أربعين فمن أراد أن يدعو الله عزوجل ففي تلك الأربعين قبل أن
تخلق ثم يبعث الله عزوجل ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها الى الله
عزوجل فيقف منه ماشاء الله فيقول : الهي أشقّي ام سعيد ؟ فيوحى الله
عزوجل من ذلك ما يشاء ، ويكتب الملك فيقول اللهم كم رزقه وما أجله ؟ ثمّ
يكتبه ويكتب كلّ شيء يصيبه في الدنيا بين عينيه ثمّ يرجع به فيردّه في
الرحم فذلك الله عزوجل :(( مااصاب مصيبة في الأرض ولا في انفسكم
الا ّفي قبل أن نبرأها )).
نهج الفصاحة ص 260 حديث 1257 : عن رسول الله صلّى الله
عليه وآله قال : ثلاث من سعادة المرء المسلم في الدنيا الجار الصالح
والمسكن الواسع والمركب البهي.
ان الله تعالى وكّل بالرحم ملكا يقول : أي رب نطفة أي رب عقلة ، أي
رب مضغة ، فأذا أراد أن يقضي خلقها ، قال : أي رب شقي أو سعيد
ذكر أو انثى ؟ فما الرزق فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمّه.
هناك اشياء عزيزة ، كالدرهم والدينار مثلا ، فكثيرا ما يع ـ دو
الانسان بك قواه ليصطادهما ، فلا يقادان له ، ولا يعتكفان بساحته ،
واذا ضفر بهذين العزيزين ، تراه يصرفهما بكل سهولة ورغبة في
الأعزمنهما ، كأن لاعزّة لهما على طول الخط ... وهناك أشياء عزيزة
أيضا ، لكن لا كالدرهم والدنيار ، ولايجمعهما وجه شبه ابدا. منها:
الولد الرشيد ، المعين لأبويه على حروف الزمان ، والأخذ بايديهما
عند العجز والكبر ، فمثله النعمة الكبرى ، والجوهرة الثمينة ، بل انه
هو النفس العزيزة وأعّز منها. فيا أيها الأولاد كونوا للآباء عونا وزينا
حتى تعزوا في الدنيا والآخرة.
1 ـ قال الامام الصادق عليه السلام : ثلاثه اشياء في كل زمان عزيزة
وهي الاخاء في الله تعالى ، والزوجة الصالحة الاليفة تعينه في دين
الله عزّوجل : والولد الرشيد ، ومن وجد الثلاثة فقد اصاب خير
الدارين ، والحظ الأوقر من الدنيا والآخرة. الخ ، جاء في كتاب
مصباح الشريعه ، الباب الخامس والخمسون ص 36.
لابد لكل شيء من مقوّم ، فالفرد ـ مثلاً ـ لا يقوّمه الأّ النوع ، والنوع
لايقوّمه الاّ الجنس والفصل وهكذا. ولايوجد في الدنيا ما لا مقوّم له.
هكذا شاءت ارادة الله تعالى ، لذا نرى أن قوّام بعض الاشياء ببعض
بحيث لولا المقوّم ـ بكسره الواو ـ لما وجد المقوّم ـ بفتح الواة ـ.
1 ـ من ذلك قيل ان سبعه أشياء لاقوام لها الاّ بسبعة منها :
الولد بوالده ... معدن الجواهر ص 60.
الدنيا تعمّر بأشياء اهمها التناسل وبقاء النسل وتتبعها امور
لاتنفك عنها لتلازمها مع حياة الأفراد مثل الصنايع والمهن والعمارة
والعمل والكد والتجارة والفقر والغنى والحاجة والسلطان بمعنى
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا.
1 ـ قال احد العلماء : أن عمارة الدنيا منوطة بستة احوال : منها :
الحنو على الاولاد الذي لو زال من البشر لزال سبب التربية وكان في
ذلك الهلاك ... معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في ستة : ص 56.
1 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ياابا ذر :أن الله
يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته والدور
حوله ما دام فيهم .... بندهاي كرانمايه بيغمبر ص 38 الحديث 78
انّ ما يحرث الانسان في هذه الحياة ينتج له في هذه وفي
بعدها.
أما الذي ينتج في هذه ، فهو المال والولد. فاذا كان المال
من حلال فهنيئا له ما يستفيد منه.
وأما الذي ينتج له في تلك ، فهو العمل الصالح الذي قدّمه وزرعه
في دنياه.
وعلى هذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر :
1 ـ يا أباذر: حرث الآخرة العمل الصالح. حرث الدنيا المال
والبنون .... بندهاى كرانمايه بيغمبر ص 31 الحديث 58.
من الحالات النفسانية التى تعتري الانسان هي اللذه ، واللذة
لها شعب وموارد كثيرة لا تعد ، ومن مواردها المهمة لذّة الوالد من
الولد بقدّه وجماله وأدبه وكماله ونطقه ومشيه وريحه وخلقه وما
اشبه.
1 ـ لذا قيل : اطيب الروائح ريحان ، ريح جسد تحبه وريح ولد
تمرّ به .... معدن الجواهر باب ذكرما جاء في اثنين 29.
يهنأّ الانسان على نعم الله تبارك وتعالى ، وأي نعمه اكبر وأعظم
من ولد يهبه المولى الكريم جلّ جلاله لأبوين عطوفين حنينين ،
يتّبعا انفسهما في نشأه ونموهّ وتربيته ، ويخافا عليه من أصغر حادث
يريّبه اويؤذيه الى أن يبلغ أشدّه. فياليته يفطن ويبرّ بهما بعد تلك
التي مضت ، وهو يسير الى الرشد ، والتهاني تتر على أبويه.
1 ـ من أقوال امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قال : في
رجل هنّاه بولد شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب وبلغ اشدّه
ورزقت برّه ، جاء في كتاب درر الكلم ، حرف الشين بلفظ شكر ، ص 183.
الريحان زرع من الخضروات معطّر ، تميل اليه النفس وترتاح من
شمّهة الروح. والولد غصن شبّهوه بشطب الريحان ، فالأبوان لّما
ينظران الى ولدهما يستشمّا منه ما هو اعطر من الريحان في المعنة ونفوسهما ،
وما الذّ من أن يكبر الولد ويمشي أمام ابويه ـ لاسيما اذا
كان صالحا ـ فقد نقل أن رجلا جاء الى البيت الهاشمي يسئل عن
رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وكان بعده وفاته صلى الله
عليه وآله وسلم والرجل لايعلم فلما علم حزن حزنا شديدا ، فقال له
الحسين عليه السلام روحي فداه ، معناه : أتريد أتنظر الى من
يشبه الرسول صلى الله عليه وآله ، خلقا وخلقا ومنطقا ، فجاء به الى
أن أراه عليا الاكبر عليه السلام ، ففرح الرجل ، ثم سئله الحسين صلوات
الله عليه ، ايها الرجل ما الذّ اللذائذ ؟. فقال :أن يكون عندك ولد
كهذا فيمشي أمامك ، ثم قال الحسين عليه السلام ما أشدّ الأحزان فقال
فقدك كهذا الولد ، الى آخره ... لعن الله الظالمين لكم ياآل محمّد
صلوات الله وسلامه عليكم أجمعين الى يوم الدين.
1 ـ قال النبي العظم صلى الله عليه وسلم : الوالد ريحانة.
وريحانتاي الحسن والحسين عليهم صلوات الله تعالى ... غوالي
الدرر حرف الواو ، ص 168.
لاشكّ و لاريب في أن الانسان يأنس ببعض الأشياء المطبوعة ،
حيث تتماشى مع طبيعته ، كذلك لاشك في أن المطبوعات تختلف وتتمايز
عنده ، فبعضها تطابث ذوقه مأة بالمأة ، وبعضها الآخر أقل من
الأول ، وهكذا ، هذا كله من الغرائز الأولية والفطرية للبشر.
ثم ان الناس يختلفون حسب اختلاف أذواقهم ، فتري الشيء
المحبوب عند هذا لم يكن محبوبا عند الآخرين ، والمرغوب عند الآخر
لم يرغب فيه بعضهم ، والمثل السائر يقول : لولا اختلاف الأذواق
لبارت السلع.
ومن الجدير بالذكر : أنّه مع اختلاف اذواقهم ، وروحيّاتهم ، وأوضاعهم ،
وبيآتهم ، كلّهم وقد اتحدوا في أمر واحد ـ وحتى شاركهم
به الحيوانات - وهو الأنس بالولد ـ فالكبير والصغير ، والغني والفقير ،
والأبيض والأسود ، والشريف والوضيع ، كل يأنس بطفله ، ويراه ابدع المخلوقات .
يقال أنّه : قيل للغراب : جئنا بأجمل الفراخ ، فجاء بفرخه ، في
حين أن فرخ الغراب من اقبح الفراخ ، فقسّ على هذا : فعلل وتفعلل
1 ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ،
عن عمرو بن شمر ، عن جابر عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : أتى
(20)
رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال يا رسول الله أنّي
راغب في الجهاد ، نشيط ، قال : فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم :
فجاهد في سبيل الله فانك ان تقتل تكن حيّا عند الله ترزق وان
تمت فقد وقع أجرك على الله ، وان رجعت ، رجعت من الذنوب كما
ولدت ، قال : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله الكرام البرره ) ان لي
والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ، ويكرهان خروجي ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين : فقر مع والديك ، فو الذي
نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة .... الكافي
ج2، ص 128 ، باب البر ، الحديث 10.
الاثر الخالد في الولد والوالد ـ جلد الأوّل ::: فهرس