ان موضوع الاعالة موضوع مهّم جدّا ، وقد درسه وتدارسه علماء
الاقتصاد من زمن غير قريب ، ولهم فيه الكلام الطويل من نفض وابرام ،
ودفع ودخل ، فمنهم من اوجب النفقة ـ اي اعالة الاولاد ـ وهو ما
وافق الاحكام الاسلامية ، وطبعاً بحدود حّددها الشرع الشريف
ـ راجع كتاب النكاح في الفقه ـ ، وفهم من لا يوجبها ، بل يشكّلها ويعرفها
بشكل لا طائل بحته مهما بحثنا ونبحث. وانا اذ أسلمنا
وجهنا لله تعالى ، ما لنا وأقوال المخلوق له جل وعلا في امور قد
شرّع لها نهجا قويما مستقيما ، كما قد أعضينا عن التفلسف فيما وجب
علينا تعبدا.
1 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن احمد الوليد ( رض) قال :
حدثنا محمّد بن الحسن الصفّار قال : حدثنا محمّد بن عيسى بن عبيد
عن زكريا المؤمن ، رفعه الى ابي عبد الله الصلاة والسلام قال : من
عال ابنتين او اختين او عمتين او خالتين حجبتاه من النار.. الخصال
ص30 ، باب الاثنين ، الحديث 14.
من الواضع المهمّه في الشرع المقدّس ، هو موضوع النفقه ، وهذا
الموضوع الذي قد اقلق أدفعه المفكرين العصرييّن ، فانهم كلما
يحاولون أن يجعلوا النفقه كلّ على عاتقه ، ويقننوا بهذا الصدد قانونا
يرون العيب والنقص باوزان في يرمون اليه ، فان أيّ كفه يرجحونها
بتقى الأخرى موجوحه ، ويبان الخلل في دستورهم ، فلا مفّر الاّ الى
المشرّع الخالق ، ولا مناص الاّ الا لتجاء الى ما سنّه هو جلّت عظمته
فلن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنته الله تحويلا.
1 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن (رض) قالا : حدّثنا محمد
بن يحيى العطار ، واحمد بن ادريس جميعا عن محمد بن احمد ،
عن موسى بن عمر ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حريز عن أبي عبد الله
عليه الصلاة والسلام ، قال ( حريز ) قلت من الذي أجبر عليه وتلزمني
نفقته : قال عليه السلام : الوالدين ، الولد ، والزوجة ... الخصال ،
باب الاربعة ، ص201 ، الحديث 109.
2 ـ حدثنا محمد بن الحسن ( رض ) ، قال :حدثنا محمّد بن
يحيى العطار ، عن محمد بن احمد ، عن أبي اسحاق ابراهيم بن هاشم
عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي ، عن عدة من اصحابنا يرفعونه
(93)
الى أبي عبد الله عليه التحيّات الزاكيات من الله ، أنه قال عليه السلام :
خمسة لا يعطون من الزكوة ، الولد. والوالدين. والمرأة. والمملوك.
لأنّه يجبر (( الرجل )) على النفقه عليهم .... الخصال ، باب
الخمسة ، ص 234 ، الحديث 45.
3 ـ يسئلونك ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين و
الاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وما تفعلوا من خير فان
الله به عليم ( البقرة ـ 215 ).
لكل شيء ـ مهما صغر أو كبر ـ أثر ، والآثار تتعلق بالدنيا والآخرة ،
ومما روئي منه اعجب الآثار هو الدعاء ، فقد جرّب أن بعض
الأدعية تشقّ طريقها الى الاستجابة كالسيف الصارم ، كيف لايكون
كذلك والدعاء من البعض اقرب الى هدف الاستجابه.
1 ـ حفظ عنهم عليهم السلام : أن ستة لا تحجب لهم عن الله
تعالى دعوة : منهم الوالد البار لولده ، والولد الصالح لوالده ....
معدن الجواهر ، باب ما جاء في ستة ، ص 55.
2 ـ حدثنا ابو الحسين محمّد بن علي بن الشاة ، قال : حدثنا ابو
حامد احمد بن الحسين ، قال : حدثنا ابو يزيد احمد بن خالد
الخالدي ، عن محمد بن احمد بن صالح التميمي ، قال : حدثنا أبي ،
قال : حدثني انس بن محمد ابو مالك ، عن ابيه عن جعفر بن محمد ،
عن ابيه ، عن جدّه ، عن علي بن ابي طالب عليهم السلام ، عن النبي صلى
الله عليه وسلّم أنه قال : في وصيته له ، يا علي اربعة لا ترّد لهم
امام عادل ، ووالد لولده ، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب.
والمظلوم يقول الله جل جلاله وعزتي وجلالي لا نتصرّن لك ، ولو بعد
(95)
حين .... الخصال ، باب الاربعة ، ص 157 ، الحديث 4.
3 ـ عن (( الجعفريات )) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
: اياكم ودعوة الوالد ! فانها ترفع السحاب حتى ينظر الله
اليها ، فيقول : الىّ حتى استجيب له ، فايّاكم و دعوه الوالد فانها احد
من السيف ... ذرايع البيان ، ص 199 ، تكملة.
4 ـ عن ((الجعفريات)) عن الراوندي بسند طويل ، عن سلمة
بن وردان ، قالت : سمعت أنس بن مالك يقول : ارتقى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلّم المنبر درجة ، فقال : آمين. ثم ارتقى الدرج ـ ة
الثانية ، فقال : آمين. ثم ارتقى الدرجة الثالثة ، فقال : آمين. ثم
استوى فجلس. فقال اصحابه على ما أمّنت يا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلّم ؟ فقال : أتاني جبرائيل فقال : رغم أنف امرئ ذكرت عنده
فلم يصل عليك ، فقلت آمين. فقال : رغم أنف امرئ ادرك ابويه فلم يدخل
الجنّة فقلت آمين. فقال : رغم انف امرئ ادرك شهر رمضان فلم يغفر
له فقلت آمين .... ذرايع البيان ، ص 200 ، تكمله.
5 ـ قال سيد الانام صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلاث دعوات لا ترد
أ ـ دعوة الوالد لولده. ب ـ ودعوة الصائم. ج ـ ودعوة المسافر..
غوالي الدرر ، حرف الثاء ، ص 30.
6 ـ قال ايضا صلى الله عليه وآله وسلّم : دعاء الوالد لولده كدعاء
النبي لأمته .... المصدر السابق ، حرف الدال ص 60.
(96)
7 ـ وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ... ( بني اسرائيل ـ 24 )
8 ـ قال صاحب مجمع البيان : معناه أدع لهما بالمغفرة والرحمة
في حياتهما وبعد مماتهما جزاء لتربيتهما ايّاك في صباك ، وهذا
ان كانا مؤمنين ، وفي دلالة أنّ دعاء الولد لوالده الميّت مسموع
والاّ لم يكن للامر به معنى .... ج6 ، ص410 ، ذيل آيه ( وقل
رب ) من سوره بني اسؤائيل.
9 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ين عيسى ، عن معمّر بن
خلاّد ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلاة
والسلام والتحيات والبركات الى يوم الدين ، آمين ، ادعو لوالديّ اذا
كانا لا يعرفان الحق ؟. قال عليه السلام أدع لهما ، وتصدّق عنهما ،
وان كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما ، فان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلّم ، قال : ان الله بعثنى بالرحمه لا بالعقوق ... الكافي
ج2 ، ص127 ، باب البر ، الحديث 8.
هل يمكن لعبد يؤدي حقوق الله كما هو حقّه ؟ كلاّ ثمّ كلاّ. ولمّا
كان حق الوالدين مشتق من حق الله تبارك وتقدّس كيف يمكن اداءه !
وبغض النظرعن اداء الحق كلّه ، يظن أن لا يمكن اداء قسط ضئيل
منه ، فالويل كل الويل للذين لا يسعون في اداء هذا الحق العظيم.
1 ـ قال الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلوة والسلام : ب ـ رّ
الوالدين من حسن معرفة العبد بالله ، اذ لاعبادة اسرع بلوغا
لصاحبها الى رضا الله من بّرالوالدين المؤمنين لوجه الله تعالى ،
لأن حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى ، اذا كانا على منهاج
الدين والسنه ، ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله تعالى الى
طاعتهما (( معصيته خ ل )) ومن اليقين الى الشك ، ومن الزهد الى
الدنيا ، ولا يدعو أنهّ الى خلاف ذلك ، فاذا كانا كذلك ـ أي يدعوان
الى خلاف طاعة الله تعالى ـ فمعصيتهما طاعتهما معصية ، قال الله
تعالى وتقدّس : ( وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به
علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتّبع سبيل من أناب
الىّ ثم اليّ مرجعكم ) (( لقمان :15 ). جاء في كتاب مصباح الشريعة ،
الباب الثاني والسبعون ، ص 48.
2 ـ وأما في باب المصاحبة (( العشرة خ ل )) فقاربهما وارفق
(98)
بهما واحتمل اذا هما بحق (( بنحوخ ل )) ما احتملا عنك في حال
صغرك ، ولا تظيّق عليهما فيما قد وسّع الله عليك من المأكول والملبوس
ولا تحّول وجهك ((بوجهك خ ل )) عنهما ، ولا ترفع صوتك فوق
صوتهما ، فان تعظيمهما من أمر الله ، وقل لهما باحسن القول ، والطف
بهما فان الله لا يضيع اجر المحسنين.
3 ـ قال رسول الانسانية صلى اله عليه وآله وسلّم : ياعلي !
رضا الله من رضا الوالدين .... غوالي الدرر ، حرف الياء ص 172.
4 ـ قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا علي ! سخط الله في
سخط الوالدين .... نفس المصدر.
كما أن للوالد حق على الولد ، كذلك للولد حق على الوالد ، ولو
أن كلاهما عرف حق صاحبه وأدّاه لا زداد خيرهما وذهب عنهما ما
يسوئهما ، ولشملتها رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وما
المطلوب سواها.
1 ـ ثم من حق الولد على الوالد ما قاله أحد الحكماء : اعلم أن
لولدك عليك سبعة حقوق : تتخيّر أمة ، واسمه ، وظئره ( المرضعة ) ، وتعلّمه
كتاب الله عزوجلّ ، والخط ، والحساب ، والسباحة .... .
معدن الجواهر ، باب ما جاء في سبعة ، ص 61.
2 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : حق الولد على الوالد
أن يحسن اسمه .... غوالي الدرر ، حرف الحاء ، ص49.
من الفرائض ما لا مانع من مبادلتها بغيرها ، مثل خصال كفّارة
الصوم مثلا. فالمكلّف ان عجز عن صوم شهرين متتابعين ، له أن يتدّلها
بالعتق او الاطعام. ومنها مالا مجال لتبديلها مع بقاء عنوانها الأولى
كما أن للفرائض درجات وأحجام ، فمنها ما تكن صغيرة ومنها ما تكن
اكبر ، ومن كبرائها برّ الوالدين التى لا تتبدل بغيرها من البرّ و
الحسنات.
1 ـ من كلمات مولانا امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أنه قال
بر الوالدين اكبر فريضة جاء في كتاب درر الكلم.
2 ـ وقال تعالى : وبالوالدين احسانا ... النساء آ ية 36 ...
والبقرة آيه 83.. والأنعام آية 151. والاسراء آية 23.
3 ـ قال شيخنا العلامة المجلسي (( ره )) في ج 16 ص 14 من
( بحارالانوار ) نقلاعن الكافي مسندا عن على بن ابراهيم وابن
محبوب وأبي ولاد الحنّاط ( رض ) أنه قال : سألت ابا عبد الله عليه
السلام عن قول الله عزوجل ( وبالوالدين احسانا ) ما هذا
الاحسان ؟ فقال عليه السلام : الاحسان ، ان تحسن صحبتهما وأن