تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 81 ـ 90
(81)
الباب الخامس في ذكرعمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة
(82)
(83)
إن الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ، يجد أن تأريخ هذا المقام ظل متواكباً مع تاريخ الحلة من أبان بزوغ عصرها العلمي ، فهو فيها كالقلب من الجسد ، فتجد فيه العالم والمتعلم والوالي , الرعية والمعافي والسقيم ، حتى أنه مامرّ بالحلة من وافد إلا وتشرف بمشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه ، فذلك ابن بطوطة وذا سيد علي رئيس المصري وغيرهم ، ولو لا حقد المتعصبين لذكر لنا التاريخ عدة من الزائرين لهذا المقام الشريف ، وسوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها :
1 ـ في القرن السادس الهجري :
لا علم لنا بتاريخ عمارة المقام وإنشائها في هذا القرن ، إلا انها كانت موجودة ، ويحسب التواريخ التالية ، وللأسف الشديد فُقد كتاب ( المناقب المزيدية في أخبار الدولة الاسدية )
(1)
للمؤلف أبي البقاء هبة الله بن نما ، فأن البلاد الاسلامية خلت من هذه النسخة ، سوى نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني وتحت رقم ( 230296 ) ولا بد من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب لأن مؤلفه كان من رجال ذلك القرن.
2 ـ في القرن السابع الهجري :
كانت العمارة موجودة ، ومنذ بدأ هذا القرن وهذا ما نجده في
1 ـ انظر : تاريخ الحلة / ابن كركوش رَحَمَهُ الله ج 2 / ص 50 ، علما ان هذا الكتاب لم يذكر في كتاب ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للشيخ اغا بزرك الطهراني فهو مما يستدرك عليه.
(84)
ما كتبه الشيخ الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلي ما صورته :
حوادث سنة ( 636 هـ ) :
فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي بيوت الدرس الى جانب المشهد المنسوب الى صاحب الزمان عليه السلام بالحلة السيفية ، وأسكنها جماعة من الطـلبة.
(1) سنة ( 677 هـ ) :
في داخل المقام نسخ السيد الحسين الطبري رَحَمَهُ الله كتاب ( نهج البلاغه ).
(2)
3 ـ في القرن الثامن الهجري : كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلة وعلى شهرة واسعة من الذكر من قبل الخاص والعام ففي بداية هذا القرن وفي داخل المقام كتب الشيخ محمد حسن بن ناصر الحداد كتابه الدرة النضيدة.
(3) وفي سنة ( 723 هـ ) :
في داخل المقام نسخ محمود بن محمد بن بدر كتاب ( تحرير الاحكام الشرعية ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله.
(4) في سنة ( 776 هـ ) :
في داخل المقام نسخ جعفر بن محمد العراقي كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله.
(5)1 ـ انظر : لؤلؤة البحرين / البحراني رَحَمَهُ الله ص 272 تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم رَحَمَهُ.
2 ـ انظر : الباب الثاني من كتابنا هذا.
3 ـ انظر : الباب الثاني من كتابنا هذا.
4 ـ انظر : المصدر السابق.
5 ـ انظر : المصدر السابق.
(85)
و أما وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري فعلى ما يلي : محراب المقام :
ورد ذكر المحراب على لسان الراوي لحكاية ( أبي راجح الحمامي ) وهو الشيخ محمد بن قارون ، والحاصلة في هذا القرن قائلا : ( وكان يجلس في مقام الامام عليه السلام في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ) ، (1)
والقبلة الشريفة كناية عن محراب المقام.
باب المقام :
ورد ذكر باب المقام على لسان ( ابن بطوطة ) في رحلته الحاصلة في سنة 725 هـ قائلا : « وبمقربه من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمونه مشهد صاحب الزمان ». (2) قبة المقام :
ورد ذكر لقبة المقام في هذا القرن أربع مرات في حكاية ( ابن الخطيب وعثمان ) الحاصلة في سنة 744 هـ قائلاً ( أي الراوي للحكاية ) : « فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه السلام ... وبتنَ باجمعهنّ في باب القبة ... لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ ... ورأيت القبة قد امتلأت نوراً ». (3) وذكرت القبة ثانيةً في هذا القرن في حكاية ( جمال الدين الزهدري ) الحاصلة في سنة 759 هـ على لسان الراوي لها مرتين قائلا : « وقيل لها ألا تبيتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه السلام ... وقد اباتتني جدتي تحت القبة ».
(4)1 ـ انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا.
2 ـ انظر : الباب الرابع من كتابنا هذا.
3 ـ انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا.
4 ـ انظر : المصدر السابق.
(86)
وآخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ما جرى على لسان ( ابن ابي الجواد النعماني حينما سأل الامام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف قائلاً : يا مولاي. لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة فأين تكون فيهما ؟ ».
(1)
4 ـ في القرن التاسع الهجري :
وفي سنة ( 873 هـ / 1352 م ) :
قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة : « أرسل حسن علي ، أمير بغداد ، جيشاً الى الحلة للقضاء على حكومة شاه علي بن اسكندر ، فلما وصل الجيش الى قلعة بابل رأى قراغول ( حراس ) فجرت معركة بين الطرفين ، ثم اصطلحوا وعاب القرعول أميرهم وقالوا لهم ، الجسر منصوب نمضي على غفلة ، وساروا وعبروا الجسر والناس يظنونهم القرغول الذين أرسلوا ومضوا الى أن وصلوا الى دار السلطان وأحاطوا بها وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة فأخذوهما عريانين وقتلوا ابن قرا موسى ، وأما ابن اسكندر فألقى بنفسه الى صاحب الزمان ، وقال : كنت درويشاً وجاء بـي ابن قرا موسى قهراً وطـلب الامان ... ».(2) أقول :
هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي والظاهران المقصود بعبارة ( فالقى بنفسه الى صاحب الزمان ) أنه القى بنفسه الى مقام صاحب الزمان ارواحنا فداه ، داخلاً بذمته آملاً منه أن يتركوه لأنه احتمى بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ويؤيد كلامنا هذا ، انه لا يوجد شيء ينسب الى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة سوى هذا المقام الشريف ، 1 ـ انظر : الباب الثالث من كتابنا هذا.
2 ـ انظر : تأريخ الحلة ، لأبن كركوش ج 1 / ص 110.
(87)
فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إما أن تكون من سهو النّساخ ، أو انما وردت على سبيل المجاز والأنساع بحذف المضاف وهو شائع في لغة العرب ومحاوراتهم وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ اْلقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) (1)
والتقدير على ما أجمع عليه المفسرون ، أهل القرية وأهل العِير ، كما أنه كائع في لغتنا اليوم ، فيقول أحدنا زرت علياً عليه السلام وزرت الحسين عليه السلام يريد انه زار كلاً من مشهدهما.
5 ـ في القرن العاشر وما بعده :
ذكرت عمارة المقام عندما زاره سيد علي رئيس المرسل من قبل سلطان مصر سنة 961 هـ (2)
وفي عهد الدولة الصفوية ( 930 ـ 1120 هـ ) ذكرت عمارة المقام أنضا حينما عينت تلك الدولة ( ال القيم ) لسدانة المقام.(3)
6 ـ في القرن الرابع عشر :
في سنة ( 1317 هـ / 1896 م ) ،
(4)
سعى لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلة العلامة الكبير السيد محمد ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد احمد القزويني ( 1262 ـ 1335 هـ ). الذي كان يهتم تعمارة الاثار التأريخية. 1 ـ أنظر : سورة يوسف ، آية 82 العِير : القافلة.
2 ـ أنظر : الباب الرابع من كتابنا هذا.
3 ـ انظر : الباب الثامن من كتابنا هذا.
4 ـ ذكر السيد محسن أمين العاملي رَحَمَهُ الله في كتابه أعيان الشيعة ج 47 ، ص 72 إن تاريخ عمارة المقام سنة 1315 هـ والحال انها حصلت في سنة 1317 هـ ، حسب ما أرخه الشاعر محمد الملا في قصيدته ، وهو ما كتب على باب المقام أيضا.
أقول :
بقيت هذه العمارة الى سنتنا هذه وهي سنة 1425 هـ وقد أرخ تلك العمارة الشيخ محمد الملا.
(1) تـ 1322 هـ في آخر قصيدة له قائلا :
محمداً فيك العلا قسـمت (2)بأنك الحائز علماً بهشيدت للقائم من هاشمفلم يزل تهتف فيك العلى (4)ذا خلف المهدي قد (5)
آخيت (3) اسمك اشتق من الحمدتهدي الى الايمان والرشدمقام قدسِ شامخ المجدِعلى لسان الحر والعبدِ( شاد مقام الخلف المهدي ) (6)
والشعر هذا موجود ومكتوب الى الآن على ياب المقام كتب بالقاشي الازرق ، وقم يتغير الى الان وأنا نقلته هنا على ما كتب على باب المقام وقد أورد الشيخ الخاقاني رَحَمَهُ الله قي كتابه ( شعراء الحلة ج 5 ص 242 ) هذا الشعر باختلاف يسير ، أوردته بالهامش.
1 ـ هو الشيخ محمد بن حمزه بن حسين بن نور علي التستري الاهوازي الحلي المعروف بالملا ، أديب كبير ، وخطيب مفوه ، ومربي ممتاز هاجر جده الاعلى من تستر الى الحلة قبل قرنين من الزمن ، وذكره صاحب الحصون المنيعة في ج 2 ص 33 فقال : كان شاعرا ماهرا اديبا طريفا ، نظم الشعر في صباه فاعاد الى الفيحاء عهد الصفي الحلي في تحري البديع والفن فيه حتى أصبح علما من أعلام هذا الفن.
2 ـ الأصح ( محمد ) ورد في شعراء الحلة ( محمد فيك العلا اقسمت ).
3 ـ هكذا ورد في الاصل والذي يقتضيه السياق ( حيث ) وورد في شعراء الحلة ( ان اسمك ... ).
4 ـ ورد في شعراء الحلة ( فلم يزل يهتف فيك الثنا ). 5 ـ ورد في شعراء الحلة ( ذا خلف المهدي مذ ارخوا ).
6 ـ انظر : شعراء الحلة / الخاقاني رَحَمَهُ الله ج 5 / ص 242 وكذلك أعيان الشيعة / الامين رَحَمَهُ الله ج 47 / ص 72.
كما ان الحاج عبد المجيد العطار ( 1282 ـ 1342 هـ ) أرخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمنهما بـ ( 28 ) تاريخاً قائلاً :
توقع جميل الاجـر في حرم البنا بصاحب عصر ثاقـب باسمه السنا بفتحك بالنـصر العـزيز رواقا نجدّ اقتراباً ما أجار وراقا (1)(2)
7 ـ في القرن الخامس عشر الهجري :
سنة 1422 هـ / 2001 م :
سعى المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف بتجديد عمارة المقام وبجهود بعض المؤمنين الخيرين ، بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة وطمس آثار التشيع من قبل حزب البعث الحاكم آنذاك وتضمن هذا التجديد :
1 ـ تغليف القبة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاشي الازرق.
2 ـ تغليف أرضية المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر.
3 ـ تزيين سقف المقام والقبة من الداخل بالمرايا.
4 ـ تغيير الآيات التي كتبت على واجهة المقام.
1 ـ ويلحق هنا في تأريخ المقام في هذا القرن قول المرحوم الشيخ جعفر ال محبوبة تـ 1377 هـ في كتابه ماضي النجف وحاضرها ج 1 ص 95 ( حدثني بعض الثقاة المتتبعين للاثار والاخبار انه وجد في بعض الكتب المؤلفة في غيبة الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف ان للحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف مقاماً في النعمانية ، وفي الحلة ، وفي مسجد السهلة ، وفي النجف ).
2 ـ انظر : البابليات ج 3 ق 2 ص 70 / البعقوبي.
5 ـ تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والثريا.
ولقد أرخ هذه العمارة الشاعر السيد عصام الحسيني السويدي قائلاً :
ياحجـة الله التيشُدنا مقامكَ علّناأرواحنا قبل الحجابالحمدِ تمّ مؤرخـا
في أرضهِ للعبدِنحظى بنيلِ السّعدِرةِ سابقت والايدي( أنظر مقام المهدي ) 1422 هـ
والشعر هذا مكتوب على لوحة وضعت فوق باب المقام من الداخل.
أقول :
وفي تلك السنة أي سنة 1422 هـ وفي حكم حزب البعث الظالم جاءت بعثة من بغداد من دائرة الاوقاف والشؤون الدينية ، وكان بنيتها دراسة هدم المقام كلياً بحجة توسعة جامع الحـلة الـكبير وان المقام لا قـيـمة له ، فأجابهم أحد الموظفين في دائرة الاوقاف والشؤون الدينية في الحلة ، بأن أصل الجامع هو من المقام ، فولوا مدبرين وأبى الله الاّ ان يتم نوره ولو كره المشركون ، وهذا مما اشتهر عند أهل الحلة وسمعته منهم ، و هو أيضا ما أخبرني به أحد موظفي دائرة الوقف الشيعي ، وكان هذا الموظف هو الراد على تلك البعثة ، وقال ما مضمونه : « على ان الله عَزَ وجَل انطقني في أن أقول أن الجامع هو أصلاً من المقام ».