يدك أبايعك على ما أحببنا وكرهنا » . فكان أول العرب بايع عليها مالك ابن هبيرة .
وقال الزبرقان بن عبد الله السكوني :

معاوي أخدجت الخلافــــة بالتــي * شرطت فقد بوالـــك الملـــــك
مالك ببيعة فصل ليس فيهـــا غميزة * ألا كل ملك ضمــــه الشـرط هالك
وكان كبيــت العنكبــوت مذبذبــا * فأصبح محجوبــا عليـــه الأرائك
وأصبح لا يرجــــوه راج لعلــة * ولا تنتحي فيـــه الرجال الصعالـك
وما خير ملك يا معــاوي مخــدج * تجرع فيه الغيظ والوجـــه حالــك
إذا شاء ردته السكـــون وحميــر * وهمدان والحي الخفــاف السكاسـك

نصر : صالح بن صدقة ، عن ابن إسحاق ، عن خالد الخزاعي وغيره عمن لا يتهم (1) ، أن عثمان لما قتل وأتى معاوية كتاب علي بعزله عن الشام خرج حتى صعد المنبر ثم نادى في الناس أن يحضروا ، فحضروا المسجد فخطب الناس معاوية فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال :
« يا أهل الشام ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وخليفة عثمان وقتل مظلوما ، وقد تعلمون أني وليه (2) ، والله يقول في كتابه : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) : وأنا أحب أن تعلموني ما في أنفسكم من قتل عثمان » .
قال : فقام كعب بن مرة السلمي وفي المسجد يومئذ أربعمائة رجل
____________
( 1 ) ح ( 1 : 253 ) : « ممن لا يتهم » .
( 2 ) ح : « وخليفة عثمان وقد قتل وأنا ابن عمه ووليه » .

( 82 )

أو نحو ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ـ فقال :
« والله لقد قمت مقامي هذا وإني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله مني ، ولكني قد شهدت من رسول الله مشهدا لعل كثيرا منكم لم يشهده . وإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار في يوم شديد الحر فقال : « لتكونن فتنة حاضرة » . فمر رجل مقنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا المقنع يومئذ على الهدى قال : فقمت فأخذت بمنكبيه (1) وحسرت عن رأسه فإذا عثمان ، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله فقلت : هذا يارسول الله ؟ قال : « نعم » .
فأصفق أهل الشام على معاوية ، وبايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ، ثم الأمر شورى .
وفي حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال :
لما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام ، أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال :
« يا عمرو ، إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله ابن عمر ، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان ، وينال منه » . فقال : الرأي ما رأيت . فبعث إليه فأتى ، فقال له معاوية : يا ابن أخي ، إن لك اسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلم بكل فيك (2) فأنت المأمون المصدق ! فا [ صعد المنبر ، وا ] شتم عليا واشهد عليه أنه قتل عثمان . فقال : يا أمير المؤمنين (3) أما شتميه فإنه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن
____________
( 1 ) ح : « بمنكبه » .
( 2 ) ح ( 1 : 256 ) : « وانطق بملء فيك » .
( 3 ) ح : « أيها الأمير » .

( 83 )

هاشم ، فما عسى أن أقول في حسبه . وأما بأسه فهو الشجاع المطرق . وأما أيامه فما قدمت عرفت : ولكني ملزمه دم عثمان . فقال عمرو [ بن العاص ] : إذا والله قد نكأت القرحة (1) .
فلما خرج عبيد الله قال معاوية : أما والله لولا قتله الهرمزان ، ومخافة علي على نفسه (2) ما أتانا أبدا . ألم تر إلى تقريظه عليا ؟ ! فقال عمرو : « يا معاوية ، إن لم تغلب فاخلب " . فخرج حديث إلى عبيد الله ، فلما قام خطيبا تكلم بحاجته ، حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك [ ولم يقل شيئا ] ، فقال له معاوية (3) : ابن أخي (4) ، إنك بين عي أو خيانة ! فبعث إليه : » كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان ، وعرفت أن الناس محتملوها عني [ فتركتها ] « . فهجره معاوية ، واستخف بحقه ، وفسقه فقال عبيد الله :

معاوي لم أخرص بخطبة خاطب * ولم أك عيا في لؤى بن غالب (5)
ولكنني زاولت نفســــا أبية * على قذف شيخ بالعراقين غائب

____________
( 1 ) ح : « قد وأبيك إذن نكأت القرحة » .
( 2 ) ح : « ومخافته عليا على نفسه » .
( 3 ) ح : « فلما نزل بعث إليه معاوية » .
( 4 ) في الأصل : « ابن أخ » تحريف ، والمنادي إذا كان مضافا إلى مضاف إلى الياء فالياء ثابتة لا غير كقولك : « يا ابن أخي » و « يا ابن خالي » إلى إن كان « ابن أم » أو « ابن عم » ففيهما مذاهب .
( 5 ) لم أخرص : لم أكذب . وفي الأصل وح : « لم أحرص » تحريف .

( 84 )

وقذفي عليا بابن عفـــان جهــرة * يجدع بالشحنـــا أنوف الأقــارب (1)
فأما انتقافي أشهد اليــوم وثبـــة * فلست لكم فيها ابن حـرب بصاحـب (2)
ولكنه قــد قرب القــوم جهــده * ودبوا حواليه دبيـــب العقــارب (3)
فما قال أحسنتم ولا قـــد أسأتــم * وأطرق إطراق الشجــــاع المواثب
فأما ابن عفان فأشهــــد أنـــه * أصيـــب بريئا لابسا ثــوب تائب
حرام على آهالــه نتــف شعـره * فكيف وقــد جازوه ضربــة لازب (4)
وقد كان فيها للزبيـــر عجاجــة * وطلحة فيهـــا جاهد غيــر لاعب
وقد أظهرا من بعــد ذلــك توبــة * فياليت شعري مـــا هما في العواقـب

____________
( 1 ) الشحناء : البغض والعداوة ، وفي الأصل : « أجدع بالشحناء » : وفي ح : « كذاب وما طبعي سجايا المكاذب » ، وجه هذه « وما طبي » .
( 2 ) البيت لم يرو في ح ، وفي صدره تحريف .
( 3 ) ح : « ولكنه قد حزب القوم حوله » .
( 4 ) الآهال : جمع أهل ، وأنشد الجوهري : * وبلدة ما الجن من آهالها *

( 85 )

فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه وقربه وقال : « حسبي هذا منك » .
نصر ، عن عمر بن سعد عن أبي ورق ، أن ابن عمر بن مسلمة الأرحبي أعطاه كتابا في إمارة الحجاج بكتاب من معاوية إلى علي . قال : وإن أبا مسلم الخولاني (1) قدم إلى معاوية في أناس من قراء أهل الشام ، [ قبل مسير أمير المؤمنين عليه السلام إلى صفين ، ] فقالوا [ له ] : يا معاوية علام تقاتل عليا ، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ؟ قال لهم : ما أقاتل عليا وأنا أدعى أن لي في الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ، ولكن خبروني عنكم ، ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما ؟ قالوا : بلى . قال : فليدع إلينا (2) قتلته فنقتلهم به ، ولا قتال بيننا وبينه . قالوا : فاكتب [ إليه ] كتابا يأتيه [ به ] بعضنا . فكتب إلى علي هذا الكتاب مع أبي مسلم الخولاني ، فقدم به على علي ، ثم قام أبو مسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
« أما بعد فإنك قد قمت بأمر وتوليته (3) ، والله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك ، إن عثمان قتل مسلما محرما (4) مظلوما ، فادفع
____________
( 1 ) أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي هو عبد الله بن ثوب ، بضم المثلثة وفتح الواو ، وقيل بإشباع الواو ، وقيل ابن أثوب بوزن أحمر ، ويقال ابن عوف وابن مشكم ، ويقال اسمه يعقوب بن عوف ، وكان ممن رحل إلى النبي فلم يدركه ، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية . انظر تقريب التهذيب 612 والمعارف 194 . وفي الأصل : « الحولاني » بالمهملة ، صوابه بالخاء المعجمة ، كما في ح ( 3 : 407 ) نسبة إلى خولان ، بالفتح ، إحدى قبائل اليمن .
( 2 ) ح ( 3 : 407 ) : « فليدفع إلينا » .
( 3 ) ح : ( 3 : 408 ) : « وليته » .
( 4 ) محرما : أي له حرمة وذمة ، أو أراد أنهم قتلوه في آخر ذي الحجة ، وقال أبو عمرو : =

( 86 )

إلينا قتلته ، وأنت أميرنا ، فإن خالفك أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة ، وألسنتنا لك شاهدة ، وكنت ذا عذر وحجة » .
فقال له على : اغد على غدا ، فخذ جواب كتابك . فانصرف ثم رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه ، فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملؤوا المسجد وأخذوا ينادون : كلنا قتل ابن عفان [ وأكثروا من النداء بذلك ] ، وأذن لأبي مسلم فدخل على علي أمير المؤمنين فدفع إليه جواب كتابه معاوية ، فقال له أبو مسلم : قد رأيت قوما ما لك معهم أمر . قال : وما ذاك ؟ قال : بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا أنهم كلهم قتلة عثمان . فقال علي : « والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين ، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك » .
فخرج بالكتاب وهو يقول : الآن طاب الضراب .
وكان كتاب معاوية إلى علي عليه السلام (1) :
بسم الله الرحمن الرحيم
من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب . سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه ، وجعله الأمين على وحيه ، والرسول إلى خلقه ، واجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ،
____________
= أي صائما ، ويقال أراد لم يحل بنفسه شيئا يوقع به ، فهو محرم . وبكل هذه التأويلات فسر بيت الراعي ، الذي أنشده صاحب اللسان ( 15 : 13 ) : قتلوا ابن عفان الخليفة محرما * ودعا فلم أر مثله مقتولا وانظر خزانة الأدب ( 1 : 503 ـ 504 ) .
( 1 ) انظر هذا الكتاب أيضا في العقد ( 3 : 107 ) .

( 87 )

فكانوا في منار لهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام . فكان أفضلهم في إسلامه ، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده ، وخليفة خليفته ، والثالث الخليفة المظلوم عثمان ، فكلهم حسدت ، وعلى كلهم بغيت . عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وفي قولك الهجر ، وفي تنفسك الصعداء ، وفي إبطائك عن الخلفاء ، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش (1) حتى تبايع وأنت كاره . ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان ، وكان أحقهم ألا تفعل به ذلك في قرابته وصهره ، فقطعت رحمه ، وقبحت محاسنه ، وألبت الناس عليه ، وبطنت وظهرت ، حتى ضربت إليه آباط الإبل ، وقيدت إليه الخيل العراب ، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله ، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة (2) ، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل . فأقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا ، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه . وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين : إيواؤك قتلة عثمان ، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك (3) . وقد ذكر لي أنك تنصل من دمه ، فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به ، ونحن أسرع [ الناس ] إليك . وإلا فإنه فليس لك ولا لأصحابك إلا السيف . والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال ، والبر والبحر ، حتى يقتلهم الله ، أو لتلحقن أرواحنا بالله . والسلام .
____________
( 1 ) المخشوش : الذي جعل في عظم أنفه الخشاش ، وهو بالكسر ، عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده .
( 2 ) الهائعة : الصوت الشديد .
( 3 ) بطانة الرجل : خاصته وصاحب سره . وفي الأصل : « بطاشك » صوابه في ح .

( 88 )

فكتب إليه علي عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان . أما بعد فإن أخا خولان قدم على بكتاب منك تذكر فيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما أنعم الله عليه به من الهدى والوحي . والحمد لله الذي صدقه الوعد ، وتمم له النصر (1) ، ومكن له في البلاد ، وأظهره على أهل العداء (2) والشنآن ، من قومه الذين وثبوا به ، وشنفوا له (3) ، وأظهروا له التكذيب ، وبارزوه بالعداوة ، وظاهروا على إخراجه وعلى إخراج أصحابه [ وأهله ] ، وألبوا عليه العرب ، وجامعوهم على حربه ، وجهدوا في أمره كل الجهد ، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم كارهون . وكان أشد الناس عليه ألبة (4) أسرته والأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصمه الله (5) يا ابن هند . فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا ، ولقد قدمت فأفحشت ، إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفينا ، فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر ، أو كداعي مسدده إلى النضال (6) . وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ، فكانوا في منازلهم عنده عل قدر فضائلهم في الإسلام ،
____________
( 1 ) ح : « وأيده بالنصر » .
( 2 ) في الأصل : « العدى » تحريف . وفي ح : « العداوة » .
( 3 ) شنف له يشنف شنفا ، من باب تعب : أبغضه . وفي الحديث في إسلام أبي ذر : « فإنهم قد شنفوا له » ، أي أبغضوه .
( 4 ) الألبة : المرة من الألب ، وهو التحريض . والذي في ح : « تأليبا وتحريضا » .
( 5 ) الكلام بعد هذه إلى كلمة : « النضال » لم يرد في ح .
( 6 ) التسديد : التعليم . أي كمن يدعو من علمه النضال إلى النضال .

( 89 )

فكان أفضلهم ـ زعمت ـ في الإسلام ، وأنصحهم لله ورسوله الخليفة ، وخليفة الخليفة . ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم ، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد . رحمهما الله وجزاهما بأحسن الجزاء (1) . وذكرت أن عثمان كان في الفضل ثالثا (2) ، فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئا فسيلقي ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره . ولعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ورسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر . إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا ـ أهل البيت ـ أول من آمن به ، وصدق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرمة (3) وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبينا ، واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، وأمسكوا عنا العذب (4) ، وأحلسونا الخوف (5) ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقتلوه ويمثلوا به . فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم ، فعزم الله لنا على منعه ، والذب عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، والقيام
____________
( 1 ) ح : « وجزاهما أحسن ما عملا » .
( 2 ) ح : « تاليا » :
( 3 ) أي سنين كاملة . والمجرمة ، بتشديد الراء المفتوحة .
( 4 ) الميرة ، بالكسر : ما يجلب من الطعام . والعذب ، عنى به الماء العذب .
( 5 ) أي ألزموناه . انظر ح ( 3 : 304 ) . وفي الأصل : « وأحلسوا » صوابه في ح ( 3 : 303 ، 408 ) .

( 90 )

بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار (1) ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، وكافرنا يحامي به عن الأصل . فأما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء ، فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن . فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمر البأس ودعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف ، فقتل عبيدة (2) يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد لله من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة ، إلا أن آجالهم عجلت ، ومنيته أخرت . والله مولى الإحسان إليهم ، والمنان عليهم ، بما قد أسلفوا من الصالحات . فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربه ، ولا أصبر على اللأواء والضراء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هؤلاء النفر الذين سميت لك . وفي المهاجرين خير كثير نعرفه (3 ) ، جزاهم الله بأحسن أعمالهم . وذكرت (4) حسدي الخلفاء ، وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم . فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس ، لأن الله جل ذكره لما قبض نبيه
____________
( 1 ) في الأصل : « والليل والنهار » ، وأثبت ما في ح .
( 2 ) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف . وهو أول من عقدت له راية في الإسلام . انظر الإصابة 5367 . وقد تزوج الرسول الكريم زوجته زينب بنت خزيمة بعده . انظر المعارف 59 .
( 3 ) ح ( 3 : 409 ) : « خير كثير يعرف » .
( 4 ) في الأصل : « فذكرت » صوابه بالواو ، كما في ح .

( 91 )

صلى الله عليه وسلم قالت قريش : منا أمير ، وقالت الأنصار : منا أمير . فقالت قريش : منا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن أحق بذلك الأمر . فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان . فإذا استحقوها بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم دون الأنصار فإن أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أحق بها منهم . وإلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا . [ بل ] عرفت أن حقي هو المأخوذ ، وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم . وأما ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه ، وتأليبي عليه فإن عثمان عمل ما [ قد ] بلغك ، فصنع الناس [ به ] ما قد رأيت وقد علمت . إني كنت في عزلة عنه ، إلا أن تتجني ، فتجن ما بدا لك . وأما ما ذكرت من أمر قتله عثمان فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك . ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ، ولا يكلفونك أن تطلبهم في بر ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل . وقد كان أبوك أتاني حين ولي الناس أبا بكر فقال : أنت أحق بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر ، وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك . ابسط يدك أبايعك . فلم أفعل . وأنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك وأراده حتى كنت أنا الذي أبيت ؛ لقرب عهد الناس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام . فأبوك كان أعرف بحقي منك . فإن تعرف من حقي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك ، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك والسلام .
آخر الجزء الثاني من أصل عبد الوهاب



( 92 )

نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن إسماعيل بن يزيد ، والحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال :
لما أراد علي المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : « أما بعد فإنكم ميامين الرأي ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحق ، مباركو الفعل والأمر . وقد أردنا المسير إلى عدونا ، وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم » .
فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : « أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير ، هم لك ولأشياعك أعداء ، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء ، وهم مقاتلوك ومجاهدوك (1) لا يبقون (2) جهدا ، مشاحة على الدنيا ، وضنا بما في أيديهم منها . وليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان (3) . كذبوا ليسوا بدمه يثأرون (4) ولكن الدنيا يطلبون . فسر بنا إليهم (5) ، فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال . وإن أبو إلا الشقاق فذلك الظن بهم (6) . والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى ، و [ لا ] يسمع إذا أمر » .
نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد ابن أبي الكنود ، أن عمار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله ، وحمده وقال : يا أمير المؤمنين ، إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فا [ فعل . ا ] شخص بنا
____________
( 1 ) ح ( 1 : 278 ) : « ومجادلوك » لعل هذه : « ومجالدوك » .
( 2 ) ح : « لا يبغون » تحريف .
( 3 ) ح : « من طلب دم ابن عفان » .
( 4 ) ح : « ليسوا لدمه ينفرون » .
( 5 ) ح : « انهض بنا إليهم » .
( 6 ) ح : « فذاك ظني بهم » .

( 93 )

قبل استعار نار الفجرة ، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة ، وادعهم إلى رشدهم وحظهم . فإن قبلوا سعدوا ، وإن أبوا إلا حربنا فوالله إن سفك دمائهم ، والجد في جهادهم ، لقربة عند الله ، وهو كرامة منه " .
وفي هذا الحديث : ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " يا أمير المؤمنين ، انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرد (1) ، فوالله لجهادهم أحب إلى من جهاد الترك والروم ؛ لإدهانهم في دين الله (2 ) ، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ، من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان . إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه (3) . وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ، ونحن لهم ـ فيما يزعمون ـ قطعين (4) . قال : يعني رقيق .
فقال أشياخ الأنصار ، منهم خزيمة بن ثابت ، وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما : لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام ؟ فقال : أما إني عارف بفضلكم ، معظم لشأنكم ، ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب .
فقال بعضهم لبعض : ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم . فقالوا : قم يا سهل بن حنيف . فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، نحن سلم لمن سالمت ، وحرب لمن حاربت ، ورأينا رأيك ونحن كف يمينك . وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة ، فتأمرهم بالشخوص ، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل ؛ فإنهم هم أهل البلد
____________

( 1 ) الانكماش : الإسراع والجد . والتعريد : الفرار والإحجام والانهزام . ح : « ولا تعرج » .
( 2 ) الإدهان : الغش والمصانعة . وفي التنزيل العزيز : « ودوا لو تدهن فيدهنون » .
( 3 ) في اللسان : « سيره من بلده : أخرجه وأجلاه » .
( 4 ) القطين : الخدم والأتباع والحشم والمماليك .

( 94 )

وهم الناس . فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب . وأما نحن فليس عليك منا خلاف ، متى دعوتنا أجبناك ، ومتى أمرتنا أطعناك » .
نصر : عمر بن سعد ، عن أبي مخنف ، عن زكريا بن الحارث ، عن أبي حشيش (1) ، عن معبد قال : قام علي خطيبا على منبره ، فكنت تحت المنبر حين حرض الناس وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام . فبدأ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
« سيروا إلى أعداء [ الله . سيروا إلى أعداء ] السنن والقرآن ، سيروا إلى بقية الأحزاب ، قتلة المهاجرين والأنصار » .
فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال : أتريد أن تسيرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك ، كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم . كلا ، ها الله إذا لا نفعل ذلك (2) . فقام الأشتر فقال : من لهذا إيها الناس (3) ؟ وهرب الفزاري واشتد الناس على أثره ، فلحق بمكان من السوق تباع فيه البراذين ، فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم (4) حتى قتل ، فأتى علي فقيل : يا أمير المؤمنين ، قتل الرجل . قال : ومن قتله ؟ قالوا : قتلته همدان وفيهم شوبة من الناس (5) . فقال : قتيل عمية لا يدري
____________
( 1 ) ح ( 1 : 279 ) : « أبي خشيش » .
( 2 ) ها التنبيه ، قد يقسم بها ، كما هنا . قال ابن منظور : « إن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء ، وإن شئت أثبت » .
( 3 ) ح : « من هذا المأزق » .
( 4 ) نعل السيف : ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة .
( 5 ) ح : « ومعهم شوب من الناس » .

( 95 )

من قتله (1) ، ديته من بيت مال المسلمين . وقال علاقة التيمي (2) :

أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البراذين أربد
تعاوره همدان خفق نعالهم * إذا رفعت عنه يد وضعت يد

قال : وقام الأشتر فحمد الله وأثنى عليه فقال : « يا أمير المؤمنين ، لا يهدنك ما رأيت ، ولا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن . جميع من ترى من الناس شيعتك ، وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ، ولا يحبون بقاء بعدك . فإن شئت فسر بنا إلى عدوك . والله ما ينجو من الموت من خافه ، ولا يعطى البقاء من أحبه ، وما يعيش بالآمال إلا شقى . وإنا لعلى بينة من ربنا أن نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها ، فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين ، وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين [ بالأمس ] فأسخطوا الله ، وأظلمت بأعمالهم الأرض ، وباعوا خلاقهم (3) بعرض من الدنيا يسير » .
فقال علي عليه السلام : « الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء ، ومن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى وقد قضى ما عليه » . ثم نزل فدخل منزله .
نصر : عمر بن سعد قال : حدثني أبو زهير العبسي ، عن النضر بن صالح ، أن عبد الله بن المعتم العبسي ، وحنظلة بن الربيع التميمي ، لما أمر علي عليه السلام الناس بالمسير إلى الشام ، دخلا في رجال كثير من غطفان وبني تميم على
____________
( 1 ) العمية ، بكسر العين وتشديد الميم المكسورة والياء المفتوحة المشددة ، ويقال أيضا « عميا » بوزنه مع القصر ، أي ميتة فتنة وجهالة .
( 2 ) بدلها في ح : « فقال بعض بني تيم اللات بن ثعلبة » .
( 3 ) الخلاق ، بالفتح : الحظ والنصيب من الخير .

( 96 )

أمير المؤمنين ، فقال له التميمي : " يا أمير المؤمنين ، إنا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منا ، ورأينا لك رأيا فلا ترده علينا ، فإنا نظرنا لك ولمن معك . أقم وكاتب هذا الرجل ، ولا تعجل إلى قتال أهل الشام ، فإني والله ما أدري ولا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة ، وعلى من تكون الدبرة " .
وقام ابن المعتم فتكلم ، وتكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل ما تكلم به ، فحمد على الله وأثنى عليه ، وقال :
" أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد ، ورب السموات السبع والأرضين السبع ، وإليه ترجعون . يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء . أما الدبرة فإنها على [ الضالين ] العاصين ، ظفروا أو ظفر بهم . وايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفوا معروفا ، ولا ينكروا منكرا " .
فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي فقال :
" يا أمير المؤمنين ، إن هؤلاء والله ما أتوك بنصح ، ولا دخلوا عليك إلا بغش ، فاحذرهم فإنهم أدنى العدو " .
فقال له مالك بن حبيب : يا أمير المؤمنين ، إنه بلغني أن حنظلة هذا يكاتب معاوية ، فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك ثم تنصرف .
وقام إلى علي عياش بن ربيعة ، وقائد بن بكير العبسيان ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية ، فأحبسه أو أمكنا منه نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف . فأخذا يقولان : هذا جزاء من نظر لكم (1) وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوكم . فقال
____________
( 1 ) في الأصل : « من نصركم » صوابه من ح ( 1 : 280 ) .
( 97 )

لهما علي : " الله بيني وبينكم ، وإليه أكلكم ، وبه أستظهر عليكم . اذهبوا حيث شئتم " . ثم بعث علي إلى حنظلة بن الربيع ، المعروف بحنظلة الكاتب (1) ، وهو من الصحابة ، فقال : يا حنظلة ، أعلي أم لي ؟ قال : لا عليك ولا لك . قال : فما تريد ؟ قال : اشخص إلى الرها (2) ، فإنه فرج من الفروج ، اصمد له حتى ينقضى هذا الأمر . فغضب من ذلك خيار بني عمرو بن تميم ـ وهم رهطه ـ فقال : إنكم والله لا تغروني من ديني . دعوني فأنا أعلم منكم . فقالوا : والله لئن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك ـ لأم ولده ـ ولا ولدها . ولئن أردت ذلك لنقتلنك . فأعانه ناس من قومه فاخترطوا سيوفهم ، فقال : أجلوني [ حتى ] أنظر . فدخل منزله وأغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية ، وخرج من بعده إليه من قومه رجال كثير ، ولحق ابن المعتم أيضا حتى أتى معاوية ، وخرج معه أحد عشر رجلا من قومه . وأما حنظلة فخرج بثلاثة وعشرين رجلا من قومه ، ولكنهما لم يقاتلا مع معاوية واعتزلا الفريقين جميعا ، فقال حنظلة حين خرج إلى معاوية :

يسل غواة عند بابي سيوفها * ونادى مناد في الهجيم لأقبلا
سأترككم عودا لأصعب فرقة * إذا قلتم كلا يقول لكم بلى

قال : فلما هرب حنظلة أمر علي بداره فهدمت ، هدمها عريفهم بكر بن تميم ، وشبث بن ربعي ، فقال في ذلك :
____________
( 1 ) هو حنظلة بن الربيع ـ ويقال ابن ربيعة ـ بن صيفي ، ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب . وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مرة كتابا فسمى بذلك « الكاتب » . وكانت الكتابة قليلة في العرب . وكان ممن تخف عن علي عليه السلام يوم الجمل . وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : « لليهود يوم وللنصارى يوم ، فلو كان لنا يوم » فنزلت سورة الجمعة . انظر الإسابة 1855 والمعارف 130 .
( 2 ) الرها ، بضم أوله والمد والقصر : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام

( 98 )

أيا راكبا إما عرضــت فبلغـــن * مغلغلة عني سراة بنــي عمــرو
فأوصيكم بالله والبــر والتقـــي * ولا تنظروا في النائبات إلى بكــر
ولا شبث ذي المنخريـن كأنـــه * أزب جمال في ملاحيــــة صفر (1)

وقال أيضا يحرض معاوية بن أبي سفيان :
أبلغ معاوية بن حــرب خطــة * ولكل سائلة تسيــل قــــرار
انقبلن دنيـــــة تعطونهـــا * في الأمر حتـــى تقتل الأنصار
وكما تبوء دماؤهــم بدمائكــم * وكما تهدم بالديــــار ديــار (2)
وترى نساؤهم يجلــن حواسـرا * ولهن من علق الدمــاء خـوار (3)

نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن أبي المجاهد ، عن المحل ابن خليفة قال : قام عدي بن حاتم الطائي [ بين يدي علي عليه السلام ] فحمد الله بما هو أهله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، ما قلت إلا بعلم ، ولا دعوت إلا إلى حق ، ولا أمرت إلا برشد . فإن رأيت (4) أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم حتى تأتيهم كتبك ، ويقدم عليهم ررسلك ـ فعلت .
____________
( 1 ) الأزب من الإبل : الكثير شعر الوجه والعثنون . والملاحي ، بضم الميم وتخفيف اللام ، هو من الأراك ما فيه بياض وشهبة وحمرة . وفي ح : « قد غار ليلة النفر » ، وفي هامش الأصل : « قد دعا ليلة النفر » إشارة إلى أنه كذلك في نسخة أخرى . صواب هذين : « قد رغا » .
( 2 ) في الأصل : وتجر قتلاهم بقتلى حروب * وكما يقدم بالديار ديار وأثبت ما في ح ( 1 : 280 ) . وكتب في حاشية الأصل : « وكما تبوء دماؤهم بدمائكم » إشارة إلى أن صدره كذلك في نسخة أخر .
( 3 ) أصل الخوار صوت البقر والغنم والظباء . وفي ح : « من ثكل الرجال خوار » .
( 4 ) ح : ( 1 : 280 ) : « ولكن إذا رأيت » .

( 99 )

فإن يقبلوا يصيبوا ويرشدوا (1) ، والعافية أوسع لنا ولهم . وإن يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا عن الغي فسر إليهم . وقد قدمنا إليهم العذر (2) ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق ، فوالله لهم من الله أبعد ، وعلى الله أهون ، من قوم قاتلناهم بناحية البصرة أمس ، لما أجهد لهم الحق (3) فتركوه ، ناوخناهم براكاء (4) القتال حتى بلغنا منهم ما نحب ، وبلغ الله منهم رضاه فيما يرى » .
فقام زيد بن حصين الطائي ـ وكان من أصحاب البرانس (5) المجتهدين فقال : الحمد لله حتى يرضى ، ولا إله إلا الله ربنا ، ومحمد رسول الله نبينا . إما بعد فوالله لئن كنا في شك من قتال من خالفنا ، لا يصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم ونستأنيهم . ما الأعمال إلا في تباب ، ولا السعي إلا في ضلال . والله يقول : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) . إنا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه (6) ، فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم ، القليل في الإسلام حظهم ، أعوان الظلم ومسددي أساس الجور والعدوان (7) . ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ، ولا التابعين بإحسان .
____________
( 1 ) ح : « يصيبوا رشدهم » .
( 2 ) ح : « بالعذر » .
( 3 ) في اللسان : « أجهد لك الطريق وأجهد لك الحق : برز وظهر ووضح » . وفي الأصل « أجهدنا » والفعل لازم كما رأيت . كما رأيت . وفي ح : « لما دعوناهم إلى الحق » .
( 4 ) البراكاء ، بضم الراء وفتحها : الابتراك في الحرب ، وهو أن يجثو القوم على ركبهم . والمناوخة : مفاعله من النوخ ، وهو البروك . وفي الأصل : « ناوحناهم » بالمهملة ، صوابه في ح .
( 5 ) البرنس ، بالضم : قلنسوة طويلة ، أو كل ثوب رأسه منه .
( 6 ) ح : « فيمن يتبعونه » .
( 7 ) ح : « وأصحاب الجور والعدوان » .

( 100 )

فقام رجل من طيئ فقال : يا زيد بن حصين ، أكلام سيدنا عدي بن حاتم تهجن ؟ قال : فقال زيد : ما أنتم بأعرف بحق عدي مني ، ولكني لا أدع القول بالحق وإن سخط الناس . قال : فقال عدي بن حاتم : الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء . فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه (1) .
نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة (2) قال : دخل أبو زبيب (3) بن عوف على علي فقال : « يا أمير المؤمنين ، لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا ، وأعظمنا في الخير نصيبا ، ولئن كنا في ضلالة إنك لأثقلنا ظهرا وأعظمنا وزرا : أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية ، وأظهرنا لهم العداوة ، نريد بذلك ما يعلم الله [ من طاعتك ] ، وفي أنفسنا من ذلك ما فيها . أليس الذي نحن عليه الحق المبين ، والذي عليه عدونا الغي والحوب الكبير ؟ » .
فقال علي : « [ بلى ] ، شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا ، صحيح النية في نصرتنا ، قد قطعت منهم الولاية ، وأظهرت لهم العداوة كما زعمت ، فإنك ولي الله تسيح (4) في رضوانه ، وتركض في طاعته : فأبشر أبا زبيب » .
____________
( 1 ) ما بعد : « سخط الناس » ساقط من ح ، فهو إما دخيل على النسخة ، أو تمثل من عدي بقول علي عليه السلام ، الذي سبق في ص 95 .
( 2 ) سبقت ترجمته في ص 3 . وفي الأصل : « حضيرة » بالضاد المعجمة ، تحريف . وفي هامش الأصل « خ : حصين » إشارة إلى أنه « حصين » في نسخة أخرى . وهذه الأخيرة توافق ما ورد في ح ( 1 : 280 ) . وليس بشيء .
( 3 ) ح : « أبو زينب » في جميع المواضع .
( 4 ) ح : « تسبح » من السباحة .