تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 101 ـ 110
(101)
الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبركون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، و رجعت الى البيت ) والحال أن مساحة المقام الحالية لا تسع لدخول القليل من الناس فضلاً عن الكثير منهم كما وصفهم ابن الزهدري.
و ـ
قول السيد حيدر آل وتوت في كتابه ( المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) أن هناك من أخبرني أن مساحة مقام الأمام المهدي عليه السلام المشار اليها قد تم اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلة الكبير الدي يقام فيه خطبة الجمعة وصلاة الجماعة عند أخواننا السنة حيث انضم قسم كبير من أرض المقام وأصبح ضمن الجامع.
وهذا يكفي لاثبات المساحة الأصلية للمقام.
ثانياً : في تأريخ الجامع الكبير في الحلة وأن أصله للشيعة لا لأهل السنة :
أقول :
أرجوا أن لا يتصور القارىء في كلامي هذا أنني أريد أن أثير نعرات طائفية فالأخوان أخوان ونحن متأدبون بأداب أئمتنا عليهم السَّلام وعلمائنا الأعلام وخصوصاً إذا ما عرفنا أن فقيه عصره آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله أفتى في الظروف الحالية بعدم جواز أخذ جوامع أهل السنة منهم ، والحال هنا يختلف لأن أصل الجامع هذا للشيعة وأخذ منهم قسراً من قبل الحكومات الظالمة الحاكمة للعراق ، والآن فلنتعرض لذكر تأريخ هذا الجامع.
الأمر الأول : ( في تشيع أهل الحلة ). 1 ـ
قال ابن بطوطة عند دخوله الحلة في سنة 725 هـ ( وأهل هذه المدينة كلهم إمامية أثنا عشرية ).
1 ـ أنظر : رحلة ابن بطوطة ص 139.
(102)
2 ـ
قال السيوطي تـ 911 هـ في ( البغية / 151 ) حاكياً عن الذهبي : في ترجمة ( أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلبي الحمصي ، الأديبالغالي في التشيع أنه ولد سنة 567 هـ وهاجر من حمص الى الحلة وتعلم الرفض هناك عن أهلها ).(1) 3 ـ
قال السيد محسن الأمين العاملي رَحَمَهُ الله تـ 1371 هـ : ( وتشيع أهل الحلة مشهور معروف من قديم الزمان وكانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس وما بعده واليها الهجرة وخرج منها جماعة من أجلاء علماء الشيعة وفقهائهم وأدبائهم ).
(2) 4 ـ
وذكر آية الله العظمى الشيخ المجتهد الاكبر الأمام محمد حسين أل كاشف الغطاء رَحَمَهُ الله في مقدمة كتاب ( البابليات ) للشيخ اليعقوبي رَحَمَهُ الله : ( أن للحلة مميزات أربعاً ومنها تشيعها من أول تأسيسها الى عصرنا هذا ) ، وهذه الأقوال الأربعة تدل على أن الحلة لم تعرف التسنن إلا في اواخر الدولة العثمانية.
الأمر الثاني : في تأريخ الجامع الكبير في الحلة. التاريخ الأول :
قلنا سابقاً إن آل القيم كانوا هم المتولين على أوقاف الجامـع والمقام معاً وكانت هذه الأوقاف في موضع يقال له ( الزوير ) ولدى هذا البيت صكوك ووثائق تثبت توليتهم من قبل الحكومتين الصفوية والعثمانية منذ أربعة قرون ، وكان من مشاهير هذا البيت الملا محمّد القيم ( تـ 1293 هـ ).
(3)1 ـ أنظر : الأنوار الساطعة ( ق 7 ) ص 8.
2 ـ أنظر : أعيان الشيعة ، 1 / 201.
3 ـ أنظر : ( البابليات ) 2 / 105 و ( شعراء الحلة ) 4 / 417.
(103)
التاريخ الثاني :
في تأريخ الأستحواذ على الجامع :
ذكر الشيخ علي الخاقاني رَحَمهُ الله في كتابه ( شعـراء الحـلة ) 4 / 280 ، في ترجمة الملا مبارك الحلي المتوفى سنة 1270 هـ ، قائلاً : « هو ملا مبارك بن محمد صالح بن مبارك بن محمود بن أحمد بن حاج حسين الزبيدي الحلي ، ... (1)
كان من الشخصيات المرموقة في وسطه ثري الجاه والمال ثقة في النفوس قوي الأرادة والنفوذ ، وأسرته وعلى رأسهم هو كثيراً ما خرجت على طاعة الحكومة التركية وناضلتها وقد أقلقتها ردحاً من الزمن الى ان قست معها بمصادرة أملاك المترجم له واوقاوفه ومنها الجامع الواقع في السوق الكبير في الحلة بمحلة جبران فقد غصبته الحكومة من ملا مبارك وجعلت فيه إماماً وغيرت لونه وشعاره ( أي من التشييع الى التسنن ) وكانت له أراضي واسعة ( أي الجامع ) في الزراعة تدعى ( الزوير ) ودور كثيرة فصادرتها أيضاً ».
أقول :
إن الظاهر من التاريخ الاول للجامع الوارد أعلاه أن الملا مباركاً كان متوليا على الجامع وأوقافه من قبل ال القيم حسب ما ورد أعلاه وذلك لأطمئنان النفس اليه وثقته وبدل على هذا رعايته لأملاك ومصالح الفقيه الكبير السيد مهدي القزويني ( تـ 1300 هـ ) وان الاستحواذ على الجامع كان قبل وفاة الملا مبارك سنة ( 1270 هـ / 1850 م ).
1 ـ أقول : أني رأيت من أحفاد أخيه وسألته عن تأريخ الجامع ومنارته وهو الوجيه ( أمجد بن هلال بن عبود بن مهدي بن محمد صالح ... الخ ، وهم يرجعون الى آل صياد فخذ من عشيرة البو سلطان من زبيد ).
(104)
التاريخ الثالث :
سنة 1292 هـ مات في هذه السنة متصرف الحلة شبلي باشا العريان ودفن في هذا الجامع.
(1) التاريخ الرابع :
في حادثة عاكف التركي 1335 هـ
فرق عاكف عسكره في طرقات الحلة وسورها ودواثر الحكومة ، طلباً للفارين من ساحات القتال من الحليين ، وجعل بعضاً من الجنود على منارة الجامع الكبير لأرتفاعها على دور البلد ، وهذا من استهتار عاكف لأن بيوت الله يجب أن تكون بعيدة عن الاغراض الحربية.
(2) التاريخ الخامس :
في شهر رمضان سنة 1338 هـ ، نادى مناد في أسواق الحلة ان الليلة يقام اجتماع في الجامع الكبير يتلى فيه كتاب العلامة الشيرازي ، وما ان حل الوقت المضروب حتى هرع الناس الى الجامع فغص الجامع على اتساعه بالحاضرين ، وارتقى الخطيب الشيخ محمّد
1 ـ تولى أمر الحلة في اخر أيام عمر باشا ، وهو من دروز سوريا وكانت توليته الحلة سنة 1275 هـ وقد شغل هذا المنصب عدة سنين ، وكان له نفوذ كبير حارب به الخزاعل وخضد شوكتهم ثم نقل من الحلة الى بغداد وذلك أثر شكوى تقدم بها أهالي محلة التعيس لأنه اجبرهم على دفع مبلغ مقابل مواد مسروقة من كنيسة لليهود في تلك المحلة ، قم تولى متصرفية الحلة سن 1290 الى 1292 هـ ثم مات أثر مرض الطاعون وفي رواية انه مات مسموما اثر خلاف مع والي بغداد ، راجع تاريخ الحلة ج 1 ص 164 ( بتصرف ).
2 ـ أنظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 164 ( بتصرف ).
(105)
الشهيب وتلا رسالة الشيرازي ، وكانت تتضمن حث العراقيين على المطالبة بحقوقهم المشروعة بالطرق السلمية ، ثم القيت بعض الخطب والقصائد الحماسية فالتهبت نفوس الجماهير بالحماس الوطني.
(1)
التاريخ السادس :
سنة 1351 هـ في هذه السنة من اواخر صفر الخير دفن في هذا الجامع السيد عبد السلام بن السيد عبد الله بن السيد عبد الحافظ. (2)
التاريخ السابع :
( 1378 هـ / 1967 م ) جددت عمارة الجامع وهناك من حدثني أن الجامع كان بمستوى منخفض عن أرض السوق عليه آثار القدم وأرضيته من الحصا والتراب ومنارته تعلوها أسماءاهل البيت عليه السلام فاقتطعت مساحة من أرضه في عمارته الأخيرة على يسار الداخل اليه وجعلت سوقا يسمى بـ ( سوق الاوقاف ) وهو الآن مشهور عند أهل
1 ـ أنظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 174.
2 ـ ولد المترجم سنة 1292 هـ في محلة الاكراد بالحلة كان قد جاء جده عبد الحافظ المذكور الى الحلة بانتقاله من بلدة هيت وقرأ على بعض علماء السنة وبعد أن حصل على علم جم عين مدرساً وخطيباً واماماً وواعظا في الحلة وهو رجل فاضل وله مؤلفات منها كتاب درة الواعضين وله كشكول وله مجاميع أخرى وقد رثاه قاسم بن محمد الملا راجع كتاب ( لب الالباب ) تأليف محمد صالح السهر وردي ص 144 ، أقول : سمعت حكاية ينقلها أكثر اهل الحلة وهي أن السيد عبد السلام المذكور صعد المنبر يوماً وقال لا يدخل رجل الجنة الا بصك من أمير المؤمنين علي عليه السلام وذكر استدلالاً لحديثه فبعد هذه الحادثة قامت الدولة بطرده من الجامع فقامت الشيعة بتعهد أمره ، فأوصى أن يدفن بالنجف لكن الوصية لم تنفذ ودفن بهذا الجامع المذكور.
(106)
الحلة بسوق ( وحودي شعيلة ) وعلى يمين الداخل اليه هدمت ( المرافق العامة ) قديماً وجعلت بمكانها سوق أخرى وبالجملة جعلت الاوقاف السنية دكاكين وأسواقا حول الجامع تربو على المئة ومن أرضية الجامع هذا يذهب ريعها الى دائرة الوقف السني من ذلك الزمن الى هذا الزمن فهذه دعوى الى دائرة الوقف الشيعي في بغداد والحلة لتتبع هذا الامر خصوصاً بعد ما أوضحنا الأمر حول أصل ملكية الجامع ، وجدّد باب الجامع أيضا في هذه العمارة.
أقول :
وفي 8 شوال من سنتنا هذه سنة 1425 هـ زرت الجامع وسجلت ما كتب على بابه وهو باب كبير من خشب الساج كتب في أعلاه قوله تعالى { إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ ... ) الآية.
ثم كتب شعر تحت هذه الآية نصه :
تقدست يا جامع المسلمينأراك تنير طريق الصلاحوبابك تاريخه ( فوقه
وعطر محرابك المنبرلمن هلّلو فيك أو كبّروافهذا هو الجامع الاكبر )
جددت ( كذا ) عمارته ديوان الاوقاف 1387 هـ
وطلبت من إمام وخطيب الجامع الشيخ عبد الستار محمود الدليمي أن أقف على قبر السيد عبد السلام فأجابني الى ذلك وفتح لي حجرة قديمة في اخر الجامع رأيت فيها أربعة قبور فعلى اليمين قبر مرتفع عن الارض بنحو متر أو أكثر تعلوه صخره من المرمر الابيض كتب عليها اسم صاحب القبر وهو عبد السلام الحافظ وعليها قصيدة رثاء فيها تاريخ وفاته ، وفي الوسط قبران يرتفعان عن الارض نحو شبر
(107)
واحمد وبدون اسم وأظن ان أسماء هما طمسا لقدمهما ومن المحتمل أن أحد هذه القبور قبر متصرف الحلة شبلي باشا كما ذكرنا ، وعن اليمين قبر مرتفع نحو متر أو أكثر ، لكن لوحته البيضاء ( نوع مرمر ) مخلوعة وقد جعلت على جانب من القبر وكتب عليها هذا قبر ( محمد المعصوم بجلي بك ) لكن تاريخ وفاته قد عدت عليه عوادي الدهر فمحت رسومه.
التاريخ الثامن :
سنة ( 1395 هـ / 1975 م ) هدمت منارة الجامع القديمة التي يعلوها ايم الجلالة واسم النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته الاثني عشر واستبدلت بها منارة مرتفعة أيضا تعلوها سورة الاخلاص.
أقول : فبعد أن اثبتنا مساحة المقام الاصلية يظهر لنا موضع مدرسة صاحب الزمان عليه السلام المجاورة للمقام فاما أن تكون هي المقتطعة من أرض الجامع أو مقابل باب الجامع على الجانب الاخر من السوق الذي هو الان سوق الصاغة لان هذا السوق بني في الثمانينات من عصرنا هذا على آثار مدرسة دينية قديمة فيها بعض القبور لسادة أجلاء وعلماء أفاضل ، هذا ما حدثني به من رأى تلك المدرسة وهم أكثر من واحد ، ولا يخفى على القارئ اللبيب مغزى اختيار هذا المكان جامعاً لأهل السنة دون غيره من الاماكن في الحلة.
(108)
(109)
الباب السابع في ذكر مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف المجاورة للمقام