عندهم ».
(1)
أقول :
بعد قوله هذا يالله من تلك الاعاجيب ، ويا غوثاه من هذه
الاكاذيب ، أفلا يليق بهذا الشيخ المؤرخ أن ينطق صدقاً ، أم هو على ما ألفى
عليه السلف ، فأن أردت أن انطق برد كلامه يكفيني كلامه أنه كره دخول
برملاحة ( قضاء ذي الكفل ) قبل الحلة لأن أهلها روافض ، فما الذي جعله
يدخل مدينة الحلة وأهلها بقوله كلهم إمامية اثنا عشرية ، فليته لم يدخلها ولم
يرها كسابقتها ( برملاحة ) ، ونحن نسأل ابن بطوطة ، أيجوز دخول بلاد الكفر
والاصنام ولايجوز دخول بلد الروافض الاملام ؟ والحل إن رحلته طفحت
بذكر دخوله الى بلاد الكفر.
وأما إذا أردنا الرد على كلامه أقول :
أولا : انه لا يخفى على أحد انه لم يعهد لأحد من الأئمة الاثني
غشر ، ولم يعرف لهم مكث في الحلة ، ولا سكنى ، ولا دار ، ولا
سرداب اختفى فيه الامام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف بل لم تكن الحلة في زمانهم
1 ـ انظر : رحلة ابن بطوطة ص 139.
(78)
موجودة!! وتعلم يا عزيزي القاريء إن الامام أرواحنا فداه ولد في سامراء
سنة 255 هـ والحلة مصرت سنة 495 هـ على يد سيف الدولة صدقة
المزيدي الاسدي.
وثانيا : إن ابن بطوطة انفرد في كلامه هذا ، كما انفرد بأشياء كثيرة في
رحلته هذه ، فمثلا سمى ملك الايلخانيين ( خوابنده ) ناصر الشيعة الذي تشيع
على يد العلامة الحلي رَحَمَهُ الله ، ومعربها عبد الله ( بخربنده ) ومعربها عبد الحمار ،
وما كلامه هذا إلا لحقد على مذهب الامامية ، وقد قدمنا ذكر من زار هذا
المقام من العلماء والنّساخ وعامة الناس في عصره ، فهلا ذكر أحدهم ما رآه
ابن بطوطة ؟ وهلا ذكر لنا ابن جبير في رحلته ، ما رآه ابن بطوطة في الحلة
وهو أسبق منه ؟ ومع ذلك فان تاريخ الحلة في تلك الفترة كان حافلاً باعلام
عظام كالعلامة الحلي رَحَمَهُ الله ، والمقداد السيوري رَحَمَهُ الله
وأحمد بن فهد رَحَمَهُ الله والحافظ رجب البرسي وأضرابهم ، فهل يعقل ويقبل أن
يجري ما ذكره ابن بطوطة بتفاصيله غير المضبوطة ولاينكره أحد منه ؟
وثالثا : إن كذبه ظاهر من عبارته » ومن عادتهم أن يخرج في كل ليلة
مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة فيأتون
أمسر المدينة بعد صلاة العصر « فمالهم يخرجون في كل ليلة ويأتون أميرهم لطلب الفرس بعد صلاة العصر ؟ أما كان الاجدر أن يطلبوا الفرس بعد صلاة المغرب ؟ أليس هذا مما يضحك الثكلى.
ورابعاً : انه لم يرد في كتب الشيعة قط ما يؤيد كلامه ، وكلهم متفقون على أن خروجه بأبي هو وأمي من مكة المكرمة المعظمة ، فهذه كتبهم طفحت بحديث خروجه من مكة.
(79)
وخلاصة القول أرى انه رأى كثرة العلماء والطلبة على مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف المتصلة بالمقام والتي موقعها في ظهر المقام وبني على آثارها مسجد لاخواننا السنة ، وهو جامع الحلة الكبير وبالخصوص إن سنة وروده للحلة هي آخر سنة من حياة العلامة الحلي رَحَمَهُ الله فبدلاً من أن يمدح علماء الشيعة وتوافدهم على معاهد العلم والعلماء ، حسد القوم ولم يبين لنا صدق ما رآه فأخذ يصف لنا النخيل والحدائق والانهار ، ويدع ذكر علمائها الابرار وأهلها الاخيار ، كعادته عندما دخل إلى بغداد ، وصف لنا قبر أبي خنيفة وقبور أحمد بن حنبل والجنيد وبشر الحافي ولم يذكر إلاّ شيئاً يسيراً من الذكر عن قبري الإمامين الهمامين موسى بن جعفر ومحمد بن علي الجواد عليهما أفضل الصلاة والسلام فهل يخفى القمر في الليلة الظلماء ؟ ولكن أبى الشيخ المؤرخ إلا ما وجد عليه الاباء ( شنشنة أعرفها من أخزم ) ، ومما لا يخفى على المتتبع إن رحلة ابن بطوطة ، طفحت بكثير من الأغلاط والأخطاء الخططية والتأريخية حتى أنه أخطأ في تعيين قبور جماعة من المشاهير كبشر الحافي مثلا ، فقد جعل قبره في الجانب الشرقي من بغداد مع أنه مدفون في مقبرة باب حرب ، في أعلى الجانب الغربي من بغداد ( في الشمال الغربي من مقابر قريش ، مدينة الكاظمية الحالية ) ومهما يكن فلم أقف على ما ذكره ابن بطوطة عند غيره ممن ذكر الحلة من قبل ومن بعد ، وهذا دليل ضعف الخبر ، ولو كان له أثر لأشتهر.