ائت معاوية فقل : إنا سرنا مسيرنا هذا ، وأنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنك قد قدمت بخيلك (1) فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا (2) الكف حتى ندعوك ونحتج عليك . وهذه أخرى قد فعلتموها ، حتى حلتم بين الناس وبين الماء ، فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم . وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا . فقال معاوية لأصحابه (3) : ما ترون ؟ قال الوليد بن عقبة : امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان : حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء ولين الطعام ، اقتلهم عطشا قتلهم الله ! قال عمرو : خل بين القوم وبين الماء ؛ فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان ، ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم . فأعاد الوليد مقالته ، وقال عبد الله ابن أبي سرح (4) ـ وهو أخو عثمان من الرضاعة ـ : امنعهم الماء إلى الليل ؛ فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا ، وكان رجوعهم هزيمتهم . امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة . فقال صعصعة بن صوحان : إنما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفجرة شربة الخمر ، ضربك وضرب هذا الفاسق (5) ـ يعني الوليد ابن عقبة ـ فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه . فقال معاوية : كفوا عن الرجل فإنه رسول .
نصر : عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف بن
____________
( 1 ) ح : « قدمت خيلك » .
( 2 ) ح : « ممن رأينا » .
( 3 ) ح : « فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه » .
( 4 ) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب ـ بالتصغير ـ بن حذافة ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي . وهو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان وولي مصر بعد ذلك . ومات سنة تسع وخمسين في آخر عهد معاوية . الإصابة 4702 . ح : « بن سعيد » تحريف .
( 5 ) الضرب ، هاهنا : المثل والشبيه .

( 162 )

الأحمر ، أن صعصعة رجع إلينا فحدثنا بما قال معاوية وما كان منه وما رد عليه ، فقلنا : وما رد عليك معاوية ؟ قال : لما أردت الانصراف من عنده قلت : ما ترد علي ؟ قال : سيأتيكم رأيي . قال : فوالله ما راعنا إلا تسوية الرجال والخيل والصفوف ، فأرسل إلى أبي الأعور : امنعهم الماء . فازدلفنا والله إليهم ، فارتمينا واطعنا بالرماح ، واضطربنا بالسيوف فطال ذلك بيننا وبينهم ، فضاربناهم فصار الماء في أيدينا ، فقلنا : والله لا نسقيهم . فأرسل إلينا علي : خذوا من الماء حاجتكم ، وارجعوا إلى عسكركم (1) وخلوا بينهم وبين الماء ؛ فإن الله قد نصركم ببغيهم وظلمهم .
نصر : عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي حرة أن عليا قال : هذا يوم نصرتم فيه بالحمية .
نصر ، محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال : فبقي أصحاب علي يوما وليلة ـ يوم الفرات ـ بلا ماء . وقال رجل من السكون من أهل الشام ، يعرف بالسليل بن عمرو (2) : يا معاوية :

اسمع اليوم ما يقــول السليــل * إن قولي قـــول له تأويـــل
امنع الماء من صحـاب علـــي * أن يذوقوه ، والذليـــل ذليــل
واقتل القوم مثل ما قتـــل الشي‍ * خ ظما والقصاص أمر جميـــل (3)
فوحق الذي يساق لـــه البــد * ن هدايا لنحرهـــا تأجيـــل (4)

____________
( 1 ) ح : « معسكركم » وهما سيان ، فإن العسكر كما يقال للجيش يقال أيضا لمجتمع الجيش كالمعسكر .
( 2 ) ح : « بالشليل بن عمرو » ، وكذا جاءت في الشعر .
( 3 ) ح : « صدى فالقصاص أمر جميل » .
( 4 ) التأجيل : تحديد الأجل . وفي التنزيل : « كتابا مؤجلا » . ح : « هدايا كأنهن الفيول » .

( 163 )

لو علي وصحبـــه وردوا المــا * ء لمــا ذقتمــوه حتى تقولــوا : (1)
قد رضينا بما حكمتـــم علينــا * بعد ذاك الرضا جـــلاد ثقيــل
فامنع القوم ماءكــم ، ليس للقـو * م بقـــاء وإن يكــن فقليــل

فقال معاوية : الرأي ما تقول ، ولكن عمرو لا يدعني (2) . قال عمرو : خل بينهم وبين الماء ؛ فإن عليا لم يكن ليظمأ وأنت ريان ، وفي يده أعنة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت ، وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق (3) ، ومعه أهل العراق وأهل الحجاز ، وقد سمعته أنا وأنت (4) وهو يقول : لو استمكنت من أربعين رجلا . فذكر أمرا . يعنى لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت . يعني بيت فاطمة .
وذكروا أنه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة فقال معاوية : يا أهل الشام ، هذا والله أول الظفر ، سقاني الله ولا سقى أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه . وتباشر أهل الشام ، فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام [ همداني ناسك ] ، يقال له المعري بن الأقبل وكان ناسكا ، وكان له ـ فيما تذكر همدان ـ لسان ، وكان صديقا ومواخيا لعمرو بن العاص ، فقال : يا معاوية ، سبحان الله ، ألان سبقتم القوم (5) إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه ؟ أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه . أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعونهم الفرات فينزلوا على فرضة أخرى فيجازوكم بما صنعتم ؟ أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير
____________
( 1 ) هذا البيت ساقط من ح .
( 2 ) ح : « ولكن عمرا يدري » .
( 3 ) انظر ما سبق ص 67 س 3 .
( 4 ) ح ( 1 : 328 ) : وقد سمعته أنا مرارا .
( 5 ) في الأصل : « إن سبقتم القوم » . وأثبت ما في ح .

( 164 )

والضعيف ومن لا ذنب له . هذا والله أول الجور . لقد شجعت الجبان ، وبصرت المرتاب ، وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك . فأغلظ له معاوية ، وقال لعمرو : اكفني صديقك . فأتاه عمرو فأغلظ ، فقال الهمداني في ذلك :

لعمرو أبي معاوية بــن حــرب * وعمرو مـــا لدائهمــــا دواء
سوى طعن يحار العقـــل فيـه * وضرب حين يختلــط الدمـــاء
فلست بتابع دين ابـــن هنــد * طوال الدهــر ما أرسى حــراء
لقد ذهــب العتاب فلا عتــاب * وقد ذهـــب الولاء فـــلا ولاء
وقولي في حوادث كـل أمــري (1) * علي عمرو وصاحبـــه العفـاء
ألا لله درك يـا ابـــن هنــد * لقد برح الخفـــاء فلا خفــاء (2)
أتحمون الفرات علــى رجــال * وفي أيديهم الأســل الظمـــاء
وفي الأعناق أسيــاف حـــداد * كأن القــوم عندهــم نســاء (3)
فترجو أن يجــاوركــم علــي * بلا مـاء وللأحـــزاب مــاء
دعاهم دعوة فأجـــاب قــوم * كجرب الإبل خالطهــا الهنــاء

قال : ثم سار الهمداني في سواد الليل ، فلحق بعلي . قال : ومكث أصحاب علي يوما وليلة بغير ماء ، واغتم علي بما فيه أهل العراق .
نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال : خرج علي لما اغتم بما فيه أهل العراق من العطش قبل رايات مذحج ، وإذا رجل ينادي :

أيمنعنا القوم ماء الفرات * وفينا الرماح وفينا الحجف (4)

____________
( 1 ) ح : « كل خطب » .
( 2 ) يقال برح الخفاء بكسر الراء وفتحها : أي ظهر ما كان خافيا وانكشف . وفي الأصل : « ذهب الحياء فلا حياء » ، وأثبت ما في ح .
( 3 ) في الأصل : « عندكم » ، والصواب ما أثبت من ح .
( 4 ) الحجف : جمع حجفة ، وهي الترس من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض . وانظر مقاييس اللغة « حجف » .

( 165 )

وفينا الشوازب مثــل الوشيـــج * وفينا السيوف وفينــا الزغـــف (1)
وفينا علــي لـــه ســـورة * إذا خوفره الـــردى لم يخـــف
فنحـــن الذين غداة الزبيـــر * وطلحة خضنا غمـــار التلـــف (2)
فما بالنا أمس أســـد العريــن * وما بالنا اليوم شـــاء النجـــف (3)
فما للعــراق ومـــا للحجــاز * سوى اليــوم يوم فصكوا الهـدف (4)
فدبوا إليهم كبـــزل الجمـــال * دوين الذميل وفــــوق القطـف (5)
فإما تحلوا بشـــط الفـــرات * ومنا ومنهـــم عليـــه الجيــ
وإما تموتوا علـــى طاعـــة * تحل الجنان وتحبـــو الشـــرف
وإلا فأنتم عبيـــد العصـــا * وعبد العصا مستـــذل نطـــف (6)

قال : فحرك ذلك عليا ، ثم مضى إلى راية كندة (7) ، فإذا مناد ينادي إلى جنب منزل الأشعث (8) وهو يقول :
____________
( 1 ) الشوازب : الخيل الضامرة . وفي الأصل : « الشوارب » وفي ح : « الشواذب » صوابه بالزاي كما أثبت . والوشيج : أراد به الرماح ، وأصل الوشيج شجر الرماح . وشبه الخيل بالرماح في دقتها وضمرها . انظر المفضليات ( 2 : 180 ) . والزغف : جمع زغفة ، وهي الدرع الواسعة الطويلة ، والغين تسكن وتحرك في المفرد والجمع .
( 2 ) يشير إلى وقعة الجمل .
( 3 ) النجف ، بفتح النون والجيم ، قال ابن الأعرابي . « هو الحلب الجيد حتى ينفض الضرع » انظر خزانة البغدادي ( 1 : 529 ) ومروج الذهب ( 2 : 18 ) حيث أنشد بعض هذه الأبيات .
( 4 ) الصك : الضرب . ح : « سوا الشام خصم » .
( 5 ) الذميل والقطف : ضربان من السير .
( 6 ) عبيد العصا ، يقال للقوم إذا استذلوا . قال امرؤ القيس : قولا لدودان عبيد العصا * ما غركم بالأسد الباسل وفي الأصل : « عبيد الرشاء * وعبد الرشا » صوابه في ح ( 1 : 328 ) . والنطف : المريب المعيب .
( 7 ) ح : « رايات كندة » .
( 8 ) في مروج الذهب ( 2 : 18 ) : « وألقى في فسطاط الأشعث بن قيس رقعة فيها » وأنشد البيتين الأولين .

( 166 )

لئن لم يجــل الأشعث اليــوم كربة * من الموت فيها للنفــوس تعنـــت (1)
فنشرب من ماء الفـــرات بسيفـه * فهبنا أناسا قبــل كانوا فموتـــوا
فإن أنت لــم تجمع لنـا اليوم أمرنا * وتلق التي فيهـــا عليـك التشتـت (2)
فمن ذا الذي تثني الخناصـر باسمه * سواك ومن هذا إليـــه التلفـــت
وهل من بقاء بعد يـــوم وليلــة * نظل عطاشا والعـــدو يصــوت (3)
هلموا إلى ماء الفــرات ودونــه * صدور العوالي والصفيــح المشتت
وأنت امرؤ من عصبــة يمنيــة * وكل امرئ من غصنه حيــن ينبت

فلما سمع الأشعث قول الرجل أتى عليا من ليلته ، فقال : يا أمير المؤمنين أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ، ومعنا السيوف ؟ خل عنا وعن القوم ، فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت . ومر الأشتر فليعل بخيله فيقف حيث تأمره (4) . فقال : ذاك إليكم (5) . فرجع الأشعث ، فنادى في الناس : من كان يريد [ الماء أو ] الموت فميعاده الصبح (6) ؛ فإني ناهض إلى الماء . فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل (7) وشد عليه سلاحه وهو يقول :

ميعادنا اليوم بياض الصبــح * هل يصلـــح الزاد بغير ملح

لا لا ، ولا أمــر بغير نصح * دبـــوا إلى القوم بطعن سمح

____________
( 1 ) التعنت ، من قولهم تعنت فلان فلانا : إذا أدخل عليه الأذى . وفي الأصل : « تفتت » ، وفي مروج الذهب : « تعلت » صوابهما ما أثبت .
( 2 ) ح : « المذلة » .
( 3 ) ح « نظل خفوتا » .
( 4 ) في الأصل : « ومر الأشتر فليعلو بخيله فيقف حين أمره » ، صوابه من ح .
( 5 ) في الأصل : « إليك » وأثبت ما في ح .
( 6 ) ح : « فميعاده موضع كذا » .
( 7 ) ح : « فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة وأفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم » .

( 167 )

مثل العزالى بطعــان نفـح (1) * لا صلــح للقــوم وأين صلحي
حسبي من الإقحام قــاب رمــح

فلما أصبح دب في الناس وسيوفهم على عواتقهم ، وجعل يلقى رمحه ويقول : بأبي أنتم وأمي ، تقدموا قاب رمحي (2) [ هذا ] . فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم وحسر عن رأسه ونادى : أنا الأشعث بن قيس ، خلوا عن الماء . فنادى أبو الأعور السلمي : أما والله لا ، حتى تأخذنا وإياكم السيوف . فقال : قد والله أظنها دنت منا . وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي ، فبعث إليه الأشعث أن أقحم الخيل . فأقحمها حتى وضع سنابكها في الفرات ، وأخذت القوم السيوف فولوا مدبرين .
نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن زيد بن حسين (3) قال : نادى الأشعث عمرو بن العاص ، قال : ويحك يا ابن العاص ، خل بيننا وبين الماء ، فوالله لئن لم تفعل ليأخذنا وإياكم السيوف . فقال عمرو : والله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف وإياكم ، فيعلم ربنا أينا اليوم أصبر . فترجل الأشعث والأشتر (4) وذوو البصائر من أصحاب علي ، وترجل معهما اثنا عشر ألفا ، فحملوا على عمرو ومن معه من أهل الشام (5) فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي سنابكها في الماء .
نصر : روى سعد أن عليا قال ذلك اليوم : هذا يوم نصرتم فيه بالحمية (6) . ثم إن عليا عسكر هناك . وقبل ذاك قال شاعر أهل العراق :
____________
( 1 ) العزالي : جمع عزلاء ، بالفتح ، وهي فم المزادة . شبه بها اتساع الطعنة واندفاق الدماء منها . والنفح : الدفع . وطعنة نفاحة : دفاعة بالدم .
( 2 ) في الأصل : « قاب رمح » وأثبت ما في ح . قاب رمحي : أي قدره .
( 3 ) ح : « عن أبي جعفر وزيد بن الحسن » .
( 4 ) ح : « فالأشتر » بالفاء .
( 5 ) ح : « على عمرو وأبي الأعور ومن معهما من أهل الشام » .
( 6 ) انظر ما سبق في ص 162 س 9 ـ 10 .

( 168 )

ألا يتقــون الله أن يمنعوننــا الـ * فرات وقــد يروي الفرات الثعالـب
وقد وعدونا الأحمرين فلـــم نجـد * لهم أحمرا إلا قـــراع الكتائــب (1)
إذا خفقت راياتنا طحنــت لهـــا * رحى تطحن الأرحاء والموت طالب (2)
فتعطي إله الناس عهدا نفـي بــه * لصهر رسول الله حتى نضـــارب

وكان بلغ [ أهل ] الشام أن عليا جعل للناس إن فتحت الشام أن يقسم بينهم البر والذهب ـ وهما الأحمران (3) ـ وأن يعطيهم خمسمائة كما أعطاهم بالبصرة (4) ، فنادى منادي أهل الشام (5) ؛ يا أهل العراق [ لماذا نزلتم بعجاج من الأرض (6) ؟ نحن أزد شنوءة لا أزد عمان . يا أهل العراق ] :

لا خمس إلا جنـــدل الإحريـن (7) * والخمس قـــد يحمـل الأمرين (8 )

____________
( 1 ) الأحمران ، سيأتي تفسيرهما بعد الشعر .
( 2 ) الأرحاء ، هاهنا : القبائل المستقلة ، واحدتها رحى .
( 3 ) فسرا في المعاجم بأنهما اللحم والخمر ، أو الذهب والزعفران . أما تفسيرهما بالبر والذهب فلم أجده إلا هاهنا . وفي ح : « التبر والذب » ولا إخال « التبر » إلا تحريفا .
( 4 ) لما فرغ علي من بيعة أهل البصرة بعد وقعة الجمل نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة ، فقسمها على من شهد معه ، فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة ، وقال : لكم إن أظفركم الله عز وجل بالشام مثلها إلى أعطياتكم ، انظر الطبري ( 4 : 223 ) .
( 5 ) في اللسان ( حرر ) : « أنشد ثعلب لزيد بن عتاهية التميمي ، وكان زيد المذكور لما عظم البلاء بصفين قد انهزم ولحق بالكوفة . . . . فلما قدم زيد على أهله قالت له ابنته : أين خمس المائة ؟ فقال :
إن أباك فر يوم صفــــين * لما رأى عكــا والأشعريين
وقيس عيلان الهوازنيبن ؟ ؟ * وابن نمر في ســراة الكنديين
وذا الكلاع سيد اليمانيـــن * وحابسا يستن فــي الطائيين
قال لنفس السوء هل تفريـن * لا خمس إلا جنــدل الإحرين
والخمس قد جشمك الأمريـن * جمزا إلى الكوفة من قنسرين » .

( 6 ) العجاج ، أراد به الأرض الخبيثة . وأصل العجاج من الناس الغوغاء والأراذل ومن لا خير فيه .
( 7 ) لا خمس ، أراد لا خمسمائة . والجندل : جمع جندلة ، وهي الحجارة يقلها الرجل . والإحرين بكسر أوله وفتح ثانيه : الحرار من الأرض ، كأنها جمع إحرة ، ولم يتكلموا بهذه . وهي من ملحقات الجمع السالم كالإوزين والأرضين والسنين . والحرار : جمع حرة ، وهي أرض ذات حجارة سود نخرات . والمعنى : ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة .
( 8 ) الأمرين : الشعر والأمر العظيم ، يقال بكسر الراء وفتحها ، كما في القاموس .

( 169 )

جمزا إلى الكوفة مــن قنسـرين (1)

نصر : أبو عبد الرحمن المسعودي ، عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه ، عن عمرو بن العاص :

لا خمس إلا جنــدل الإحريــن * والخمس قــد يجشمك الأمــرين (2)

نصر : قال عمرو بن شمرو (4) ، عن جابر قال : سمعت تميما الناجي ( 3) قال سمعت الأشعث بن قيس يقول ـ يوم حال عمرو بن العاص بيننا وبين الفرات ـ : ويحك يا عمرو ، والله إن كنت لأظن لك رأيا فإذا أنت لا عقل لك ، أترانا نخليك والماء ، تربت يداك وفمك ، أما علمت أنا معشر عرب ، ثكلتك أمك وهبلتك ، لقد رمت أمر عظيما . فقال له عمرو : أما والله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد ، ونقيم على العقد ، ونلقاك بصبر وجد (5) . فناداه الأشتر : والله لقد نزلنا هذه الفرضة يابن العاص ، والناس تريد القتال ، على البصائر والدين ، وما قتالنا سائر اليوم إلا حمية . ثم كبر الأشعث وكبر الأشتر ، ثم حملا فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام .
____________
( 1 ) الجمز : ضرب من السير السريع . وفي الأصل : « حمزك من الكوفة إلى قنسرين » وكتب بجواره : « خ : يجزيك من كوف إلى قنسرين » إشارة إلى أنه كذلك في نسخة أخرى . وصواب هذه الأخيرة : « جمزك » وهذا البيت الأخير ساقط من ح ( 1 : 329 ) . وانظر الاشتقاق لابن دريد 85 جوتنجن 136 من تحقيقنا .
( 2 ) كتب إلى جوارها في الأصل : « خ : قد يحمل الأمرين » .
( 3 ) هو عمرو بن شمر الجعقي الكوفي الشيعي ، أبو عبد الله . يروى عن جعفر بن محمد وجابر الجعفي ، والأعمش . انظر لسان الميزان ( 4 : 366 ) . ح : « عمر بن شمر » تحريف .
( 4 ) هو تميم بن حذلم بالحاء المهملة والذال المعجمة وزان جعفر ـ ويقال حذيم ـ الناجي الضبي . الكوفي ، أبو سلمة ، شهد مع علي وكان من خواصه . قال ابن حجر : « ثقة ، مات سنة مائة » . انظر منتهى المقال 70 والقاموس « حذلم » وتهذيب التهذيب والتقريب .
( 5 ) ح ( 1 : 329 ) : « ونحكم العقد ونلقاهم بصبر وجد » .

( 170 )

[ قالوا ] : فلقى عمرو بن العاص بعد ذلك (1) الأشعث بن قيس فقال : أي أخا كندة ، أما والله لقد أبصرت صواب قولك يوم الماء ، ولكني كنت مقهورا على ذلك الرأي ، فكايدتك بالتهدد ، والحرب خدعة .
ثم إن عمرا أرسل إلى معاوية : أن خل بين القوم وبين الماء ، أترى القوم يموتون عطشا وهم ينظرون إلى الماء ؟ فأرسل معاوية إلى يزيد بن أسد [ القسري ] : أن خل بين القوم وبين الماء يا أبا عبد الله . فقال يزيد ـ وكان شديد العثمانية ـ كلا والله (2) ، لنقتلنهم عطشا كما قتلوا أمير المؤمنين .
نصر ، عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي قال : سمعت بكر بن تغلب السدوسي يقول : والله لكأني أسمع الأشتر وهو يحمل على عمرو بن العاص يوم الفرات ، وهو يقول :
ويحك يا ابن العاصـــي * تنح فــي القواصـــي
واهرب إلى الصياصــي (3) * اليــوم فــي عـراص (4)
نـــأخذ بالنواصـــي * لا نحـــذر التناصــي (5)
نحــن ذوي الخـمـاص (6) * لا نقــرب المعاصـــي
في الأدرع الــــدلاص * في الموضع المصــاص (7)

____________
( 1 ) ح : « بعد انقضاء صفين » .
( 2 ) في الأصل : « كلا والله يا أم عبد الله » . وهي عبارة تحتمل أن تكون من إقحام الناسخ ، أو من تهكم يزيد بن أسد بمعاوية ، كما أشار إلى ذلك ناشر الأصل . لكن عدم إثباتها في ح يؤيد أنها مقحمة في الكتاب .
( 3 ) الصياصي : الحصون وكل شيء امتنع به .
( 4 ) العراص ، بالكسر : جمع عرصة ، بالفتح ، وهي الساحة .
( 5 ) التناصي : أن يأخذ كل منهما بناصية الآخر . وفي الأصل : « القصاص » تحريف .
( 6 ) الخماص : الضوامر ، أراد بها الخيل .
( 7 ) الدلاص : البراقة الملساء اللينة ، تقال للواحد والجمع . والمصاص ، بالضم : أخلص كل شيء .

( 171 )

فأجابه عمرو بن العاص :
ويحك يا ابــن الحــارث (1) * أنت الكــذوب الحانــث
أنت الغريــر الناكــث (2) * أعـد مــال الـــوارث
وفــي القبــور ماكــث

عمرو بن شمر (3) ، عن إسماعيل السدي ، عن بكر بن تغلب (4) قال : حدثني من سمع الأشتر يوم الفرات ، وقد كان له يومئذ غناء عظيم من أهل العراق (5) ، وهو يقول :
اليــوم يــوم الحفـــاظ * بيــن الكمــاة الغـــلاظ
نحفزهــــا والمظـــاظ (6)

قال : ثم قال : وقد قتل من آل ذي لقوة (7) ، وكان يومئذ فارس أهل الأردن ، وقتل رجال من آل ذي يزن .
نصر : فحدثني عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي ، عن بكر بن تغلب قال : حدثني من سمع الأشعث يوم الفرات وقد كان له غناء عظيم من أهل العراق وقتل رجالا من أهل الشام بيده ، وهو يقول : والله إن كنت لكارها قتال أهل الصلاة ، ولكن معي من هو أقدم مني في الإسلام ، وأعلم بالكتاب
____________
( 1 ) ابن الحارث ، هو الأشتر . واسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة ، تنتهي نسبته إلى النخع . انظر الاشتقاق ص 241 والمعارف 84 .
( 2 ) الغرير : الدي لم يجرب الأمور . وفي الأصل : « العزيز » تحريف .
( 3 ) في الأصل : « عمر بن شمر » تحريف . وقد تقدمت ترجمة عمرو في ص 169 .
( 4 ) في الأصل : « بحر بن تغلب » وأثبت ما اتفق عليه الأصل وح في الموضع التالي .
( 5 ) في الأصل : « من أهل العراق » والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 329 ) .
( 6 ) الحفز : الطعن بالرمح . والمظاظ : المخاصمة والمنازعة .
( 7 ) كذا وردت العبارة ناقصة في الأصل ، ولم ترد في مظنها من ح .

( 172 )

والسنة ، وهو الذي يسخي بنفسه (1) .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن رجل من آل خارجة بن الصلت ، أن ظبيان بن عمارة التميمي ، جعل يومئذ يقاتل وهو يقول (2) :

مالك يا ظبيان مـــن بقــاء * في ساكن الأرض بغير مـــاء (3)
لا ، وإله الأرض والسمـــاء * فاضرب وجوه الغدر الأعــداء
بالسيف عند حمـس الوغــاء (4) * حتى يجيبوك إلــى الســواء

قال : فضربناهم والله حتى خلونا وإياه .
نصر : عمر بن سعد بإسناده قال . طال بيننا وبين أهل الشام القتال ، فما أنسى قول عبد الله بن عوف [ بن ] الأحمر (5) ، يوم الفرات ، وكان من فرسان علي ، وهو يضربهم بالسيف وهو يقول :

خلوا لنا عن الفــرات الجاري * أو اثبتــوا للجحفــل الجــرار
لكن قــرم مستميــت شـار (6) * مطاعـــن برمحــه كرار
ضراب هامات العــدى مغــوار

قال : ثم إن الاشتر دعا الحارث بن همام النخعي ثم الصهباني (7) فأعطاه
____________
( 1 ) السخاء : الجود ، يقال سخي كسعى ودعا ورضى . وفي الأصل : « بنفسي » وأثبت ما في ح (1 : 330 ) .
( 2 ) الرجز في تاريخ الطبري ( 5 : 240 ) مطابق لهذه الرواية .
( 3 ) ح ( 1 : 33 ) : « وحمل ظبيان بن عمارة التيمي على أهل الشام وهو يقول :
هل لك يا ظبيان من بقاء * في ساكني الأرض بغير ماء » .

( 4 ) الوغى : الحرب ، مقصور ، وقد مده هنا للشعر . ح : « الهيجاء » .
( 5 ) في الطبري : « عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي » ، والتكملة هاهنا من الطبري ومما سبق في 160 ، 161 .
( 6 ) القرم بالفتح ، هو من الرجال السيد المعظم . وفي الأصل : « قوم » صوابه في الطبري . والشاري : البائع ، أي الذي يبيع نفسه لله ، ومن ذلك سمي الخوارج شراة لأنهم زعموا أنهم باعوا أنفسهم لله بالجنة .
( 7 ) الصهباني ، نسبة إلى صهبان بالضم ، وهم قبيلة من النخع ، منهم كميل بن زياد صاحب علي بن أبي طالب . انظر الاشتقاق 242 .

( 173 )

لواءه ثم قال : يا حارث ، لولا أتى أعلم أنك تصبر عند الموت لأخذت لوائي . منك ولم أحبك بكرامتي (1) . قال : والله يا مالك لأسرنك اليوم أو لأموتن ، فاتبعني فتقدم [ باللواء ] وهو يقول (2) :
يا أشتر الخيــر ويا خيــر النخع
وصاحب النصر إذا عـم الفزع (3)
وكاشف الأمــر إذا الأمــر وقع
ما أنت في الحرب العوان بالجذع (4)
قد جزع القــوم وعموا بالجزع
وجرعوا الغيظ وغصوا بالجرع
إن تسقنا الماء فما هي بالبــدع (5)
أو نعطش اليوم فجند مقتطــع (6)
ما شئت خذ منها وما شئت فدع

فقال الأشتر : ادن مني يا حارث . فدنا منه فقبل رأسه وقال : لا يتبع رأسه اليوم إلا خير (7) . ثم قام الأشتر يحرض أصحابه يومئذ ويقول :
____________
( 1 ) الحباء : ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به ، تقول : حبوته أحبوه حباء . وفي الأصل : « لم أجبك » . وفي ح : « لم أحيك » صوابهما ما أثبت .
( 2 ) القائل هو الحارث بن همام النخعي . وفي مروج الذهب ( 2 : 18 ) : « فصار يؤم الأشعث صاحب رايته ، وهو رجل من النخع ، يرتجز ويقول » .
( 3 ) في مروج الذهب : « إذا عال الفزع » .
( 4 ) الحرب العوان : التي حورب فيها مرة بعد مرة . والجذع : الصغير السن . قال الليث : « الجذع من الدواب والأنعام قبل أن يثني بسنة » . وفي الأصل : « بالخدع » ، والخدع بفتح فكسر : الكثير الخداع . ولا وجه له هنا . وأثبت ما في ح .
( 5 ) في مروج الذهب : « فما هو بالبدع » .
( 6 ) في الأصل : « فجد يقتطع » صوابه في ح .
( 7 ) الخير ، بالفتح وكسيد : الكثير الخير . في الأصل : « لا يتبع هذا اليوم إلا خيرا » وأثبت ما في ح .

( 174 )

فدتكم نفسي ، شدوا شدة المحرج الراجي الفرج ، فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها ، وإذا عضتكم السيوف فليعض الرجل نواجذه فإنه أشد لشئون الرأس ، ثم استقبلوا القوم بهاماتكم . قال : وكان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب (1) .
نصر ، عن عمرو بن شمر (2) ، عن جابر ، عن عامر ، عن الحارث بن أدهم ، عن صعصعة بن صوحان قال : قتل الأشتر في تلك المعركة سبعة ، وقتل الأشعث فيها خمسة ، ولكن أهل الشام لم يثبتوا . فكان الذين قتلهم الأشتر صالح بن فيروز العكي ، ومالك بن أدهم السلماني ، ورياح بن عتيك الغساني (3) ، والأجلح بن منصور الكندي ـ وكان فارس أهل الشام ـ وإبراهيم بن وضاح الجمحي ، وزامل بن عبيد الحزامي ، ومحمد بن روضة الجمحي .
نصر : فأول قتيل قتل الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له صالح بن فيروز ، وكان مشهورا بشدة البأس ، فقال وارتجز على الأشتر :
يا صاحب الطرف الحصــان الأدهم * أقــدم إذا شئــت علينـــا أقدم

أنا ابن ذي العــز وذي التكـــرم * سيـــد عك كل عــك فاعلـــم

فبرز إليه الأشتر وهو يقول :
آليت لا أرجــع حتى أضربـــا * بسيفي المصقــول ضربــا معجبا

أنا ابن خيــر مذحــج مركبــا * مــن خيرها نفسا وأمــا وأبــا (4)

قال : ثم شد عليه بالرمح فقتله وفلق ظهره ، ثم رجع إلى مكانه ،
____________
( 1 ) المحذوف : المقطوع الذنب . وحلك الغراب : شدة سواده .
( 2 ) في الأصل : « عمر بن شمر » تحريف . وانظر ترجمته في ص 169 .
( 3 ) في الأصل : « رماح بن عتيك الغساني » وأثبت ما في ح .
( 4 ) روى هذا البيتان في ح ( 1 : 330 ) مقدمين على البيتين السابقين .

( 175 )

ثم خرج إليه فارس آخر يقال له مالك بن أدهم السلماني ـ وكان من فرسان أهل الشام ـ وهو يقول :

إني منحت مالكــا سنانيــا (1) * أجيبه بالرمــح إذ دعانيــا
لفارس أمنحـــه طعانيـــا

ثم شد على الأشتر فلما رهقه (2) التوى الأشتر على الفرس ، ومار السنان فأخطأه (3) ، ثم استوى على فرسه وشد عليه بالرمح وهو يقول :

خانك رمح لم يكــن خوانــا * وكان قدمـا يقتــل الفرسانــا
لويته لخيـــر ذي قحطانــا * لفــارس يختــرم الأقرانــا
أشهل لا وغـــلا ولا جبانـــا (4)

فقتله ثم خرج فارس آخر يقال له رياح بن عتيك (5) وهو يقول :

إني زعيم مالـــك بضــرب * بــذي غرارين ، جميـع القلب (6)
عبل الذراعيــن شديــد الصلب

وقال بعضهم : « شديد العصب » . فخرج إليه الأشتر وهو يقول :

رويد لا تجزع مـــن جلادي * جلاد شخص جامــع الفــؤاد (7)

يجيب في الروع دعا المنـادي * يشد بالسيف علــى الأعــادي

____________
( 1 ) في الأصل : « منحت صالحا » تحريف . ومالك ، هو مالك بن الحارث ، المعروف بالأشتر النخعي . الإصابة 8335 وتهذيب التهذيب ومعجم المرزباني 362 .
( 2 ) رهقه : غشيه أو لحقه أو دنا منه .
( 3 ) مار يمور مورا : اضطرب .
( 4 ) الأشهل ، من الشهلة وهي أقل من الزرق في الحدقة وأحسن منه . والوغل : الضعيف النذل الساقط .
( 5 ) في الأصل : « رياح بن عبيدة » ، وفي ح : « رياح بن عقيل » وأثبت ما سبق في ص 174 .
( 6 ) جميع القلب : مجتمعه لم يتفرق عليه .
( 7 ) لا تجزع ، أراد لا تجزعن ، بنون التوكيد الخفيفة .

( 176 )

فشد عليه فقتله . ثم خرج إليه فارس آخر يقال له إبراهيم بن الوضاح وهو يقول :

هل لك يا أشتــر في بــرازي * بــراز ذي غشــم وذي اعتزاز
مقــاوم لقرنــه لـــزاز (1)

فخرج إليه الأشتر وهو يقول :

نعــم نعــم أطلبــه شهيدا * معــي حســام يقصــم الحديدا
يترك هامــات العدى حصيــدا

فقتله . ثم خرج إليه فارس آخر يقال له زامل بن عتيك الحزامي (2) ، وكان من أصحاب الألوية ، فشد عليه وهو يقول :

يا صاحب السيف الخضيب المرسب (3)
وصاحب الجوشن ذاك المــذهب (4)
هل لك في طعن غلام محـــرب (5)
يحمل رمحا مستقيــم الثعلــب
ليس بحيـــاد ولا مغلــــب

____________
( 1 ) اللزاز : الشديد الخصومة ، اللزوم لما يطالب . ويقال أيضا لزه لزا : طعنه .
( 2 ) في الأصل : « أزمل » تحريف . وسبق في ص 174 : « زامل بن عبيد » وفي ح : « زامل بن عقيل » .
( 3 ) المرسب ، من قولهم سيف رسب ورسوب : ماض يغيب في الضريبة « وكان سيف خالد بن الوليد يسمى مرسبا » . وفي الأصل : « المرزبي » ولا وجه له .
( 4 ) الجوشن : زرد يلبس على الصدر والحيزوم .
( 5 ) المحرب والمحراب : الشديد الحرب الشجاع .

( 177 )

فطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه عن فرسه ولم يصب مقتلا ، وشد عليه الأشتر [ راجلا ] فكسف قوائم الفرس بالسيف (1) وهو يقول :

لا بد من قتلــي أو مــن قتلكما * قتلــت منكم خمسة مــن قبلكما
وكلهم كانــوا حمــاة مثلكــا

ثم ضربه بالسيف وهما رجلان (2) ، ثم خرج إليه فارس يقال له الأجلح ، وكان من أعلام العرب وفرسانها ، وكان على فرس يقال له لاحق ، فلما استقبله الأشتر كره لقاءه واستحيا أن يرجع ، فخرج إليه وهو يقول :

أقــدم باللاحــق لا تهلــل (3) * على صمــل ظاهــر التسلل (4)

كأنما يقشــم مـــر الحنظل (5) * إن سمتــه خسفا أبـي أن يقبل

وإن دعــاه القرن لم يعــول (6) * يمشي إليــه بحســام مفصل

مشيا رويــدا غير ما مستعجـل * يختــرم الآخـر بعـــد الأول

فشد عليه الأشتر وهو يقول :

بليت بالأشتــر ذاك المذحجـي * بفــارس في حلــق مدجــج

____________
( 1 ) الكسف : القطع . وفي الحديث « أن صفوان كسف عرقوب راحلته » ، أي قطعه بالسيف . وفي الأصل : « فكتف » بالتاء ، وفي ح : « فكشف » بالشين ، صوابهما بالسين المهملة كما أثبت .
( 2 ) الرجل ، بالفتح وكمفرح وندس : الراجل ، وهو خلاف الراكب . ح : « وهما راجلان » وكلاهما صحيح .
( 3 ) أقدم : أمر من الإقدام ، وأصله أقدمن بنون التوكيد الخفيفة حذفت للضرورة وبقيت الفتحة ، كما في قول طرفة :

اضرب عنــك الهموم طارقهــا * ضربــك بالسيف قونــس الفرس

انظر شرح شواهد المغني 315 . والتهليل : النكوص والإحجام .
( 4 ) الصمل ، كعتل : الشديد الخلق العظيم .
( 5 ) القشم ، بالشين المعجمة : الأكل . وفي الأصل : « يقسم » تحريف . وأكل الحنظل مثل في شدة العداوة . انظر البيت 13 من المفضلية 40 طبع المعارف .
( 6 ) التعويل : رفع الصوت بالبكاء والصياح . وفي الأصل : « لم يقول » ولا وجه له .

( 178 )

كالليث ليث الغابـــة المهيــج * إذا دعـــاه القرن لـــم يعرج

فضربه . ثم خرج إليه محمد بن روضة ، وهو يضرب في أهل العراق ضربا منكرا ، وهو يقول :

يا ساكني الكوفــة يا أهــل الفتن * يــا قاتلي عثمــان ذاك المؤتمن
ورث صــدري قتله طول الحزن (1) * أضربكــم ولا أرى أبــا حسن

فشد عليه الأشتر وهو يقول :

لا يبعد الله ســوى عثمانــا * وأنــزل الله بكــم هوانــا

ولا يسلي عنكــم الأحزانــا * مخالــف قد خالف الرحمانـا
نصرتموه عابــدا شيطانــا

ثم ضربه فقتله . وقالت أخت الأجلح بن منصور الكندي حين أتاها مصابه ، وكان اسمها حبلة بنت منصور :

ألا فابكـــي أخـــا ثقــة * فقـــد والله أبـــكينـــا (2)
لقتــل الماجــد القمقـــا * م لا مثـــل لـــه فينــا
أتـــانا اليـــوم مقتلـــه * فقـــد جـــزت نواصينـا
كريــــم ماجــــد الجدي‍ * ن يشفـــي مــن أعادينــا
وممــن قــــاد جيشهــم * علــــى والمضـــلونــا (3)
شفانـــا الله مـــن أهل ال‍ * عراق فقــــد أبــادونــا (4)
أمـــا يخشـــون ربهــم * ولـــم يرعـــوا له دينــا

____________
( 1 ) ح ( 1 : 330 ) : « أورث قلبي قتله طول الحزن » .
( 2 ) في الأصل : « أبلينا » صوابه في ح ( 1 : 331 ) .
( 3 ) البيت لم يرو في ح . وفي الأصل : « والمصلونا » وهي إنما تهجو أصحاب علي رضي الله عنه .
( 4 ) في الأصل : « قد أبادونا » ، وأثبت ما في ح .

( 179 )

نصر ، قال : قال عمرو قال جابر : بلغني أنها ماتت حزنا على أخيها . وقال أمير المؤمنين حين بلغه مرثيتها أخاها : أما إنهن ليس بملكهن ما رأيتم من الجزع (1) ، أما إنهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن [ أيامي ] خزايا (2) [ بائسات ] ، من قبل ابن آكلة الأكباد (3) . اللهم حمله آثامهم وأوزارهم وأثقالا مع أثقالهم (4) .
وأصيب يوم الوقعة العظمى حبيب بن منصور ، أخو الأجلح ـ وكان من أصحاب الرايات ـ وجاء برأسه رجل من بجيلة قد نازعه في سلبه رجل من من همدان ، كل واحد منها يزعم أنه قتله ، فأصلح علي بينهما وقضى بسلبه للبجلي ، وأرضى الهمداني .
نصر ، عن عمرو بن [ شمر ، عن ] جابر ، عن الشعبي ، عن الحارث بن أدهم ، عن صعصعة قال : ثم أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى كشف أهل الشام عن الماء وهو يقول :

لا تذكــروا ما قد مضى وفاتــا * والله ربــي باعــث أمواتـــا (5)
مــن بعد ما صاروا صدى رفاتـا (6) * لأوردن خيلـــي الفراتــــا
شعث النواصــي أو يقـــال ماتـــا (7)

____________
( 1 ) ليس بملكهن : أي إن ما بدا عليهن من الجزع خارج عن إرادتهن . وفي الأصل : « ليس يملكن » وأثبت ما في ح .
( 2 ) الخزايا : جمع خزيا ، وهي التي عملت قبيحا فاشتد لذلك حياؤها . ح : « حزاني » .
( 3 ) آكلة الأكباد يعني بها هندا بنت عتبة بن ربيعة . وهي أم معاوية . يروى أنها بقرت عن كبد حمزة فلاكتها ، وقالت : شفيت من حمزة نفسي بأحد * حتى بقرت بطنه عن الكبد انظر السيرة 581 جوتنجن .
( 4 ) ح : « مع أثقاله » .
( 5 ) في ح : « باعث الأمواتا » .
( 6 ) الصدى : ما يبقى من الميت في قبره . وفي الأصل : « كذا » .
( 7 ) انظر مروج الذهب ( 2 : 18 ) .

( 180 )

وكان لواء الأشعث مع معاوية بن الحارث ، فقال له الأشعث : لله أنت ! ليس النخع بخير من كندة ، قدم لواءك [ فإن الحظ لمن سبق ] . فتقدم صاحب اللواء ، وهو يقول :

أنعطش اليــوم وفينا الأشعــث * والأشعـــث الخير كليــث يعبث
فــأبشروا فإنكــم لن تلبثــوا * أن تشربــوا الماء فسبوا وارفثــوا
من لا يــرده والرجــال تلهــث

وقال الأشعث : إنك لشاعر ، وما أنعمت لي بشرى . وكره أن يخلط الأشتر به ، فنادى الأشعث : أيها الناس ، إنما الحظ لمن سبق .
قال : وحمل عمرو العكى من أصحاب معاوية ، وهو يقول :

ابرز إلى ذا الكبش يــا نجاشي * اسمى عمــرو وأبـو خراش
وفــارس الهيجاء ، بانكمـاشي * تخبر عن بأسي واحـر نفاشي ( 1)

فشد عليه النجاشي وهو يقول :

أرود قليلا فأنـــا النجـــاشي * من ســرو كعب ليس بالرقـاشي
أخو حروب في رباط الجـــاش * ولا أبيع اللهــو بالمعــــاش
أنصر خير راكــب ومـــاش * أعني عليـــا بين الريـــاش
من خير خلق الله فـي نشنــاش (2) * مبرأ من نــزق الطيــــاش
بيت قريش لا مـــن الحواشي * ليت عرين للكبــاش غـــاش (3)

____________
( 1 ) الاحر نفاش : التقبض والتهيؤ للشر . وفي الأصل : « يخبر باني من أحرناشي » . تحريف .
( 2 ) النشناش : مصدر نشنش الرجل الرجل إذا دفعه وحركه ، ونشنش السلب : أخذه . ولم تذكر هذا المصدر المعاجم ، وهذا الوزن من المصادر سماعي . انظر شرح الشافية ( 1 : 178 ) .
( 3 ) كبش القوم : رئيسهم وسيدهم ، وقائدهم .

( 181 )

يقتل كبش القـــوم بالهــــراش * وذي حــــروب بطــل ونــاش

خــف له أخطف في البطــاش (1) * مــن أســد خفان وليث شــاش (2)

فضربه ضربة ففلق هامته بالسيف . وحمل أبو الأعور وهو يقول :

أنا أبو الأعــور واسمى عمــرو (3) * أضـرب قـدمــا لا أولى الدبــر
ليس بمثلي يـــا فتــى يغتـــر * ولا فتــى يلاقينــــي يســـر (4)
أحمي ذمـــاري وللحامـي حــر * جــرى إلى الغايـــات فاستمــر (5)

فحمل عليه الأشتر وهو يقول :

لست ـ وإن يكـــره ـ ذا الخلاط * ليس أخو الحرب بــذي اختــلاط
لكن عبـــوس غير مستشـــاط * هذا علي جــاء فـي الاسبـــاط
وخلــف النعيـــم بالإفـــراط * بعرصـــة في وســــط البلاط
منحل الجســم مـــن الربـــاط (6) * يحكم حكـــم الحــق لا اعتبــاط

وحمل شرحبيل بن السمط فقال :

أنــا شرحبيل أنا ابـــن السمط * مبيـــن الفعل بهـــذا الشــط
بالطعـــن سمحا بقناة الخـــط * أطلـــب ثارات قتيــل القبـط (7)

جمعت قومي بــاشتراط الشــرط * على ابــن هند وأنــا الموطــى

____________
( 1 ) خف له : أسرع . والبطاش : مصدر باطشه ، والبطش : التناول بشدة عند الصولة . وفي الأصل : « كف له يخطف بالنهاس » .
( 2 ) خفان ، ككتان : مأسدة قرب الكوفة . وشاش : مدينة بما وراء النهر .
( 3 ) هذا يؤيد ما قيل من أن اسمه « عمرو بن سفيان السلمي » .
( 4 ) في الأصل : « ولا فتى بلا فتى يسر » .
( 5 ) الغايات : غايات السبق ينتهي إليها . وفي الأصل : « جرى على الغايات » .
( 6 ) الرباط والمرابطة : ملازمة ثغر العدو .
( 7 ) يعني عثمان ، وعني بالقبط أهل مصر .