كتاب تربية الطفل في الاسلام ::: 91 ـ 100
(91)
اليتيم بما تؤدّب منه ولدك ... » (1)
     فاليتيم الذي يحصل على العناية والرعاية والحب والحنان يشعر بالراحة والطمأنينة ويعيش سوّياً في عواطفه وفي شخصيته ، امّا في حالة الحرمان فانّه لا يصبح سويّاً وقد يلتقطه بعض المنحرفين فيوجهه الوجهة غير الصالحة فيصبح عنصراً ضاراً في المجتمع.
1 ـ الكافي 6 : 47 / 8 باب تأديب الولد.

(92)

(93)
الفصل الخامس
المرحلة الرابعة : مرحلة الصبا والفتوة
     تبدأ هذه المرحلة من نهاية العام السابع إلى نهاية العام الرابع عشر من عمر الطفل ، وهي مرحلة إعداد الشخصية ليصبح الطفل راشداً ناضجاً وعضواً في المجتمع الكبير ، وفي بداية هذه المرحلة أو قبلها بعامٍ ينتهي بالتدريج تقليد الطفل للكبار ويبدأ بالاهتمام بما حوله ، وتكون امكانياته العقلية قادرة على التخيّل المجرد ، وقادرة على استيعاب المفاهيم المعنوية.
     وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل بالتفكير في ذاته وينظر إلى نفسه انها كائن موجود مستقل ، له ارادة غير ارادة الكبار ، فيحاول أن (يتحدى وان يفعل ما يغيظ الاهل ليعلن انه كائن موجود مستقل) (1)
     ويحاول التأكيد على استقلاليته بشتى الوسائل والمواقف والتي تكون غالباً مخالفة لما ألفه في المرحلة السابقة ، فيختار كل ما يخصّه أو يتعلّق به باسلوبه الخاص وبالطريقة التي يفهمها ، فيكون له ذوق خاص في اختيار ملابسه ، والرغبة في اكتساب المهارات العقلية والعلمية بمفرده ،
1 ـ حديث إلى الامهات : 207.

(94)
    ويحاول إقامة علاقات اجتماعية مع بقية الاطفال بالطريقة التي يختارها.
     وهذه المرحلة هي من أهم المراحل التي ينبغي للوالدين ابداء عناية تربوية اضافية بالطفل لانّها أول المراحل التي يدخل فيها الطفل في علاقات اجتماعية أوسع من قبل ، وهي مرحلة الدخول في المدرسة.
     ومن العوامل المؤثرة في اعداد وبناء شخصية الطفل ، علاقاته مع والديه وباقي أفراد أُسرته ، هذه العلاقة بجميع تفاصيلها تؤدي إلى اتّصافه بصفات خاصة تصحبه حتى الكبر ، وللمدرسة ايضاً أثر عميق في شخصيته حيثُ يجد فيها اطفالاً من مختلف المستويات العلمية أكثر أو أقل منه ذكاءً أو أكثر أو أقل نشاطاً منه (فيباريهم أو يتغلب عليهم أو يخضع لهم فيؤثر ذلك في تكوين شخصيته) (1)
     وهنالك عوامل أُخرى مؤثرة في بناء الشخصية وهي مواصفات الجسم من حيثُ الطول والقصر ومن ناحية الضخامة والضعف ، ومن ناحية الصحة والمرض.
     ومن أهم العوامل الاَُخرى هو تأثير الافكار التي تعلمها الطفل في بناء شخصيته وفي هذه المرحلة تزداد حاجاته ، فيجب على الوالدين إشباعها ومنها (2)
     الدوافع الحيوية كالحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.
     والحاجة إلى السلامة النفسية والعاطفية والتحرر من القلق.
1 ـ علم النفس ، لجميل صليبا : 385.
2 ـ علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : 478 ـ 486.


(95)
    والحاجة إلى القبول من قبل المجتمع أثناء علاقته به.
     والحاجة إلى الاِهتمام به وتقدير مكانته.
     والحاجة إلى تعلم المهارات اللازمة للنجاح في الحياة الجديدة.
     ونضيف إلى ذلك الحاجة إلى فلسفة وأفكار ومفاهيم ملائمة لمستواه العقلي ، وهذه المرحلة هي مرحلة الحاجة إلى التربية المكثّفة والمتابعة المكثّفة ، مع ملاحظة الحاجة إلى الاستقلال المتولدة عند الطفل.
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الولد سيّد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين » (1)
     وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : « يرخى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً ويستخدم سبعاً » (2)
     وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدّب سبعاً والزمه نفسك سبع سنين » (3)
     فهذه المرحلة مرحلة تربوية شاقّة لرغبة الطفل في الاستقلال ، ولتوسع علاقاته خارج الاسرة ، فتحتاج إلى جهد متواصل في التربية والمراقبة في جميع ما يخصُّ الطفل ، في أفكاره وعواطفه وفي علاقاته ، وفي دراسته وتعلمّه ، وفي إشباع حاجاته المختلفة فهو بحاجة إلى التوجيه المستمر والارشاد والتعليم ، والمساعدة في رسم طريق الحياة وتحمّل ما يصدر
1 ـ مكارم الاخلاق : 222.
2 ـ مكارم الاخلاق : 223.
3 ـ مكارم الاخلاق : 222.


(96)
منه برحابة صدر وانفتاح مصحوباً بالحسم في كثير من الاحوال. وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي :

أولاً : تكثيف التربية
     التربية الصالحة وحسن الاَدب من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين ، وهي حق للطفل أوجبه الاِسلام على الوالدين ، والطفل في هذه المرحلة التي تسبق بلوغ سن الرشد بحاجة إلى تربيّة مكثّفة وجهد اضافي ، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : « وأمّا حق ولدك ... انك مسؤول عمّا وليته من حسن الاَدب والدلالة على ربّه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاَخذ له منه » (1)
     ولحراجة المرحلة التي يمرُّ بها الطفل فانّ الوالدين بحاجة إلى الرعاية الالهية للقيام بمهام المسؤولية التربوية ، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : « اللهّم ومُنّ عليّ ببقاء ولدي ... وربِّ لي صغيرهم ... وأصِحّ لي ابدانهم وأديانهم واخلاقهم ... واجعلهم ابراراً اتقياء بُصراء ... وأعنّي على تربيتهم وتأديبهم وبرِّهم ... واعذني وذريتي من الشيطان الرجيم » (2)
     وقد أكدّت الروايات على المبادرة إلى التربية وحسن الاَدب.
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أكرموا أولادكم واحسنوا آدابهم » (3)
1 ـ تحف العقول : 189.
2 ـ الصحيفة السجادية الجامعة : 128 ـ 129 مؤسسة الاِمام المهدي قم 1411 هـ ط1.
3 ـ مستدرك الوسائل 2 : 625.


(97)
    وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ للولد على الوالد حقاً ، وإنّ للوالد على الولد حقّاً ، فحقُّ الوالد على الولد أن يطيعه في كلِّ شيء ، إلاّ في معصية الله سبحانه ، وحقُّ الولد على الوالد أن يحسِّن اسمه ، ويحسِّن أدبه ، ويعلمّه القرآن » (1)
     والتربية في هذه المرحلة أكثر ضرورة من المراحل الاخرى ، لان فطرة الطفل في هذه المرحلة لا تزال سليمة ونقية تتقبّل ما يُلقى اليها من توجيهات وارشادات ونصائح قبل أن تتلوّث ويستحكم التلوث فيها ، فيجب على الوالدين استثمار الفرصة لاَداء المسؤولية التربوية.
     قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للاِمام الحسن عليه السلام : « ... وانّما قلب الحدث كالاَرض الخالية ما أُلقي فيها من شيءٍ قبلته. فبادرتك بالاَدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبُّك ، لتستقبل بجدِّ رأيكَ من الاَمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته .. » (2)
     وقال عليه السلام : « علمّوا انفسكم وأهليكم الخير وادّبوهم » (3)
    والمنهج التربوي المراد تحكيمه في الواقع هو المنهج الاِسلامي الذي يدور حول العبودية والطاعة لله تعالى في كلِّ شؤون الحياة.
     قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : « اعملوا الخير وذكّروا به أهليكم وأدّبوهم على طاعة الله » (4)
1 ـ نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح : 546.
2 ـ نهج البلاغة : 393.
3 ـ كنز العمال 2 : 539 / 4675.
4 ـ مستدرك الوسائل 2 : 362.


(98)
    وقال عليه السلام : « تأمرهم بما أمر الله به وتنهاهم عمّا نهاهم الله عنه ... » (1).
    وهذا الحديث جامع للقواعد الكلية التي تقوم عليها أعمدة المنهج التربوي السليم في كلِّ جوانب الحياة الفردية والاجتماعية ، العاطفية والروحية ، فإذا أبدى الوالدان عناية فائقة في العمل على ضوء المنهج التربوي فانّ الطفل سيكون عضواً صالحاً في المجتمع.
     وقد كان أهل البيت عليهم السلام قد أبدوا عناية خاصة بتربية أبنائهم في هذه المرحلة حتى أعدّوهم إعداداً متكاملاً فكانوا قمة ونموذجاً أعلى في كلِّ شيء ، فأمير المؤمنين عليه السلام تربّى في مرحلة الصبا في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ان يُبعث ، فآمن في اللحظات الاَُولى لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخلص في ايمانه وطاعته لله ولرسوله ، وكان قمة في الشجاعة والاقدام وفي التضحية والفداء وفي الكرم والتواضع والصدق وفي كلِّ الفضائل الخلقية ، وربّى عليه السلام بدوره أبناءه فكانوا على شاكلته في الارتقاء إلى القمة الشامخة في جميع المكارم والفضائل ، وهكذا كان بقية الاَئمة عليهم السلام.
     وتزداد مسؤولية الوالدين في التربية والتأديب كلمّا ابتعد المجتمع عن الاِسلام أو كان مجتمعاً اسلامياً في الظاهر ولم يتبنَّ الاِسلام منهاجاً له في الواقع العملي لتأثير العادات والتقاليد والافكار والمناهج التربوية غير السليمة على تربية الطفل وخصوصاً أجهزة الاعلام كالراديو والتلفزيون والسينما وغيرها.
     ويلحق بالتربية الروحية والنفسية والعاطفية ، شطرها الآخر وهو التربية
1 ـ بحار الانوار 100 : 74.

(99)
البدنية فهي ضرورية جداً للطفل للحفاظ على صحته البدنية واعداده للعمل البدني ، حيثُ حثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على التربية البدنية قائلاً : « علمّوا أولادكم السباحة والرماية » (1)
     وجعل الاِمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام حمل الطفل وتدريبه على الامور الشاقة من المستحبّات فقال : « تستحب عرامة الصبي في صغره ليكون حليماً في كبره » (2)
     والصحة البدنية لها تأثير واضح على الصحة النفسية كما هو مشهور عند علماء النفس والتربية (3)

ثانياً : المبادرة إلى التعليم
     التعليم في هذه المرحلة ضروري للطفل ، فهي أفضل مرحلة للمبادرة إلى التعليم ، لنضوج القوى العقلية عند الطفل ، وللرغبة الذاتية لدى الطفل في (اكتساب المهارة العلمية) (4)
     والطفل في هذه المرحلة لديه الاستعداد التام لحفظ كل ما يُلقى على مسامعه ، والتعليم في هذهِ المرحلة يساعد على رسوخ المعلومات في ذهنه وبقائها محفوظة في الذاكرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « مثل الذي يتعلّم في صغره كالنقش في الحجر » (5)
1 ـ الكافي 6 : 47 / 4 باب تأديب الولد.
2 ـ الكافي 6 : 51 / 2 باب 37 من كتاب العقيقة.
3 ـ علم النفس ، لجميل صليبا : 383.
4 ـ حديث إلى الامهات : 217.
5 ـ كنز العمال 10 : 294 / 29336.


(100)
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « حفظ الغلام كالوسم على الحجر » (1)
    ولضرورة تعليم الطفل أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوالدين به : « مروا أولادكم بطلب العلم » (2)
     وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعليم الطفل باباً من ابواب الرحمة الالهية للاَب فقال : « رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالاحسان إليه ، والتألف له وتعليمه وتأديبه » (3)
     والتعليم حق للطفل على والديه ، قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : « ...وأمّا حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه ... » (4)
     وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من حقِّ الولد على والده ثلاثة : يحسّن اسمه ويعلّمه الكتابة ، ويزوجّه اذا بلغ » ). (5)
     والتعليم على القراءة والكتابة في عصرنا الراهن تقوم به المؤسسات التعليمية وخصوصاً المدرسة ، ولكنّ ذلك لا يعني انتفاء الحاجة إلى الوالدين في التعليم ، بل يجب التعاون بين المدرسة والوالدين في التعليم.
     ويجب ان يكون التعليم غير مقتصر على القراءة والكتابة بل يكون
1 ـ كنز العمال 10 : 238 / 29258.
2 ـ كنز العمال 16 : 854 / 45953.
3 ـ مستدرك الوسائل 2 : 626.
4 ـ تحف العقول : 194.
5 ـ مكارم الاخلاق : 220.
تربية الطفل في الاسلام ::: فهرس