أيسر حقّ منها : أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك.
ومنها : أن تجتنب سخطه ، وتتّبع مرضاته ، وتطيع أمره.
ومنها : أن لا تشبع ويجوع ، ولا تروي ويظمأ ، ولا تلبس ويعرى.
ومنها : أن تبرّ قسمه ، وتجيب دعوته ، وتعود مريضه ، وتشهد جنازته ،
وإذا علمت أنَّ له حاجة تبادره إلى قضائها ، ولا تلجئه أن يسألكها، ولكن
تبادره مبادرة ، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته ، وولايته بولايتك» (1).
وفي رواية أُخرى ذكر عليه السلام جملة من الحقوق فقال : « إنَّ من حقّ المؤمن
على المؤمن : المودة له في صدره ، والمواساة له في ماله ، والخلف له في
أهله ، والنصرة له على من ظلمه ، وان كان نافلة في المسلمين وكان غائباً
أخذ له بنصيبه ، وإذا مات الزيارة في قبره ، وأن لا يظلمه ، وأن لايغشه ،
وأن لا يخونه ، وأن لا يخذله ، وأن لا يكذب عليه ، وأن لا يقول له أفّ..
» (2).
ومن الحقوق أن يناصح المؤمن غيره من المؤمنين ، قال الامام
الصادق عليه السلام : « يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه » (3).
ومن الحقوق : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وحسن
الخلق ، والقرب من الناس ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أقربكم مني غداً في
1 ـ الكافي 2 : 169.
2 ـ الكافي 2 : 171. 3 ـ الكافي 2 : 208.
(122)
الموقف أصدقكم للحديث ، وآداكم للأمانة ، وأوفاكم بالعهد ، وأحسنكم
خلقاً ، وأقربكم من الناس » (1).
ومن الحقوق تحكيم الأواصر المشتركة في العلاقات ، والتعامل من
خلال الاُفق الواسع الذي يجمع الجميع في أُطر ونقاط مشتركة ، ونبذ
جميع الأواصر الضيقة ، فحرّم الإسلام التعصب للعشيرة أو القومية ، ودعا
إلى إزالة جميع المظاهر التي تؤدي إلى التعصب المقيت ، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ليس منّا من دعا إلى عصبية ، وليس منّا من قاتل على عصبية ،
وليس منّا من مات على عصبية » (2).
ومن أهم الحقوق إصلاح ذات البين ؛ لأنّه يؤدي إلى علاج كثير من
الممارسات السلبية التي تفكّك أواصر الأخاء وتستأصل الوئام في
أجوائه، لذا قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام
» (3).
حقوق المجتمع في رسالة الحقوق :
وضع الإمام علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق منهجاً متكاملاً في
خصوص الحقوق الاجتماعية المترتبة على الفرد باعتباره جزءاً من
الاُسرة ومن المجتمع ، ومما ورد في قوله عليه السلام : « وأمّا حق أهل ملتك
عامة: فاضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة ، والرفق بمسيئهم ، وتألّفهم ،
واستصلاحهم ، وشكر محسنهم إلى نفسه واليك ، فإن إحسانه إلى نفسه
1 ـ تحف العقول : 32.
2 ـ كنز العمال 3 : 510 / 7657.
3 ـ ثواب الاعمال : 178.
(123)
إحسانه إليك إذا كفّ عنك أذاه وكفاك مؤونته ، وحبس عنك نفسه ، فعمهم
جميعاً بدعوتك ، وانصرهم جميعاً بنصرتك.
وأنزلهم جميعاً منك منازلهم ؛ كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة
الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة ، وصل
أخاك بما يجب للأخ على أخيه.
وأمّا حق أهل الذمّة ، فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما
جعل الله لهم من ذمته وعهده ، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأُجيروا
عليه ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من
معاملة ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد
رسوله حائل ، فإنّه بلغنا أنّه قال : من ظلم معاهداً كنت خصمه » (1).
الآثار الايجابية لمراعاة حقوق المجتمع :
فيما يلي نستعرض بعض الروايات التي وردت في ثواب من راعى
حقوق أفراد المجتمع.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من ردّ عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة
ألبتة » (2).
وقال الإمام محمد الباقر عليه السلام : « من كفّ عن أعراض الناس كفّ الله عنه
عذاب يوم القيامة، ومن كفّ غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم
1 ـ تحف العقول : 195 ـ 196.
2 ـ ثواب الأعمال / الصدوق : 175 ، مكتبة الصدوق ، طهران 1391 هـ.
(124)
القيامة » (1).
وقال الامام الباقر عليه السلام : « أربع من كنّ فيه بنى الله له بيتاً في الجنّة : من
آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، وأشفق على والديه ، ورفق بمملوكه » (2).
وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : « من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله
من ثمار الجنة ، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ،
ومن كسا مؤمناً كساه الله من الثياب الخضر » (3).
وقال الإمام الباقر عليه السلام : « البر والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ،
ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء » (4).
ولمراعاة الحقوق الاجتماعية مزيد من الآثار الايجابية التي تنعكس
على الفرد والاُسرة والمجتمع في دار الدنيا والآخرة ، وردت في كتب
الحديث ، سيّما في كتاب (ثواب الأعمال) للشيخ الصدوق ، لا مجال
لذكرها جميعاً في هذا المختصر.
1 ـ ثواب الأعمال : 161.
2 ـ ثواب الأعمال : 161. 3 ـ ثواب الأعمال : 164. 4 ـ ثواب الأعمال : 169.
سنكرس البحث في هذا الفصل عن أحكام العلاقات بين الرجل
والمرأة ، والتي ينبغي أن تكون منسجمة مع أُسس وقواعد المنهج
الإسلامي ، الذي رسم لها هدفاً بيّناً ، وحدّد لها طريقاً معلوماً ، فلم يتركها
للنزوة العارضة والرغبة الغامضة ، والفلتة التي لا تستند إلى موازين ثابتة ،
بل أراد لها أن تكون على مستوى الأمانة العظيمة التي أناطها الله تعالى
ببني الإنسان ، فقد جعلها علاقة سكن للنفس وطمأنينة للروح وراحة
للجسد ، ثم ستراً وإحصاناً وصيانة ، ثم مزرعة للنسل وامتداداً للحب
والودّ.
فقد تعامل مع الجنسين على أساس الفطرة مراعياً الحاجات المادية
والروحية بلا إفراط ولا تفريط ، فحرّم جميع مظاهر وألوان العلاقات
المخالفة للنزاهة والعفّة ، والمؤدية إلى الانحراف والانزلاق والشذوذ ،
لكي يأخذ الجنسان نصيبهما في إصلاح النفس والاُسرة والمجتمع.
وقد جعلنا هذا الفصل ضمن آداب الاُسرة لأنّ الغالب في عصرنا
(126)
الحاضر ابتلاء الاُسر بمثل هذه الأحكام.
أحكام النظر :
النظر إلى الجنس الآخر من قبل أحد الجنسين تترتب عليه آثار عملية
عديدة ، ومواقف سلوكية متباينة ، قد تؤدي إلى إثارة الشهوة والوقوع في
الفتنة.
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « النظرة بعد النظرة تزرع في القلب
الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة » (1).
والنظر يؤدي في أغلب الأحيان إلى الوقوع في شباك إبليس فتعقب
صاحبها الندامة والحسرة ، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « النظرة سهم من
سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة » (2).
والنظر قد يكون مقصوداً وبشهوة فيكون إحدى مقدمات الزنا ، قال
الامامان محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام : « ما من أحد إلاّ وهو يصيب
حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القبلة ، وزنا اليدين اللّمس ،
صدّق الفرج ذلك أم كذّب » (3).
ولأجل الحفاظ على المجتمع من الانحراف والابتذال والسقوط دعا
الإسلام المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر وتجنب النظر إلى الجنس
الآخر ، قال تعالى : ( قُلْ لِلمؤمِنينَ يَغُضُّوا من أبصَارِهِم ويَحفظُوا فُرُوجَهم
1 ـ من لا يحضره الفقيه / الصدوق 4 : 18 / 4970 ، جماعة المدرسين ، ط2 ، قم 1404 هـ.
2 ـ الكافي / الكليني 5 : 559 ، دار الكتب الإسلامية ، طهران 1403 هـ.
3 ـ الكافي 5 : 559.
(127)
ذلكَ أزكَى لَهُم إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمؤمِنات يَغْضُضْنَ مِن
أبصارِهِنَّ ويَحفظنَّ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها وليَضرِبنَ
بِخُمرِهِنَّ على جيُوبهِنَّ ... ) (1).
وفي هذه الآية أمر الله تعالى الجنسين بغض البصر وأمر المرأة
بالحجاب بتغطية رأسها ورقبتها ، وحفظ مواضع الزينة إلاّ ما ظهر منها
كالوجه والكفين (2).
أمّا إظهار الزينة بنفسها فحرام ، ولكن المقصود هو مواضع الزينة عند
أغلب المفسرين.
عن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفراً عليه السلام وسُئل عمّا تظهر المرأة
من زينتها ، قال : « الوجه والكفيّن » (3).
والنظر الجائز هو النظرة الاُولى ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تتبع النظرة
النظرة ، فليس لك إلاّ أول نظرة » (4).
والجمع بين الأدلة في جواز النظر وحرمته يقيّد بجواز النظرة الاُولى
غير المقصودة وغير المتعمدة.
ومعاودة النظر حرام (ولا ينظر الرجل إلى المرأة الأجنبية إلاّ مرة من
غير معاودة ... ) (5).
1 ـ سورة النور : 24 / 30 ـ 31.
2 ـ مجمع البيان / الطبرسي 4 : 138 ، مطبعة العرفان ، صيدا 1355 هـ. وجواهر الكلام 29 : 75.
3 ـ الكافي 5 : 522.
4 ـ وسائل الشيعة 20 : 193.
5 ـ اللمعة الدمشقية / محمد مكي العاملي : 183 ، دار الناصر ، ط1 ، طهران 1406 هـ. وجامع
(128)
وإنّه لا خلاف في (تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي أعمى كان أو
مبصراً) (1).
والنظرة الاُولى مهما كانت أسبابها ودوافعها مقيّدة بعدم التلذّذ والريبة
كأن تقع مصادفة أو لضرورة أو غير ذلك ، فالنظرة بتلذّذ وريبة حرام (2).
المستثنى في جواز النظر إلى غير الوجه والكفين :
هنالك مستثنيات لحرمة النظر يجوز فيها النظر لاشخاص معينين
مطلقاً ، ولحالات ومواقف معينة ، وجميع هذا الجواز مقيد بعدم التلذّذ
والريبة إلاّ في (الزوجين) (3).
أولاً : استثناء بعض الأشخاص :
جوّزت الآية المتقدمة لبعض الأشخاص النظر إلى الجنس الآخر كما
جاء في قوله تعالى : ( ... ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلاّ لِبُعُولِتهِنَّ أو آبائِهِنَّ أو آباءِ
بُعُولتهِنَّ أو أبنائِهنَّ أو أبناءِ بُعولتهِنَّ أو إخوانِهنَّ أو بَني إخوانِهنَّ أو بني أخواتِهنَّ
أو نِسائهِنَّ أو ما مَلكت أيمانُهُنَّ أو التابِعينَ غَيرِ أولي الإربةِ مِن الرِجالِ أو الطِفلِ
الذينَ لم يَظهَرُوا عَلى عَوراتِ النِساءِ ) (4).
تقدم أن المراد هو موضع الزينة وليست الزينة نفسها ، وموضع الزينة
هو الوجه والكفان ، فيجوز لاشخاص معينين النظر إلى أكثر من الوجه
= المقاصد 12 : 32.
1 ـ الحدائق الناضرة / يوسف البحراني 23 : 65. وجامع المقاصد 12 : 41 ـ 42.
2 ـ المقنعة : 521. والحدائق الناضرة 23 : 61.
3 ـ الحدائق الناضرة 23 : 61.
4 ـ سورة النور : 24 / 31.
(129)
والكفيّن كالشعر وباقي أجزاء الجسد عدا العورة ، وهم :
1 ـ الزوج والأب وأبو الزوج.
2 ـ الابن وابن الزوج من زوجة ثانية.
3 ـ الأخ وأبناء الأخ وأبناء الاُخت.
ويجوز للرجل النظر إلى زوجته وأُمه وأمّ زوجته وبنته وبنت زوجته من
زوج ثانٍ ، وأُخته وبنات أخيه وبنات أخته ، أي يجوز النظر إلى مطلق
المحارم (1) ، وبمعنى آخر لا يتوجب على المذكورات لبس القناع وتغطية
الرأس وعدم وجوب الحجاب مخصوص بما ذكرته الآية الشريفة.
أما ما تعارف عليه عند البعض وهو عدم الحجاب من أخ الزوج أو
زوج الخالة أو زوج العمة أو ابن العم وابن الخال ومن بدرجتهما ، أو عدم
تحجب أخت الزوجة أو زوجة ابن الأخ أو زوجة ابن الاخت ، فهذا
لا جواز له لأنّ هذه الاصناف ليست من المحارم وعدم وجوب الحجاب
مخصوص بالمحارم فقط.
ويحرم على المرأة المسلمة أن تتجرّد أمام اليهودية أو النصرانية أو
المجوسية إلاّ إذا كانت أمة ، أي مملوكة (2).
ويجوز تعمّد النظر دون ريبة من قبل (أولي الاربة) وهو كما قال الإمام
جعفر الصادق عليه السلام : « الأحمق الذي لا يأتي النساء » (3)، وليس له حاجة
1 ـ الحدائق الناضرة 23 : 61. وجامع المقاصد 12 : 33.
2 ـ مجمع البيان 4 : 183.
3 ـ مجمع البيان 4 : 138.
(130)
جنسية في النساء.
ويجوز النظر للأطفال الذين لم يعرفوا عورات النساء ولم يقووا عليها
لعدم شهوتهم وكذلك جواز التبرج أمامهم ، قال الإمام الرضا عليه السلام :
« لا تغطي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ » (1).
ويجوز ادامة النظر إلى البنت الصغيرة ، والعجوز المسنّة (2) دون تلذذ
وريبة.
ثانياً : استثناء بعض النساء من غير المحارم :
إنّ علة تحريم النظر الدائم والمتواصل هو منع مقدمات وأسباب
الانحراف ، والأمر بعدم النظر موجّه للرجل والمرأة على حدٍّ سواء ، ولكنّ
الإسلام استثنى بعض النساء وجوّز النظر اليهنَّ دون تلذّذ مراعاة للأمر
الواقع.
فجوّز النظر إلى وجوه وأيدي وشعور نساء أهل الكتاب وأهل الذمة(3)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن
وأيديهنّ » (4).
ويجوز النظر إلى كلِّ متبرّجة غير متقيدة بالحجاب الإسلامي ، ويجوز
النظر غير المتعمّد إلى المجنونة.
1 ـ الكافي 5 : 533. وجامع المقاصد 12 : 33.
2 ـ الحدائق الناضرة 23 : 64.
3 ـ المقنعة : 521. وجامع المقاصد 12 : 31.
4 ـ الكافي 5 : 524.