133
مشهور ؟ !
وخصوصاً لو أضفنا إليه كلام الشيخ المجلسي وغيره من إنكار
وقوع الزواج (1) رأساً فضلاً عن الاِيلاد.
نعم ، إنّ ذلك مشهور عند مدرسة الخلفاء ، لكنّ إثباته يحتاج إلى
مزيد دراسة وتحقيق ، وإنّما رجونا في هذه الرسالة التنبيه على أن
القول بوقوع الزواج لا يضرّ المعتقد الشيعي بقدر ما يضر الاعتقاد
السني « لاَن له مخرج من الدين ». عندنا وليس له مخرج من الدين
عندهم وعند عمر بن الخطاب على وجه الخصوص ، وما حكيناه عن
الغير لم يكن على حدّ التبّني بل ذكرناه على نحو التنزل والافتراض.
وبهذا فقد اتضح لك أنّ القول بوقوع الزواج لا يضرّ بنا ، لكن لا
يحقّ لنا القول بأنه من الضرورات المشهورات ، كما لا يمكننا القول
بتواتر الاخبار في ذلك. كما ادعاه الشيخ محمد تقي التستري في
قاموس الرجال حيث قال :
فلم ينكره محقِّقٌ مُحَقَّقاً ، فأخبارُنا به متواترة في
نكاحها وعدّتها فضلاً عن أخبار العامة واتّفاق
السير (2).
فرواه زرارة وهشام بن سالم عن الصادق عليه السلام (3) ،
وعقدالكليني له باباً ، وروى عن زرارة كون ذلك
( 1 ) لمنافاة ذلك لخبر الخرائج والجرائح.
( 2 )
( 3 )
134
غصباً ، وروى عن هشام ، قال : قال الصادق عليه السلام (1) :
لمّا خطب عمر قال له أمير المؤمنين : إنّها صبية ،
فلقي عمرالعباس فقال له : مالي ، أبي بأس ؟ أما والله
لاَعوِّرنَّزمزم ولا أدع لكم (2).
فكلامه رحمه الله غير صحيح على إطلاقه ، حيث إنّ الاَخبار
ليست متواترة كما قاله بل اقصى ما يمكن القول عنها : هي مستفيضة ،
وهناك كثير من المحقّقين قد أنكروا وقوع الزواج مستدلّين بأخبار
وأدلة مذكورة في كتبهم.
أما ما قاله « بأن الاَخبار متواترة في نكاحها وعِدتها » فهو الآخر
غير صحيح ، حيث شكّ البعض من العامة والخاصة في وقوع الزواج
والدخول بها حسبما اتضح لك سابقاً ، وإنّ خبر تزويج عمر بجنّية
كاف لتضعيف كلام التستري.
وقد مر عليك كلام المجلسي في مرآة العقول ـ بعد أن أتى بخبر
زرارة وهشام ـ : « أقول : هذان الخبران لا يدلاّن على وقوع تزويج أم
كلثوم رضي الله عنها من الملعون المنافق ضرورة وتقية وورد في
بعض الاَخبار ما ينافيه مثل ما رواه القطب الراوندي عن
الصفار... » (3).
أما ما روي عن الاِمام علي من أنّه لمّا توفي عمر أتى أم كلثوم
( 1 )
( 2 ) قاموس الرجال 12 : 216
( 3 ) مراة العقول 20 : 42.
135
فانطلق بها إلى بيته. فليس فيها دلالة على أنّها كانت بنتاً له من فاطمة ،
فقد تكون ربيبته من أسماء أو من غيرها ، وعليه فلا تتفق كتب السير
على هذا الكلام حسبما ادعاه الشيخ التستري ، ولا اعتبار لاَخبار
العامة عند الشيخ نفسه ، فكيف قال الجملة السابقة وبضرس قاطع ؟ !
بقي هنا شيء
يجب أن لا ننساه وهو أنّ بعض الجهلة من أهل السنة أرادوا
بنقلهم النصوص السابقة وإثارتهم لهذه المسألة بين الحين والآخر
التأكيد على وقوع هذا الزواج من أم كلثوم ، اعتقاداً منهم بأنّ ذلك
سيفيد معتقدهم ويبلور اطروحتهم ، في حين أنّ الاَمر لم يكن كذلك ،
وانّه إن دل على شيء فقد دلّ على ما يسيء إلى الخليفة ويشوّه
وجهته وموقعه في العالم الاِسلامي ، لاَنّ تلك النصوص لا تشير إلاّ
إلى الاَهواء الجامحة في نفس عمر بن الخطاب ، وخصوصاً لو وقفت
على مقولته : ما بقي شيء من أمر الجاهلية إلاّ أنّي لست أبالي أيَّ
الناس نكحتُ وأيهم أَنكحتُ (1).
ومثله ما قالته له زوجته ـ حينما كان يريد الحاجة ـ : ما تذهب إلاّ
إلى فتيات بني فلان تنظر اليهن (2).
إن دعوى القرابة من رسول الله بعيدة عن واقع الاَمور ، فإن نفسية
( 1 ) الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 289 ، كنز العمال 16 : 377 ح 45787
( عب ، وأبو سعيد ).
( 2 ) المصنف لعبدالرزاق 7 : 303 ، المعجم الكبير 9 : 338 ، مجمع الزوائد
4 : 304 عن الطبراني والحديث عن عمر ، تاريخ دمشق 69 : 189.
136
عمر تؤكّد شيئاً آخر حسبما عرفته من النصوص السابقة ، وباعتقادي
انّ تناقل هذه النصوص هي إساءة لعمر أكثر من كونها مكرمة أو
فضيلة له.
نعم ، إنّهم رجوا من نقلهم نصوص التزويج أن تتحول الكراهية
بين عمر وعلي إلى محبة وصداقة وتزاوج ، وهذا لا يمكن أن يؤثر
وأن يقبل في حدود الاَلفاظ بعيداً عن المواقف ، لاَنّ حقائق التاريخ
تتقاطع مع هذه المقولة ، ولو ألقيت نظرة سريعة على ما حدث بعد
رسول الله من غصب الخلافة ، وأخذ البيعة من علي قسراً ، وتهديد
فاطمة بنت محمّد بإحراق دارها ، وإسقاط ولدها محسنا ، وعدم تولية
أحد من بني هاشم السراية والولايات ووو... لعرفت أنّ الخلاف كان
كبيراً لا يُحلُّ بقضية تزويج إِكراهي مفترض.
كلّ هذه الاَمور تشير إلى سقم تلك الدعاوي ، فإن التراب لا
يتحول إلى ذهب كما كانوا يتصورونه بالاَلفاظ والمدّعيات ، فلو
أرادوا القول بوقوع التزويج استناداً إلى تلك النصوص فإنّ عليهم أن
يلتزموا بتواليه الفاسدة ، وإن لم يقبلوا التوالي فليس لهم الاستناد على
تلك النصوص ، حيث لا يجوز تبعيض الصفة ، والاَخذ بالبعض
وترك الآخر.
وهذه الاختلافات ـ بل في بعض الاَحيان المتناقضات ـ تدعونا
لاَن نقوم بدراسة شاملة لجميع جوانب الحدث غير مكتفين
بالمشهور المتناقل على الاَلسن.
فيجب علينا أن نعرف أولاً من هي أم كلثوم ؟ وما هي أدوارها ؟
137
وهل وقع خلط بين من سمي بأم كلثوم في تلك الفترة من التاريخ ؟
وهل حقاً أنّها ابنة فاطمة (1) ؟
ومن هم الناس في تلك الفترة ؟ وما هي الاتجاهات الفكرية
والعقائدية والسياسية السائدة انذاك ؟
ومن الذي زوّج أم كلثوم ، هل أبوها علي ؟ أم أخواها الحسن
والحسين ؟ أم عمّها العباس ؟ أم...
ومن هم أزواج أم كلثوم بعد عمر إن كان قد تزوّجها ، هل هو
عون بن جعفر ثمّ عبدالله بن جعفر (2) ؟ أم محمد ثمّ عبدالله (3) ؟ أم
عون ثم محمد ثم عبدالله (4).
وهل أنها ولدت لاَولاد جعفر أم تركتهم بلا عقب (5) ؟ بل هل
أنها ولدت لعمر أم لا (6) ؟ ولو كانت الاِجابة بالايجاب فهل هو زيد
( 1 ) جاء في الجوهرة في نسب الاِمام علي لمحمد بن أبي بكر التلمساني
البري : 45... ولما دخل اهله [ أي أهل الحسين بن علي عليه السلام ] على يزيد بن
معاوية بالشام وهم في حالة سيئة... قالت له أمّ كلثوم بنت علي من غير
فاطمة : يا يزيد بنات رسول الله سبايا اذله !...
( 2 ) انظر سير أعلام النبلاء 3 : 502 ، أسد الغابة 5 : 616 ، نسب قريش لمصعب.
( 3 ) انظر ذخائر العقبى : 171 ، المعارف : 122.
( 4 ) البداية والنهاية 5 : 330 ، سير اعلام النبلاء 3 : 502 ، الاِصابة 8 : 465 ،
الطبقات الكبرى 8 : 463.
( 5 ) قال ابن سعد في الطبقات 8 : 463 ، ولم تلد لاَحد منهم شيئاً. ومثل ذلك
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 502 ، أما البيهقي فقد قال في السنن
الكبرى 7 : 71 فولدت لمحمد بن جعفر جارية يقال لها بتينة.
( 6 ) في سير أعلام النبلاء 3 : 502 توفي شاباً ولم يعقب.
138
فقط كما نقل عن الزهري وغيره (1) ؟ أم أنها رقية كذلك كما قاله
البلاذري وغيره (2) ؟ أو فاطمة كما قاله ابن قتيبة (3).
ومن الذي صلّى عليها ، هل سعيد بن العاص (4) أم عبدالله بن
عمر (5) ، أم ، وهل أنها ماتت وابنها في يوم واحد (6) ، أم على
التعاقب (7) أولياؤها ؟
وهل أن زيد بن عمر له أعقاب أم لا ؟
( 1 ) البداية والنهاية 5 : 314 ، ذخائر العقبى : 170 و 171 ، مآثر الاِنافة 1 : 89 ،
السنن الكبرى للبيهقي 7 : 71.
( 2 ) سير أعلام النبلاء 3 : 501 ، الاستيعاب بهامش الاِصابة 4 : 491 ، أنساب
الاَشراف : 190.
( 3 ) المعارف لابن قتيبة : 185.
( 4 ) ذخائر العقبى : 171 ، الطبقات 8 : 465 ، سنن النسائي 4 : 71 ، سير أعلام
النبلاء 3 : 502.
( 5 ) الطبقات 8 : 464 ، الاستيعاب بهامش الاِصابة 4 : 492 وفي مختصر تاريخ
دمشق 9 : 162 : قيل أن سعيد بن العاص صلى عليها ، والمحفوظ أن عبدالله
بن عمر صلى عليها في إمارة سعيد بن العاص وكبر أربعاً وخلفه الحسن
والحسين وابن الحنفية وابن عباس وغيرهم.
( 6 ) الطبقات 8 : 464 ، سنن النسائي 3 : 71 ، مختصر تاريخ دمشق 9 : 161 ،
تهذيب تاريخ دمشق 6 : 29 ، الاستيعاب 4 : 491 ، التهذيب 9 : 362 ،
المعارف : 188.
( 7 ) صرح ابن أبي شيبة في مصنفه بأن عبدالملك بن مروان سمه خوفاً من أن
ينازعه الخلافة لانه ابن الخليفتين ، وهذا يشير إلى أنّه كان حياً إلى أواخر القرن
الاَول الهجري في حين أنّ أمّ كلثوم كانت قد ماتت قبل ذلك ، فقد يكون الذي
صلى عليه ابن عمر هو زيد بن أم كلثوم بنت جرول.
139
ولماذا لقب زيد بن عمر من أم كلثوم بنت جرول بـ « الاَصغر » مع
أنه الاَكبر حقيقة ، وهل يصح ما ادّعوه من أنّهم لقّبوه بذلك كرامة
لجده رسول الله ولكونه ابن فاطمة الزهراء ؟
وما هو المهر الذي أمهرها عمر ؟ هل هو عشرة الآف دينار (1) ،
أم أربعون ألف دينار (2) أم أربعة الاف درهم (3) ، أم أربعون الف
درهم (4) ، أم أربعون ألفاً بلا تعيين (5) ، أم مائة الف بلا تعيين
(6) أم
غيرها.
بل كيف يمهرها عمر هذا المبلغ الضخم بقوله : وأعطيت هذا
المال العريض إكراماً لمصاهرتي إيّاه (7). وهو الذي هدد مَن زاد في
مهور النساء بجعل ما زاد على مهر السنة في بيت المال ، فاعترضت
عليه تلك المراة بقوله تعالى( واتيتم احداهن قنطاراً فلا تاخذوا
( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 149.
( 2 ) التراتيب الاِدارية 2 : 405.
( 3 ) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور : 69.
( 4 ) الاصابة 4 : 492 ، أسد الغابة 5 : 615 ، البداية والنهاية 5 : 230 ، 7 : 156 ،
الطبقات 8 : 340 ، 464 ، سير أعلام النبلاء 3 : 501 ، المجموع للنووي
6 : 327 ، المصنف لابن أبي شيبة 3 : 319 ، كنز العمال 13 : 625 ، عمدة
القاري 20 : 137 ، مختصر تاريخ دمشق 9 : 161 ، المنتظم 4 : 237.
( 5 ) سير أعلام النبلاء 3 : 501 ، الطبقات 8 : 463 ، نهاية الاَرب 19 : 391 ،
تاريخ عمر بن الخطاب : 267.
( 6 ) انساب الاشراف 2 : 160.
( 7 ) التراتيب الادارية 2 : 405.
140
منه شيئاً أتاخذونه بهتاناً واثماً ) (1) ثم رضوخ عمر لكلامها
وقوله :
كل الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال في خدورهن (2) ، أو :
امراة أصابت ورجل أخطأ (3).
وجاء في كتاب السرائر : خطب الناس عمر بن الخطاب وذلك
قبل أن يتزوج أم كلثوم بيومين فقال : أيها الناس لا تغالوا بصدقات
النساء ، فإنّه لو كان الفضل فيها لكان رسول الله يفعله ، كان نبيكم
يصدق المرأة من نسائه المحشوَّةَ وفراشَ الليف ، والخاتم ، والقدح
الكثيف ، وما أشبهه ، ثم نزل المنبر ، فما قام إلاّ يومين أو ثلاثة حتى
أرسل في صداق بنت علي أربعين ألفاً (4).
إنّه ليثير الاستغراب حقاً ؟ !
إنّ إعطاء عمر هذه الاَرقام الخيالية من الاَموال ـ أربعين ألف
دينار ، عشرة الاف دينار ، مائة الف ـ لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي
والاجتماعي للناس في ذلك الزمن ، بل لا يتفق مع ما قيل عن زهد
عمر وارتزاقه من بيت المال ، بل يبعث على التساؤل والتشكيك في
صحّة هذه النقول.
ومثل ذلك يأتي كلامنا : فيما نقل عن أزواج أم كلثوم بعد عمر ،
( 1 ) النساء : 20.
( 2 ) انظر في ذلك كنز العمال 16 : 534 إلى 542.
( 3 ) مجمع الزوائد 4 : 284 ، السنن الكبرى 7 : 233 ، إرشاد الساري 8 : 57 ، الدر
المنثور 2 : 133 ، كنز العمال 8 : 288.
( 4 ) السرائر 3 : 637( قسم المستطرقات | ما استطرقه من رواية ابن قولوية ).
141
فلو صح أنّ أم كلثوم قد تزّوجت عوناً بعد عمر ثمّ تزوجها أخوه
محمد بعده ، فكيف يمكننا أن نقبل بهذا ونحن نقرأ في كتب التواريخ
بأنّ عوناً ومحمداً ابنا جعفر قد استشهدا بتستر في إيران سنة 17
للهجرة (1) ، مع وقوفنا على أنّ عمر كان قد تزوج بأمّ كلثوم في سنة
17 للهجرة ودخل بها في ذي القعده من تلك السنة حسبما يقوله
المؤرخون (2) ، فمتى تزوجها عون ومحمد ، في حين أنّ زوجها
الاَوّل عمر بقي إلى سنة 23 هـ ؟ !
ومثل ذلك تأتي إشكالية زواجها من عبدالله بن جعفر ، إذ أنّ في
النصوص أن عليّاً زوّجها بعون ومحمد وعبدالله ابناء أخيه جعفر بن
ابي طالب ، فلو صحّ هذا النقل فكيف يتطابق مع ما ثبت من ان عبدالله
بن جعفر كان زوج العقيلة زينب التي شهدت واقعة الطف سنة 60هـ
وماتت في 15 رجب سنة 62 أو 65 أو سنة 74 وهى عند عبد الله بن
جعفر ، فكيف يصح القول بأن عليّاً زوج أم كلثوم من عبدالله ابن
جعفر بعد أخويه محمد وعون في حين أنّ الاِمام علي كان قد
استشهد سنة 40 من الهجرة.
بل ماذا نقول فيما جاء في أنساب الاَشراف ، قال : كتب معاوية
إلى مروان وهو على المدينة أن يخطب زينب بنت عبدالله بن جعفر ،
وأمها أم كلثوم بنت علي وأمّها فاطمة بنت رسول الله على ابنه يزيد
( 1 ) الاصابة 4 : 619 ، ت 6122.
( 2 ) تاريخ الطبري 3 : 168 ، ثقات ابن حيان 2 : 217.
142
ويقضي عن عبدالله دينه وكان خمسين ألف دينار ويعطيه عشرة
الاف دينار ويصدقها أربعمائه ويكرمها بعشرة الآف دينار.
فبعث مروان إلى ابن جعفر فأخبره ، فقال : نعم ، واستثنى رضاء
الحسين بن علي.
فأتى الحسين فقال له : إنّ الخال والد ، وأمرُ هذه الجارية بيدك ،
فأشهد عليه الحسين بذلك ، ثم قال للجارية : يا بنية إنّا لم تخرج منا
غريبة قط أفامرك بيدي ؟
قالت : نعم ، فأخذ بيد القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب
فأدخله المسجد وبنو هاشم وبنو أمية مجتمعون ، فتكلّم الحسين
فحمد الله وأثنى عليه ثّم قال : إنّ الاِسلام دفع الخسيسة وتمّم النقيصة
وأذهب اللائِمة : فلا لوم على مسلم إلاّ في أمر مأثم ، وإنّ القرابة ـ التي
عظّم الله حقّها وأمر برعايتها وأن يسأل نبيَّه الاََجر له بالمؤدة لاَهلها ـ
قرابتنا أهل البيت... (1)
بل كيف يمكن الجمع بين الاختين ؟ اللهم إلاّ أن يقال بأنّ أم
كلثوم هذه لم تكن من علي وفاطمة بل هي ربيبته ، أي أنّها بنت
أسماء ـ زوجة الاِمام علي ـ أو بنت زوجة اخرى له عليه السلام ، والربيبة تعد
بمنزلة البنت.
وهذا القول هو الآخر يجب أن يدرس وأن لا يؤخذ على علاّته ،
( 1 ) انساب الاشراف ترجمة معاوية ورواه ابن عساكر في ترجمة مروان انظر
هامش شواهد التنزيل 2 : 644.
143
لاَنّ كتب التواريخ ذكرت لاَسماء ابناً واحداً وهو محمد بن أبي بكر ،
أمّا أم كلثوم بنت أبي بكر فقالوا عنها أنّها بنت حبيبة بنت خارجة
الخزرجية ، فهي أخت محمد لكن من أبيه لا من أمه.
بل كيف نرى أم كلثوم بنت كلثوم بنت تولد لعمر ثلاثه : زيد ،
ورقية ، وفاطمة ، ولا نراها تولد لابناء جعفر بن أبي طالب أي ولد
ـ وفي قول يتيم اولدت لمحمد فقط ـ
وهكذا الامر : نرى أولاد جعفر بن أبي طالب يزوجون من أمّ
كلثوم الواحد منهم تلو الاخر كل ذلك بعد تزوج عمر بها ، هل جاء
ذلك لتصحيح كلام الاِمام علي ورضوخاً لامنيته لانه كان قد قال
لعمر : حبستهن لاولاد أخي جعفر.
هل جاء كل هذا صدقة أمّ هناك أشياء اخرى ما وراء الكواليس لم
يكشف الستار عنها ؟
بلى ، إنّ أغلب الاَقوال المطروحة تحتاج إلى بحث ودراسة ،
وهذا هو الذي دعانا إلى أن نتريث في إعطاء نظرنا النهائي في هذا
الموضوع ، مكتفين بالتعليق على أشد الاَقوال وأشهرها على مواقع
الانترنيت.
إذاً لا يمكننا القبول بهذه الاَخبار عن علاّتها ، حيث إن شخصية
أم كلثوم يكتنفها كثير من الغموض من البداية إلى النهاية ، وعلى
الباحث والمؤرخ أن يدرس كل ما جاء عنها في التاريخ ، وأن لا
يكتفي بدراسة حالة معيّنة منها ، لاَنّ شخصيتها كامنة في مواقفها
وأقوالها ، وهذه النصوص كما تراها مضطربة اضطراباً شديداً جداً ،
144
فلا يجوز النظر إلى جانب وترك الآخر ؟ لاَنّ ذلك خيانة للعلم
والتحقيق ، فمما يجب على المحققين والباحثين هو الرجوع إلى
النصوص مع ملابساتها. فإن أمكنهم الخروج بنتيجة مطلوبةٍ فنعم
النتيجة ، وإلا فليؤمنوا بأنّ هذه التناقضات أكبر دليل على أنّ في هذا
الامر لغزاً قد يكون متعمّداً ، وقد يكون جاء من حالة التشابه بين
الاَسماء ووحدة المواقف ، والاَول أقرب للاَحداث والملابسات ،
وهو ما ندعو الباحثين إلى التريث فيه ، لاَن الوقوف على دور السياسة
والاَهواء والمصالح في مثل هذه الاَمور كفيل بأنّ لان يحل لنا هذا
الموضوع.
إن اختلاف النصوص والمدّعيات تدعونا إلى ضرورة بحث
ودراسة مثل هذه الاَمور ، بل تشككنا في صحّتها وتجعلنا نميل إلى
عدم ثبوت الاَمر ، إنها تناقضات في التاريخ والشريعة يجب حلها
تاركين ذلك لحين وقتها.
سائلين سبحانه أن يوفقنا لتقديم دراسة موسعة عن هذا
الموضوع تُرفع فيها كل الاشكالات المطروحة في هذه القضية ، على
أمل اللقاء مع القراء في وقت آخر إن شاء الله تعالى.