عليه وهجرهن إياه ، فحري بنا أن نقتدي بسيرة سيّد البشر صلى الله عليه وآله وسلم لكي نتجنب
كثيراً من حالات التصدّع والتفكك في حياتنا الزوجية ، ونحافظ على
سلامة العلاقات داخل محيط الاُسرة.
عن عمر بن الخطاب قال : غضبت على امرأتي يوماً ، فإذا هي
تراجعني ، فانكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر من ذلك ! فو الله إنّ
أزواج النبي صلى الله عليه وآله ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (1).
وقال عمر لحفصة ابنته : أتغضب احداكنّ على النبي صلى الله عليه وآله اليوم إلى
الليل ؟ قالت : نعم (2).
وكانت سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام مثالاً لسيرة جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في
كل مفردات العقيدة والسلوك ، وهكذا كانت في مسألة الصبر على أذى
الزوجة لأجل تقويم سلوكها واصلاحها ، فعن الإمام جعفر
الصادق عليه السلام قال : « كانت لأبي عليه السلام امرأة ، وكانت تؤذيه ، وكان يغفر لها » (3).
ومن حقوق الزوجة حق المضاجعة ، فإذا حرمها الزوج من ذلك ـ كما
هو الحال في الايلاء ، بأن يحلف أن لا يجامع زوجته ـ فللزوجة حق
الخيار ، إن شاءت صبرت عليه أبداً ، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم
الشرعي ، حيث يمهله لمدة أربعة أشهر ليراجع نفسه ويعود إلى مراعاة
حقها ، أو يطلقها ، فان أبى كليهما حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم
1 ـ الدر المنثور 6 : 243.
2 ـ المعجم الكبير 23 : 209.
3 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 279.
(72)
والمشرب حتى يرجع إلى زوجته ، أو يطلقها (1).
وإذا تزوجت من رجل على أنّه سليم ، فظهر أنه عنّين انتظرت به سنة ،
فان استطاع مجامعتها فتبقى على زوجيتها ، وإن لم يستطع كان لها الخيار ،
فان اختارت المقام معه على أنّه عنّين لم يكن لها بعد ذلك خيار (2).
ولا يجوز اجبار المرأة على الزواج من رجل غير راغبة فيه ـ كما تقدم ـ.
وإن كان للرجل زوجتان ، فيجب عليه العدل بينهما (3).
ووضع الإسلام حدوداً في العلاقات الزوجية ، فلا يجوز للزوج أن
يقذف زوجته ، فلو قذفها جلد الحدّ (4).
ثالثاً : حقوق الوالدين :
للوالدين الدور الأساسي في بناء الاُسرة والحفاظ على كيانها ابتداءً
وإدامة ، وهما مسؤولان عن تنشئة الجيل طبقاً لموازين المنهج
الاسلامي ، لذا حدّد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدين والأبناء ، طبقاً
للحقوق والواجبات المترتّبة على أفراد الاُسرة تجاه بعضهم البعض ، فقد
قرن الله تعالى في كتابه الكريم بوجوب برّ الوالدين والاحسان إليهما
بوجوب عبادته ، وحرّم جميع ألوان الاساءة إليهما صغيرها وكبيرها ، فقال
تعالى : ( وقَضى ربُّكَ ألاّ تَعبدُوا إلاّ إيّاهُ وبالوالدينِ إحسَاناً إمّا يَبلغُنَّ عِندكَ
1 ـ المقنعة : 523.
2 ـ المقنعة : 520.
3 ـ المقنعة : 516.
4 ـ المقنعة : 541.
(73)
الكِبرَ أحدُهُما أو كِلاهُما فلا تقُل لهُما أُفٍّ ولا تَنهرهُما وقُل لهُما قَولاً كرِيماً ) (1).
وأمر بالاحسان إليهما والرحمة بهما والاستسلام لهما ، فقال تعالى :
( واخفِض لهما جَناحَ الذُلِّ مِن الرحمةِ وقُل ربِّ ارحَمهُما كما ربَّيانِي صَغِيراً ) (2).
وقرن الله تعالى الشكر لهما بالشكر له ، فقال : ( ... أنِ اشكُر لي
وَلِوالِدَيكَ إليَّ المصِيرُ ) (3).
وأمر تعالى بصحبة الوالدين بالمعروف ، فقال : ( وَصَاحِبهُما في الدُّنيا
مَعرُوفاً ... ) (4).
وتجب طاعة الأبناء للوالدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ... ووالديك
فأطعمها وبرهما حيّين كانا أو ميتين ، وان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك
فافعل ، فإنّ ذلك من الايمان » (5).
وقرن الامام جعفر الصادق عليه السلام بر الوالدين بالصلاة والجهاد ، عن
منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟
قال : « الصلاة لوقتها ، وبر الوالدين ، والجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ » (6).
ومن حقوق الوالد على ولده كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يسميه
1 ـ سورة الاسراء : 17 / 23.
2 ـ سورة الاسراء : 17 / 24.
3 ـ سورة لقمان : 31 / 14.
4 ـ سورة لقمان : 31 / 15.
5 ـ الكافي 2 : 158 ، كتاب الايمان والكفر ، باب البر بالوالدين.
6 ـ الكافي 2 : 158 / 4.
(74)
باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسبّ له » (1).
ومعنى (لا يستسب له) أي لا يفعل ما يصير سبباً لسبّ الناس له.
وقدّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برّ الوالدة على برّ الوالد لأنّها أكثر منه في تحمّل
العناء من أجل الأولاد في الحمل والولادة والرضاع ، عن الإمام جعفر
الصادق عليه السلام ، قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ، من أبرُّ؟
قال : أُمّك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أُمّك ، قال ثم من
؟ قال : أباك » (2).
وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمة على تكريم من يبر والديه ، فقد أتته
أُخته من الرضاعة ، فلمّا نظر إليها سرَّ بها وبسط ملحفته لها فأجلسها
عليها ، ثم أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها ، ثم قامت وذهبت وجاء
أخوها ، فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول الله ، صنعت بأخته
مالم تصنع به وهو رجل ؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لأنّها كانت أبرَّ بوالديها منه » (3).
وقدّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الوالدين على الجهاد ، ففي رواية جاءه رجل
وقال : يا رسول الله ، إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي
ويكرهان خروجي ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « فقرَّ مع والديك ، فوالذي نفسي بيده
لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة » (4).
وورد في الحديث أنّه يجب برّ الوالدين وإن كانا فاجرين ، قال الإمام
1 ـ الكافي 2 : 159 / 5.
2 ـ الكافي 2 : 159 ـ 160 / 9.
3 ـ الكافي 2 : 161 / 12.
4 ـ الكافي 2 : 160 / 10.
(75)
محمد الباقر عليه السلام : « ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحد فيهنَّ رخصة : أداء
الامانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبر الوالدين برّين
كانا أو فاجرين » (1).
وفي الآية المتقدمة ( واخفِض لهما جَناحَ الذُلِّ مِن الرحمةِ ) قال الإمام
الصادق عليه السلام : « لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع
صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدَّم قدّامهما » (2).
وبرّ الوالدين لا يقتصر على حال حياتهما ، بل يشملهما حال الحياة
وحال الممات ، قال الامام الصادق عليه السلام : « ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ
والديه حيّين وميّتين ، يصلي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ،
ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزَّ وجلَّ
ببره وصلته خيراً كثيراً » (3).
ويجب على الولد الأكبر أن يقضي عن والده مافاته من صلاة
وصوم(4) ، أما بقية الأولاد فلا يجب عليهما القضاء عن والدهم ، بل
يستحب للرواية المتقدمة.
وحرّم الإسلام عقوق الوالدين بجميع ألوانه ومراتبه ، قال أمير
المؤمنين عليه السلام : « من أحزن والديه فقد عقّهما » (5).
1 ـ الكافي 2 : 162 / 15.
2 ـ الكافي 2 : 158 / 1.
3 ـ الكافي 2 : 159 / 7.
4 ـ منهاج الصالحين / السيد السيستاني ، العبادات : 248 ، 338.
5 ـ بحار الانوار 74 : 72 ، كتاب العشرة ، باب بر الوالدين / 53.
(76)
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : « أدنى العقوق أفّ ، ولو علم الله
عزَّوجلَّ شيئاً أهون منه لنهى عنه » (1).
وقال عليه السلام : « ... ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر
إليهما » (2).
وقال عليه السلام : « من نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له ، لم يقبل الله له
صلاة » (3).
وعقوق الوالدين من الكبائر التي تستلزم دخول النار ، قال الإمام
الصادق عليه السلام : « عقوق الوالدين من الكبائر ، لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل العاقّ
عصياً شقياً » (4).
ولا يقتصر وجوب البر وحرمة العقوق على الجوانب المعنوية
والروحية ، بل يتعداها إلى الجوانب المادية ، فتجب النفقة عليهما إن كانا
معسرين (5).
وتجب رعاية الوالدين رعاية صحية ، عن إبراهيم بن شعيب قال : قلت
لأبي عبدالله عليه السلام : إنّ أبي قد كبر جداً وضعف ، فنحن نحمله إذا أراد
الحاجة ؟ فقال : « إنّ استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فإنّه
1 ـ الكافي 2 : 348 كتاب الايمان والكفر ، باب العقوق.
2 ـ الكافي 2 : 349.
3 ـ الكافي 2 : 349.
4 ـ بحار الانوار 74 : 74.
5 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 286.
(77)
جُنّة لك غدا » (1).
وخلاصة القول : يجب طاعة الوالدين في جميع ما يأمرون به إلاّ
المعصية أو ما يترتب عليه مفسدة فلا تجب طاعتهما.
ومع جميع الظروف يجب على الأبناء إحراز رضا الوالدين بأيّ
أُسلوب شرعي إن أمكن ، لأنّ رضاهما مقروناً برضى الله تعالى ، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رضا الله مع رضى الوالدين ، وسخط الله مع سخط الوالدين » (2).
وبرّ الوالدين بطاعتهما والاحسان إليهما ، كفيل باشاعة الودّ والحبّ
والوئام في أجواء الاُسرة وبالتالي إلى تحكيم بنائها وإنهاء جميع عوامل
الاضطراب والتخلخل الطارىء عليها ، ولا يتحقق ذلك إلاّ بالالتزام
بالحقوق والواجبات المترتبة على أفرادها.
رابعاً : حقوق الأبناء :
للأبناء حقوق على الوالدين ، وقد لخصّها الإمام علي بن
الحسين عليهما السلام بالقول : « وأمّا حق ولدك فإنّك تعلم أنه منك ومضاف إليك في
عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب
والدلالة على ربّه عزَّ وجلَّ والمعونة له على طاعته ، فاعمل في أمره عمل من
يعلم أنّه مثاب على الاحسان إليه ، معاقب على الاساءة إليه » (3).
1 ـ الكافي 2 : 162.
2 ـ بحار الانوار 74 : 80.
3 ـ بحار الانوار 74 : 6.
(78)
ومن حقّ الأبناء على الآباء الاحسان إليهم وتعليمهم وتأديبهم ، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالاحسان إليه والتألف
له ، وتعليمه وتأديبه » (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «
رحم الله من أعان ولده على برّه ... يقبل ميسوره ويتجاوز
عن معسوره ، ولا يرهقه ولا يخرق به » (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أكرموا أولادكم واحسنوا آدابهم » (3).
وتترتب على الوالدين جملة من الحقوق ينبغي مراعاتها من أجل
اعداد الأبناء إعداداً فكرياً وعاطفياً وسلوكياً منسجماً مع المنهج الالهي
في الحياة ، ولا يتحقق ذلك إلاّ باشباع حاجات الأبناء الأساسية ، كالحاجة
إلى الايمان بالغيب ، والحاجة إلى الامان وتوكيد الذات والمكانة بالمحبة
والتقدير ، والحاجة إلى التربية الصالحة.
ويمكن تحديد أهم حقوق الأبناء بما يلي :
1 ـ ينبغي على كلِّ من الوالدين اختيار شريك الحياة على أساس
الايمان والتدين والصلاح والسلامة من العيوب العقلية كالجنون والحمق ،
لأنّ ذلك يؤثر على تنشئة الجيل وسلامته.
وينبغي الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية للاُمّ أثناء الحمل ، لكي
يخرج الأبناء إلى الدنيا وهم يتمتّعون بالصحة الجسدية والنفسية
1 ـ مستدرك الوسائل 2 : 626.
2 ـ الكافي 6 : 50.
3 ـ مستدرك الوسائل 2 : 625.
(79)
لانعكاسها عليهم أثناء الحمل.
2 ـ يستحب تسمية الأبناء بأحسن الأسماء ، ورعاية الاُمّ رعاية صالحة ،
وتوفير حاجاتها اللازمة للتفرّغ إلى رعاية الأبناء في مهدهم ، ويجب على
الوالد اشباع حاجات الوليد من الرضاعة ، وذلك بالاعتماد على حليب
الاُمّ أو اختيار المرضعة الصالحة ، واشباع حاجاته المادية والمعنوية في
فترة الحضانة.
3 ـ يجب على الوالدين تعليم الطفل معرفة الله تعالى ، وتعميق الايمان
في قلبه وجوارحه ، وتعليمه سائر أصول الدين ليترعرع على الايمان بالله
وبرسوله وبالأئمة عليهم السلام وبيوم القيامة ، ليكون الايمان عوناً له في تهذيب
نفسه في الحاضر والمستقبل.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيكم ،
وحبّ أهل بيته ، وقراءة القرآن » (1).
ويجب تربية الأطفال على طاعة الوالدين.
4 ـ ويجب الاحسان إلى الأبناء في هذه المرحلة وتكريمهم من أجل
تعميق أواصر الحبّ بينهم وبين الوالدين ، وذلك ضروري في كمالهم
اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي ، فالطفل يقلد من يحبّه ، ويتقبّل
التعليمات والنصائح والأوامر ممّن يحبّه.
والمنهج الإسلامي في التعامل مع الأبناء يؤكد على التوازن بين اللين
والشدة في التربية ، ويؤكد على العدالة بين الأطفال في الحبّ والتقدير
1 ـ كنز العمال 16 : 456 / 45409.
(80)
وفي العطاء واشباع الحاجات لكي يترعرعوا متحابين متآزرين لا عداء
بينهم ولا شحناء ولا تقاطع ولا تدابر.
ويجب على الوالدين وقاية الابناء من الانحراف الجنسي والانحراف
السلوكي ، وتنمية عواطفهم اتجاه الأعمال الصالحة ، وتوجيهها توجيهاً
سليماً يقوم على أساس المنهج الاسلامي في التربية والسلوك.
ويجب الاهتمام بالطفل اليتيم ورعايته رعاية حسنة لكي يكون رجلاً
صالحاً في المستقبل.