يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب ؟ فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا . فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلمت عليه ، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا ؟ فقلت : يا ابن رسول الله . لا معك ولا عليك . تركت أهلي وولدي (1) أخاف عليهم من ابن زياد . فقال الحسين : فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا (2) إلا أدخله الله النار . قال : فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله (3) .
نصر : مصعب بن سلام قال : حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب . فسأله وأنا أسمع فقال : حديث حدثتنيه (4) عن علي بن أبي طالب . قال : نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى علي . فأتيته بكربلاء : فوجدته يشير بيده ويقول : هاهنا هاهنا . فقال له رجل : وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم . فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام
____________
( 1 ) ح : « ولدي وعيالي » .
( 2 ) ح : « ثم لا يعيننا » .
( 3 ) ح : « مقتلهم » .
( 4 ) في الأصل : « حدثنيه » محرف . وفي ح : « حدثتناه » .

( 142 )

يا أمير المؤمنين ؟ قال : ويل لهم منكم : تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم إلى النار .
وقد روى هذا الكلام على وجه آخر : أنه عليه السلام قال : فويل [ لكم منهم ، وويل ] لكم عليهم . قال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفت (1) : وويل لنا عليهم ما هو ؟ قال : ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم .
نصر : سعيد بن حكيم العبسي : عن الحسن بن كثير عن أبيه : أن عليا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء . قال : ذات كرب وبلاء . ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم .
ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهر سير ، وإذا رجل من أصحابه يقال له حر (2) بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك (3) ، ينظر إلى آثار كسرى ، وهو يتمثل قول ابن يعفر التميمي (4) :

جرت الرياح على مكان ديارهم * فكأنما كانوا على ميعاد

____________
( 1 ) ح : « عرفناه » .
( 2 ) في الأصل : « حريز » وأثبت ما في ح ( 1 : 288 ) .
( 3 ) ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم . انظر 133 ونهاية الأرب ( 2 : 344 ) .
( 4 ) هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم . شاعر جاهلي مقدم ، كان ينادم النعمان بن المنذر . والبيت من قصيدة له في المفضليات ( 2 : 15 ـ 20 طبع المعارف ) . وفي الأصل : « ابن يعقوب التميمي » والصواب ما أثبت . وفي ح : « بقول الأسود بن يعفر » .

( 143 )

فقال علي : أفلا قلت : « كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين . كذلك وأورثناها قوما آخرين . فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين » . إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ، إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية . إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم . ثم قال : انزلوا بهذه النجوة (1) .
نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الأعور ، عن حبة العرني (2) ( رجل من عرينة ) قال : أمر علي بن أبي طالب الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن : من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر . فوافره في تلك الساعة ، فحمد الله وأثنى عليه وقال :
أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم ، وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها ، والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ، ولا منكرا تنهون عنه . قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا كنا ننتظر أمرك ورأيك ، مرنا بما أحببت . فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم ، فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة ، وخلف ابنه يزيد فلحقه في أربعمائة رجل منهم ، ثم لحق عليا ، وجاء علي حتى مر بالأنبار ، فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها .
____________
( 1 ) النجوة : المكان المرتفع . ح : « الفجوة » . والفجوة : ما اتسع من الأرض ، وقيل ما اتسع منها وانخفض .
( 2 ) هو حبة ، بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة ، بن جوين بجيم مصغر ، العرني ، أبو قدامة الكوفي ، كان غاليا في التشيع . قال في تقريب التهذيب : « أخطأ من زعم أن له صحبة » . ح : « حية » بالياء ، تحريف .

( 144 )

قال سليمان (1) : « خش : طيب . نوشك : راض . يعني بني الطيب الراضي ، بالفارسية » .
فلما استقبلوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال : ما هذه الدواب التي معكم ؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم ؟ قالوا : أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء . وأما هذه البراذين فهدية لك . وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما ، وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا . قال : أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما ينفع هذا الأمراء ، وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم ، فلا تعودوا له . وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم . وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن . قالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نقومه ثم نقبل ثمنه . قال : إذا لا تقومونه قيمته ، نحن نكتفي بما دونه . قالوا : يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف ، فتمنعنا أن نهدى لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا ؟ قال : كل العرب لكم موال ، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم . وإن غصبكم أحد فأعلمونا . قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا . قال لهم : ويحكم ، نحن أغنى منكم . فتركهم ثم سار .
نصر : عبد العزيز بن سياه (2) ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال أبو سعيد
____________
( 1 ) هو أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي ، أحد رواة هذا الكتاب .
( 2 ) عبد العزيز بن سياه ، بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة ، الأسدي الكوفي . صدوق يتشيع من كبار أتباع التابعين . انظر تهذيب التهذيب والتقريب . وفي ح ( 1 : 288 ) : « بن سباع » تحريف .

( 145 )

التيمي ، المعروف بعقيصا (1) ، قال : كنا مع علي في مسيره إلى الشام ، حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد ـ قال : ـ عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا على حي أتى بنا (2) على صخرة ضرس من الأرض (3) ، كأنها ربضة عنز (4) ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء ، فشرب الناس منه وارتووا . قال : ثم أمرنا فأكفأناها عليه . قال : وسار الناس حتى إذا مضينا قليلا قال علي : منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين . قال : فانطلقوا إليه . قال : فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة ، فاقتصصنا الطريق [ إليه ] حتى انتهينا إلي المكان الذي نرى أنه فيه . قال : فطلبناها (5) فلم نقدر على شيء ، حثى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم : أين الماء الذي هو عندكم ؟ قالوا : ما قربنا ماء . قالوا : بلى ، إنا شربنا منه . قالوا : أنتم شربتم منه ؟ قلنا : نعم : قال [ صاحب الدير ] : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء (6) ، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي .
ثم رجع إلى الحديث . قال ثم مضى أمير المؤمنين حتى نزل بأرض
____________
( 1 ) في القاموس : « وعقيصى مقصورا : لقب أبي سعيد التيمي التابعي » . وفي منتهى المقال 132 : « دينار ، يكنى أبا سعيد ، ولقبه عقيصا ، وإنما لقب بذلك لشعر قاله » فجعل اسمه « دينارا » . في الأصل : « التميمي » تحريف . وفي ح : « حدثنا سعيد التيمي المعروف يعقيصاء » ، نقص وتحريف .
( 2 ) في الأصل : « أتانا » وفي ح : « أتى » فقط .
( 3 ) الضرس ، بالكسر : الأرض الخشنة .
( 4 ) ربضة العنز ، بالضم : أي جثتها إذا بركت . وروى في الحديث : « كربضة العنز » بكسر الراء . اللسان ( 9 : 13 ) .
( 5 ) أي الصخرة . وفي ح : « فطلبناه » ، أي الماء .
( 6 ) في الأصل : « لذلك الماء » ، وأثبت ما في ح .

( 146 )

الجزيرة ، فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة (1) . قال : قال علي ليزيد ابن قيس لأرحبي : يا يزيد بن قيس . قال : لبيك يا أمير المؤمنين . قال : هؤلاء قومك ، من طعامهم فاطعم ، ومن شرابهم فاشرب .
نصر : عمر بن سعد ، عن الكلبي ، عن الأصبغ بن نباتة ، أن رجلا سأل عليا بالمدائن عن وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فدعا بمخضب من برام (2) قد نصفه الماء (3) . قال علي : من السائل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقام الرجل ، فتوضأ علي ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه واحدة ، وقال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ .
ثم رجع إلى الحديث الأول ، حديث يزيد بن قيس الأرحبي . ثم قال : والله إني لشاهد إذ أتاه وفد بني تغلب فصالحوه على أن يقرهم على دينهم ، ولا يضعوا أبناءهم في النصرانية . قال : وقد بلغني أنهم قد تركوا ذلك ، وايم الله لئن ظهرت عليهم لأقتلن مقاتلتهم ، ولأسبين ذراريهم . فلما دخل بلادهم استقبلته مسلمة لهم كثيرة ، فسر بما رأى من ذلك ، وثناه عن رأيه . ثم سار أمير المؤمنين حتى أتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها ، وكان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية ، وقد كان فارق عليا في نحو من مائة رجل من بني أسد ، ثم أخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل .
____________
( 1 ) ح : « ابن قاسط بن محرز » تحريف . وهو النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان .
( 2 ) المخضب ، بالكسر : شبه الإجانة يغسل فيها الثياب ، والمركن . والبرام : جمع برمة ، بالضم ، وهي قدر من حجارة .
( 3 ) نصفه الماء : بلغ نصفه . وفي الأصل : « قدر نصفه الماء » . محرف . وهذا الخبر لم يرد في مظنه من ح .

( 147 )

نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الملائي (1) عن حبة (2) عن علي قال : لما نزل علي الرقة [ نزل ] بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات ، فنزل راهب [ هناك ] من صومعته فقال لعلي : إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه [ أصحاب ] عيسى بن مريم ، أعرضه عليك . قال علي : نعم فما هو ؟ قال الراهب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الذي قضى فيما قضى ، وسطر فيما سطر ، أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلهم على سبيل الله ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح (3) ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز ، وفي كل صعود وهبوط (4) ، تذل ألسنتهم (5) بالتهليل والتكبير [ والتسبيح ] ، وينصره الله على كل من ناواه ، فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت ، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات ، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، ويقضي بالحق ، ولا يرتشي في الحكم (6) . الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت [ به ] الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء
____________
( 1 ) هو مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد ، أبو عبد الله الكوفي . انظر تهذيب التهذيب والتقريب .
( 2 ) سبقت ترجمته في ص 143 .
( 3 ) ح ( 1 : 289 ) : « بل يعفو ويصفح » .
( 4 ) النشز ، بالفتح والتحريك : المتن المرتفع من الأرض . والصعود والهبوط ، بفتح أولهما : ما ارتفع وما انخفض من الأرض .
( 5 ) يذل ، من الذل ، بالكسر والضم ، وهو اللين .
( 6 ) ح : « ولا يركس الحكم » . والركس : رد الشيء مقلوبا .

( 148 )

على الظماء (1) ، يخاف الله في السر ، وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم . من أدرك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ؛ فإن القتل معه شهادة " . [ ثم قال له ] : فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك . قال : فبكي علي ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا (2) ، الحمد لله الذي ذكرني في كتب الأبرار . ومضى الراهب معه ، وكان ـ فيما ذكروا ـ يتغدى مع علي ويتعشى حتى أصيب يوم صفين ، فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي : اطلبوه . فلما وجدوه صلى عليه ودفنه ، وقال : هذا منا أهل البيت . واستغفر له مرارا .
نصر : عمر عن رجل ـ وهو أبو مخنف ـ عن نمير بن وعلة ، عن أبي الوداك (3) أن عليا بعث من المدائن معقل بن قيس [ الرياحي ] في ثلاثة آلاف رجل ، وقال له : « خذ على الموصل ، ثم نصيبين ، ثم القني بالرقة ؛ فإني موافيها ، وسكن الناس وأمنهم ، ولا تقاتل إلا من قاتلك ، وسر البردين (4) ، وغور بالناس (5) ، وأقم الليل ، ورفه في السير ، ولا تسر في
____________
( 1 ) الظمء ، بالفتح ، والظمأ ، بالتحريك ، والظماء والظماءة ، كسحاب وسحابة : العطش : ح : « الظمآن »
( 2 ) ح : « الذي لم أكن عنده منسيا » .
( 3 ) هو جبر بن نوف ـ بفتح النون وآخره فاء ـ الهمداني ـ بسكون الميم ـ البكالي ـ بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف ـ أبو الوداك ـ بفتح الواو وتشديد الدال . انظر تهذيب التهذيب والتقريب .
( 4 ) البردان : الصبح والعصر ، كالأبردين . انظر جي الجنتين 26 .
( 5 ) التغوير : النزول في القائلة نصف النهار . يقال « غوروا بنا فقد أرمضتمونا » أي انزلوا بنا وقت الهاجرة حتى تبرد .

( 149 )

الليل (1) فإن الله جعله سكنا ، أرح فيك بدنك وجندك وظهرك . فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر (2) فسر » . فخرج حتى أتى الحديثة ، وهي إذ ذاك منزل الناس ـ إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان ـ فإذا هم بكبشين ينتطحان ، ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة (3) قتل بعد ذلك مع الحرورية (4) ، فأخذ يقول : إيه إيه . فقال معقل : ما تقول : قال : فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا ثم انصرفا ، فقال الخثعمي لمعقل : لا تغلبون ولا تغلبون . قال له : من أين علمت ذلك ؟ قال : أما أبصرت الكبشين ، أحدهما مشرق والآخر مغرب ، التقيا فاقتتلا وانتطحا ، فلم يزل كل واحد منهما من صاحبه منتصفا حي أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به . فقال له معقل : أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم ؟ ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة .
نصر : عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي الوداك ، أن طائفة من أصحاب علي قالوا له : اكتب إلى معاوية وإلى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك ، وتأمرهم بترك ما هم فيه من الخطأ (5) ؛ فإن الحجة لن تزداد عليهم بذلك إلا عظما . فكتب إليهم :
____________
( 1 ) ح ( 1 : 290 ) : « اول الليل » .
( 2 ) انبطح الفجر : ذهب هاهنا وهاهنا . وإنما سمي بطن المسيل أبطح لأن الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا وشمالا . ح : « ينبلج الفجر » .
( 3 ) ح : « شرار بن شداد بن أبي ربيعة » .
( 4 ) هنا ضبط ياقوت . وضبط في اللسان والقاموس والوفيات ( 1 : 224 ) بفتح أوله وضم ثانيه .
( 5 ) في الأصل : « وتأمرهم بما لهم فيه من الخطأ » .

( 150 )

بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية وإلى من قبله من قريش سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل ، وعرفوا التأويل ، وفقهوا في الدين ، وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم ، وأنتم في ذلك الزمان أعداء لرسول الله صلى الله عليه ، تكذبون بالكتاب ، مجمعون على حرب المسلمين ، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه ، حتى أراد الله إعزاز دينه وإظهار رسوله (1) ، ودخلت العرب في دينه أفواجا ، وأسلمت [ له ] هذه الأمة طوعا وكرها ، وكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة ، على حين فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم . فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين ولا فضائلهم في الإسلام ، أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله وأولى به ، فيحوب بظلم (2) . ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره ، ولا أن يعدو طوره ، ولا أن يشقي نفسه بالتماس ما ليس له . ثم إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا ، أقربها من رسول الله صلى الله عليه ، وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين ، وأولها إسلاما وأفضلها جهادا وأشدها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا . فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ، ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) . واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون (3) ، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ؛ فإن للعالم بعلمه فضلا ، وإن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا . ألا
____________

( 1 ) ح : « وإظهار أمره » .
( 2 ) حاب يحوب حوبا : أثم .
( 3 ) في الأصل : « بما يعطون » ، صوابه في ح .

( 151 )

0 وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه ، وحقن دماء هذه الأمة . فإن قبلتم أصبتم رشدكم ، وأهتديتم لحظكم . وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة فلن (1) تزدادوا من الله إلا بعدا ، ولن يزداد الرب عليكم إلا سخطا . والسلام .
فكتب إليه معاوية :
" أما بعد فإنه :
ليس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب "

فقال علي : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) .
نصر : عمر ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث أن عليا قال لأهل الرقة : اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام . فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم ، فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج ، وخلف عليه الأشتر ، فناداهم فقال : يا أهل هذا الحصن ، إني أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ، ولأقتلن مقاتلتكم ، ولأخربن أرضكم ، ولآخذن أموالكم . فلقى بعضهم بعضا فقالوا : إن الأشتر يفي بما يقول (2) ، وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر (3) . فبعثوا إليه : إنا ناصبون لكم جسرا
____________

( 1 ) في الأصل : « لن » والصواب دخول الفاء . وفي ح : « لم » . وهذه لا تطلب الفاء .
( 2 ) ح : « بما حلف عليه » .
( 3 ) ح : « وإنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر » .

( 152 )

فأقبلوا . فأرسل الأشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر ، فعبر الأثقال والرجال (1) ، ثم أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس ، حتى لم يبق أحد من الناس إلا عبر ؛ ثم إنه عبر آخر الناس رجلا .
وذكر الحجاج أن الخيل ازدحمت حين عبرت ، وزحم بعضها بعضا وهي تعبر ، فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين (2) فنزل فأخذها وركب ، وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب ، فقال لصاحبه :

إن يك ظن الزاجري الطير صادقا * كما زعموا أقتل وشيكا وتقتل (3)

قال عبد الله بن أبي الحصين : ما شيء أوتاه هو أحب إلى مما ذكرت . فقتلا جميعا يوم صفين .
وقال خالد بن قطن : فلما قطع علي الفرات دعا زياد بن النضر ، وشريح بن هانئ ، فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة ، في اثني عشر ألفا . وقد كانا حين سرحهما من الكوفة [ مقدمة له ] أخذا على شاطئ الفرات ، من قبل البر مما يلي الكوفة ، حتى بلغا عانات ، فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة ، وبلغهما أن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا : لا والله ما هذا لنا برأي : أن
____________
( 1 ) في الأصل : « فعبر على الأثقال والرحال » بالحاء وبزيادة « علي » ، وأثبت صوابه من ح ( 1 : 290 ) . وفي الطبري ( 5 : 237 ) : « فعبر عليه بالأثقال والرحال » .
( 2 ) في الأصل : « عبد الرحمن بن أبي الحصين » في هذا الموضع وتاليه ، وصوابه في ح والطبري .
( 3 ) رسم في الأصل بصورة النثر ؟ وبلفظ : « الزاجر » و « يزعمون » ، صوابه في الطبري .

(153 )

نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر : ما لنا خير أن نلقى جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد والمدد . فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات ، وحبسوا عندهم السفن (1 ) ، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ثم لحقوا عليا بقرية دون قرقيسيا وقد أرادوا أهل عانات فتحصنوا منهم ، فلما لحقت المقدمة عليا قال : مقدمتي تأتى [ من ] ورائي ؟ فتقدم إليه زياد وشريح فأخبراه [ بالرأي ] الذي رأيا ، فقال : قد أصبتما رشدكما . فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية ، فلما انتهوا إلى معاوية لقيهم أبو الأعور [ السلمى ] في جند أهل الشام ، فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين فأبوا ، فبعثوا إلى علي : إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه (2) وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا ، فمرنا بأمرك . فأرسل علي إلى الأشتر فقال :
" يا مال ، إن زيادا وشريحا أرسلا إلى يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين (3) . فالنجاء إلى أصحابك النجاء . فإذا أتيتهم فأنت عليهم ، وإياك أن تبدأ القوم بقتال ، إلا أن يبدءوك ، حتى تلقاهم وتسمع منهم ، ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم (4) قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة . واجعل على ميمنتك زيادا ، وعلى ميسرتك شريحا ، وقف بين أصحابك وسطا ، ولا تدن
____________
( 1 ) ح ( 1 : 291 ) : « عنهم السفن » .
( 2 ) في الأصل : « فدعوناهم » صوابه من ح .
( 3 ) متواقفين : وقف بعضهم أمام بعض في الحرب .
( 4 ) أي لا يحملنك بغضهم على قتالهم .

(154 )

منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس ، حتى أقدم عليك (1) ، فإني حثيث السير إليك إن شاء الله » .
وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي (2) .
وكتب إليهما :
« أما بعد ، فإني قد أمرت عليكما مالكا ، فاسمعا له وأطيعا أمره ؛ فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (3) ، ولا بطؤه عن ما الإسراع إليه أحزم ، ولا الإسراع إلى ما البطء عنه أمثل . وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما : ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم (4) [ إن شاء الله ] » . فخرج الأشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي ، وكف عن القتال . فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا [ له ] واضطربوا ساعة . ثم إن أهل الشام انصرفوا ، ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها ، وخرج إلهيم أبو الأعور السلمي ، فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل على الخيل (5) ، والرجال على الرجال ، فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا . وبكر عليهم الأشتر فقتل منهم (6) عبد الله بن المنذر
____________
( 1 ) في الأصل : « إليك » وأثبت ما في ح .
( 2 ) ذكره في لسان الميزان ( 2 : 149 ) بدون نسبته ، وقال : « ذكره الطوسي في رجال الشيعة » . وقد ضبط في تاريخ الطبري ( 5 : 238 ) بضم الجيم .
( 3 ) الرهق : الجهل وخفة العقل ، وهو أيضا الكذب ، والعربدة . والسقاط ، بالكسر : الخطأ والعثرة والزلة .
( 4 ) في الأصل : « ألا تبدءوا القوم بقتال حتى تلقاهم فتدعوهم وتعذر إليهم » وأثبت ما في ح .
( 5 ) في الأصل : « فحمل الخيل على الخيل » وأثبت ما في ح والطبري ( 5 : 239 ) .
( 6 ) ح : « فقتل من أهل الشام » .

(155 )

التنوخي ، قتله ظبيان بن عمارة التميمي ، وما هو يومئذ إلا فتى حديث السن . وإن كان الشامي لفارس أهل الشام . وأخذ الأشتر يقول : ويحكم ، أروني أبا الأعور . ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه ، فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة ، وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة ، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي : انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة . فقال : إلى مبارزتي أو مبارزتك ؟ فقال : إلى مبارزتي . فقال الأشتر : [ أو ] لو أمرتك بمبارزته فعلت ؟ قال : نعم ، والذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي فعلته (1) حتى أضربه بالسيف . فقال : يا ابن أخي ، أطال الله بقاءك ، وقد والله ازددت فيك رغبة ، لا ، ما أمرتك بمبارزته ، إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي ، لأنه لا يبارز ـ إن كان ذلك من شأنه ـ إلا ذوي الأسنان ( 2) والكفاءة والشرف ، وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف ، ولكنك حديث السن ، [ و ] ليس يبارز الأحداث ، فاذهب فادعه إلى مبارزتي . فأتاهم فقال (3) : أمنوني فإني رسول (4) . فأمنوه حتى انتهى إلى أبي الأعور .
نصر : عمر بن سعد ، رجل (5) ، عن أبي زهير العبسي ، عن صالح بن سنان بن مالك ، عن أبيه قال : قلت له : إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته . فسكت عني طويلا ثم قال : إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى
____________
( 1 ) ح ( 1 : 291 ) : « لفعلت » .
( 2 ) في الأصل : « لذوي الأسنان » والوجه ما أثبت في ح . وانظر الطبري .
( 3 ) في الأصل : « فأتاه فقال » ، صوابه في ح .
( 4 ) ح : « أنا رسول فأمنوني » .
( 5 ) كذا في الأصل ، وليست في ح .ومعناه حدثني رجل .

( 156 )

إجلاء عمال عثمان من العراق ، وافترائه عليه يقبح محاسنه ، ويجهل حقه ، ويظهر عداوته . ومن خفة الأشتر وسوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره وقراره ، فقتله فيمن قتله ، فأصبح مبتغى بدمه (1) . لا حاجة لي في مبارزته . قال : قلت له : قد تكلمت فاستمع مني حتى أخبرك (2) . قال : فقال : لا حاجة لي في جوابك ، ولا الاستماع منك . اذهب عني . وصاح بي أصحابه فانصرفت عنه . ولو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي وحجته . فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبي المبارزة ، فقال : لنفسه نظر . قال : فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل ، وبتنا متحارسين . فلما أن أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا (3) . قال : وصبحنا (4) على غدوة فسار نحو معاوية ، فإذا أبو الأعور السلمى قد سبق إلى سهولة الأرض ، وسعة المنزل ، وشريعة الماء ، مكان أفيح (5) ، وكان على مقدمة معاوية .
نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن محمد بن علي ، وزيد بن حسن ، ومحمد ـ يعني ابن المطلب ـ قالوا : استعمل علي عليه السلام ، على مقدمته الأشتر بن الحارث النخعي ، وسار علي في خمسين ومائة ألف من أهل العراق وقد خنست طائفة من أصحاب علي ، وسار معاوية في نحو من ذلك من أهل الشام ، واستعمل معاوية على مقدمته سفيان بن عمرو : أبا الأعور السلمي . فلما بلغ معاوية أن عليا يتجهز أمر أصحابه بالتهيوء . فلما استتب لعلي أمره
____________
( 1 ) مبتغى : مطلوبا . وفي ح والطبري : « متبعا » .
( 2 ) ح والطبري : « فاسمع حتى أجيبك » .
( 3 ) في الطبري : « قد انصرفوا من تحت ؟ ؟ ليلتهم » .
( 4 ) في الأصل : « وأصبحنا » تحريف . وفي ح والطبري : « ويصبحنا على غدوة » .
( 5 ) الأفيح : الواسع . ح : « مكانا أفسح » ، محرف .

( 157 )

سار بأصحابه ، فلما بلغ معاوية مسيره إليه سار بقضه وقضيضه نحو علي عليه السلام ، واستعمل على مقدمته سفيان بن عمرو ، وعلى ساقته ابن أرطاة العامري ـ يعني بسرا (1) ـ فساروا حتى توافوا جميعا بقناصرين (2) إلى جنب صفين . فأتى الأشتر صاحب مقدمة معاوية وقد سبقه إلى المعسكر على الماء ، وكان الأشتر في أربعة آلاف من متبصري أهل العراق ، فأزالوا أبا الأعور عن معسكره ، وأقبل معاوية في جميع الفيلق (3) [ بقضه وقضيضه ] ، فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي عليه السلام وغلب معاوية على الماء ، وحال بين أهل العراق وبينه ، وأقبل علي عليه السلام حتى إذا أراد المعسكر إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء .
ثم رجع إلى الحديث بإسناده إلى الأول . ثم إن عليا عليه السلام طلب موضعا لعسكره ، وأمر الناس أن يضعوا أثقالهم ـ وهم مائة ألف أو يزيدون ـ فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي على خيلهم إلى معاوية وكانوا في ثلاثين ومائة ـ ولم ينزل بعد معاوية ، فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا (4) .
____________
( 1 ) بعده في ح ( 1 : 291 ) : « وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ودفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وجعل على الميمنة حبيب بن مسلمة الفهري ، وعلى الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلى الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي وعلى خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري ، وعلى رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي ، وعلى أهل حمص ذا الكلاع ، وعلى أهل فلسطين مسلمة بن مخلد » . وسيأتي هذا الكلام في نهاية هذا الجزء الثالث من الكتاب .
( 2 ) لم يذكره ياقوت . وفي القاموس : « وقناصرين بالضم : موضع بالشام » .
( 3 ) في الأصل : « جمع الفيلق » صوابه في ح ( 1 : 325 ) .
( 4 ) الهوى ، بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد الياء : الحين الطويل من الزمان . وبالضم : السرعة ، يقال هوت الناقة تهوى هويا ، إذا عدت عدوا شديدا أرفع العدو .

( 158 )

نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كتب معاوية إلى علي عليه السلام :
« عافانا الله وإياك .
ما أحسن العدل والإنصاف من عمل * وأقبح الطيش ثم النفش في الرجل (1)

[ وكتب بعده (2) ] :
اربط حمارك لا ينــزع سويتــه * إذا يرد وقيد العيـــر مكــروب (3)
ليست ترى السيد زيدا في نفوسهـم * كما تراه بنو كوز ومــرهـــوب
إن تسألوا الحق يعطى الحق سائلـه * والدرع محقبــة والسيف مقــروب
أو تأنفون فإنـا معشر أنـــــف * لا نطعم الضيم إن السم مشـــروب "

قال : وأمر علي عليه السلام الناس ، فوزعوا عن القتال (4) حتى تأخذ
____________
( 1 ) قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 326 ) : « والنفش كثرة الكلام والدعاوى . وأصله من نفش الصوف » .
( 2 ) التكملة من ح ( 1 : 325 ) .
( 3 ) الأبيات لعبد الله بن عنمة الضبي : انظر الشعر وشرحه وترجمة قائله وجو الأبيات في المفضليات ( 2 : 182 طبع المعارف ) .
( 4 ) وزعوا : كفوا .

( 159 )

أهل المصاف مصافهم (1) ، ثم قال :
أيها الناس ، هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة (2 ) ، ومن فلج فيه فلج يوم القيامة .
ثم قال علي ، لما نزل معاوية بصفين :
لقد أتاكم كاشرا عن نابه * يهمط الناس على اعتزا به (3)
فليأتنا الدهر بما أتى به

وكتب علي إلى معاوية :
فإن للحرب عرامـا شررا * إن عليهــا قائدا عشنزرا (4)
ينصف من أجحر أو تنمرا * على نواحيها مزجا زمجرا (5)

____________
( 1 ) ح ( 1 : 326 ) : « حتى أخذ أهل الشام مصافهم » .
( 2 ) يقال نطف ، كعلم ، ونطف بالبناء للمجهول : أي اتهم بريبة .
( 3 ) يهمط الناس ، أي يقهرهم ويخطبهم . والاعتزاب ، قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 327 ) : « أي على بعده عن الإمارة والولاية على الناس » . وفي الأصل : « اغترابه » تحريف .
( 4 ) العشنزر : الشديد .
( 5 ) قال ابن أبي الحديد : « أجحر : ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا جحرتهم أو بيوتهم . وتنمر : أي تنكر حتى صار كالنمر . يقول : هذا القائد الشديد القوى ينصف من يظلم الناس ويتنكر لهم ، أي ينصف منه . فحذف حرف الجر كقوله ( واختار موسى قومه ) أي من قومه . والمزج ، بكسر الميم : السريع النفوذ ، وأصله الرمح القصير كالمزراق . ورجل زمجر أي مانع حوزته ، والميم زائدة . ومن رواها : زمخرا ، بالخاء ، عني به المرتفع العالي الشأن » . في الأصل : « أحجم » وفي ح : « أحجر » بتقديم الحاء على الجيم في الرجز وفي شرحه ، وصوابهما بتقديم الجيم على الحاء وآخره راء كما أثبت .

( 160 )

إذا ونين ساعة تغشمرا (1)

وقال أيضا (2) :
ألم تر قومي إذ دعاهـــم أخوهــم * أجابوا وإن يغضب على القوم يغضبوا
هم حفظوا غيبي كمـــا كنت حافظا * لقومي أخرى مثلهــــا إذ تغيبـوا
بنو الحرب لم يقعد بهــم أمهاتهــم ، * وآباؤهم آبــاء صــدق فأنجبــوا

فتراجع الناس إلى معسكرهم ، وذهب شباب من الناس وغلمانهم يستقون ، فمنهم أهل الشام .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف ابن الأحمر قال : لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين ، وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه ، مستويا (3) بساطا واسعا ، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم ، وقد صف أبو الأعور عليها الخيل والرجالة ، وقدم المرامية ومعهم أصحاب الرماح والدرق ، وعلى رؤوسهم البيض ، وقد أجمعوا أن يمنعونا الماء ، ففزعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك ، فدعا صعصعة بن صوحان فقال :
____________
( 1 ) تغشمر : تنمر وأخذهم بالشدة لا يبالي .
( 2 ) الشعر لربيعة بن مشروم الطائي ، كما في ح ( 1 : 327 ) ( 3 ) في الأصل : « اختار ولا مستويا » ، صوابه في ح .