الخلافات بين الزوجين تخلق في الاُسرة أجواء متوترة ومتشنجة تهدد
استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي إلى انفصام العلاقة الزوجية وتهديم
أركان الاُسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الاُسرة بما فيهم الأطفال ، ولها
تأثيراتها السلبية على المجتمع أيضاً ، لأنّ الخلافات الدائمة تزرع القلق
في النفوس ، والاضطراب في التفكير والسلوك ، فتكثر التعقيدات
والاضطرابات النفسية في أوساط المنحدرين من أُسر مفككة بسبب كثرة
الخلافات والتشنجات ، فتنعدم فيهم الثقة بالنفس وبالمجتمع ، لذا حثّ
الإسلام على إنهاء الخلافات الزوجية وإعادة التماسك الاُسري ، قال
تعالى : ( وإن امرأةٌ خافت مِن بَعلِها نُشُوزاً أو إعراضاً فلا جُناحَ عليهِما أن
يُصلِحا بَينَهُما صُلحاً والصُّلحُ خيرٌ ... ) (1).
وأمر القرآن الكريم الزوج بالمعاشرة بالمعروف فقال : ( ... وَعَاشِرُوهنَّ
1 ـ النساء : 4 / 128.
(82)
بالمعرُوفِ فإن كَرِهتُموهنَّ فعسى أن تَكرَهُوا شيئاً وَيَجعَل اللهُ فيه خَيراً
كثيراً ) (1).
وحذّر الإسلام من الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية ، قال الإمام جعفر
الصادق عليه السلام : « ما من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض إليه من الطلاق ،
وإنّ الله يبغض المطلاق الذوّاق » (2).
وقال عليه السلام : « إنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت
الذي فيه الطلاق، وما من شيءٍ أبغض إلى الله عزَّ وجلَّ من الطلاق » (3).
وإذا لم تنفع جميع محاولات الاصلاح وإعادة العلاقات إلى مجاريها ،
وإذا لم تتوقف المشاكل والتوترات إلاّ بالطلاق ، فقد يكون الطلاق سعادة
لكلا الزوجين ، ومع ذلك فقد منح الإسلام الفرصة للعودة إلى التماسك
الاُسري ، فأعطى للزوج حق العودة أثناء العدة دون عقد جديد ، وبعد
العدة بعقد جديد ، وجعل له حق العودة بعد الطلاق الأول والثاني ، وفيما
يلي نستعرض المواقف والمظاهر المتعلقة بالخلافات الزوجية.
الشقاق والنشوز :
إذا حدث الشقاق ، وضع الإسلام أُسساً وقواعد موضوعية لانهائه في
مهده ، أو التخفيف من وطأته على كلا الزوجين ، فإذا كانت الزوجة هي
المسببة للشقاق والنشوز بعدم طاعتها للزوج وعدم احترامه ، فللزوج حق
1 ـ النساء : 4 / 19.
2 ـ الكافي 6 : 54.
3 ـ الكافي 6 : 54.
(83)
استخدام بعض الأساليب كالوعظ أولاً ، والهجران ثانياً ، والضرب الرقيق
أخيراً (1).
قال تعالى : ( ... واللاتي تَخافُونَ نُشُوزهُنَّ فَعِظُوهنَّ واهجرُوهُنَّ في
المضَاجعِ واضرِبُوهُنَّ فإن أطعنَكُم فلا تَبغُوا عَليهِنَّ سبيلاً إنّ اللهَ كانَ عَليّاً
كبيراً ) (2).
ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة السعي في المصالحة ببعث حكم
من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة ، كما جاء في قوله تعالى : ( وإن
خِفتُم شِقَاقَ بَينهما فابعثُوا حَكماً من أهلهِ وحَكماً من أهلِها إن يُريدا إصلاحاً يوفِّقِ
اللهُ بينهما إنَّ الله كان عَلِيماً خَبِيراً ) (3).
وينبغي على الحكمين مراجعة الزوج والزوجة قبل بدء التشاور ، فان
جعلا إليهما الاصلاح والطلاق ، انفذوا ما رأياه صلاحاً من غير مراجعة ،
وإن رأيا التفريق بينهما بطلاق أو خلع ، لا يحق لهما امضاء ذلك إلاّ بعد
مراجعة الزوجين (4).
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا
الرجل والمرأة ، ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا ، وإن شئنا فرّقنا ، فان جمعا
فجائز ، وإن فرّقا فجائز » (5).
1 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 333. وجواهر الكلام 31 : 202 وما بعدها.
2 ـ سورة النساء : 4 / 34.
3 ـ سورة النساء : 4 / 35.
4 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 333. وجواهر الكلام 31 : 210 ، 215.
5 ـ تهذيب الاحكام 8 : 103.
(84)
ويجوز للحاكم الشرعي أن يبعث الحكمين من غير أهلهما (1).
ومهما اتفق الحكمان فلا يجوز الفصل بين الزوجين في حال غياب
أحدهما (2).
وإن كان أحد الزوجين مغلوباً على عقله بطل حكم الشقاق (3).
وفي جميع مراحل عمل الحكمين يستحبُّ لهما الاصلاح إن أمكن
ذلك ، لعموم أدلة بغض الطلاق وكراهيته من قبل الله تعالى.
ومن الأفضل اختيار الحكمين على أساس العلم والتقوى والكفاءة في
مواجهة الاُمور ، والقدرة على استيعاب المواقف المتشنجة ، والصبر
عليها ، وأن يقولا الحقّ ولو على أنفسهما.
وينبغي على الحكمين أن يمنحا الفرص المتاحة لاعادة مسار
العلاقات الزوجية إلى حالتها قبل الشقاق والنشوز ، وإن طالت مدة
الاصلاح والمفاوضات المتقابلة.
الايلاء :
الايلاء : هو حلف الزوج على أن لا يطأ زوجته (4).
والايلاء مظهر من مظاهر الانحراف عن الفطرة ، وهو مقدمة من
مقدمات التنافر والتدابر بين الزوجين.
1 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 333.
2 ـ المصدر السابق نفسه.
3 ـ المصدر السابق نفسه.
4 ـ المبسوط 5 : 114.
(85)
وليس أمام الزوجة إزاء هذه الحالة إلاّ أحد خيارين ؛ إمّا الصبر على
ذلك حفاظاً على كيان الاُسرة من التفكك ، وإمّا اللجوء إلى الحاكم
الشرعي ، فإن رفعت خصومتها إليه أنظر الحاكم زوجها أربعة أشهر
لمراجعة نفسه في ذلك ، فان أبى الرجوع والطلاق جميعاً حبسه الحاكم
وضيّق عليه في المطعم والمشرب ، حتى يفيء إلى أمر الله تعالى بالرجوع
إلى معاشرة زوجته أو طلاقها (1).
قال تعالى : ( لّلِّذينَ يُؤلُونَ مِن نِّسائِهم تَربُّصُ أربعةِ أشهُرٍ فإن فاءُوا فإنّ
اللهَ غَفُورٌ رَّحيمٌ * وإن عَزمُوا الطَّلاقَ فإنّ اللهَ سميعٌ عليمٌ ) (2).
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته
ولايمسها ولا يجمع رأسه ورأسها ، فهو في سعة ما لم تمضِ الأربعة أشهر ،
فإذا مضت الأربعة أشهر وقف ، فإمّا أن يفيء فيمسّها ، وإمّا أن يعزم على
الطلاق فيخلّي عنها ، حتى إذا حاضت وتطهّرت من حيضها طلّقها تطليقة
قبل أن يجامعها بشهادة عدلين ، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمضِ الثلاثة
أقراء » (3).
اللعان :
إذا قذف الرجل زوجته الحرّة بالفجور ، وادّعى أنّه رأى معها رجلاً
يطأها ، فان لم يأتِ بشهود أربعة ، لاعَنَ الزوجة (4).
1 ـ المقنعة : 523.
2 ـ سورة البقرة : 2 / 226 ـ 227.
3 ـ تهذيب الاحكام 8 : 3.
4 ـ المقنعة : 541.
(86)
والذي يوجب اللعان أن يقول : رأيتك تزنين ؛ ويضيف الفاحشة منها
إلى مشاهدته ، أو ينفي ولداً أو حملاً (1).
أمّا إذا قال لها : يا زانية ؛ ولم يدّعِ المشاهدة ، فلا لعان بينهما ، وإنّما
يكون الزوج قاذفاً (2).
قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا يكون لعان حتى يزعم أنّه قد عاين » (3).
وصيغة الملاعنة كما ورد في القرآن الكريم : ( والّذينَ يَرمُونَ أزواجَهُم
ولم يَكُن لهم شُهداءَ إلاّ أنفُسُهُم فَشهادةُ أحدِهِم أربَعُ شَهاداتٍ باللهِ إنّهُ لَمنَ
الصَّادِقينَ * والخَامِسةُ أنَّ لَعنتَ اللهِ عليه إن كان مِنَ الكاذِبينَ * وَيَدرَؤا عنها
العذابَ أن تَشهدَ أربعَ شَهاداتٍ باللهِ إنَّهُ لمِنَ الكاذبينَ * والخامسةَ أنَّ غَضَبَ
اللهِ عليها إن كانَ مِن الصَّادِقين ) (4).
فيقول له الحاكم قُل : (أشهدُ بالله إنّي لمن الصادقين فيمن ذكرته عن
هذه المرأة من الفجور).
ويكرر ذلك أربع مرّات ، فإن رجع عن قوله ، جلده حدّ المفتري ثمانين
جلدة ، وردّ امرأته عليه.
وإن أصرّ على ما ادّعاه ، قال له قل : (إنّ لعنة الله عليَّ ان كنت من
الكاذبين).
1 ـ الانتصار : 330.
2 ـ المصدر السابق.
3 ـ تهذيب الاحكام 8 : 186.
4 ـ سورة النور : 24 / 6 ـ 9.
(87)
ويقول الحاكم لزوجته قولي : (أشهدُ بالله إنّه لمن الكاذبين فيما رماني
به) وتكرّر القول أربع مرات.
وتقول في الخامسة : (إنّ غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين).
فإذا قالت الزوجة ذلك ، فرَّق الحاكم بينهما ، ولم تحلّ له أبداً ، وقضت
منه العدّة منذ تمام لعانها له (1).
أمّا إذا كانت الزوجة خرساء ، فرّق بينهما ، وأقيم عليه الحدّ ، ولا تحلّ
له أبداً ، ولا لعان بينهما (2).
الطلاق : الطلاق : من حيث الأحكام الشرعية على أربعة أنواع(3). الأول : الطلاق الواجب ، وهو الطلاق الناتج عن الايلاء ـ كما تقدم ـ. الثاني : الطلاق المستحبّ ، وهو طلاق الزوج زوجته حال الشقاق
والحال بينهما غير عامرة ، ولا يقوم كلّ واحد منهما بحق صاحبه. الثالث : الطلاق المحظور ، وهو طلاق الزوج زوجته في أحد موضعين:
1 ـ طلاق الحائض المدخول بها ، ولم يغب عنها زوجها.
2 ـ طلاق الخارجة من المحيض بعد مواقعة زوجها لها في ذلك الطهر ،
قبل أن يستبين حملها.
1 ـ المقنعة : 541.
2 ـ الانتصار : 331.
3 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 319.
(88)
الرابع : الطلاق المكروه ، وهو طلاق الزوج زوجته والحال عامرة
بينهما، ويقوم كلّ منهما بحقّ صاحبه.
شروط الطلاق :
لا يقع الطلاق إلاّ باللفظ ، وهو قول الزوج : أنتِ طالق ، ولا يقع بقوله :
فارقتك وسرّحتك ؛ أو بقوله : اعتدّي ، وحبلك على غاربك (1).
ولا يقع الطلاق في الحيض (2)وإنّما يقع في طُهر لم يجامعها فيه.
ولا يقع الطلاق إلاّ بشهادة مُسلمَين عدلين (3).
ومن كان غائباً عن زوجته ، فليس يحتاج في طلاقها إلى ما يحتاج إليه
الحاضر من الاستبراء ، لكنّه لا بدّ له من الاشهاد ، فإذا أشهد رجلين من
المسلمين على طلاقه لها ، وقع بها الطلاق سواء كانت طاهراً أو حائضاً ،
ومن أراد أن يطلّق زوجته غير المدخول بها ، طلّقها في أيّ وقت شاء
بمحضرٍ من رجلين مسلمين عدلين ، ولم ينتظر بها طهراً (4).
ولا يقع الطلاق إن كان مشروطاً (5)كأن يقول : أنتِ طالق إن دخلتِ
الدار.
1 ـ الانتصار : 300.
2 ـ الانتصار : 306.
3 ـ المقنعة : 525.
4 ـ المقنعة : 526 ـ 527.
5 ـ الكافي في الفقه : 305.
(89)
شروط المطلِّق(1):
يشترط في صحة الطلاق بعدما تقدّم ، عدّة أمور ، أهمّها :
1 ـ كون المطلِّق ممّن يصح تصرفه ، وهو العاقل البالغ ، فلا يصحّ طلاق
المجنون والسكران والصبي.
قال الإمام الصادق عليه السلام : « ليس طلاق السكران بشيء » (2).
2 ـ أن لا يكون الزوج مكرهاً على الطلاق ، فلا بدّ من اختياره هو.
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لو أنَّ رجلاً مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان
فقهروه حتى يتخوف على نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل ، فلم يكن عليه
شيء » (3).
3 ـ أن يكون قاصداً للطلاق.
قال الإمام الباقر عليه السلام : « لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق » (4).
4 ـ أن يكون تلفظه بصريح القول دون الكناية.
عن زرارة قال : قلتُ لأبي جعفر عليه السلام : رجل كتب بطلاق امرأته ثم بدا له
فمحاه ، قال : « ليس ذلك بطلاق حتى يتكلّم به » (5).
وتجوز الوكالة في الطلاق ، فقد سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن رجل جعل
1 ـ الكافي في الفقه : 305 ـ 306. وجواهر الكلام 32 : 8 وما بعدها. والصراط القويم : 221.
2 ـ الكافي 6 : 126.
3 ـ الكافي 6 : 127.
4 ـ تهذيب الاحكام 8 : 51.
5 ـ الكافي 6 : 64.
(90)
أمر امرأته إلى رجل ، فقال : اشهدوا أني جعلت أمر فلانة إلى فلان ،
أيجوز ذلك للرجل ؟
فقال : « نعم » (1).
طلاق السُنّة :
طلاق السُنّة هو الطلاق المستوفي للشروط المتقدمة ، من كون المطلق
عاقلاً مميزاً مالكاً أمره غير مكره ولا غضبان ولا فاقد العقل ، وأن يكون
الطلاق واقعاً في طهر لم يواقع زوجته فيه ، وأن يكون التلفظ بصريح
القول، وأن يكون الطلاق مطلقاً غير مشروط ، وأن يتمّ بحضور شاهدين
عدلين في مجلس واحد (2).
سُئل الإمام الرضا عليه السلام عن طلاق السُنّة ، فقال : « يطلقها إذا طهرت من
حيضها قبل أن يغشاها بشهادة عدلين كما قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه ، فإن
خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله » (3).
طلاق البدعة :
وهو الطلاق غير المستوفي للشروط ، كطلاق الحائض أو طلاق
الطاهرة من الحيض بعد مواقعتها في طهرها ، وكالطلاق المعلق بشرط ،
وإيقاع الطلاق ثلاثاً بلفظة واحدة (4).
1 ـ الكافي 6 : 129.
2 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 320 ـ 321. وجواهر الكلام 32 : 117.
3 ـ تهذيب الأحكام 8 : 49.
4 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 322. وجواهر الكلام 32 : 116. والصراط القويم : 223.