كتاب تربية الطفل في الاسلام ::: 21 ـ 30
(21)
وشجّع الاِمام جعفر الصادق عليه السلام على التفاهم لُتجنب الخلافات الحادّة فقال : « خير نسائكم التي إنْ غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني » (1)
وعن الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته » (2)
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن الممارسات التي تؤدي إلى حدوث الخلافات فقال : (من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة اذا غاب عنها زوجها ، الحصان معه اذا حضر ، التي لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، فاذا خلا بها تمنعت تمنع الصعبة عند ركوبها ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً » (3)
ونهى صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن تكليف الزوج فوق طاقته فقال : « أيما أمرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ ان تتوب وترجع وتطلب منه طاقته » (4)
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المنّ على الزوج فقال : « لو أن جميع ما في الارض من ذهب وفضة حملته المرأة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوماً من الاَيام ، تقول : من أنت ؟ انّما المال مالي ، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس ، إلاّ ان تتوب وترجع وتعتذر الى
1 ـ مكارم الاخلاق 200.
2 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 277 / 4 باب حق الزوج على المرأة.
3 ـ مكارم الاخلاق 202.
4 ـ مكارم الاخلاق 202.


(22)
زوجها » (1)
     وحذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مواجهة الزوجة لزوجها بالكلام اللاذع المثير لاعصابه فقال : « أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه .. » (2)
     ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الهجران باعتباره مقدمة للانفصام وانقطاع العلاقات فقال : « أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدّرك الاسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع » (3) وهذه التوجيهات ان روعيت رعاية تامة فانها كفيلة بالح التوترات والتشنجات ، واذا لم يستطع الزوجان مراعاتها فالافضل ان يكون النقاش الحاد والمتشنج بعيداً عن مسامع الاطفال ، وان يكون تبادل النظرة السلبية ، وتبادل الاتهامات والاِهانات بعيداً عن مسامعهم ، وأنْ يوضّح للاطفال ان الخلافات شيء طبيعي ، وانهما لازالا يحبان بعضهم البعض ، ويجب عليهما حسم الخلافات وانهائها في أسرع وقت.

خامساً : التحذير من الطلاق
     حذّر الاسلام من الطلاق وانهاء العلاقة الزوجية للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الاطفال وعلى المجتمع ، فالطلاق مصدر القلق عند الاطفال ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي ،
1 ـ مكارم الاخلاق 202.
2 ـ مكارم الاخلاق 214.
3 ـ مكارم الاخلاق 202.


(23)
حيثُ ان الطفل بحاجة إلى الحب والحنان من كلا الوالدين على حدٍّ سواء ، بل ان التفكير المجرد بالطلاق يولد القلق والاضطراب في أعماقه ، فيبقى في دوامة من المخاوف والاضطرابات التي تنعكس سلبياً على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السوّية ، وقد وضع الاِسلام منهجاً في العلاقات وإدامتها للحيلولة دون الوصول إلى قرار فصم العلاقات الزوجية ، وتهديم الاسرة ، فحذّر من الطلاق في مواضع مختلفة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة » (1)
وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « ما من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض اليه من الطلاق وان الله يبغض المطلاق الذوّاق » (2)
وقال عليه السلام : « إنّ الله عزّ وجلّ يحب البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق ، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجل من الطلاق » (3)
وحثّ الاِسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق ، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة ، ودعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدي إلى الطلاق ، فأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالى : ( .. وعاشروهنّ بالمعروف فان كرهتموهنّ فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) (4)
1 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 278 / باب حق المرأة على الزوج.
2 ـ الكافي 6 : 54 / 2 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة ـ الذواق : السريع النكاح السريع الطلاق.
3 ـ الكافي 6 : 54 / 3 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة.
4 ـ النساء 4 : 19.


(24)
    وحثّ على الاصلاح واعادة التماسك الاسري ، قال الله تعالى : ( وإنْ امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما أن يُصلحا بينهما صُلحاً والصُّلحُ خيرٌ .. ) (1). فالصلح أولى من عدمه ، وبما ان القلوب ت المشاعر تتغير من وقت لآخر ومن ظرفٍ لآخر ، فإنّ الاِسلام حثّ على إجراء مفاوضات الصلح قبل القرار بالانفصال ، قال تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حَكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما إنّ الله كان عليماً خبيراً )2( وإذا لم تنفع كل محاولات الاصلاح وإعادة العلاقات إلى مجاريها ، وإذا لم تتوقف التشنجات والتوترات إلاّ بالطلاق ، فقد يكون الطلاق سعادة لكلا الزوجين ، ولكنّه يؤثر على نفسية الطفل ، وينعكس على سلوكه ، ولهذا منح الاسلام فرصة جديدة للعودة إلى الحياة الزوجية فأعطى للرجل حق العودة اثناء العدّة دون عقد جديد ، وبعد العدّة بعقد جديد وجعل للرجل حق العودة بعد الطلاق الاول والثاني ، فاذا لم تنجح محاولات إعادة العلاقة الزوجية ، وتمّ انفصالها ، يجب على الوالدين مراعاة مشاعر الطفل ومنحه الحنان والحب ، ويجب عليهما توفير كل الظروف التي تساعده على الايمان بسلامة أخلاق والده أو والدته ، حيثُ حرّم الاِسلام البهتان والغيبة وكشف المساوىء ، وبهذا الاسلوب يستطيع الطفل تحمّل صدمة الطلاق ، امّا اذا لم يُتّبع هذا الاسلوب وحاول كلٌّ من الوالدين كشف مساوىء الآخر أمام الطفل ، فانّ الطفل سوف يبغض الحياة ويحتقر نفسه ، وتنعكس على عواطفه اتجاه والديه فهو يحبهّما
1 ـ النساء 4 : 128.
2 ـ النساء 4 : 35.


(25)
ويبغضهما في آن واحد بعد اطلاعه على مساوئهما ، فيبقى يعيش في دوامة من القلق والاضطراب وتزداد همومه يوماً بعد يوم وتنعكس سلبياً على علاقاته الاجتماعية ، وعلاقاته الاسرية في المستقبل.

الفصل الثاني
المرحلة الاُولى : مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل
     حرص الاِسلام على العناية بالطفل ، والحفاظ على صحته البدنية والنفسية قبل ان يُولد بإعداد الاطار الذي يتحرك فيه ، وتهيئة العوامل اللازمة التي تقي الطفل من كثير من عوامل الضعف الجسدي والنفسي ، ابتداءً من انتقاء الزوج أو الزوجة ومروراً بالمحيط الاَول للطفل وهو رحم الام ، الذي يلعب دوراً كبيراً ومؤثراً على مستقبل الطفل وحركته في الحياة ، وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي :

أولاً : مرحلة ما قبل الاقتران
     أثبت الواقع الاجتماعي والواقع العلمي بدراساته المستفيضة الاَثر الحاسم للوراثة والمحيط الاجتماعي في تكوين الطفل ونشوئه ، وانعكاسات الوراثة والمحيط عليه في جميع جوانبه الجسدية والنفسية (1) فأغلب الصفات تنتقل من الاَباء والامهات والاجداد ا الابناء ، كالذكاء والاضطراب السلوكي وانفصام الشخصية والامراض
1 ـ علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 45 ـ 57 (دار العلم للملايين 1985 م ط11).

(28)
العقلية والانضباط الذاتي ، وصفات التسامح والمرونة ، فيكونون وسطاً مساعداً للانتقال أو يكون في الابناء الاستعداد للاتصاف بها ، إضافة إلى انعكاس العادات والتقاليد على الابناء ، نتيجة لتكرر الاعمال (1) ومن أكدّ الاِسلام على الزواج الانتقائي ، أي بانتقاء الزوجين من اسرة صالحة وبيئة صالحة.

1 ـ انتقاء الزوجة :
     راعى الاِسلام في تعليماته لاختيار الزوجة الجانبين ، الوراثي الذي انحدرت منه المرأة ، والجانب الاجتماعي الذي عاشته وانعكاسه على سلوكها وسيرتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين » (2)
     وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « تخيّروا لنطفكم فان العِرقَ دسّاس » (3)
     فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد على اختيار الزوجة من الاَُسر التي تحمل الصفات النبيلة ، لتأثير الوراثة على تكوين المرأة وعلى تكوين الطفل الذي تلده ، وكانت سيرته قائمة على هذا الاساس ، فاختار خديجة عليها السلام فأنجبت له أفضل النساء فاطمة عليها السلام ، وتبعه في السيرة هذه أهل البيت عليهم السلام فاختاروا زوجاتهم من الاَُسر الكريمة وإلى جانب الانتقاء على أُسس الوراثة ، أكدّ الاسلام على انتقاء الزوجة من المحيط الاجتماعي الصالح الذي أكسبها الصلاح وحسن السلوك ، فحذّر من المحيط غير الصالح
1 ـ علم النفس العام ، للدكتور انطون حمصي 1 : 94 ـ مطبعة ابن حبّان دمشق 1407 هـ.
2 ـ الكافي ، للكليني 5 : 332 / 2 باب اختيار الزوجة ـ دار التعارف 1401 هـ ط 3.
3 ـ المحجة البيضاء ، للفيض الكاشاني 3 : 93 ، جامعة المدرسين قم ط 2.


(29)
الذي تعيشه ، فحذّر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إياكم وخضراء الدمن .. المرأة الحسناء في منبت السوء » (1)
     وحذّر الاِمام الصادق عليه السلام من المرأة الزانية قال : « لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا » (2) والسبب في ذلك أنّها تخلق في ابنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح.
     وحذّر الاِمام الباقر عليه السلام من الزواج من المرأة المجنونة خوفاً من انتقال الصفات منها إلى الطفل ، فسئل عن ذلك فقال : « لا ، ولكن ان كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها » (3)
    وحذّر الاِمام علي عليه السلام من تزوّج الحمقاء لانتقال هذهِ الصفة إلى الطفل ، ولعدم قدرتها على تربية الطفل تربية سويّة فقال : « إياكم وتزويج الحمقاء فانّ صحبتها بلاء وولدها ضياع » (4)
    وأكدّت الروايات على ان يكون التدّين مقياساً لاختيار الزوجة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشجع على ذلك ، فقد أتاه رجل يستأمره في الزواج فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « عليك بذات الدين تربت يداك » (5)
    وقدّم الاِمام الصادق عليه السلام اختيار التدّين على المال والجمال فقال : « اذا
1 ـ مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 304 ـ منشورات الشريف الرضي1410 هـ ط2.
2 ـ مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 305 ـ منشورات الشريف الرضي 1410 هـ ط2.
3 ـ وسائل الشيعة ، للحر العاملي 20 : 85 / 1 باب 34 ـ مؤسسة آل البيت قم 1412 هـ ط1.
4 ـ الكافي 5 : 354 / 1 باب كراهية تزويج الحمقاء.
5 ـ الكافي 5 : 332 / باب فضل من تزوج ذات دين.


(30)
تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكّل إلى ذلك واذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال » (1)
    فالمرأة المنحدرة من سلالة صالحة ومن أسرة صالحة ، وكان التدّين صفة ملازمة لها ، فانّ سير الحركة التربوية يتقدّم أشواطاً إلى الاِمام ، وتكون تربيتها للاطفال منسجمة مع القواعد التي وضعها الاسلام في شؤون التربية ، فيكون المنهج التربوي المتبع متفقاً عليه من قبل الزوجين ، لا تناقض فيه ولا تضّاد ، وتكون الزوجة حريصة على إنجاح العملية التربوية وتعتبرها تكليفاً شرعياً قبل كل شيء ، هذا التكليف يجنبها عن أي ممارسة سلبية مؤثرة على النمو العاطفي والنفسي للاطفال.

2 ـ انتقاء الزوج :
     للاَب الدور الاكبر في تنشئة الاطفال وإعدادهم نفسياً وروحياً ، ولذا أكدّ الاِسلام في أول المراحل على اختياره طبقاً للموازين الاسلامية التي يراعى فيها الوراثة والمحيط الذي ترعرع فيه وما يتصف به من صفات نبيلة وصالحة ، لانه القدوة الذي يقتدي به الاطفال وتنعكس صفاته وأخلاقه عليهم ، اضافة إلى اكتساب الزوجة (الام) بعض صفاته واخلاقه من خلال المعايشة المستمرة. وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اختيار الزوج الكفؤ وعرفّه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار » (2). والكفؤ هو الذي ينحدر من سلالة صالحة وذو دين وخُلق سامٍ.
1 ـ الكافي 5 : 333 / 3 باب فضل من تزوج ذات دين.
2 ـ الكافي 5 : 347 / 1 باب الكفؤ.
تربية الطفل في الاسلام ::: فهرس