تبدأ العلاقة الزوجية شرعاً من حين العقد ، وهو التعبير العلني عن
الالتزام الجدي بمضمون محدّد اتجاه الطرف الآخر الذي يتعاقد معه.
صيغة العقد :
أجمع العلماء على توقف العقد على الايجاب والقبول اللفظيين ،
والايجاب : أن تقول الزوجة : (زوَّجتُكَ وأنكَحتُكَ نفسي على المهر
المعلوم).
والقبول : أن يقول الزوج : (قَبِلتُ التزويج ، أو قَبِلتُ النكاح).
ولا يكفي مجرد التراضي القلبي ، ولا الكتابة ، ولا الاشارة المفهمة لمن
يستطيع النطق.
والعقد الصحيح يجب أن يكون باللغة العربية لمن يتمكّن منها ، ويصح
(32)
بغير العربية لغير المتمكن منها (1).
وفي عصرنا الراهن تعارف الناس على اجراء العقد من قبل المأذون ،
فتيسر الأمر لجميع أبناء المجتمع.
الاشهاد في العقد :
الاشهاد في العقد سُنّة سنتها الشريعة الإسلامية ، والتزم المسلمون بها ،
وتوارثوها جيلاً بعد جيل ، وهي ليست شرطاً في صحة العقد (2). سُئل
الإمام جعفر الصادق عليه السلام : في الرجل يتزوج بغير بيّنة ، قال : « لا بأس » (3).
واستحباب الاشهاد والاعلان إنما سُنَّ من أجل إثبات الأنساب ،
والميراث ، وايجاب النفقة ، ودرء الحدود ، وإزالة الشبهات (4).
سُئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام : عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود ،
فقال عليه السلام : « لا بأس بتزويج البتَّة فيما بينه وبين الله ، إنّما جعل الشهود في
تزويج البتَّة من أجل الولد ، لولا ذلك لم يكن به بأس » (5).
وقال أيضاً : « إنّما جعلت البينات للنسب والمواريث » ، وفي رواية
أُخرى « والحدود » (6).
1 ـ جامع المقاصد 12 : 67. والصراط القويم : 199. ومنهاج الصالحين / السيد السيستاني ،
المعاملات ، القسم الثاني : 16 ـ 30.
2 ـ الانتصار : 281. وجامع المقاصد 12 : 84.
3 ـ الكافي 5 : 387.
4 ـ المقنعة : 498. وجواهر الكلام 29 : 40.
5 ـ الكافي 5 : 387 / 1.
6 ـ الكافي 5 : 387.
(33)
شروط العقد الذاتية والاضافية :
1 ـ يشترط في صحة العقد رضا الزوجين واقعاً ، فلو تظاهرت الزوجة
بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صحّ العقد ، ولو تظاهرت بالرضا مع
العلم بكراهتها واقعاً بطل العقد.
ولو أُكره الزوجان على العقد ثم رضيا بعد ذلك وأجازا العقد صحّ ،
وكذلك الحال في إكراه أحدهما ، والأفضل اعادة العقد بعد الاجازة (1).
2 ـ لا يشترط أن يكون المجري لصيغة العقد ذكراً ، فيجوز للمرأة أن
تكون مجرية للعقد (2) ، ولكنّ ذلك مخالف للعرف ، فلم نسمع أن امرأة
قامت بذلك في مختلف المراحل الزمنية لمسيرة المسلمين.
3 ـ يجب الوفاء بالشروط الخارجة عن أصل العقد ، فإذا اشترط أحد
الزوجين على الآخر شروطاً خارجة عن أصل العقد وجب الوفاء بها ، إن
كانت شروطاً موافقة للشريعة ، ولا يبطل العقد بعدم الوفاء (3).
سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فقال : « يفي لها بذلك » (4).
وإن شرطت أو شرطا شرطاً يخالف الشريعة فلا يصح الشرط ، فلو
شرطا عدم التوارث وعدم النفقة ، فالشرط باطل (5) لأنّه يخالف سنن
التشريع.
1 ـ منهاج الصالحين ، المعاملات : 20.
2 ـ مهذب الاحكام 24 : 226.
3 ـ الجامع للشرائع : 443.
4 ـ الكافي 5 : 402 / 2.
5 ـ الجامع للشرائع : 442. وجواهر الكلام 31 : 95 وما بعدها.
(34)
أولياء العقد :
لا يجوز للصغيرة العقد على نفسها إلاّ باذن الأب والجد (1) ، ولا يجوز
للبالغة البكر غير الرشيدة أن تجري العقد إلاّ باذنهما ، فإن عقدت بغير
إذنهما خالفت السُنّة ، وكان العقد موقوفاً على امضائهما (2).
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلاّ
باذن آبائهن » (3).
فللأب والجد ولاية على الصغيرة والبالغة غير الرشيدة ، فهما أعرف
منها بمصلحتها في اختيار الزوج والاقتران به ، للتجربة التي عايشاها ،
ومعرفتهما بأحوال الناس ومدى أهليتهم للقيام بمسؤولية الاُسرة من
الناحية المادية والمعنوية ، وللحيلولة دون انسياق الفتاة وراء المخادعين
والمنحرفين من الرجال.
وقد ترجح ولاية الجد على ولاية الأب ، وإن سبق الأب إلى العقد لم
يكن للجدّ اعتراض عليه (4).
وإذا سبق أحدهما إلى العقد لم يكن للآخر فسخه (5).
وتسقط الولاية في حالة منعهما البنت البالغة الرشيدة من الزواج
بالأكفاء ، فلها الحقّ أن تجري العقد بغير إذن منهما ، ولم يكن لهما
1 ـ السرائر 2 : 560. ونحوه في جواهر الكلام 29 : 174. والصراط القويم : 201.
2 ـ الكافي في الفقه : 292. ونحوه في جواهر الكلام 29 : 182 ـ 183.
3 ـ تهذيب الاحكام 7 : 379.
4 ـ الانتصار : 287. ونحوه في : جواهر الكلام 29 : 174 ، 209.
5 ـ جامع المقاصد 12 : 103. والكافي في الفقه : 292.
(35)
الفسخ(1).
ولا ولاية لأحد على غير الباكر ، ولكن يستحبّ لها أن تعقد باذنهما (2)
واستشارة الأب أو الجد وطلب إذنهما من القضايا المحبّبة لدى الشريعة
ولدى العرف ، لأنّ الزواج هو تعميق للعلاقات الاجتماعية بين الزوج
والزوجة وأرحامهما ، فليس من الحصافة أن تتزوج المرأة دون إذن من
أبيها أو جدها أو كليهما ، وكذا الحال في الرجل.
سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن زواج غير الباكر ، فقال : « هي أملك بنفسها
، تولي أمرها من شاءت إذا كان كفواً بعد أن تكون قد نكحت زوجاً قبل
ذلك » (3).
ويجوز للباكر العقد على نفسها في حالة غيبة وليّها عنها (4).
والغيبة هنا هي الغيبة الطويلة التي ينقطع بها الاتصال بين البنت وأبيها
أو جدّها بحيث لا تستطيع الاستئذان ، ومثال ذلك ، سفر الولي إلى خارج
البلاد ، أو فقده ، فليس من العقل أن تنتظر الفتاة وليّها المجهول الحال فترة
زمنية تضر بحالها وهي بحاجة إلى الزواج.
المحلل والمحرم في النكاح :
وضع الإسلام قيوداً في تحليل وتحريم النكاح منسجمة مع الفطرة
الانسانية وطبيعة الأواصر الاُسرية ، فحرّم النكاح من أصناف النساء
1 ـ جامع المقاصد 12 : 127. وجواهر الكلام 29 : 184.
2 ـ الكافي في الفقه : 293 ، والوسيلة الى نيل الفضيلة : 300. ونحوه في جواهر الكلام 29 : 186.
3 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 397.
4 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 299.
(36)
والرجال ، قال تعالى : ( حُرِّمَت عَليكُم أُمَّهاتُكم وبَناتُكُم وأخواتُكُم وعمَّاتُكُم
وخالاتُكُم وبناتُ الأخِ وبناتُ الأُختِ وأمهاتُكم اللاتي أرضَعنَكم وأخواتُكُم
مِّنَ الرَّضاعةِ وأُمهاتُ نِسائِكُم ورَبائِبُكُم اللاتي في حُجُورِكُم مِن نِسائِكُم اللاتي
دَخلتُم بِهنَّ فإن لم تكونُوا دخلتُم بِهنَّ فلا جُناحَ عليكُم وحَلائِلُ أبنائِكُم الذينَ مِن
أصلابِكُم وأن تَجمعُوا بينَ الاُختينِ ... ) (1). أولاً : المحرّم بالنسب :
يحرم الزواج من الأصناف التالية من النساء من جهة الأنساب (2) :
1 ـ الاُم وإن علت كأُم الاُمّ.
2 ـ البنت وإن نزلت كبنت البنت.
3 ـ الاُخت وبناتها وإن نزلن.
4 ـ العمّة والخالة وإن علتا كعمّة العمّة وخالة الخالة.
5 ـ بنات الأخ وإن نزلن.
لا تُحرم زوجة العمّ وزوجة الخال على ابن الأخ وابن الاُخت في حال
طلاقهما أو موتهما.
ولا يجوز للرجل أن يتزوج بنت أخت الزوجة أو بنت أخيها جمعاً
بينهما وبين الخالة أو العمة إلاّ باذنهما ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « لا تتزوج
1 ـ سورة النساء : 4 / 23.
2 ـ جامع المقاصد 12 : 188.
(37)
على الخالة والعمّة ابنة الأخ وابنة الاُخت بغير إذنهما » (3).
ويجوز للرجل أن يتزوج العمّة والخالة دون اذن ابنة أخيها وابنة
اختها(2). ثانياً : المحرّم بالرضاع :
يحرم من الرضاع جميع ما يحرم من النسب (3) ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (4).
حيث تصبح المرضعة أُمّاً للرضيع ، وزوجها ـ صاحب اللبن ـ أباً له ،
وإخوتهما أخوالاً وأعماماً له ، وأخواتهما خالات وعمات له ، وأولادهما
إخوة له ، بعد توفر شروط التحريم من الرضاعة وهي (5) :
1 ـ أن تكون مدة الرضاعة يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة مباشرة
من الثدي ، غير مفصولة برضاع آخر من مرضعة ثانية.
2 ـ أن يكون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد.
3 ـ عدم تجاوز الرضيع السنتين من العمر حال الرضاعة.
ولا يعتبر أخ وأُخت المرتضع ابناءً للمرتضعة ، فيجوز لهما الزواج من
1 ـ الاستبصار 3 : 177. وجامع المقاصد 12 : 340.
2 ـ الانتصار : 278. وجامع المقاصد 12 : 340.
3 ـ جامع المقاصد 12 : 196. والمقنعة : 499.
4 ـ المقنعة : 499.
5 ـ جامع المقاصد 12 : 213 ـ 223. وجواهر الكلام 29 : 264 وما بعدها. ومنهاج الصالحين ،
المعاملات / القسم الثاني : 41 ـ 42. والصراط القويم : 203.
(38)
أبنائها وبناتها. ثالثاً : المحرّم بالمصاهرة :
ذكرت الآية المتقدمة حرمة الزواج من : زوجة الأب ، وزوجة الابن ،
ومن عقد على امرأة ودخل بها فلا تحلّ له بنتها بنكاح أبداً (1).
أمّا إذا لم يدخل بالاُمّ فيجوز له نكاح بنتها ، وهو نصّ القرآن الكريم في
الآية المتقدّمة ، وقال الإمام علي عليه السلام : « إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه
ابنتها إذا دخل بالاُمّ ، فإذا لم يدخل بالاُم فلا بأس أن يتزوج بالابنة » (2).
وإذا عقد على البنت حرمت عليه أُمّها سواء دخل بها أم لم يدخل ،
قال الإمام عليه عليه السلام : « وإذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها ، حرمت
عليه الاُمّ » (3).
ومن عقد على امرأة حرمت على ابنه ولم تحل له أبداً ، وكذلك تحرم
معقودة الابن على الأب حرمة دائمة ، ولا يشترط في جميع ذلك
الدخول ، فمجرد العقد يؤدي إلى الحرمة (4). رابعاً : المحرّم بسبب تجاوز القيود الشرعية :
الزواج في الإسلام رابطة مقدسة بين الرجل والمرأة ، وهو مقدمة
1 ـ جامع المقاصد 12 : 282. والمقنعة : 502.
2 ـ تهذيب الاحكام 7 : 273.
3 ـ المصدر السابق.
4 ـ المقنعة : 502. وجواهر الكلام 29 : 350 وما بعدها.
(39)
لتعميق أواصر الأخاء والتآزر والتعاون بين الاُسر ، لذا حرّم الإسلام
العلاقات الزوجية التي تؤدي إلى التنافر والتباغض مراعياً الفطرة الإنسانية
وما ينسجم معها من علاقات.
فلو عقد الرجل على امرأة ذات زوج ، حرمت عليه أبداً ، إذا كان عالماً
أنها ذات زوج ، سواء دخل بها أم لم يدخل ، فلا يجوز له العقد عليها ثانية
بعد طلاقها من زوجها أو بعد موته.
ولا فرق في ذلك بأن كانت في عصمة زوجها أو في عدة لها من طلاق
أو موت.
أمّا إذا كان جاهلاً بأنّها ذات زوج ولم يدخل بها ، فإنّها تحلّ له بعد
طلاقها من زوجها أو بعد موته ، أما إذا دخل بها فتحرم حرمة أبدية (1).
ومن زنى بامرأة ذات زوج أو ذات عدة حرمت عليه أبداً ، فلا يجوز له
الزواج منها بعد الطلاق أو بعد اتمام العدة (2).
مراسيم الزواج :
من المتعارف عليه عند المسلمين هو إقامة مراسيم الزواج في اليوم
الأول من أيام البدء الفعلي للعلاقات الزوجية بالدخول إلى بيت الزوجية ،
حيث يجتمع أهل الزوجين والأقارب والجيران والأصدقاء سويّة ، وبذلك
تتهيأ الفرصة للتعارف وتمتين العلاقات الاُسرية والاجتماعية ، ومن السُنّة
1 ـ جامع المقاصد 12 : 306. وتهذيب الأحكام 7 : 306 ـ 307 ، والانتصار : 264. وجواهر
الكلام 29 : 430.
2 ـ جامع المقاصد 12 : 314. وجواهر الكلام 29 : 430. والانتصار : 262 ، 264.
(40)
إقامة الوليمة في يوم الزفاف ، وجمع الاخوان على الطعام وإظهار المسرّة ،
والشكر لله تعالى ، والحمد على نعمه (1).
فحينما تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة بنت الحارث ، أولم عليها وأطعم
الناس (2).
ويستحب أن يكون الزفاف ليلاً ، عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « إنّ من
السُنّة التزويج بالليل ، لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل الليل سكناً ، والنساء إنّما هنّ
سكن » (3).
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « زفّوا عرائسكم ليلاً ، وأطعموا
ضحى(4) ».
ويستحبُّ للزوج أن يتجمّل ويتنظّف ويمسّ الطيب (5).
ويستحبُّ تقديم شيء من المهر للزوجة ، قبل الدخول (6) ، فالعطاء
يدخل السرور على المرأة في بداية حياتها الزوجية.
ويستحبّ أن يكون الزوجان على طهارة ، وأن يصليا ركعتين ، ثم
يحمدا الله تعالى ، ويصليا على محمد وآله الطيبين الطاهرين (7).
1 ـ المقنعة : 515.
2 ـ تهذيب الاحكام 7 : 409.
3 ـ تهذيب الاحكام 7 : 418. وجامع المقاصد 12 : 15 ـ 19.
4 ـ تهذيب الأحكام 7 : 418.
5 ـ المقنعة : 515.
6 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 298.
7 ـ تهذيب الاحكام 7 : 410.