السادس تصبح عندهم (أعضاء التناسل منطقة مولدّة للذة) ثم تأتي بعدها
مرحلة الكمون (1)
ولهذا حذّر أهل البيت عليهم السلام من إثارة الطفل الجنسية في هذه المرحلة ،
وأفضل طريقة لابعادهم عن الاثارة الجنسية هو ابعاده عن رؤية المباشرة
بين الوالد والوالدة ، فعن الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : « قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي أمرأته ، وفي البيت
صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونَفَسَهُما ما أفلح أبداً ان كان غلاماً
كان زانياً ، أو جارية كانت زانية » (2)
وقال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : « لا يجامع الرجل امرأته ولا
جاريته ، وفي البيت صبي فان ذلك ممّا يورث الزنا » (3)
والطفل في هذه المرحلة يحاكي سلوك الابوين ويقلدّهم (فيعمل ما
يعمله أبواه) (4)
وبما ان (اللعبة المفضلة في تلك الاعمال هي لعبة العريس
والعروسة) (5)
لذا فإنّ الاطفال سيمارسون في لعبهم ما شاهدوه من ممارسات
جنسية من قبل الوالدين ، وقد يستمرّون عليها في مراحل العمر
1 ـ علم النفس العلاجي : 106.
2 ـ وسائل الشيعة 20 : 133 / 2 باب 67.
3 ـ وسائل الشيعة 20 : 134 / 7 باب 67.
4 ـ التربية وبناء الاجيال ، لانور الجندي : 166 ـ دار الكتاب بيروت 1975 م ط1.
5 ـ مشاكل الآباء : 205.
(82)
المتقدّمة.
فيجب على الوالدين التجنّب عن ذلك ، والتجنب عن مقدماته
كالتقبيل وغيره ومن الخطأ الفاحش الذي يقوم به بعض الوالدين هو
التحدث عن أمور الجنس أمام الاَطفال في بعض المناسبات ، فان ذلك
يدفع الاَطفال إلى زيادة فضولهم ، وعلى الوالدين ان يحتاطوا في إجراء
المباشرة حتى في حالة نوم الطفل خوفاً من استيقاظه فجأة ، فانّ ذلك
يولد في أعماقه صدمة نفسية تبقى كامنة في اللاشعور.
وعلى الوالدين ان يراقبوا سلوك أبنائهم وطريقة ألعابهم ، وخصوصاً
في أماكن اختلائهم بعضهم بالبعض الآخر.
ويجب على الوالدين وقاية الاطفال من الاِثارة الجنسية ، وهو التفريق
بينهم في حالة المنام ، بان توضع فاصلة بينهم فلا ينامون تحت غطاء
واحد بحيث يحتك جسم أحدهم بالآخر ، وقد وردت عدة روايات تؤكد
هذه الوقاية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يفرّق بين الصبيان في المضاجع لست
سنين » (1)
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم : « فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا
سبع سنين » (2)
والتفريق مطلق بين الذكور والذكور ، وبين الاناث والاناث ، وبين
الذكور والاناث.
1 ـ مكارم الاخلاق : 223.
2 ـ مكارم الاخلاق : 223.
(83)
وفي وقتنا الحاضر وبعد انتشار اجهزة السينما والتلفزيون والفديو
تكون الحاجة شديدة إلى ابعاد الطفل عن الاثارة الجنسية ، ويجب على
الوالدين في البلدان التي لا تتبنى الاِسلام منهجاً لها في الحياة ، وتعرض
الافلام المثيرة ، ان يقوما بجهدٍ اضافي في مراقبة الاطفال ووقايتهم من
النظر إلى هذه الاجهزة حذراً من مشاهدة الافلام غير المحتشمة ، وفي
الخصوص في البلدان التي ترى ان أفضل اسلوب لتحرير الاطفال من
الكبت المستقبلي هو عرض الافلام الجنسية ، وقد أثبت علماء النفس
والتربية صحة النظرية الاِسلامية في ذلك فالدكتور سپوك الامريكي يقول :
(ان النسبة المعتدلة من التحريم التي فرضت علينا جميعاً اثناء الطفولة
والتي نقلناها نحن بدورنا إلى ابنائنا ، تلعب دوراً ايجابياً ، في تحرير عقل
الطفل في اثناء سنوات الدراسة للتفرغ لاهتمامات غير ذاتية مثل الكتابة
والقراءة والحساب) (1)
ولذا نراه ينتقد الممارسات الخاطئة في أمريكا وهو عري الرجال
وعري النساء على الشواطىء الامريكية.
وخلاصة القول انّ على الوالدين ان يجيبوا على اسئلة الاطفال حول
مسائل الجنس بهدوء لا تزمّت فيه ، وان يبعدوهم عن الاثارة الجنسية
بمختلف الوانها واشكالها وخصوصاً في عصر السينما والتلفزيون
والفديو.
1 ـ مشاكل الآباء : 284.
(84)
تاسعاً : تنمية العواطف
العواطف من أهم دوافع الاِنسان للعمل ، وتبدأ العواطف كما تقدم منذ
الايام الاولى في مرحلة الرضاعة ثم تنمو بالتدريج حينما يتقدم الطفل في
العمر ، وحينما يتسع محيطه الاجتماعي ، ويتأثر نمو العواطف وتغيّرها
بالفكر الذي يؤمن به الطفل في حدود إدراكه العقلي ، فحينما يؤمن الطفل
بانّ اداء العمل الفلاني يرضي والديه أو يرضي الله تعالى فانه يندفع
لاَدائه ، والعكس صحيح ، ويمكن تقسيم العواطف إلى أربعة أقسام :
الفردية ، والعالية ، والاجتماعية ، والخلقية.
ونقصد بالعواطف الفردية هي العواطف التي تتعلق بذات الانسان
كحب التملك وحب الاستقلال وحب التفوق على الاخرين ، وحب
المكانة الاجتماعية واحترام الآخرين له ، وهي العواطف التي تجلب له
المنفعة الشخصية والذاتية.
والعواطف العالية هي العواطف التي تسمو بالطفل في حدود إدراكه
العقلي إلى المثل الاَعلى فتحبّب إليه الارتباط والتعلّق بالمطلق وهو الله
تعالى مصدر اللطف والانعام والرأفة والرحمة ، وتحبّب اليه الحقيقة
والخير ، وليس فيها تحصيل المنفعة الشخصية والذاتية.
والعواطف الاجتماعية هي العواطف التي تدفعه إلى الارتباط
بالآخرين ابتداءً بالوالدين والاخوة والاخوات والاقارب وانتهاءً بالمجتمع
والانسانية جمعاء.
(85)
والعواطف الخلقية هي العواطف التي تتعلق بالممنوع وغير الممنوع
من انواع السلوك ، كالتعلق بالصدق وترك الكذب ، وسائر الاخلاق
الممدوحة والمذمومة.
وأفضل الطرق والوسائل لتنمية العواطف عند الطفل من قبل
الوالدين ، إشعاره بالحب عن طريق إحاطته بالحنان والرأفة وإشباع
حاجاته المادية والروحيّة ، فاذا استشعر الطفل بذلك فانّه يرتبط ارتباطاً
عاطفياً بمصدر الحب والحنان وهما الوالدان فتزداد ثقته بهما وتقليدهما ،
والاستجابة أو الاقتناع بكل ما يطرحانه عليه من أفكار ومفاهيم ومثل ،
ويكون مستعداً للاستجابة إلى أوامرهم وتنفيذ ما يطلبانه منه ، فتصبح
لهما القدرة على الهيمنة على عواطفه ، وتوجيهها توجيهاً حسناً ، ومتابعة
خبراته ونشاطاته وخصوصاً أثناء اللعب ، فيتمّ لهما العمل على تنمية
عواطفه وتهذيبها بالصورة المنسجمة مع المفاهيم والقيم الصالحة وخلق
التوازن بين مختلف أنواع العواطف لديه ، وأهم العواطف التي يجب
تنميتها هي العاطفة نحو الله تعالى ، فتنمو عنده مشاعر الحب والثقة بالله
تعالى والتقديس له ، حينما يؤمن بان الله تعالى هو مصدر الانعام والرحمة
والمغفرة ، وانه تعالى خلق النعيم الدائم في الجنة للصالحين والمطيعين ،
ويجب على الوالدين تنمية عواطف الطفل اتجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر
الرسل والانبياء وأهل البيت عليهم السلام وأفضل طريقة في هذا المجال هي طريق
السرد القصصي الهادف ، والذي يحقق فائدتين :
الاُولى : تعميق حبّهم في قلبه.
والثانية : محاولة الاقتداء بهم بعد التعلق بسلوكهم في الحياة.
(86)
فتنمو في داخله العواطف المختلفة كحب الاخلاص وحب الكرامة
وحب الشجاعة والكرم والايثار وحب القيم والسلوك الصالح ، والابتعاد
عن كلِّ ما ابتعدوا عنه ، وتنمو عواطف البغض والكره والنفور من الذين
خالفوهم ووقفوا في مواجهتهم واجتناب سلوكهم في الحاضر أو في
المستقبل.
ومن الاساليب الاخرى لتنمية العواطف هو الارشاد والتوجيه
المستمرين ، حتى يفهم الطفل المسموح والممنوع من السلوك ، وكذلك
التشجيع على الارتباط والتعلق بالقيم والاعمال الصالحة ، والتشجيع على
ممارستها في الواقع ، فحينما يعطي شيئاً من ألعابه لطفل آخر يتم تشجيعه
على ذلك بالكلام الحسن ، وتعويضه بإهداء لعبة أُخرى له ، وحينما
يصدق في قوله ، أو يحترم الآخرين أو يرأف بالفقراء أو يساعد اخوانه أو
والديه في أداء بعض الاعمال يشجّع على ذلك بالمدح والثناء والاطراء
أمامه وأمام الاُسرة وأمام اقاربه وأصدقائه.
والتعامل مع الطفل كصديق يشجّعه على التعبير عن عواطفه ومشاعره
المكبوتة وهذا التعبير مفيد جداً في تحقيق التوازن العاطفي ، وتهذيب
العواطف غير المرضيّة.
ونحن نجد من خلال التجربة أنَّ الاسلوب القصصي من أفضل
الاساليب في تنمية العواطف ، وخصوصاً الاسلوب المنسجم مع إدراكه
وقدرته العقلية ، فيمكن أن نقصَّ عليه قصصاً عن الطيور والحيوانات
تتضمن القيم الصالحة والقيم الطالحة التي يتخذها الطير الفلاني أو
الحيوان الفلاني فتنمو عنده العواطف اتجاه العدل أو التعاون أو الايثار أو
(87)
القيم الاخلاقية الاخرى ، وتنمو عنده عاطفة حبّ المظلومين وبغض
الظالمين.
والقصص عن الطيور والحيوانات مرغوبة ومحبّبة لدى أطفال هذه
المرحلة ، فيستمعون اليها بشوق وتلهّف أكثر من القصص الواقعية ،
وتتضمن أحداثاً كثيرة تتوقف على خيال الوالدين في السرد القصصي ،
وتكون شاملة لاظهار جميع أنواع وأقسام العواطف.
عاشراً : الاهتمام بالطفل اليتيم
اليتيم بعد فقد والده أو والدته أو كليهما يشعر بالحرمان المطلق ،
حرمان من إشباع حاجاته العاطفية والروحية ، وحرمان من إشباع حاجاته
المادية كالحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس ، فتنتابه الهواجس
والمخاوف ، ويخيّم عليه القلق والاضطراب ، فالشعور بالحرمان من
العطف والحنان له تأثيراتها السلبية على كيان الطفل وعلى بناء الشخصية ،
ومن خلال متابعة الواقع الاجتماعي نجد ان أغلب الاَيتام الذين لم يجدوا
العناية والاهتمام من قبل الآخرين كانوا مضطربي الشخصية تنتابهم العقد
النفسية وسوء التوافق مع المجتمع الذي حرمهم من العناية والاهتمام ،
لذا أوصى الاِسلام برعاية اليتيم رعاية خاصة لا تقل ان لم تَزِدْ على الرعاية
الممنوحة للاطفال الآخرين ، فأكدَّ على اشباع جميع حاجاتهم المادية
والروحية ، وكانت الآيات القرآنية المختصة برعاية الايتام أكثر من الآيات
المختصة بعموم الاطفال.
وأول الحاجات التي أكدّ الاِسلام على اشباعها هي الحاجات المادية.
(88)
قال سبحانه وتعالى : ( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً
وأسيراً .. ) (1)
( ... أو اطعامٍ في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة ) (2)
( ... وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين ) (3)
وجعل الله تعالى لليتيم حقاً في أموال المسلمين ( واعلموا أنّما غنمتم
من شيء فانَّ لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ... ) (4)
وقال تعالى : ( قُل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والاقربين واليتامى
والمساكين ) (5)
ونهى تعالى عن التصرّف باموال اليتيم إلاّ بالصورة الاحسن التي
تجدي له نفعاً وربحاً ( ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ باللتي هي أحسن حتى يبلغ
أشدّه ) (6)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من عال يتيماً حتى يستغني ، أوجب الله له
بذلك الجنّة » (7)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من كفل يتيماً من المسلمين فأدخله إلى طعامه وشرابه ،
1 ـ الاِنسان 76 : 8.
2 ـ البلد 90 : 14 ـ 15.
3 ـ البقرة 2 : 177.
4 ـ الانفال 8 : 41.
5 ـ البقرة 2 : 215.
6 ـ الانعام 6 : 152.
7 ـ تحف العقول : 198.
(89)
أدخله الله الجنّة البتة ، إلاّ أن يعمل ذنباً لا يغفر » (1)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين ـ وهو يشير باصبعيه » (2)
وراعى المنهج الاِسلامي اشباع الحاجات المعنوية لليتيم كالاحسان
إليه والعدل معه.
قال سبحانه وتعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ الله
وبالوالدين احساناً وذوي القربى واليتامى والمساكين ... ) (3)
وقال تعالى : ( ... وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) (4)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « خيرُ بيتٍ من المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسن
إليه ، وشرّ بيتٍ من المسلمين بيتٌ فيه يتيم يساء اليه » (5)
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مداراة اليتيم والرفق به وتكريمه
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « حثّ الله تعالى على برِّ اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم ، فمن
صانهم صانه الله تعالى ، ومن أكرمهم أكرمه الله تعالى ، ومن مسح يده
برأس يتيم رفقاً به جعل الله تعالى له في الجنّة بكلِّ شعرة مرّت تحت يده
قصراً أوسع من الدنيا وما فيها ... » (6)
وشجّع الاِمام الصادق عليه السلام على التعامل مع اليتيم بحنان ورحمة فقال :
1 ـ مستدرك الوسائل 1 : 148.
2 ـ المحجة البيضاء 3 : 403.
3 ـ البقرة 2 : 83.
4 ـ النساء 4 : 127.
5 ـ المحجة البيضاء 3 : 403.
6 ـ المحجة البيضاء 3 : 403.
(90)
« ما من عبد يمسح يَدَه على رأس يتيم ترحمّاً له إلاّ اعطاه الله تعالى بكلِّ
شعرة نوراً يوم القيامة » (1)
ومن رعاية اليتيم معالجة المشاكل التي تواجهه والتي تسبب له الاَلم
والقلق والاضطراب ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اذا بكى اليتيم اهتزّ العرش على
بكائه فيقول الله تعالى : ياملائكتي اشهدوا عليّ أنَّ من أسكته واسترضاه
أرضيته في يوم القيامة » (2)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « اذا بكى اليتيمُ في الارض يقول الله من أبكى عبدي وأنا
غيّبت أباه في التراب فوعزتي وجلالي انّ من أرضاه بشطر كلمة أدخلته
الجنّة » (3)
ومن الوصايا بشؤون اليتيم إدخال الفرح على قلبه بإشباع حاجاته
المادية أو الروحية من احترام وتقدير ومحبّة أو مدح وتشجيع إلى غير
ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ في الجنّة داراً يقال لها دار الفرح لايدخلها إلاّ
من فرّح يتامى المؤمنين » (4)
ومن الاهتمام والعناية باليتيم هو القيام بتربيته تربية صالحة وإعداده
لان يكون عنصراً صالحاً في المجتمع ، قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام : « ادّب
1 ـ المحجة البيضاء 3 : 403.
2 ـ مستدرك الوسائل 2 : 623.
3 ـ مستدرك الوسائل 2 : 623.
4 ـ كنز العمال 3 : 170 / 6008.