18
19
ترجم ابن سعد لاَُم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب في الطبقات
الكبرى ، فقال :
تزوّجها عمر بن الخطّاب وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده
إلى أن قتل ، وولدت له زيد بن عمر ورُقيّة بنت عمر ـ إلى أن يقول ـ :
أخبرنا أنس بن عياض الليثي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أنّ
عمر بن الخطّاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أمّ كلثوم.
فقال عليّ : إنّما حبست بناتي على بني جعفر.
فقال عمر : أنكحنيها يا عليّ فوالله ما على ظهر الاَرض رجل
يرصد من حسن صحابتها ما أرصد.
فقال عليّ : قد فعلت.
فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ، وكانوا
يجلسون ثَمّ عليّ وعثمان والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف ،
فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلك
20
واستشارهم فيه.
فجاء عمر فقال : رفئّوني. فرفّؤوه وقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟
قال : بابنة عليّ بن أبي طالب. ثمّ أنشأ يخبرهم فقال : إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله ،
قال : كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي ، وكنت قد
صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضاً (1).
وفيه أيضاً : قال محمد بن عمر وغيره : لما خطب عمر بن
الخطّاب إلى عليّ ابنته أمّ كلثوم قال : يا أمير المؤمنين إنّها صبيّة.
فقال : إنّك والله ما بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك. فأمر عليّ بها
فصُنّعت ثمّ أمر ببرد فطواه وقال : انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين
فقولي : أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول إن رضيت البُرد فأمسكه ،
وإن سخطته فردّه.
فلمّا أتت عمر قال : بارك الله فيك وفي أبيك قد رضينا.
قال فرجعت إلى أبيها فقالت :
ما نشر البُرد ولا نظر إلا إليّ. فزوّجها إيّاه فولدت له غلاماً
( 1 ) الطبقات الكبرى 8 : 463. رفئوني ، أي قولوا لي : بالرفاء والبنين ، وهذا كان
من رسوم الجاهلية ، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقد روى الكليني في الكافي
2 : 19 بإسناده عن البرقي رفعه قال : لما زوّج رسول الله فاطمة عليها السلام قالوا :
بالرفاء والبنين ، فقال صلى الله عليه وآله : لا ، بل على الخير والبركة.
وفي مسند احمد 3 : 451 بسنده عن سالم بن عبدالله عن عبدالله بن محمد بن
عقيل ، قال : تزوج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا ، فقلنا : بالرفاء والبنين.
فقال : مه ، لا تقولوا ذلك فان النبي قد نهانا عن ذلك وقال : قولوا : بارك الله
لك ، وبارك الله عليك ، وبارك لك فيها.
21
يقال له زيد (1).
وفي الاِصابة ، وغوامض الاَسماء المبهمة ، والنص للاَول : عن
ابن أبي عمر المقدسي ، حدثني سفيان عن عمرو ، عن محمد بن
عليّ : إن عمر خطب إلى عليّ ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها ، فقيل له :
إنه ردك ، فعاوده فقال له عليّ : أَبعثُ بها إليك فإن رضيتَ فهي
امراتك ، فأرسل بها إليه فكشف عن ساقيها.
فقالت : مه ، لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك (2).
وفي المنتظم لابن الجوزي وتاريخ دمشق لابن عساكر ،
والنص للاَول :
أنبانا الحسين بن محمد بن عبدالوهاب بإسناده عن الزبير بن
بكار ، قال : كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خطب أمّ كلثوم إلى
عليّ بن أبي طالب.
فقال له عليّ : صغيرة.
فقال له عمر : زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا
يرصده احد.
فقال له عليّ : أنا ابعثها إليك فإن رضيتَها زوّجتكها ، فبعثها إليه
( 1 ) الطبقات الكبرى 8 : 464 ، المنتظم 4 : 237 ، تاريخ بن عساكر 19 : 486.
( 2 ) الاصابة في تمييز الصحابة 8 : 465 ، غوامض الاسماء المبهمة 2 : 787.
22
ببرد وقال لها : قولي : هذا البرد الذي قلت لك.
فقالت ذلك لعمر : فقال : قولي قد رضيته رضي الله عنك ، ووضع
يده على ساقها وكشفها.
فقالت له : أتفعل هذا ! ! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ
خرجت ، وجاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء.
فقال : مهلا يا.... (1).
وفي رواية الطبري : إّن عليّاً أرسل ابنته إلى عمر فقال لها :
انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له : إن أبي يقرئك السلام ويقول
لك قد قضيتُ حاجتك التي طلبت ، فأخذها عمر فضمّها إليه
فقال : إنّي خطبتها إلى أبيها فزوّجينها.
قيل : يا أمير المؤمنين ، ما كنت تريد إليها ؟ إنها صبية صغيرة.
فقال : إني سمعت رسول الله يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم
القيامة إلاّ سببي ونسبي... (2)
( 1 ) المنتظم 4 : 237 ، تاريخ دمشق لابن عساكر 19 : 482 ، الطبقات الكبرى
8 : 464 ، مختصر تاريخ دمشق 9 : 159 ـ 160 ، الفتوحات الاِسلامية
2 : 455 ، شرح نهج البلاغة 12 : 106 ، سير أعلام النبلاء 3 : 501 ، الاستيعاب
4 : 1954 ـ 1954 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 153 ح 4684.
( 2 ) ذخائر العقبى : 169 عن الدولابي في الذرية الطاهرة : 114 ، سيرة ابن
اسحاق : 233.
23
وذكر الخطيب البغدادي بإسناده عن عقبة بن عامر الجهني :
خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ابنته من فاطمة ، وأكثر
تردده إليه ، فقال : يا أبا الحسن ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلاّ
حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : كل سبب وصهر منقطع يوم
القيامة إلا سببي ونسبي. فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سبب
وصهر.
فقام علي فأمر بابنته من فاطمة فزُيِّنت ، ثم بعث بها إلى أمير
المؤمنين عمر ، فلمّا رآها قام إليها فأخذ بساقها ، وقال : قولي لاَبيك
قد رضيتُ قد رضيتُ قد رضيت ، فلما جاءت الجارية إلى أبيها قال
لها : ما قال لك أمير المؤمنين ؟ قالت : دعاني وقبلّني فلمّا قمت أخذ
بساقي وقال : قولي لاَبيك قد رضيت ، فأنكحها إيّاه ، فولدت له زيد
بن عمر بن الخطاب فعاش حتى كان رجلاً ثمّ مات (1).
وروى الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين (2) وابن
الجوزي في المنتظم (3) والنص للاول :
إن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خطب إلى عليّ رضي الله عنه
ابنته أم كلثوم وهي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله (4).
( 1 ) تاريخ بغداد 6 : 180.
( 2 ) نظم درر السمطين : 235.
( 3 ) المنتظم 4 : 238.
( 4 ) لم يكن في النصوص السابقة أنّها من فاطمة بنت رسول الله ، فتأمل.
24
وقال عليّ : إنّها صغيرة.
فقال عمر : زوجنيها يا أبا الحسن فإنّي أرغب في ذلك ، سمعت
رسول الله يقول : كل نسب وصهر ينقطع إلا ما كان من نسبي
وصهري.
فقال علي : إنّي مرسلها إليك تنظر إليها ، فأرسلها إليه ، وقال لها :
اذهبي إلى عمر فقولي له : يقول لك عليّ : رضيتَ الحلة ؟
فأتته ، فقالت له ذلك ، فقال : نعم رضي الله عنك ، فزوّجه إياها
في سنة سبع عشرة من الهجرة ، وأصدقها على ما نقل أربعين الف
درهم ، فلما عقد بها جاء إلى مجلس فيه المهاجرين والاَنصار وقال :
ألا تزفّوني ، وفي رواية : ألا تهنئوني.
قالوا : بماذا يا أمير المؤمنين ؟
قال : تزوجت أم كلثوم بنت عليّ ، لقد سمعت رسول الله يقول :
كل نسب وسبب منقطع إلاّ نسبي وسببي وصهري ، وكان به صلى الله عليه وآله
السبب والنسب فأردت أن أجمع إليه الصهر ، فزفوه ودخل بها في
ذي القعدة من تلك السنة (1).
وْقال اليعقوبي في تاريخه : وفي هذه السنة( أي سنة سبع
عشرة ) خطب عمر إلى عليّ بن أبي طالب أم كلثوم بنت عليّ
وأمها فاطمة بنت رسول الله.
( 1 ) انظر الاستيعاب 4 : 1954 ـ 1955.
25
فقال عليّ : إنها صغيرة.
فقال : إني لم أرد حيث ذهبت ، ولكني سمعتُ رسول الله يقول :
كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي وصهري ،
فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله (1).
( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 149.
26
27
28
29
قبل الدخول في صلب البحث لابد من الوقوف على مقدمتين :
أولاهما : الوقوف على نظرة أهل السنة والجماعة إلى الخليفة
والخلافة ، وهل أنّ الخليفة عندهم منصوص عليه من قبل الله ورسوله
أم لا ؟
ثانيهما : ما هي تصوراتهم عن الخليفة ، هل أنّه معصوم أم أنه
إنسان عادي يصيب ويخطىَُ ؟
من الثابت المشهور عن أهل السنة والجماعة أنّهم لا يعتقدون
بلزوم كون الخليفة منصوصاً عليه من قبل الله ورسوله ، بل إن أمر
الخلافة عندهم راجعٌ إلى الاَمة ، فتحصل تارة ببيعة أهل الحل والعقد
أو ببيعة اثنين أو واحد ، وأُخرى بالشورى ، وثالثة بالاِجماع ، ووو...
فمن أنُتخب صار أماماً للمسلمين وخليفة لرسول الله ! !
أما المقدمة الثانية : فهم لا يقولون بعصمة الخلفاء بل نراهم
يحددون ويحصرون عصمة الرسول فيما يبلّغه عن الباري جل شأنه
30
فقط ، ومعنى كلامهم أنّهم يذهبون إلى تخطئة الرسول الاَكرم في
الموضوعات الخارجية وحتّى في الاَحكام الشرعية التي لم ينزل فيها
وحي من الله تعالى ، لكونه مجتهداً ، والمجتهد قد يخطىَ وقد
يصيب.
هذا بصرف النظر عن واقع الخليفة ، فالسير التاريخي والوقائع
والنصوص أكدت لنا خطأ الخلفاء وجهلهم في كثير من الاَحكام
والمواقف ، لكننا لا نرتضي جرّ هذا القول ـ وبالمعكوس ـ على
ساحة الرسول الامين صلى الله عليه وآله والقول بأنه كان يخطىَُ أو يجتهد في
الاَحكام الشرعية ، لاَنّه صلى الله عليه وآله كان متصلا بالوحي ، يأخذ تعاليمه ومواقفه
منه ، فلا حاجة به للاجتهاد والاِفتاء طبق الظن والتخمين.
نعم ، إنهم قالوا بهذا القول كي يرفعوا بضبع بعض الصحابة من
خلال إهباطهم لمستوى الرسول الاَمين ، فتراهم يذهبون إلى أن الله
تعالى عاتب رسوله على أخذ الفداء من أسرى بدر ، وأنَّ العذاب
قرب نزوله ، ولو نزل لما نجا منه إلاّ عمر.
بهذه النصوص والاَقوال أنزلوا الرسول المصطفى إلى منزلة رجل
عادي يخطىَ ويصيب ويسبّ ويلعن ثمّ يطلب الرحمة لمن سبهم.
ونحن قد أجبنا عن هذه الافتراءات والترهات وأمثالها
ـ شارحين كيفية نشوء فكرة اجتهاد النبي ، ومن ثمّ تأطُّر مدرسة
الاجتهاد والرأي عند أهل السنة والجماعة ، والاَسباب والدواعي
الكامنة وراء تناقل مثل هذه الاَقوال ـ في كتابنا( منع تدوين الحديث )
فمن أحب فليرجع إليه.
31
إذاً يمكن للباحث ـ وبمطالعة سريعة لتاريخ صدر الاِسلام ـ
الوقوف على اُمور كثيرة صدرت من قبل الشيخين ومن تبعهم من
الخلفاء كعثمان ومعاوية و.. بُنيت على المصلحة الوهمية والرأي
الشخصي ، وغالبها منافية للاَُصول الاِسلامية؛ كرفع الخليفة الاَول
الرجم عن خالد بن الوليد مع ثبوت دخوله بزوجة مالك بن نويرة
وهي في العدة (1).
وكتعطيل عمر بن الخطّاب لسهم المؤلفة قلوبهم (2) مع أنّ الله قد
فرضه لهم في كتابه العزيز بقوله ( ... للفقراء والمساكين والعاملين
عليها والمؤلفة قلوبهم ) (3).
وكتشريعه للطلاق ثلاثاً (4) مع أنّ الباري جل شأنه قال : ( الطلاق
مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) (5).
وكابتداعه لصلاة التراويح مع اعتقاده بأنّها بدعة وقوله عنها :
نعمت البدعة هي (6).
( 1 ) تاريخ الطبري 2 : 503 ، البداية والنهاية 6 : 355 ، أسد الغابة 1 : 588 ،
الكامل في التاريخ 2 : 358.
( 2 ) فتح القدير للشوكاني 2 : 373.
( 3 ) التوبة : 60.
( 4 ) صحيح مسلم 4 : 183 ، المستدرك على الصحيحين 2 : 196 ، مسند احمد
1 : 314.
( 5 ) البقرة : 229.
( 6 ) صحيح البخاري 2 : 252 | باب فضل من قام رمضان ح 1906 ، موطا مالك
1 : 114 | باب ما جاء في رمضان ح 250 ، تاريخ المدينة 2 : 714 ، الطبقات
الكبرى 5 : 59 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 140.
32
وكحرق عثمان للمصاحف مع ثبوت نهي الرسول عن حرق
التوراة (1) فكيف بالقرآن العزيز ؟
كلُّ هذه الاَفعال والمواقف وأضعافها من هؤلاء الخلفاء اعتبرت
بأنّها شرعية تحت غطاء شرعية المصلحة والاجتهاد ! ! وعُلِّلَ الاَمر بأنّ
هؤلاء الخلفاء والصحابة يعرفون مصالح الاَحكام وروح التشريع
أحسن من غيرهم.
فهل كانوا كذلك ؟ وإذا كانوا كذلك فكيف يمكن رفع التعارض
بين مواقفهم إذاً ؟ ومن هو المحق :
هل إنّ عمر هو المحق في تهديده لخالد وقوله له : ارئاءً ؟ ! قتلت
أمرءاً مسلماً ثم نزوت على امراته والله لارجمنك بأحجارك ، ولا
يكلّمه خالد بن الوليد ولا يظن إلاّ أن رأي أبي بكر على مثل رأي
عمر فيه حتى دخل على أبي بكر ، فلما... (2)
أم إن أبا بكر هو المحق في قوله : يا عمر ! ( تأول فأخطأ ) (3)
فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم سيفاً سلّه الله على الكافرين (4).
( 1 ) كما في حديث عائشة انظر الكامل في الضعفاء 1 : 173.
( 2 ) تاريخ الطبري 2 : 504 ، تاريخ دمشق 16 : 259 ، سير اعلام النبلاء 1 : 378.
( 3 ) الاصابة 5 : 561.
( 4 ) تاريخ الطبري 2 : 589 ، البداية والنهاية 6 : 355 ، أسد الغابة 2 : 95
وغيرها.
33
ولماذا يصر أبو قتادة الانصاري على موقفه من خالد.
ومن هو المحق أبو قتادة ، أم أبو بكر في نهيه له ؟ (1)
وماذا يعني منطق الخليفة الاَول( تأول ) ؟ وكون أعدائه
( المسلمين ) من الكافرين ؟ هل جاء هذا الموقف لاحتياجه إلى خالد
في مواقفه الاَخرى ، أم لشيء آخر ؟
وكيف ساغ لابي بكر أن ينهى أبا قتادة عن التعرّض لخالد مع أنّ
اعتراض أبي قتادة كان نابعاً من القرآن الكريم والسنة المطهرة ؟
وماذا يمكننا أن نقول في المؤلفة قلوبهم ؟
ومن هو المحق في القرار : هل هو أبو بكر أم عمر ؟ إذ جاء في
كتب التاريخ : إن أبا بكر كتب إلى عمر بأنّ يعطي المؤلفة قلوبهم
حقَّهم ، فلما أتوه مزق الكتاب وقال : إنا لا نعطي على الاِسلام شيئاً ،
فمن شاء فليؤُمن ومن شاء فليكفر ، ولا حاجه لنا بكم.
فرجعوا إلى أبي بكر وقالوا : هل أنت الخليفة أم عمر ؟ قال : هو
إن شاء الله (2).
وبعد هذا كيف يمكن لغيرنا أن يصحح المنسوب إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر (3) مع ما يراه من
( 1 ) الكامل في التاريخ 2 : 358.
( 2 ) انَر تاريخ دمشق 9 : 195 ، انظر الدر المنثور 3 : 252 في تفسير الآية 60 من
سورة التوبة ، وتفسير المنار 10 : 96 ، والمبسوط للسرخسي 3 : 9.
( 3 ) مسند احمد 5 : 382 ، سنن الترمذي 5 : 271 ، ح 374 ، سنن ابن ماجة 1 :
37 ح 97.
34
الاختلاف بين مواقفهما.
ولو صح هذا الخبر ، فلماذا نرى تخلف كثير من الصحابة عما
شرعه الشيخان ؟ وتخطئتهم لهما فيما اجتهدا فيه في بعض الاَحيان ؟ !
وما يعني ذلك ؟
ألم تكن مواقفهم ـ المخطئة للشيخين وتصريحات الشيخين
بأنهما عاجزان غير عالمين في كثير من الاحايين بما جاء في الذكر
الحكيم والسنة المطهرة دالّة على كذب هذه المقولة ؟ بل كيف
بالخليفة يسأل عن الاَحكام لو كان هو الاِمام المقتدى المأمور بطاعته
والاقتداء به ؟
كل هذه النصوص تؤكد على أن المصالح التي صورها الاعلام
في مدرسة الخلفاء لم تكن شرعية وحقيقية بالمعنى الصحيح
للكلمة ، بل هي مصالح وهمية تصورها الخلفاء وانصارهم ومنها
وعليها سرى وجرى التشريع الحكومي لاحقاً.
بعد أن اتضح جواب السؤالين السابقين وعُرف أن الخليفة ليس
بمعصوم وأن الله لم ينصبه ، وقد أخطأ بالفعل في كثير من الاَمور ، وأن
المصالح التي تصوّرها لم تكن حقيقية عامة للجميع ، بل كثير منها
وهمية ، وهي مصالح خاصة ، فلابد إذاً من دراسة مدّعى عمر بن
الخطّاب في هذا الاَمر ، وهل حقاً أنه كان يريد التقرب إلى رسول الله
إذ سمع منه صلى الله عليه وآله : ( كل سبب أو نسب منقطع إلا سببي ونسبي ) (1) أم
( 1 ) السنن الكبرى 7 : 64 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 45 ، 11 : 194 ، الاوسط
للطبراني 6 : 357 ، ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد 4 : 271.
35
أنه جعلها وسيلة لامر آخر.
وهل إنّ اقتراح الزواج يرتبط بأمر سياسي ، أم اجتماعي ، أم
عاطفي ، أم غير ذلك ?