فقال له عمار بن ياسر : اثبت أبا زبيب ولا تشك في الأحزاب عدو الله ورسوله (1) .
قال : فقال أبو زبيب : ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة فيشهدا لي على ما سألت عنه من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما . قال : وخرج عمار [ بن ياسر ] وهو يقول :

سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي * سيروا فخير الناس اتباع علي
هذا أوان طاب ســل المشرفي * وقودنا الخيل وهز السمهري

عمر بن سعد عن أبي روق قال : دخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ، نحن على جهاز وعدة (2) ، وأكثر الناس أهل قوة (3) ومن ليس بمضعف وليس به علة . فمر مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة ، فإن أخا الحرب ليس بالسؤوم ولا النؤوم ، ولا من إذا أمكنه الفرص أجلها واستشار فيها ، ولا من يؤخر الحرب في اليوم إلى غد وبعد غد .
فقال زياد بن النضر : لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيد بن قيس ، وقال ما يعرف ، فتوكل على الله وثق به ، واشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا ، فإن يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة
____________
( 1 ) عدو ، يقال للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحدا ، ويقال أيضا عدوة وعدوان وأعداء .
( 2 ) الجهاز : ما يحتاج إليه المسافر والغازي . ح : « أولو جهاز وعدة » .
( 3 ) أي أصحاب قوة . وفي الأصل : « القوة » وأثبت ما في ح ( 1 : 281 ) .

( 102 )

مع النبي صلى الله عليه وآله ، والقدم (1) في الإسلام ، والقرابة من محمد صلى الله عليه وآله . وإلا ينيبوا ويقبلوا ويأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ، ورجونا أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم بالأمس .
ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال : « يا أمير المؤمنين ، إن القوم لو كانوا الله يريدون أو لله يعملون ، ما خالفونا . ولكن القوم إنما يقاتلون فرارا من الأسوة (2) ، وحبا للأثرة ، وضنا بسلطانهم ، وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم ، وعلي إحن في أنفسهم ، وعداوة يجدونها في صدورهم ، لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة ، قتلت فيها أباءهم وإخوانهم (3 ) » .
ثم التفت إلى الناس فقال : فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة ، وخاله الوليد ، وجده عتبة في موقف واحد . والله ما أظن أن يفعلوا (4) ، ولن يستقيموا لكم دون أن تقصد فيهم المران (5) ، وتقطع على هامهم السيوف ، وتنثر حواجبهم بعمد الحديد ، وتكون أمور جمة بين الفريقين .
نصر : عمر بن سعد ، عن عبد الرحمن ، عن الحارث بن حصيرة (6) ،
____________
( 1 ) القدم ، بفتحتين : السبق والتقدم في الإسلام .
( 2 ) الأسوة ، ها هنا : التسوية بين المسلمين في قسمة المال . انظر ح ( 3 : 4 ) .
( 3 ) ح : « وأعوانهم » .
( 4 ) ح : « ما أظنهم يفعلون » .
( 5 ) تقصد : تكسر . والمران : الرماح الصلبة اللينة . والمران أيضا : نبات الرماح . ح : « دون أن تقصف فيهم قنا ؟ ؟ المران » .
( 6 ) ح : « حصين » وانظر ما سبق في ص 3 .

( 103 )

عن عبد الله بن شريك قال : خرج حجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق ، يظهران البراءة واللعن من أهل الشام ، فأرسل إليهما علي : أن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا : يا أمير المؤمنين ؛ ألسنا محقين ؟ قال : بلى . [ قالا : أو ليسوا مبطلين ؟ قال : بلى ] . قالا : فلم منعتنا من شتمهم ؟ قال : « كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين ، تشتمون وتتبرءون . ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم : من سيرتهم كذا وكذا ، ومن عملهم كذا وكذا ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر . و [ لو (1) ] قلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتى يعرف الحق منهم من جهله ، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به ، كان هذا أحب إلى وخيرا لكم » . فقالا : يا أمير المؤمنين ، نقبل عظتك ، ونتأدب بأدبك . وقال عمرو بن الحمق : إني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ، ولا التماس سلطان يرفع ذكرى به ، ولكن أجبتك لخصال خمس : أنك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأول من آمن به ، وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله ، وأبو الذرية التى بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد . فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي ، ونزح (2) البحور الطوامي حتى يأتي على يومي في أمر أقوى به وليك وأوهن به عدوك ، ما رأيت أنى قد أديت فيه كل الذي يحق على من حقك .
فقال أمير المؤمنين علي : اللهم نور قلبه بالتقى ، واهده إلى صراط
____________
( 1 ) ليست في الأصل ولا في ح ، وبها يلتئم الكلام .
( 2 ) في الأصل : « وأنزح » صوابه في ح ( 1 : 281 ) .

( 104 )

مستقيم (1) ، ليت أن في جندي مائة مثلك ، فقال حجر : إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك ، وقل فيهم من يغشك .
ثم قال حجر فقال : يا أمير المؤمنين ، نحن بنو الحرب وأهلها ، الذين نلقحها وننتجها ، قد ضارستنا وضارسناها (2) ، ولنا أعوان ذو وصلاح ، وعشيرة ذات عدد ، ورأي مجرب وبأس محمود ، وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة ؛ فإن شرقت شرقنا ، وإن غربت غربنا ، وما أمرتنا به من أمر فعلناه . فقال علي : « أكل قومك يرى مثل رأيك ؟ » قال : « ما رأيت منهم إلا حسنا ، وهذه يدى عنهم بالسمع والطاعة ، وبحسن الإجابة » . فقال له علي خيرا .
قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد قال : وكتب علي إلى عماله ، فكتب إلى مخنف بن سليم :
سلام عليك ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه ، وهب في نعاس العمي والضلال اختيارا له ـ فريضة على العارفين . إن الله يرضى عمن أرضاه ، ويسخط على من عصاه . وإنا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله ، واستأثروا بالفئ ، وعطلوا الحدود ، وأماتوا الحق ، وأظهروا في الأرض الفساد ، واتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين ، فإذا ولي لله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه ، وإذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه وأدنوه وبروه فقد أصروا على الظلم ، وأجمعوا على الخلاف . وقديما ما صدوا عن الحق ، وتعاونوا على الإثم وكانوا ظالمين . فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف علي عملك
____________
( 1 ) ح : « صراطك المستقيم » .
( 2 ) في اللسان ( 8 : 424 ) : « وضارست الأمور : جربتها وعرفتها » .

( 105 )

أوثق أصحابك في نفسك ، وأقبل إلينا لعلك تلقى هذا العدو المحل فتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ، وتجامع الحق وتباين الباطل ؛ فإنه لا غناء بنا ولا بك عن أجر الجهاد . وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وكتب عبد الله بن أبي رافع سنة سبع وثلاثين .
فاستعمل مخنف على أصبهان الحارث بن أبي الحارث بن الربيع ، واستعمل على همدان سعيد بن وهب ـ وكلاهما من قومه ـ وأقبل حتى شهد مع علي صفين .
وكان علي قد استخلف ابن عباس على البصرة ، فكتب عبد الله بن عباس إلى علي يذكر له اختلاف أهل البصرة ، فكتب إليه علي :
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس . أما بعد فالحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله . أما بعد (1) فقد قدم على رسولك وذكرت ما رأيت وبلغك عن أهل البصرة بعد انصرافي (2) وسأخبرك عن القوم : هم بين مقيم لرغبة يرجوها ، أو عقوبة يخشاها (3) . فأرغب راغبهم بالعدل عليه ، والإنصاف له والإحسان إليه ؛ وحل عقدة الخوف عن قلوبهم ، فإنه ليس لأمراء أهل البصرة في قلوبهم عظم (4) إلا قليل منهم . وانته إلى أمرى ولا تعده ، وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة ، وكل من قبلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله . والسلام . وكتب عبد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين .
____________
( 1 ) كذا جاءت « أما بعد » مكررة . . وأول الرسالة في ح : « أما بعد فقد قدم على رسولك » بإهمال ما قبلها من الكلام .
( 2 ) ح : « وقرأت كتابك تذكر فيه حال أهل البصرة واختلافهم بعد انصرافي عنهم » .
( 3 ) ح : « أو خائف من عقوبة يخشاها » .
( 4 ) كذا في الأصل وح . ولعلها : « عصم » جمع عصام ، وهو الحبل يشد به .

( 106 )

وكتب : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأسود بن قطنة . أما بعد فإنه من لم ينتفع بما وعظ لم يحذر ما هو غابر (1) ومن أعجبته الدنيا رضي بها ، وليست بثقة . فاعتبر بما مضى تحذر ما بقى ، واطبخ للمسلمين قبلك من الطلاء ما يذهب ثلثاه (2) ، وأكثر لنا من لطف الجند ، واجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند ، فإن للولدان علينا حقا ، وفي الذرية من يخاف دعاؤه ، وهو لهم صالح . والسلام .
وكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عامر . أما بعد فإن خير الناس عند الله عز وجل أقومهم لله بالطاعة فيما له وعليه ، وأقولهم بالحق ولو كان مرا ، فإن الحق به قامت السماوات والأرض . ولتكن سريرتك كعلانيتك ، وليكن حكمك واحدا ، وطريقتك مستقيمة ، فإن البصرة مهبط الشيطان . فلا تفتحن على يد أحد منهم بابا لا نطيق سده نحن ولا أنت . والسلام .
وكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس . أما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين وفيئهم ، فاقسمه من قبلك حتى تغنيهم ، وابعث إلينا بما فضل نقسمه فيمن قبلنا . والسلام .
____________
( 1 ) في اللسان : الغابر : الباقي . قال : وقد يقال للماضي غابر .
( 2 ) الطلاء ، بالكسر : ما طبخ من عصير العنب .

( 107 )

وكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس . أما بعد فإن الإنسان قد يسره ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه وإن جهد . فليكن سرورك فيما قدمت من حكم أو منطق أو سيرة ، وليكن أسفك على ما فرطت لله فيه من ذلك . ودع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر به حزنا ، وما أصابك فيها فلا تبغ به سرورا . وليكن همك فيما بعد الموت . والسلام (1) .
وكتب إلى أمراء الجنود :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين . أما بعد فإن حق الوالي ألا يغيره على رعيته أمر ناله ولا أمر خص به ، وأن يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده وعطفا عليهم . ألا وإن لكم عندي ألا أحتجز دونكم سرا إلا في حرب ، ولا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم ، ولا أؤخر حقا لكم عن محله ، ولا أرزأكم شيئا ، وأن تكونوا عندي في الحق سواء . فإذا فعلت ذلك وجبت عليكم النصيحة والطاعة . فلا تنكصوا عن دعوتي ، ولا تفرطوا في صلاح دينكم من دنياكم ، وأن تنفذوا لما هو لله طاعة ، ولمعيشتكم صلاح ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق ولا يأخذكم في الله لومة لائم . فإن أبيتم أن تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن فعل ذلك منكم ، ثم أعاقبه عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة . فخذوا هذا من أمرائكم ، وأعطوهم من أنفسكم ، يصلح الله أمركم . والسلام .
____________
( 1 ) انظر مجالس ثعلب 186 .
( 108 )

وكتب إلى أمراء الخراج :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أمراء الخراج (1) . أما بعد فإنه من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ولم يحرزها . ومن اتبع هواه وانقاد له على ما يعرف نفع عاقبته عما قليل ليصبحن من النادمين . ألا وأن أسعد الناس في الدنيا من عدل عما يعرف ضره ، وإن أشقاهم من اتبع هواه . فاعتبروا واعلموا أن لكم ما قدمتم من خير ، وما سوى ذلك وددتم لو أن بينكم وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف ورحيم بالعباد . وإن عليكم ما فرطتم فيه ، وإن الذي طلبتم ليسير ، وإن ثوابه لكبير . ولو لم يكن فيما نهى عنه من الظلم والعدوان عقاب يخاف ، كان في ثوابه مالا عذر لأحد بترك طلبته (2) فارحموا ترحموا ، ولا تعذبوا خلق الله ولا تكلفوهم فوق طاقتهم ، وأنصفوا الناس من أنفسكم ، واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية . لا تتخذن حجابا ، ولا تحجبن أحدا عن حاجته حتى ينهيها إليكم . ولا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيلا عمن كفل عنه ، واصبروا أنفسكم على ما فيه الاغتباط ، وإياكم وتأخير العمل ودفع الخير ، فإن في ذلك الندم . والسلام .
وكتب إلى معاوية :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان . سلام على من اتبع الهدى ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإنك قد رأيت من الدنيا وتصرفها بأهلها وإلى ما مضى منها ، وخير ما بقى من الدنيا ما أصاب
____________
( 1 ) في نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد ( 4 : 115 ) : « أصحاب الخراج » .
( 2 ) الطلبة ، بالكسر : الطلب .

( 109 )

العباد الصادقون فيما مضى . ومن نسي الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما بونا بعيدا . واعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القدم ولا في الولاية (1) ، ولست تقول فيه بأمر بين تعرف لك به أثرة ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ، ولا عهد تدعيه من رسول الله ، فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها (2) وركنت إلى لذتها ، وخلى فيها بينك وبين عدو جاهد ملح ، مع ما عرض في نفسك من دنيا قد دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتبعتها ، وأمرتك فأطعتها . فاقعس عن هذا الأمر (3) ، وخذ أهبة الحساب ، فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك منه مجن (4) . ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية ، أو ولاة لأمر هذه الأمة بغير قدم حسن ، ولا شرف سابق على قومكم . فشمر لما قد نزل بك ، ولا تمكن الشيطان من بغيته فيك ، مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان . فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء . وإلا تفعل أعلمك ما أغفلك من نفسك (5) ، فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه ، فجرى منك مجرى الدم في العروق ، واعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدونا وامتنوا به علينا ، ولكنه
____________
( 1 ) انظر ما سبق في التنبيه الأول ص 102 .
( 2 ) في اللسان : « أبهجت الأرض : بهج نباتها » . وفي الأصل : « انتهت » تحريف . وفي ح ( 3 : 410 ) : « تبهجت » قال ابن أبي الحديد : « وتبهجت بزينتها : صارت . ذات بهجة » . ولم أجد هذه الصيغة في المعاجم .
( 3 ) القعس : التأخر والرجوع إلى الخلف ، كما في اللسان . وفي الأصل : « فايس من هذا الأمر » صوابه في ح ( 3 : 409 ) .
( 4 ) رواه ح : « ما لا ينجيك منه منج » ، وقال : « ويروى : ولا ينجيك مجن . وهو الترس : والرواية الأولى أصح » .
( 5 ) ح : « ما أغفلت » .

( 110 )

قضاء ممن امتن به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق . لا أفلح من شك بعد العرفان والبينة . اللهم احكم بيننا وبين عدونا بالحق وأنت خير الحاكمين .
فكتب معاوية :
بسم الله الرحمن الرحيم
من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب . أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به ، ولا تفسد سابقة قدمك بشره نخوتك ، فإن الأعمال بخواتيمها ، ولا تمحق سابقتك في حق من لا حق لك في حقه (1) ، فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك ، ولا تمحق إلا عملك ، ولا تبطل إلا حجتك . ولعمري ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا ؛ لما اجترأت عليه من سفك الدماء ، وخلاف أهل الحق . فاقرأ سورة الفلق ، وتعوذ بالله من شر نفسك ، فإنك الحاسد إذا حسد .
وكتب إلى عمرو بن العاص :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص . أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها ، وصاحبها مقهور فيها (2) ، لم يصب منها شيئا قط إلا فتحت له حرصا ، وأدخلت عليه مؤونة تزيده رغبة فيها ، ولن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغه ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، والسعيد من وعظ بغيره . فلا تحبط أجرك أبا عبد الله ، ولا تجارين معاوية في باطله (3) فإن معاوية غمص الناس
____________
( 1 ) حق الرجل وأحقه : إذا غلبه على الحق .
( 2 ) ح ( 4 : 114 ) : « وصاحبها منهوم عليها » .
( 3 ) ح : « ولا تشرك معاوية في باطله » .

( 111 )

وسفه الحق (1) . [ والسلام (2) ] .
وكتب إليه عمرو بن العاص :
من عمرو بن العاص إلى علي بن أبي طالب . أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا وألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق (3) ، وأن تجيب إلى ما تدعون إليه من شورى (4) . فصبر الرجل منا نفسه على الحق ، وعذره الناس بالمحاجزة . والسلام .
فجاء الكتاب إلى علي قبل أن يرتحل من النخيلة .
نصر : عمر بن سعد ، عن أبي روق قال : قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء : إن يومنا ويومهم ليوم عصيب ، ما يصبر عليه إلا كل مشيع القلب (5) ، صادق النية ، رابط الجأش . وايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم إلا الرذال (6) . قال عبد الله بن بديل : والله أظن ذلك . فقال علي : ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما ، لا تظهراه ولا يسمعه منكما سامع . إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين ، وكل آتيه منيته كما كتب الله له . فطوبى للمجاهدين في سبيل الله ، والمقتولين في طاعته .
____________
( 1 ) غمص الناس : احتقرهم ولم يرهم شيئا . وسفه الحق ، مختلف في تأويله ، قيل معناه سفه الحق تسفيها . وقال الزجاج : سفه في معنى جهل . وهو اقتباس من حديث لرسول الله رواه ابن منظور في اللسان « غمص » .
( 2 ) زاد ان أبي الحديد بعد هذه الكلمة : « قال نصر : وهذا أول كتاب كتبه علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص » .
( 3 ) أناب : رجع .
( 4 ) ح : « إلى ما ندعوكم إليه من الشورى » .
( 5 ) المشيع القلب : الشجاع .
( 6 ) الرذل ، والرذال ، والرذيل ، والأرذل : الدون الخسيس .

( 112 )

فلما سمع هاشم بن عتبة (1) مقالتهم [ قام (2) ] فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : سربنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم ، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله ، فأحلوا حرامه وحرموا حلاله ، واستولاهم الشيطان (3) ووعدهم الأباطيل ومناهم الأماني ، حتى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى ، وحبب إليهم الدنيا ، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود ربنا . وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه رحما ، وأفضل الناس سبقة وقدما . وهم يا أمير المؤمنين منك مثل الذي علمنا . ولكن كتب عليهم الشقاء ، ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين . فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة ، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة ، وأنفسنا تنصرك (4) جذلة على من خالفك وتولى الأمر دونك . والله ما أحب أن لي ما في الأرض مما أقلت ، وما تحت السماء مما أظلت ، وأني واليت عدوا لك ، أو عاديت وليا لك .
فقال علي : اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك ، والمرافقة لنبيك صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم إن عليا صعد المنبر فخطب الناس ودعاهم إلى الجهاد ، فبدأ بالحمد لله والثناء عليه ثم قال :
إن الله قد أكرمكم بدينه ، وخلقكم لعبادته ؛ فانصبوا أنفسكم في أداء
____________
( 1 ) هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص . وكان معه لواء علي رضي الله عنه يوم صفين ، وقتل في آخر أيامها . انظر الإصابة 8913 والاشتقاق 96 .
( 2 ) ليست في الأصل . وفي ح : « . . . ما قالاه أتى عليا عليه السلام فقال : سر بنا » .
( 3 ) كذا في الأصل . وفي ح ( 1 : 282 ) : « واستهوى بهم الشيطان » وظني بها « استهواهم » .
( 4 ) في الأصل : « بنورك » ، صوابها في ح .

( 113 )

حقه ، وتنجزوا موعوده ، واعلموا أن الله جعل أمراس الإسلام متينة ، وعراه وثيقة ، ثم جعل الطاعة حظ الأنفس برضا الرب ، وغنيمة الأكياس عند تفريط الفجرة . وقد حملت أمر أسودها وأحمرها (1) ، ولا قوة إلا بالله . ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه ، وتناول ما ليس له وما لا يدركه : معاوية وجنده ، الفئة الباغية الطاغية ، يقودهم إبليس ، ويبرق لهم ببارق تسويفه ، ويدليهم بغروره (2) . وأنتم أعلم الناس بحلاله وحرامه ، فاستغنوا بما علمتم ، واحذروا ما حذركم الله من الشيطان ، وارغبوا فيما أنالكم من الأجر والكرامة ، واعلموا أن المسلوب من سلب دينه وأمانته ، والمغرور من آثر الضلالة على الهدى . فلا أعرف أحدا منكم تقاعس عني وقال : في غيري كفاية ، فإن الذود إلى الذود إبل ، ومن لا يذد عن حوضه يتهدم . ثم إني آمركم بالشدة في الأمر ، والجهاد في سبيل الله ، وألا تغتابوا مسلما . وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله .
ثم قام الحسن بن علي خطيبا فقال :
الحمد لله لا إله غيره ، وحده لا شريك له ، وأثنى عليه بما هو أهله .
ثم قال :
إن مما عظم الله عليكم من حقه ، وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ، ولا يؤدي شكره ، ولا يبلغه (3) صفة ولا قول . ونحن إنما غضبنا
____________
( 1 ) يعني العرب والعجم ، ولغالب على ألوان العرب السمرة والأدمة ، وعلى ألوان العجم البياض والحمرة . في الأصل : « أمركم أسودها وأحمرها » ، صوابه في ح .
( 2 ) أي يوقعهم فيما أراد من تغريره . وفي الكتاب : « فدلاهما بغرور » .
( 3 ) في الأصل : « تبلغها » ، والوجه ما أثبت من ح .

( 114 )

لله ولكم ؛ فإنه من علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه قولا (1) يصعد إلى الله فيه الرضا ، وتنتشر فيه عارفة الصدق ، يصدق الله فيه قولنا ، ونستوجب فيه المزيد من ربنا ، قولا يزيد ولا يبيد ؛ فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم ، واستحكمت عقدتهم . فاحتشدوا في قتال عدوكم : معاوية وجنوده ؛ فإنه قد حضر . ولا تخاذلوا ؛ فإن الخذلان يقطع نياط القلوب ؛ وإن الإقدام على الأسنة نجدة وعصمة ؛ لأنه لم يمتنع (2) قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة ، وكفاهم جوائح الذلة (3) ، وهداهم إلى معالم الملة .

والصلح تأخذ منه ما رضيت [ به ] * والحرب يكفيك من أنفاسها جرع (4)

ثم قام الحسين بن علي خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء ، [ و ] الشعار دون الدثار ؛ جدوا في إحياء ما دثر بينكم ، وإسهال ما توعر عليكم ، وألفة ما ذاع منكم (5) .
____________
( 1 ) في الأصل : « قوك » . والكلام بعد : « إنما غضبنا لله ولكم » إلى : « ولا يبيد » لم يرد في ح .
( 2 ) الامتناع : العزة والقوة . وفي القاموس : « والممتنع الأسد القوي العزيز في نفسه » . ح : « يتمنع » . وفي اللسان : « منع الشيء مناعة : اعتز وتعسر . وقد تمنع » .
( 3 ) الجوائح : الدواهي والشدائد ، واحدتها جائحة . وفي الأصل : « حوائج » ، والوجه ما أثبت من ح .
( 4 ) البيت للعباس بن مرداس السلمي ، كما في الخزانة ( 2 : 82 ) والرواية . المعروفة : « السلم تأخذ منها » . ويستشهد بهذه الرواية اللغويون على أن « السلم » تؤنث . قال التبريزي : « الجرع : جمع جرعة ، وهي ملء الفم . يخبره أن السلم هو فيها وادع ينال من مطالبه ما يريد فإذا جاءت الحرب قطعته عن لذاته وشغلته بنفسه » . وهو تحريض على الصلح . وأنفاس الحرب ، أراد بها أوائلها .
( 5 ) ليست في ح . وذاع : انتشر وتفرق . وفي الأصل : « أذاع » .

( 115 )

ألا إن الحرب شرها ذريع ، وطعمها فظيع ، وهي جرع متحساة ، فمن أخذ لها أهبتها ، واستعد لها عدتها ، ولم يألم كلومها عند حلولها ، فذاك صاحبها . ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها ، فذاك قمن ألا ينفع قومه : و [ أن ] يهلك نفسه . نسأل الله بعونه أن يدعمكم بألفته (1) .
ثم نزل . فأجاب عليا إلى السير (2) والجهاد جل الناس ، إلا أن أصحاب عبد الله بن مسعود أتوه ، وفيهم عبيدة السلماني (3) وأصحابه ، فقالوا له : إنا نخرج معكم ، ولا ننزل عسكركم ، ونعسكر على حدة حتى ننظر في أمركم وأمر أهل الشام ، فمن رأيناه أراد ما لا يحل له ، أو بدا منه بغي ، كنا عليه . فقال علي : مرحبا وأهلا ، هذا هو الفقه في الدين ، والعلم بالسنة ، من لم يرض بهذا فهو جائر خائن . وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود ، فيهم ربيع بن خشيم (4) وهم يومئذ أربعمائة رجل ، فقالوا : يا أمير المؤمنين إنا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك ، ولا غناء بنا ولا بك ولا المسلمين عمن يقاتل العدو ، فولنا بعض الثغور نكون به (5) تم نقاتل عن أهله . فوجهه علي (6) على ثغر الرى ، فكان أول لواء عقده بالكوفة لواء ربيع بن خثيم .
____________
( 1 ) ح : « بالفيئة » .
( 2 ) في الأصل : « فأجابه إلى السير » ، والوجه ما أثبت من ح .
( 3 ) عبيدة ، بفتح أوله . وهو عبيدة بن عمرو ويقال ابن قيس بن عمرو السلماني ، بفتح السين المهملة وسكون اللام ، نسبة إلى سلمان بن يشكر بن ناجية بن مراد . أسلم قبل وفاة النبي بسنتين ولم يلقه . روى عن ابن مسعود وعلي ، وروى عنه محمد بن سيرين ، وأبو إسحاق السبيعي ، وإبراهيم النخعي وغيرهم . وقال ابن نمير : كان شريح إذا أشكل عليه شئ كتب إلى عبيدة . توفى سنة 72 وقيل ثلاث ، وقيل أربع . الإصابة 6401 والمعارف 188 وتقريب التهذيب ، ومختلف القبائل ومؤتلفها لمحمد بن حبيب ص 30 .
( 4 ) خثيم ، بهيئة التصغير . انظر الاشتقاق 112 وشرح الحيوان ( 4 : 292 ) .
( 5 ) ح ( 1 : 283 ) : « نكمن به » .
( 6 ) ح : « فوجه علي عليه السلام بالربيع بن خثيم » .

( 116 )

نصر : عمر بن سعد ، عن ليث بن سليم قال : دعا علي باهلة فقال : يا معشر باهلة ، أشهد الله أنكم تبغضوني وأبغضكم ، فخذوا عطاءكم واخرجوا إلى الديلم . وكانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه إلى صفين .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزد عن عبد الله بن عوف ابن الأحمر ، أن عليا لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة ، وكان كتب علي إلى ابن عباس وإلى أهل البصرة :
" أما بعد فأشخص إلي من قبلك من المسلمين والمؤمنين ، وذكرهم بلائي عندهم ، وعفوي عنهم ، واستبقائي لهم ، ورغبهم في الجهاد ، وأعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل " .
فقام فيهم ابن عباس فقرأ عليهم كتاب علي ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، استعدوا للمسير إلى إمامكم ، وانفروا في سبيل الله خفافا وثقالا ، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ؛ فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين ، الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب ، ولا يدينون دين الحق ، مع أمير المؤمنين وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر والصادع بالحق ، والقيم بالهدى ، والحاكم بحكم الكتاب ؛ الذي لا يرتشي في الحكم ، ولا يداهن الفجار ، ولا تأخذه في الله لومة لائم .
فقام الأحنف بن قيس فقال : نعم ، والله لنجيبنك ، ولنخرجن معك على العسر واليسر ، والرضا والكره ، نحتسب في ذلك الخير ، ونأمل من الله العظيم من الأجر (1) .
____________
( 1 ) ح : « نحتسب في ذلك الأجر ، ونأمل به من الله العظيم حسن الثواب » .
( 117 )

وقام إليه خالد بن المعمر السدوسي (1) فقال : سمعنا وأطعنا ، فمتى استنفرتنا نفرنا ، ومتى دعوتنا أجبنا .
وقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي (2) ، فقال : وفق الله أمير المؤمنين ، وجمع له أمر المسلمين ، ولعن المحلين القاسطين ، الذين لا يقرءون القرآن ، نحن والله عليهم حنقون ، ولهم في الله مفارقون . فمتى أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا .
وأجاب الناس إلى المسير ، ونشطوا وخفوا ، فاستعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدئلي ، وخرج حتى قدم على على ومعه رءوس الأخماس : خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن وائل ، وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس ، وصبرة بن شيمان الأزدي (3) على الأزد ، والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب ، وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية . فقدموا على علي عليه السلام بالنخيلة . وأمر الأسباع من أهل الكوفة : سعد بن مسعود الثقفي على قيس وعبد القيس ، ومعقل بن قيس اليربوعي على تميم وضبة والرباب وقريش وكنانة وأسد ، ومخنف بن سليم على الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة ، وحجر بن عدي الكندي على كندة وحضر موت وقضاعة ومهرة ، وزياد بن النضر على مذحج والأشعريين ، وسعيد بن قيس بن مرة الهمداني على همدان ومن معهم من حمير ، وعدي بن حاتم على طيئ ، ويجمعهم
____________
( 1 ) ترجم له في الإصابة 2317 فيمن له إدراك .
( 2 ) مرجوم ، بالجيم ، كان من أشراف عبد القيس ورؤسائها في الجاهلية ، وقد مدحه المسيب بن عباس . وكان ابنه عمرو سيدا شريفا في الإسلام . ذكره ابن حجر في الصحابة . انظر الإصابة 5954 .
( 3 ) في الأصل : « سيمان » صوابه بالشين كما في الاشتقاق 299 .

( 118 )

الدعوة مع مذحج وتختلف الرايتان : راية مذحج مع زياد بن النضر ، وراية طيئ مع عدي بن حاتم .
وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية .
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي بن صخر . سلام على أهل طاعة الله ممن . هو مسلم لأهل ولاية الله . أما بعد فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عنت (1) ولا ضعف في قوته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنه خلقهم عبيدا ، وجعل منهم شقيا وسعيدا ، وغويا ورشيدا ، ثم اختارهم على علمه ، فاصطفى وانتخب منهم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، فاختصه برسالته ، واختاره لوحيه ، وائتمنه على أمره ، وبعثه رسولا مصدقا لما بين يديه من الكتب ، وذليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أول من أجاب وأناب ، وصدق ووافق ، وأسلم وسلم ـ أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام ، فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، فوقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه (2) فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات ، الأزل (3) ومقامات الروع ، حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله . وقد رأيتك تساميه وأنت أنت . وهو هو المبرز السابق في كل خير ، أول الناس إسلاما ، وأصدق الناس نية ، وأطيب الناس ذرية ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابن عم . وأنت اللعين ابن
____________
( 1 ) العنت : المشقة .
( 2 ) الحرب العدو المحارب . والسلم : المسلم .
( 3 ) الأزل : الضيق والشدة .

( 119 )

اللعين . ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتخالفان فيه القبائل . على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والشاهد لعلي مع فضله المبين وسبقه القديم ، أنصاره الذين ذكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم ، من المهاجرين والأنصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يجالدون بأسيافهم ، ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعلي ، وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا ، وآخرهم به عهدا ، يخبره بسره ويشركه في أمره ؛ وأنت عدوه وابن عدوه ؟ ! فتمتع ما استطعت بباطلك ، وليمدد لك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى ، وكيدك قد وهي . وسوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا . واعلم أنك [ إنما ] تكايد ربك الذي قد أمنت كيده ، وأيست من روحه . وهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور ، وبالله وأهل رسوله عنك الغناء ، والسلام على من اتبع الهدى .
فكتب إليه معاوية :
بسم الله الرحمن الرحيم
من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر . سلام على أهل طاعة الله . أما بعد فقد أتاني كتابك ، تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه ، وما أصفى به نبيه (1) ، مع كلام ألفته ووضعته ، لرأيك فيه تضعيف ،
____________
( 1 ) أصفاه بالشيء : آثره به . وفي الكتاب : ( أفأصفاكم ربكم بالبنين ) وفي الأصل : « وما اصطفاه به نبيه » ، صوابه في ح ( 1 : 284 ) .