قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة
والأعراب وأهل السواد والعُلُوج لأنهم إذا نُهوا لا ينتهون ».
وقال عليه السلام : « والمجنونة والمغلوبة على عقلها ، ولا بأس بالنظر إلى
شعرها وجسدها مالم يتعمد ذلك » (1).
والنظر الجائز مختصّ بنظر الرجال إلى الأصناف المذكورة من النساء ،
وان لا يكون نظر شهوة وتلذذ ، ولا يجوز تعميم الحكم للنساء المسلمات
بأن ينظرن إلى رجال أهل الكتاب.
ثالثاً : استثناء بعض الحالات :
المحرّم في الشريعة يصبح جائزاً عند الضرورة ، فالنظر المتبادل بين
الرجل والمرأة سواء كان متوالياً أو متقطعاً يكون جائزاً في حال
الضرورة(2).
والضرورة قد تكون حاجة مخففة ، وقد تكون ضرورة شديدة ، وجواز
النظر عند الحاجة يكون مختصاً بالنظر إلى الوجه واليدين ، والحاجة مثل
الشهادة للمرأة أو عليها ، فلابدّ من رؤية وجهها ليعرفها (3).
وجواز النظر للحاكم والقاضي من أجل التعرف عليها للمثول أمامه أو
الحكم عليها (4).
1 ـ الكافي 5 : 524.
2 ـ اللمعة الدمشقية : 183. وجواهر الكلام 29 : 89.
3 ـ المبسوط 4 : 161. والحدائق الناضرة 23 : 63.
4 ـ المبسوط 4 : 161.
(132)
وجواز النظر لمن أُريد التعامل معها في بيع وشراء واجارة وغير ذلك
من أنواع المعاملات (1).
والضرورة تبيح جميع المحظورات حتى النظر إلى جسد المرأة ،
وأفضل مصداق للضرورة هو حالات العلاج التي قد تكون على أيدي
الرجال في حال الاضطرار أو عدم وجود المثل ـ أي المرأة ـ التي تقوم
بنفس دور الطبيب من الرجال ، ويشمل ذلك جميع حالات العلاج
ومايتوقف عليه من (فصد وحجامة ومعرفة نبض العروق ونحو ذلك) (2).
وعند الضرورة يجوز النظر إلى أي موضع لا يمكن العلاج إلاّ بعد
الوقوف عليه (3) .
روى أبو حمزة الثمالي ، عن الإمام محمد الباقر عليه السلام ، قال : سألته عن
المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسر أو جراح في مكان
لايصلح النظر إليه ، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له أن
ينظر إليها ؟ قال : « إذا اضطرت إليه فيعالجها إن شاءت » (4).
وهذا يعني جواز إجراء العمليات الجراحية من قبل الرجال للنساء ،
ومنها عملية الولادة حيث يطّلع الطبيب فيها على عورة المرأة ، وهذا
الجواز مشروط بالضرورة ، والضرورة تأتي بعد عجز النساء عن علاج
المرأة في الولادة ، أو عدم توفّر القابلة من النساء.
1 ـ المبسوط 4 : 161. والحدائق الناضرة 23 : 63. وجامع المقاصد 12 : 34.
2 ـ الحدائق الناضرة 23 : 63.
3 ـ راجع المبسوط 4 : 161.
4 ـ الكافي 5 : 534.
(133)
والقاعدة الكلية في النظر أنّه (يجوز نظر الرجل إلى مثله ما خلا العورة ،
والمرأة إلى مثلها كذلك ، والرجل إلى محارمه ما عدا العورة ، كل ذلك
مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في الزوجين) (1).
وشرط عدم التلذّذ والريبة نافذ الحرمة في جميع الحالات حتى في
النظر إلى المحارم كالاُخت والخالة والعمة وزوجة الأب ، وبعكسها في
النساء أيضاً ، كنظر الاُخت والخالة والعمة وزوجة الأب إلى مقابلها من
الرجال.
ويكره النظر إلى أدبار النساء من خلف الثياب ، وإذا كان هذا النظر
مصحوباً بالتلذّذ والريبة فهو حرام.
سُئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن هذا النظر فقال : « أما يخشى الذين
ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم » (2).
1 ـ الحدائق الناضرة 23 : 61.
2 ـ الكافي 5 : 520.
1 ـ حكم سماع صوت المرأة الأجنبية :
سماع صوت المرأة الأجنبية جائز من قبل الرجال ، وقد دلت السيرة
على جوازه ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما هو متواتر ـ كان يسمع صوت النساء ،
وكنّ يسألنه عن شؤون الدين ، وقد اشتهر عن الزهراء عليها السلام خطبتها في
المسجد النبوي الشريف ومعارضتها لأبي بكر وعمر في خصوص
الخلافة، وفدك (1).
والمحرّم من السماع هو السماع الموجب للّذة والفتنة (2).
ولذا حرّم الإسلام على المرأة ترقيق القول وتليين الكلام بالصورة التي
تثير الرجال ، أو يكون الكلام بنفسه مؤدياً للاثارة لاحتوائه على معانٍ
مثيرة ، فلا بدّ أن يكون الكلام مستقيماً بريئاً من الريبة موافقاً للدين (3).
قال تعالى : ( ... فلا تَخْضَعْنَ بالقولِ فَيَطمَعَ الَّذي في قَلبهِ مَرضٌ وقُلنَ قَولاً
مَّعرُوفاً ) (4).
1 ـ تاريخ الطبري ، أحداث سنة 11 هـ. والإمامة والسياسة. وتاريخ اليعقوبي. والكامل في التاريخ ،
أحداث سنة 11 هـ.
2 ـ الحدائق الناضرة 23 : 66 ـ 67. وجامع المقاصد 12 : 43.
3 ـ مجمع البيان 4 : 356.
4 ـ سورة الاحزاب : 33 / 32.
(135)
2 ـ حكم مصافحة المرأة الأجنبية :
يحرم مصافحة المرأة الأجنبية مباشرة ، ويجوز من وراء الثياب بأن
يكون عازلاً بين اليدين ، بشرط أن لا يغمز كفّها ، فان غمز الكفّ من
المحرمات ، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « لا يحلّ للرجل أن يصافح
المرأة إلاّ امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها : اخت أو بنت أو عمة أو خالة أو
ابنة أُخت أو نحوها ، فأمّا المرأة التي يحلُّ له أن يتزوجها فلا يصافحها إلاّ
من وراء الثوب ولا يغمز كفّها » (1).
فالمصافحة حرام بين الرجل والمرأة ، ويمكن للإنسان الذي يعيش في
أوساط الاختلاط أو في مجتمعات غير اسلامية أن يصافح من وراء الثياب
دفعاً للحرج الذي يواجهه.
3 ـ حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية :
حرّم الإسلام الاختلاء بالمرأة الأجنبية التي يحلُّ له أن يتزوجها ، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يخلون رجل بامرأة ، فإنّ ثالثهما الشيطان » (2).
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « فيما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعة على
النساء ... ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء » (3).
والاختلاء يعني الانفراد في مكان خالٍ من الناس في موضع واحد
لايصله أحد مع عدم الأمن من الفساد ، لأنّ الاختلاء يؤدي إلى إثارة
1 ـ الكافي 5 : 525. وجامع المقاصد 12 : 44.
2 ـ مستدرك الوسائل 14 : 266.
3 ـ الكافي 5 : 519.
(136)
الشهوة وتيسير مقدمات الانحراف ، وقد اعتاد البعض على ترك الأخ مع
الزوجة أو ابن الأخ مع زوجة العم أو ما شابه ذلك ، وهو من الاُمور التي
حرمتها الشريعة إلاّ في حالات الضرورة القصوى.
4 ـ حكم مشي المرأة في الطريق :
من الأفضل للمرأة أن لا تمشي وسط الطريق ، وإنّما في جانبه ، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ليس للنساء من سروات الطريق شيء ، ولكنها تمشي في
جانب الحائط والطريق » (1).
5 ـ حكم الدخول على النساء :
أوجب الإسلام الاستئذان في حالة دخول الرجل على المرأة ، قال
الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخل الرجال على
النساء إلاّ باذنهنَّ ».
وفي رواية (أن يدخل داخل على النساء إلاّ باذن أوليائهن) (2).
فالاستئذان واجب ، وهو حق شخصي للمرأة من جهة ، وهو يحول
عن الوقوع في ما هو حرام على الرجال من جهة أُخرى ، فطلب الإذن يتيح
للمرأة الفرصة لارتداء حجابها ، وبذلك يتجنب الرجل النظرة المحرمة.
ويجوز للعبيد المملوكين لمرأة معينة أو الأطفال الدخول على المرأة
المالكة في أي وقت ، لأنّ الاستئذان المتكرر يولّد الحرج في مسألة
1 ـ الكافي 5 : 518.
2 ـ الكافي 5 : 528.
(137)
الخدمة (1) ، واستثنى الإسلام ثلاث أوقات فلا يباح لهم الدخول إلاّ بعد
الاستئذان ، قال تعالى : ( يا أيُّها الذِينَ آمنُوا ليستَئذِنَكُم الذينَ ملكَت
أيمانُكُم والذِينَ لم يبلُغُوا الحُلُمَ مِنكم ثَلاثَ مَرّاتٍ مِن قَبلِ صَلاةِ الفَجرِ وحِينَ
تَضَعُونَ ثِيابَكُم مِن الظَهيرةِ ومِن بَعدِ صَلاةِ العِشَاءِ ثَلاثُ عَورَاتٍ لَّكُم لَيسَ
عَلَيكُم ولا عَليهِم جُناحٌ بَعدَهُنَّ طوَّافُونَ عَليكُم بَعضَكُم على بَعضٍ ) (2).
إمّا اذا بلغ الطفل الحلم فيجب عليه الاستئذان عند الدخول على أيّة
امرأة وإن كانت محرمة عليه قال تعالى : ( وإذا بَلغَ الأطفالُ مِنكم الحُلُمَ
فَليستأذِنُوا ... ) (3).
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « ومن بلغ الحلم فلا يلج على أُمّه ولا على
أُخته ولا على خالته ولا على سوى ذلك إلاّ بأذن ... » (4).
وقال عليه السلام : « يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ، ولا يستأذن الأب على
الابن ، ويستأذن الرجل على ابنته وأُخته إذا كانتا متزوجتين » (5).
فالاستئذان حقّ يجب العمل به ، لكي لا يفاجأ الداخل المرأة وهي في
حالة لم تكن متهيأة لاستقباله.
6 ـ حكم تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس :
خلق الله تعالى الإنسان ذكراً وأنثى ، ووضع لكل جنس خصوصياته
1 ـ مجمع البيان 4 : 154.
2 ـ سورة النور : 24 / 58.
3 ـ سورة النور : 24 / 59.
4 ـ الكافي 5 : 529.
5 ـ الكافي 5 : 528.
(138)
التي تميّزه عن غيره من الحركة والسكون ، ومن الاندفاع نحو ممارسة
معينة والانكماش عنها ، ولذا فمن الواجب على الجنسين أن يحافظ كل
منهما على خصوصياته المميزة له ، في كلامه وجلوسه ومشيته ولباسه
وعاداته وتقاليده ، لذا حرّم الإسلام تشبّه أحد الجنسين بالجنس الآخر ،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات
من النساء بالرجال » (1).
وتشديداً على الحرمة قال صلى الله عليه وآله وسلم : « اخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر
شيء » (2).
وأعراف المجتمع وتقاليده هي التي تشخص وتحدد طبيعة التشبّه ،
وهو قد يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر.
7 ـ حكم العلاقة مع الصبيان قبل البلوغ :
وضع الإسلام بعض الاُسس والقواعد السلوكية لوقاية الإنسان من
الانحراف ، وتهذيب ممارساته عن طريق التمرّن والتدريب ومجاهدة
النفس ، لتكون له حصانة من الانزلاق ، ولهذا وضع الإسلام أحكام
الاستحباب والكراهة لهذا الغرض ، فمن المستحسن للإنسان المسلم أن
يداوم على المستحبات ويتجنب المكروهات وإن كانت جائزة ، ومن هذه
المكروهات التي نهى عنها الإسلام هي تقبيل الصبي من قبل المرأة ،
وتقبيل الصبيّة من قبل الرجل من غير محارمه ، فهو مكروه إن كان بدون
شهوة ، ومحرّم إن كان بشهوة.
1 ـ علل الشرائع / الصدوق : 602 ، دار احياء التراث العربي ، ط2 ، بيروت 1385 هـ.
2 ـ علل الشرائع / الصدوق : 602 ، دار احياء التراث العربي ، ط2 ، بيروت 1385 هـ.
(139)
عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام : إنّ بعض بني هاشم دعاه مع
جماعة من أهله ، فأتى بصبيّة له ، فأدناها أهل المجلس جميعاً اليهم ،
فلمّا دنت منه سأل عن سنّها ، فقيل : (خمس سنين ، فنحاها عنه) (1).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « إذا بلغت الجارية ستّ سنين ، فلا
ينبغي لك أن تقبلها » (2).
وقال عليه السلام : «< إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبلها الغلام ، والغلام
لايقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين » (3).
فمن المستحسن عدم تعويد الصبيان على هذه الممارسات ، لكي لا
يشبّوا عليها لأنّهم سوف لا يجدون حرجاً منها عند بلوغهم ، وقد أثبت
الواقع صحة ذلك ، فكثير من الانحرافات عند البلوغ تكون مستشرية بين
النساء أو الرجال الذين واجهوا مثل هذه الممارسات في مرحلة الصبا.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين
1 ـ الكافي 5 : 533.
2 ـ تهذيب الأحكام 7 : 481. والكافي 5 : 533.
3 ـ وسائل الشيعة 20 : 230 / 25502.