كتاب تربية الطفل في الاسلام ::: 41 ـ 50
(41)
والمؤانسة وموضع السكون اليها قضاء اللذة » (1)
    وحسن التعامل يكون بالسيرة الحسنة معها والرفق بها وإسماعها الكلمات الجميلة ، وتكريمها ووضعها بالموضع اللائق بها ، واعتبارها شريكة الحياة ، واشباع حاجاتها المادية والروحية ، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الاسلام ، وإشاعة جو المنزل بالسرور والبشاشة والمودّة والرحمة ، وإدخال الفرحة على قلبها ، والحفاظ على أسرارها الى غير ذلك من التعاليم التي أكدَّ عليها الاِسلام ، ومنها مساعدتها في بعض شؤون البيت التي لا تستطيع انجازها ، والصبر على بعض أخطائها ومساوئها التي لا تؤثر على نهجها الاِسلامي ، والتفاهم في حلّ المشكلات اليومية باسلوب لا يثير غضبها ، وتجنب كلّ ما يؤدي إلى الاضرار بصحتها النفسية كالغيرة في غير مواضعها ، والتعبيس في وجهها أو ضربها أو هجرها أو التقصير في حقوقها (2)
    فإذا حسنت المعاملة معها حسنت حالتها النفسية والروحية وانعكست على الجنين.
1 ـ تحف العقول ، للحرّاني : 188 ـ المطبعة الحيدرية النجف 1380 هـ ط5.
2 ـ ارشاد القلوب : 175 ، مكارم الاخلاق 245 ، الكافي 5 : 511 ، المحجة البيضاء 3 : 19.


(42)

(43)
الفصل الثالث
المرحلة الثانية : مرحلة ما بعد الولادة
     وهي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة ، وتعتبر أول محيط اجتماعي يحيط بالطفل ، لاَنّها الاساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل ، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي ، ولذلك ركّز المنهج الاسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذهِ المرحلة ، متمثلة بالقيام بالاعمال التالية :

أولاً : مراسيم الولادة :
     تبدأ مراسيم الولادة منذ اليوم الاَول إلى اليوم السابع من الولادة للحفاظ على صحة الطفل الجسدية والنفسية معاً ، فأول عمل يقوم به الوالدان هو إسماع الطفل اسم الله تعالى ، فعن الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ولد له مولود فليؤذن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى فانّها عصمة من الشيطان الرجيم » (1)
1 ـ الكافي 6 : 24 / 6 باب ما يفعل بالمولود.

(44)
     ولاَهمية الاَذان والاقامة في أُذن الطفل أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ضمن وصايا عديدة : « يا علي إذا ولد لك غلام أو جارية ، فأذّن في اُذنه اليمنى وأقم في اليسرى فانّه لا يضرّه الشيطان ابداً » (1)
     والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الارادة ، وهذه الوصايا وان لم يبحثها علماء النفس وعلماء التربية المعاصرين ، ولكنّها من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكررة لمن طبقها في منهجه التربوي ، مع مراعاة الوصايا الاخرى في جميع مراحل الطفولة.
     ويستحب تسمية الوليد بأحسن الاسماء ولا أحسن من اسم محمد وهو اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : « لا يولد لنا ولد إلاّ سميّناه محمداً فاذا مضى لنا سبعة أيام فان شئنا غيّرنا وان شئنا تركنا » (2)
     وأكدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذهِ التسمية بقوله : « من ولد له أربعة أولاد لم يسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني » (3)
     وكان الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام يحثون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالاسماء التالية : (عبدالرحمن ـ وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته محمد ، أحمد ، علي ، الحسن ، الحسين ، جعفر ، طالب ،
1 ـ تحف العقول : 17.
2 ـ الكافي 6 : 18 / 4 باب الاسماء والكنى.
3 ـ الكافي 6 : 19 / 6 باب الاسماء والكنى.


(45)
فاطمة) (1)
     ولم يشجعوا على الاسماء التالية : (الحكم ، حكيم ، خالد ، مالك ، حارث) (2)
     والاَسماء الحسنة تحصّن الطفل من السخرية والاستهزاء من قبل الاخرين ، فلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الاسماء المستهجنة.
     ومن مراسيم الولادة العقيقة وهي ذبح شاة في المناسبة ، وحلق رأس الطفل كما جاء في قول الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « عقّ عنه واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدّق بوزن شعره فضة » (3)
     والعقيقة التي هي مصداق للصدقة تمنع من البلاء وتقي الطفل من المخاطر ، ولعلّ فيها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم ان والديه قد اعتنوا به في ولادته ، وهي ذكرى حسنة عند من وصلته تلك العقيقة أو بعضها.
     ومن مراسيم الولادة الختان ، قال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « اختنوا أولادكم لسبعة أيام فانه أطهر وأسرع لنبات اللحم ... » (4)
1 ـ الكافي 6 : 19 باب الاسماء والكنى.
2 ـ الكافي 6 : 21 باب الاسماء والكنى.
3 ـ الكافي 6 : 27 / 1 باب انه يعق يوم السابع للمولود.
4 ـ الكافي 6 : 34 / 1 باب التطهير.


(46)
ثانياً : التركيز على حليب الام
     الحليب هو المصدر الاساسي والوحيد لتغذية الطفل في الاشهر الاولى من حياته ، وأفضل الحليب حليب الاَُم لاَنّ عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل ، والام أفضل من تمنحه الحنان والدفىء العاطفي بدافع غريزة الامومة التي أودعها الله تعالى في المرأة ، حيثُ (تصب ركائز مشاعر الطفل وأحاسيسه من أولى أيام الرضاع) (1)
     وتتوثق أواصر المحبة بين الطفل وأمه عن طريق الرضاعة ، فيكون الطفل أقل توتراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً (2)
     وجاءت روايات أهل البيت عليهم السلام ووصاياهم مؤكدّة على التركيز على حليب الاَم ، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه » (3)
     فحليب الاَُمّ أفضل غذاء للطفل من الناحية العلمية اضافة إلى أنَّ عملية الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالامان والطمأنينة والرعاية ، وفي الحالات الاستثنائية التي تعيق عملية الرضاعة بسبب قلة حليب الام أو مرضها أو فقدانها بطلاق أو موت ، أكدّ أهل البيت عليهم السلام على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، قال أمير
1 ـ الطفل بين الوراثة والتربية ، لمحمد تقي الفلسفي 2 : 82 عن كتاب عقدة الحقارة 9.
2 ـ قاموس الطفل الطبي : 11 ـ 16.
3 ـ الكافي 6 : 40 / 1 باب الرضاع.


(47)
المؤمنين عليه السلام : « انظروا من ترضع أولادكم فان الولد يشبُّ عليه » (1)
     فالحليب ونوعية المرضعة يؤثر على الطفل من ناحية نموه الجسدي والنفسي. وقد أثبتت التجارب صحة تعاليم أهل البيت في هذا المجال.
     وهنالك مواصفات عند المرضعة حبذها أهل البيت عليهم السلام في الاختيار.
     قال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فان اللبن قد يعدي » (2)
     وقال : « عليكم بالوضاء من الظّؤرة فان اللبن يعدي » (3)
     وجاء النهي عن استرضاع الطفل عند بعض المرضعات ، فنهى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام عن الاسترضاع عند المجوسية ، فعن عبدالله بن هلال قال : سألته عن مظائرة المجوسي ، فقال : « لا ، ولكن أهل الكتاب » (4)
     وجعل الاسترضاع من الكتابيات مشروطاً بمنعهنّ من شرب الخمر : فقال عليه السلام : « اذا أرضعن لكم فامنعوهنّ من شرب الخمر » (5)
     وعن علي بن جعفر عن الاِمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال : سألته عن الرجل المسلم ، هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهنّ يشربن الخمر ؟ قال : « امنعوهنّ من شرب الخمر ، ما أرضعنّ لكم » (6)
1 ـ الكافي 6 : 44 / 1 من يكره لبنه ومن لا يكره.
2 ـ الكافي 6 : 44 / 12 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.
3 ـ الكافي 6 : 44 / 13 باب من يكره لبنه ومن لا يكره. الوضاءة : الحسن والنظافة.
4 ـ الكافي 6 : 42 / 2 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.
5 ـ الكافي 6 : 42 / 3 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.
6 ـ وسائل الشيعة 21 : 465 / 7 باب 76 من كتاب النكاح.


(48)
     ونهى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام من الاسترضاع من المرأة الزانية والتي تكوّن لبنها بسبب الزنا فقال : « لا تسترضعها ولا ابنتها » (1)
     وقال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ الي من لبن ولد الزنا » (2)
     والحكمة في النهي هو تأثير اللبن على طباع الطفل ، فالمرأة الزانية تعيش حالة القلق والاضطراب النفسي والشعور بالاثم والخطيئة من أول يوم انعقاد الجنين ، وتبقى على هذه الحالة في جميع فترات الحمل وفي أثناء الولادة ، وهذا القلق والاضطراب يؤثر في التوازن الانفعالي للطفل.
     وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوقاية من لبن البغيّة والمجنونة فقال : « توقوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة فان اللبن يعدي » (3)
     وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تسترضعوا الحمقاء فان الولد يشبّ عليه » (4)
     وقال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « إنّ علياً كان يقول : لا تسترضعوا الحمقاء ، فان اللبن يغلب الطباع » (5)
     ويؤكد علماء الطب على أن تكون الام مستريحة وهي تقوم بعملية الرضاعة ثم تمس برفق وجنة الطفل ، ويجب ألا تحاول الام إرغامه على
1 ـ الكافي 6 : 42 / 1 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.
2 ـ الكافي 6 : 42 / 5 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.
3 ـ مكارم الاخلاق : 223.
4 ـ مكارم الاخلاق : 237.
5 ـ مكارم الاخلاق : 237.


(49)
توجيه رأسه نحو ثديها لاَن ذلك يربكه ويحيره (1)
     ووضع أهل البيت عليهم السلام برنامجاً في اسلوب الرضاعة ومدتها ، وهو الرضاع من جهتين وإطالة مدتها إلى واحد وعشرين شهراً ، قال الاِمام جعفر الصادق لاَُمّ اسحاق بنت سليمان : « يا أمّ اسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً » (2)
     وقال عليه السلام : « الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جور على الصبي » (3)
     فطول مدة الرضاعة له تأثير ايجابي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل ، وهي أهم المراحل في البناء العاطفي للطفل حيثُ تحتضن الاَم طفلها وتضمه إلى صدرها ، فيشعر بالحنان المتواصل والدفىء العاطفي ، وفي هذا الصدد تقول عالمة النفس لويز كابلان : (إنّ الطفل الذي ينعم بحنان أمه المتدفق خلال العام الاَول والثاني من عمره يشعر بالامان ، وعادة لا يشعر بالقلق أو الخوف فيتصرّف بتلقائية عندما يبلغ سن الثالثة أو الرابعة ، والطفل الذي يشعر بالطمأنينة يتمتع بالثقة بالنفس ويتعامل مع الاخرين بسهولة ويندمج مع الاطفال في مثل عمره) (4). ومناغاة الطفل في هذه المرحلة ضرورية للطفل تؤثر على نموه اللغوي ونموه العاطفي في المستقبل ، فكانت فاطمة الزهراء عليها السلام تناغي الحسن عليه السلام وتقول :
         أشبه أباك يا حسن         واخلع عن الحق الرّسن
1 ـ قاموس الطفل الطبي : 33.
2 ـ الكافي 6 : 40 / 2 باب الرضاع.
3 ـ الكافي 6 : 40 / 3 باب الرضاع.
4 ـ قاموس الطفل الطبي : 257.


(50)
واعبد إلهاً ذا منن ولا توالِ ذا الاِحن

    وكانت تناغي الحسين عليه السلام :
أنت شبيهٌ بأبي لست شبيهاً بعلي (1)
    وأكدّ أهل البيت عليهم السلام كما تقدم على اقامة علاقات المودّة والحب بين الوالدين ، وتجنّب المشاكل التي تؤثر على الصحة النفسية لكليهما وللام على وجه الخصوص ، لانعكاس انفعالاتها المتشنجة واضطرابها النفسي على الطفل في مرحلة الرضاعة. وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت عليهم السلام بالاهتمام بغذاء الاَم المصدر ، الاساسي لتكوين الحليب من حيثُ الكمية والنوعية ، وكان التركيز على التمر في إطعام الاَم لتأثيره على الرضيع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب .. » قيل : يا رسول الله فان لم يكن أوان الرطب ؟ قال : « سبع تمرات من تمر المدينة ، فان لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم » (2)
     وأوصى الاِمام جعفر الصادق عليه السلام بأكل أحد انواع التمر وهو البرني فقال : « اطعموا البرني نساءكم في نفاسهنّ تحلم أولادكم » (3)
     وفي رواية عنه عليه السلام : « اطعموا نساءكم التمر البرني في نفاسهنّ تجمّلوا أولادكم » (4)
     ووضع أهل البيت عليهم السلام لائحة بالمواد الغذائية المهمة في النمو
1 ـ بحار الانوار 43 : 286.
2 ـ الكافي 6 : 22 / 4 باب ما يستحب ان تطعم الحبلى.
3 ـ الكافي 6 : 22 / 5 ما يستحب ان تطعم الحبلى.
4 ـ مكام الاخلاق : 169.
تربية الطفل في الاسلام ::: فهرس