والصحة (1)
فخبز الشعير وقاية من الامراض ، وسويق الحنطة ينبت اللحم ويشد
العظم ويسهل الهضم ، وسويق العدس يسكّن هيجان الدم ويقلّل من
حرارة الجسم ، واللحوم وخصوصاً لحم الدراج يقلل من الغضب ،
والهريسة تنشط الجسم وتمنحه الحيوية ، والزيتون يطرد الرياح ، والعنب
يقلل الغضب ، والسفرجل يقوّي القلب والخس يصفي الدم ، كما أكدوا
على العسل والبيض واللبن وسائر انواع الفواكه. وتنتقل فوائد هذه المواد
الغذائية من الاَم إلى الطفل عن طريق الحليب المتكوّن منها.
وخلاصة القول يجب الاهتمام بالاسترضاع من حليب الام ، فاذا تعذّر
فيجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الامراض الجسدية والنفسية ،
واذا تعذّر فتسترضع غير المؤمنة بشرط منعها من شرب الخمر وكل ما
يضرّ بصحة الطفل ، والاهتمام بالصحة النفسية للاَم والاهتمام بصحتها
الجسدية ، واشباع حاجتها إلى الطعام الضروري في انتاج الحليب النقي
والغني بالمواد الغذائية الضرورية لينعكس ذلك ايجابياً على صحة الطفل
النفسية والجسدية.
تبدأ مرحلة الطفولة المبكرّة من عام الفطام إلى نهاية العام السادس أو
السابع من عمر الطفل ، وهي من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل
اللغوي والعقلي والاجتماعي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي
تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من
الاَبوين إبداء عناية خاصة في تربية الاطفال وإعدادهم ليكونوا عناصر
فعّالة في المحيط الاجتماعي ، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة
ضمن المنهج التربوي التالي :
أولاً : تعليم الطفل معرفة الله تعالى
الطفل مجبول بفطرته على الايمان بالله تعالى ، حيثُ تبدأ تساؤلاته
عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به ، وان تفكيره
المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار
تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره
المحدود ، والايمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو
علماء نفس (من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل .. مما سوف
(54)
يعطيه الاَمل في الحياة والاعتماد على الخالق ، ويوجد عنده الوازع
الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم) (1)
والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن
منهج متسلسل متناسباً مع العمر العقلي للطفل ، ودرجات نضوجه
اللغوي والعقلي ، وقد حدّد الاِمام محمد الباقر عليه السلام تسلسل المنهج قائلاً :
« اذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له : قُلْ لا إله إلاّ الله سبع مرات ، ثم يترك
حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له : قُلْ محمد
رسول الله سبع مرات ، ويترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له : قُلْ سبع
مرات صلى الله على محمد وآله ، ثم يترك حتى يتم له خمس سنين ثم
يقال له : أيهما يمينك وأيُّهما شمالك ؟ فاذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى
القبلة ويقال له : اسجد ، ثم يترك حتى يتم له سبع سنين فاذا تم له سبع
سنين قيل له اغسل وجهك وكفيك فاذا غسلهما قيل له صلِّ ثم يترك ،
حتى يتم له تسع سنين ، فاذا تمت له تسع سنين علم الوضوء وضرب عليه
وأمر بالصلاة وضرب عليها فاذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجلّ له
ولوالديه انشاء الله » (2)
وقد أثبت علم النفس الحديث صحة هذا المنهج (2 ـ 3 سنوات ،
يكتسب كلام الطفل طابعاً مترابطاً ممّا يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه
لكثير من الاشياء والعلاقات ... وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادراً
على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة وهذا يمكنه من صنع
1 ـ قاموس الطفل الطبي : 294.
2 ـ من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 1 : 182 / 3 باب الحد الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ـ دار التعارف
للمطبوعات 1401 هـ.
(55)
جمل أولية وصحيحة) (1)
وتعميق الايمان بالله ضروري في تربية الطفل.
والطفل في هذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فيها
الايمان بالله تعالى ، يقول الدكتور سپوك : (إنّ الاساس الذي يؤمن به الابن
بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الاساس الذي يحب به الوالدان الله).
ويقول : (بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الابوين في كلِّ
شيء فاذا حدّثاه عن الله فانه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله
حرفياً) (2) والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً اِلى علاقات المحبة
والمودّة والرقّة واللين فيحب أو يفضّل (تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة
والحب والمغفرة إلى أقصى حدٍّ ممكن مع التقليل إلى أدنى حد من
صفات العقاب والانتقام) (3)
فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة
محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى انه مانح الحب والرحمة له.
واذا أردنا ان نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالافضل ان نركز على نعيم
الجنة بما يتناسب مع رغباته ، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك ، ونركز
على انه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الاسلامية ،
ويُحرم منها إنْ لم يلتزم ، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره.
1 ـ علم النفس التربوي ، للدكتور علي منصور 2 : 132 ـ 1407 هـ.
2 ـ مشاكل الاباء في تربية الابناء : 248.
3 ـ مشاكل الاباء في تربية الابناء : 251.
(56)
ثانياً : التركيز على حبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أدبّوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيكم ،
وحبّ أهل بيته ، وقراءة القرآن » (1)
في هذهِ المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والاحاسيس عند الطفل ،
من حب وبغض وانجذاب ونفور ، واندفاع وانكماش ، فيجب على
الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره
وعواطفه ، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية والمبادرة إلى
تركيز حبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحبّ أهل البيت عليهم السلام في خلجات نفسه ، والطريقة
الافضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع
وخصوصاً ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم ، ومعاناتهم وما تعرضوا له
من حرمان واعتداء ، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم ، مبغضاً لمن
آذاهم من مشركين ومنحرفين.
والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب
الله ، متطلعاً على ما جاء فيه وخصوصاً الايات والسور التي يفهم الطفل
معانيها ، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما
يسمعه ، وقدرته على الحفظ ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن
الكريم ، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه.
1 ـ كنز العمال 16 : 456 / 45409.
(57)
ثالثاً : تربية الطفل على طاعة الوالدين
يلعب الوالدان الدور الاكبر في تربية الاطفال ، فالمسؤولية تقع على
عاتقهما أولاً وقبل كلّ شيء ، فهما اللذان يحدّدان شخصية الطفل
المستقبلية ، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دوراً ثانوياً في
التربية.
والطفل اذا لم يتمرّن على طاعة الوالدين فانه لا يتقبل ما يصدر منهما
من نصائح وارشادات وأوامر إصلاحية وتربوية ، فيخلق لنفسه ولهما
وللمجتمع مشاكل عديدة ، فيكون متمرداً على جميع القيم وعلى جميع
القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قبل الدولة ومن قبل المجتمع.
قال الاِمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام : « جرأة الولد على والده في
صغره ، تدعو إلى العقوق في كبره » (1)
وقال الاِمام محمد بن علي الباقر عليه السلام : « ... شرّ الابناء من دعاه التقصير
إلى العقوق » (2)
وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهداً متواصلاً منهما على
تمرينه على ذلك ؛ لاَنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى
الاستقلالية الذاتية ، فيحتاج إلى جهد اضافي من قبل الوالدين ، وأفضل
الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان ، يقول
1 ـ تحف العقول : 368.
2 ـ تاريخ اليعقوبي 2 : 320.
(58)
الدكتور يسري عبدالمحسن : (أهم العوامل التي تساعد الطفل على
الطاعة .. الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كلِّ افراد الاسرة) (1)
ومن الوسائل التي تجعله مطيعاً هي اشباع حاجاته الاساسية وهي
(الامن ، والمحبة ، والتقدير ، والحرية ، والحاجة إلى سلطة ضاغطة) (2)
ويرى الدكتور فاخر عاقل هذه الحاجات بالشكل التالي (الحاجة إلى
توكيد الذات ، أو المكانة ، ان يعترف به وبمكانته ، وان ينتبه إليه ..
والحاجة إلى الاَمان والحاجة إلى المحبة والحاجة إلى الاستقلال) (3)
فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قبل والديه ، فانه يحاول
المحافظة على ذلك بإرضاء والديه وأهم مصاديق الارضاء هو طاعتهما.
فالوالدان هما الاساس في تربية الطفل على الطاعة ، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما » (4)
واسلوب الاعانة كما حددّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله عبداً أعان ولده
على برّه بالاحسان إليه ، والتألف له ، وتعليمه وتأديبه » (5)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله من أعان ولده على برّه ، وهو أن يعفو عن
سيئته ، ويدعو له فيما بينه وبين الله » (6)
1 ـ قاموس الطفل الطبي : 328.
2 ـ علم النفس ، لعبدالعزيز القوصي : 264.
3 ـ علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : 100 ـ 101.
4 ـ مستدرك الوسائل 2 : 618.
5 ـ مستدرك الوسائل 2 : 626.
6 ـ عدة الداعي : 61.
(59)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله من أعان ولده على برّه ... يقبل ميسوره ،
ويتجاوز عن معسوره ، ولا يرهقه ولا يخرق به ... » (1)
وحبّ الاطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما (2)
فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه ، فإنّ الطاعة
لهما ستكون متحققة الوقوع ، وعلى الوالدين أنْ يُصدرا الاوامر برفق ولين
بصورة نصح وإرشاد فان الطفل سيستجيب لهما ، أمّا استخدام التأنيب
والتعنيف فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية ، ولذا أكدّ علماء النفس والتربية
على التقليل من التعنيف كما جاء في قول أنور الجندي : (يقتصد في
التعنيف عند وقوع الذنب ، لانّ كثرة العقاب تهون عليه سماع الملامة
وتخفّف وقع الكلام في نفسه) (3)
وإطاعة الاوامر لا يجد فيها الطفل الذي حصل على المحبة والتقدير
أية غضاضة على حبه للاستقلال ، وبالمحبة التي يشعرها تتعمق في نفسه
القابلية على تقليد سلوك من يحبّهم وهما الوالدين ، فينعكس سلوكهما
عليه ، ويستجيب لهما ، فإنه اذا عومل كإنسان ناضج وله مكانة فانه
يستريح إلى ذلك ويتصرّف بنضج وبصورة لا تسيء إلى والديه ، فيتمرّن
على الطاعة لوالديه ، ومن ثم الطاعة لجميع القيم التي يتلقاها من والديه
أو من المدرسة أو من المجتمع.
1 ـ الكافي 6 : 50 / 6 بر الاولاد.
2 ـ علم الاجتماع ، لنقولا الحداد : 252 ـ دار الرائد 1982 م ط2.
3 ـ التربية وبناء الاجيال : 167.
(60)
رابعاً : الاِحسان إلى الطفل وتكريمه
الطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى المحبّة والتقدير من قبل الوالدين
وبحاجة إلى الاعتراف به وبمكانته في الاسرة وفي المجتمع ، وان تسلّط
الاضواء عليه ، وكلّما أحسَّ بانّه محبوبٌ ، وأنّ والديه أو المجتمع يشعر
بمكانته وذاته فانّه سينمو (متكيفاً تكيّفاً حسناً وكينونته راشداً صالحاً
يتوقف على ما اذا كان الطفل محبوباً مقبولاً شاعراً بالاطمئنان في
البيت) (1)
والحبُّ والتقدير الذي يحسّ به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب
حياته ، فيكتمل نموه اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي ، والطفل
يقلّد من يحبه ، ويتقبّل التعليمات والاَوامر والنصائح ممّن يحبّه ، فيتعلم
قواعد السلوك الصالحة من أبويه وتنعكس على سلوكه إذا كان يشعر
بالمحبة والتقدير من قبلهما.
وقد وردت عدة روايات تؤكد على ضرورة محبة الطفل وتكريمه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم » (2)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله عبداً أعان ولده على بِرّه بالاِحسان إليه والتألف
له وتعليمه وتأديبه » (3)
1 ـ علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط 1.
2 ـ مستدرك الوسائل 2 : 625.
3 ـ مستدرك الوسائل 2 : 626.